وسط المناخ المتردي الذي يعيشه اتحاد الكتاب المصريين يبدو السؤال ملحا، حول أهميته، والمشاكل التي يعاني منها، وسبل حلها، وهل يمكن مع هبوب رياح التغيير في المجتمع في أعقاب ثورتين شعبيتين أن تضخ في شرايينه دماء جديدة؟
حرب دعاية، و«تربيطات» وكتل انتخابية ترافقها شعارات طنانة، وبيانات صاخبة يعيشها اتحاد الكتاب المصري منذ عدة أشهر، توطئة لسباق التجديد النصفي الذي يتبارى 86 مرشحا يتنافسون على 15 مقعدا في انتخابات التجديد النصفي لمجلس إدارته التي تجري وقائعها الجمعة المقبل.
في غبار هذا المشهد، يبرز في ذاكرة الاتحاد عام 1997، كنقطة مفصلية، حيث كون مجموعة من الكتاب المصريين كتيبة ثقافية بقيادة الكاتب الراحل سعد الدين وهبة، أخذت على عاتقها مهمة تغيير اتحاد الكتاب حتى يكون نافذة حقيقية معبرة عنهم، تحفظ لهم حقوقهم في حرية الكتابة والتعبير، وتدافع عنهم من عثرات الحياة، وهو ما عرف إعلاميا وقتها بـ«عملية تطهير اتحاد الكتاب»، من جبهة الكاتب ثروة أباظة التي هيمنت على الاتحاد ومقدراته منذ نشأته في أعقاب مؤتمر الأدباء الشبان بمدينة الزقازيق في عام 1979، حيث كان مطلب إقامة «اتحاد كتاب» أحد شعارات المؤتمر الأساسية.
نجحت كتيبة التغيير التي ضمت نخبة من أبرز الكتاب، منهم إدوار الخراط، ومحفوظ عبد الرحمن، ووحيد حامد، في هزيمة جبهة ثروت أباظة وتفتيت أصواتها في انتخابات التجديد النصفي لمجلس إدارة الاتحاد المكون من 30 عضوا، وانتخب سعد الدين وهبة رئيسا للاتحاد، بينما توارى ثروت أباظة وما تبقى من جبهته في الظل. واستبشرت الحياة الثقافية خيرا، وبدأت بالفعل رياح التغيير تهب على الاتحاد، لكن مع موت سعد الدين وهبة، بعد عدة أشهر من توليه المنصب، تفتتت فكرة التغيير، وبحيل وتسميات عديدة، وصلت إلى التمسح بقناع التغيير نفسه، لكن كشعار فارغ من أي معنى حقيقي على الأرض، عادت جبهة ثروت أباظة للهيمنة على الاتحاد، ولتتوارى مع موت سعد الدين وهبة، الرجل القوي، محاولة التغيير الحقيقية لهذا الكيان الخامل، وتصبح مجرد ومضة خاطفة فوق رف التاريخ.
ومنذ تلك الفترة، وحتى الآن تعاقبت على رئاسة الاتحاد شخصيات نمطية، عمدت إلى الترقيع، وتجميل الصورة، كبديل عن أي تغيير حقيقي. ويرى كثير من الكتاب أن الإطاحة بالرئيس الحالي محمد سلماوي أصبحت ضرورة لإصلاح الاتحاد، ليأخذ دوره كطرف فاعل ومستقل في الثقافة المصرية، بعيدا عن عباءة المؤسسة الثقافية الرسمية (وزارة الثقافة)، والذي لم يسلم الاتحاد منذ تأسيسه من فرض وصايتها عليه بطرق ملتوية. ورفض سلماوي التعليق على هذه الاتهامات.
وشارك سلماوي في لجنة كتابة الدستور الجديد، وشغل منصب المتحدث الرسمي باسمها. واختير بالتذكية لمنصب رئيس اتحاد الكتاب، ولن يخوض انتخابات التجديد النصفي، ويبقى منصب رئيس الاتحاد معلقا بنتائج الانتخابات.
