الفصائل الفلسطينية تنشر مئات العناصر الأمنية في مخيمات اللاجئين بعد وصول التمويل

بعد 8 أشهر على نجاح تجربة مخيم «عين الحلوة» في صيدا جنوب لبنان، بانتشار قوة أمنية فلسطينية مشتركة للحفاظ على استقراره، أطلقت اللجنة الأمنية الفلسطينية العليا المشرفة على أمن المخيمات، أمس الثلاثاء، قوة أمنية مشتركة في مخيم «المية ومية» الواقع أيضا في الجنوب، على أن تباشر قوى مماثلة مهامها في مخيمات بيروت وبالتحديد في مخيمي «برج البراجنة» و«شاتيلا» خلال أيام.
ونجح قادة الفصائل الفلسطينية طوال السنوات الأربع الماضية في تجنيب المخيمات اللبنانية الانجرار إلى أتون الحرب السورية، على الرغم من توجه عدد لا بأس به من اللاجئين الفلسطينيين للقتال هناك. وتوج هؤلاء نجاحاتهم في يوليو (تموز) الماضي بنشر 150 عنصرا مسلحا و50 ضابطا يمثلون جميع التنظيمات ويتولون حفظ الأمن في مخيم. إلا أن التحديات الأمنية عادت تطرق أبواب مخيمات الجنوب بعيد المعارك التي شهدتها مدينة طرابلس الشمالية في شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي بين مسلحين متطرفين وعناصر الجيش، وما حكي عن فرار عدد من الرؤوس الإرهابية الكبيرة إليها وأبرزهم شادي المولوي والشيخ خالد حبلص وقبلهما الشيخ أحمد الأسير والفنان المعتزل فضل شاكر.
ويبلغ قوام القوة الأمنية التي انتشرت في «المية ومية» أمس، 50 عنصرا على اعتبار أن المخيم لا تتخطى مساحته النصف كيلومتر مربع، ولا يؤوي إلا 5 آلاف لاجئ، بخلاف «عين الحلوة» الذي تبلغ مساحته كيلومترا واحدا ويتخطى عدد سكانه 100 ألف.
وأشار نائب قائد القوة الأمنية في المخيمات الفلسطينية اللواء منير المقدح إلى أنه وخلال أيام قليلة، سيتم إطلاق قوى أمنية مماثلة في مخيمي «شاتيلا» و«برج البراجنة» في العاصمة بيروت، موضحا أن «كل هذه الإجراءات تتخذ بالتنسيق التام مع الجيش اللبناني والأجهزة الأمنية، فتحدد الأولويات بعد نقاشات مستفيضة بين الطرفين اللبناني والفلسطيني». وقال المقدح لـ«الشرق الأوسط» إنه سيتم خلال أسبوع تعزيز القوة الأمنية الموجودة في «عين الحلوة» بالكثير، كما سيصار إلى استحداث مراكز جديدة وحواجز عند مداخل المخيم.
وأوضح المقدح أن كل ما طلبه قياديو «فتح» في لبنان من الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن) لجهة التمويل والدعم لنشر القوى الأمنية في كل المخيمات، تمت تلبيته، لافتا إلى أن حركة «فتح» تتولى 70 في المائة من مصاريف هذه القوى، فيما تدفع حركتا «الجهاد» و«حماس» 30 في المائة من المصاريف.
وكانت الاهتمامات تركزت في الأسابيع الماضية على «عين الحلوة» بعد إطلالة المعتزل والمطلوب للسلطات اللبنانية فضل شاكر من داخله، وما تردد عن وجود المولوي وغيره من المطلوبين أيضا داخل المخيم. وتضاعفت المخاوف إثر التصريحات المتتالية لوزير الداخلية نهاد المشنوق التي تلت التفجير الانتحاري المزدوج الذي استهدف منطقة جبل محسن العلوية شمالي البلاد في شهر يناير (كانون الثاني) الماضي، التي تحدث فيها عن مربع موت جديد لـ«داعش» يمتد بين جرود بلدة عرسال اللبنانية ومخيم عين الحلوة وسجن رومية (شرق بيروت) إلى العراق والرقة.
ولم يعلن «داعش» حتى الساعة عن أي وجود رسمي له في لبنان أو «عين الحلوة»، وهو يعتمد، على ما يبدو، على تنظيمات ومجموعات متطرفة بعيدة عن الضوء كجماعة «الشباب المسلم» التي تضم أعضاء من تنظيم «فتح الإسلام» المتطرف الذي خاض في عام 2007 مواجهات دامية مع الجيش اللبناني في مخيم نهر البارد شمال البلاد.
ورفض المقدح الخوض في أي تفاصيل عن وضع شاكر أو المولوي أو غيرهما من المطلوبين، مؤكدا أنه «يتم حل هذه الملفات بكثير من التكتم مع قيادة الجيش». وقال: «ستكون هناك أخبار جيدة في هذا الخصوص قريبا.. وما نشدد عليه أن المخيمات لن تكون بؤرا أمنية؛ بل كما أثبتت في السنوات الـ4 الماضية ستبقى صمام أمان وعاملا إيجابيا يطمئن اللبنانيين».
ويرتدي عناصر القوى الأمنية الفلسطينية زيا عسكريا موحدا ويحملون أسلحة خصصتها لهم الفصائل التي ينتمون إليها. وقد أثار انتشارها بشكل منظم في المخيمات مخاوف لدى بعض اللبنانيين من تحولها إلى جيش فلسطيني منظم، باعتبار أن المخيمات الفلسطينية في كل المناطق اللبنانية عبارة عن مساحات خارجة عن سلطة الدولة، تتولى الفصائل الفلسطينية إدارتها.
وعلى الرغم من مرور أكثر من 25 عاما على انتهاء الحرب الأهلية اللبنانية، فإن المخاوف من دخول العنصر الفلسطيني على الخط في أي مواجهات داخلية لبنانية – لبنانية، تبقى قائمة، باعتبار أن ما يفوق 500 ألف لاجئ يعيشون في لبنان منذ عام 1948 أضيف أخيرا إليهم مليون لاجئ سوري، مما يضع التوازنات اللبنانية الهشة في دائرة الخطر.