هذا المناخ المضطرب الرخو هو ما دفع الروائي بهاء طاهر للاستقالة من مجلس إدارة الاتحاد في مارس (آذار) عام 2000، محدثا هزة عنيفة في الوسط الثقافي حول طبيعة الاتحاد كمؤسسة ثقافية ومستقلة. ولفت طاهر وقتها إلى أن وجوده في مجلس إدارة الاتحاد لم يحقق ما كان يتمناه، في اتحاد قوي ومستمر وفعال.. وشهد العام نفسه استقالة الكاتبين جمال الغيطاني، وإبراهيم عبد المجيد من عضوية مجلس إدارة الاتحاد.
وتكررت مواقف الاتحاد السلبية خاصة في الدفاع عن حرية الإبداع والرأي والتعبير، بل إنه ترك عددا من أعضائه صرعى المحاكم والتهم الجائرة بازدراء الأديان، من قبل التيارات الإسلامية المتشددة، كما انحاز الاتحاد في يناير (كانون الثاني) 2001 تحت رئاسة الشاعر فاروق شوشة، إلى صف وزير الثقافة الأسبق فاروق حسني في أزمة مصادرة الروايات الثلاث الشهيرة التي نشرتها الهيئة العامة لقصور الثقافة، وأحدثت صدمة في الواقع الثقافي المصري، حيث أطيح بسببها برئيس الهيئة نفسه والمسؤولين عن السلسلة التي صدرت عنها الروايات، ومعظمهم كتاب وأعضاء بالاتحاد.
وسط هذا المناخ المتردي الذي يعيشه اتحاد الكتاب المصريين يبدو السؤال ملحا، حول أهميته، والمشاكل التي يعاني منها، وسبل حلها، وهل يمكن مع هبوب رياح التغيير في المجتمع في أعقاب ثورتين شعبيتين، أن تضخ في شرايينه دماء جديدة، تجعل منه اتحادا قويا يليق بمكانة مصر، ويحفظ لكتابها كرامتهم من السقوط في براثن العزلة والاكتئاب ويساعدهم من أجل العيش في ظل حياة آمنة.
يقول الكاتب والشاعر أحمد سراج، أحد المرشحين للتجديد النصفي، في إطار قائمة جماعية من 13 عضوا أطلقوا عليها «قائمة التغيير»: «هناك معضلة شديدة الخطورة في التعامل مع اتحاد كتاب مصر؛ فهو الكيان الوحيد المعترف به داخل مصر وخارجها، وهو نقابة يفترض أن تؤدي لأعضائها خدمات مميزة تسهم في إراحتهم والتيسير عليهم ومساعدتهم في مجابهة الصعوبات. لكن يتعرض الاتحاد لمحاولات من التدجين بشكل يسلبه أدواره جميعها. ومن كثرة ما تعرض ومن كثرة مواقفه الغريبة بات لدينا خيارات ثلاثة؛ إصلاحه أو إغلاقه أو إنشاء كيان بديل.. واختياري هو الأول: الإصلاح».
ويرى سراج أن «آفة الاتحاد هي بقاء محمد سلماوي رئيسا له؛ لأسباب يصعب حصرها، وحلها أولا في الإطاحة به أو مطالبته بألا يترشح من الأساس»، لافتا إلى أنه لا يطالب بهذا لعيب في كتابة الرجل ونقابيته واحترامه ونزاهته؛ فهو شخص مهذب ونبيل وخدوم، لكن بقاءه كل هذه المدة مع عدم تفرغه وتقدم سنه مع استغلال الكثيرين لهذه الظروف يجعل بقاءه على الكرسي استمرارًا للتجاوزات التي يعاني منها الاتحاد، أضف إلى ذلك علاقة الرجل الوطيدة بالأنظمة الحاكمة ومحاولته خدمتها بشكل يحول الاتحاد من بناء وطني إلى مقر تابع لخدمة سياسات معينة».
ويطالب سراج بإظهار الشفافية في بنود صرف ميزانية الاتحاد أولا بأول وعمل كشف حساب شهري للاتحاد، وتكوين لجان متابعة من أعضاء الجمعية العمومية لكل ما يقوم به، من أنشطة وخدمات، مشيرا إلى أنه لا يعقل أن يكون الحد الأقصى لمعاش الكتاب 220 جنيها (نحو 29 دولارا)، كما لا يوجد برنامج مستقر وواضح للخدمة الصحية، مطالبا بضم أعضاء الاتحاد لبرنامج صحي تابع لمستشفيات حكومية كبرى، وأيضا فتح فروع جديدة للاتحاد بالمحافظات، وتحصيل ما للاتحاد من موارد، والحصول على وحدات سكنية مخفضة أو قطعة أرض وبناء مدينة سكنية، وتحويل الاتحاد لنقابة مهنية، وتعديل بعض المواد الخاصة في لائحته والتي تحول دون ذلك، كما يقترح سراج تقليل عدد الأعضاء في مجلس الإدارة إلى 15 بدلا من 30 عضوا. ويدلل سراج على التجاوزات والعشوائية في السياسة الحالية للاتحاد، مشيرا إلى أنه ليست هناك لجنة للإسكان، فيما هناك جمعية لا ولاية للاتحاد عليها، وأن هناك أرضا خصصت للاتحاد ولم يسمع بها أحد ولا بمشروع سكني عليها.
ويتابع سراج: «يتميز الاتحاد عن النقابات بأنشطته النوعية؛ مؤتمرات اليوم الواحد ومسابقاته وسفرياته وندواته ومطبوعاته، ويكفي أن نقول إن مشروع النشر متوقف، وإن المؤتمرات لا تخلو من تكرار أسماء بعينها، هي المناقشون والحضور غالبًا، لكن يمكن أن ننفذ خطط البناء بنشر إلكتروني وورقي، نحن أمام حالة صعبة وليست مستعصية، حلها يكمن في العمل والخلاص، حتى يحقق الاتحاد هويته المؤسسية بشكل صحيح».
وتقترح الكاتبة دكتورة زينب العسال المرشحة لخوض الانتخابات، إنشاء دار نشر خاصة بالاتحاد تمول من خزينة الاتحاد، ومن اشتراكات الأعضاء، ومن منح رأس المال الوطني، حتى لا يظل الأعضاء رهن قوائم هيئات الدولة، أو ابتزاز الكثير من ناشري القطاع الخاص، وإنشاء آليات جديدة لجوائز الاتحاد، بداية من الترشيح، وانتهاء بتسلم الجائزة، بحيث لا تذهب الجوائز إلا لمن يستحقونها بالفعل، بعيدا عن أي مؤثرات.
وكذلك مراعاة التمثيل المشرف للأدباء في المؤتمرات الخارجية، وتحديد نسبة 75 في المائة من المشاركين، من أعضاء الجمعية العمومية، وكذلك تمثيل الاتحاد بصورة صحيحة في لجان اختيار النصوص بوزارة التربية والتعليم، وفي اختيار الفائزين في جوائز الدولة، واختيار ممثلين للاتحاد في المؤسسات الثقافية الحكومية، مثل هيئة الكتاب، وهيئة قصور الثقافة، والمجلس الأعلى للثقافة. وتطوير الخدمات العلاجية بالإفادة من الخدمات التي تقدمها نقابات أخرى، مثل نقابة الصحافيين.
وتشدد العسال على مساندة الاتحاد لأعضائه، من خلال لجنة الحريات في قضايا الرأي والنشر. كما ترى أن 4 سنوات فترة كافية لإثبات جدية أداء عضو مجلس الإدارة، فإذا ثبت ذلك تقدم لدورة ثانية، وأخيرة.
ويسبق الانتخابات انعقاد الجمعية العمومية لاتحاد الكتاب يوم الجمعة المقبل برئاسة محمد سلماوي، وبحضور أكثر من 1600 أديب لهم حق التصويت لاختيار 15 عضوا، والطريف أن كل أعضاء المجلس الحالي الذين انتهت مدة وجودهم بهذه الدورة (4 سنوات)، أعادوا ترشيح أنفسهم من أجل البقاء في المجلس بعد أن قضوا دورتين كاملتين! باستثناء الدكتور أحمد مرسي، والشاعر أحمد سويلم اللذين رفضا إعادة ترشيح نفسيهما، ويتخوف كثيرون من فوز هؤلاء الأعضاء لمرة ثالثة، نظرا لخبرتهم الطويلة بكواليس اللعبة الانتخابية، الأمر الذي يجعل الاتحاد يمارس عادة «الجري في المكان».
اتحاد كتاب مصر في انتخابات التجديد النصفي.. «الجري في المكان»
بعد عقود من إنشائه في سبعينات القرن الماضي
اتحاد كتاب مصر في انتخابات التجديد النصفي.. «الجري في المكان»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة