اتحاد كتاب مصر في انتخابات التجديد النصفي.. «الجري في المكان»

بعد عقود من إنشائه في سبعينات القرن الماضي

الرئيس الحالي لاتحاد كتّاب مصر محمد سلماوي  -  شعار الاتحاد
الرئيس الحالي لاتحاد كتّاب مصر محمد سلماوي - شعار الاتحاد
TT

اتحاد كتاب مصر في انتخابات التجديد النصفي.. «الجري في المكان»

الرئيس الحالي لاتحاد كتّاب مصر محمد سلماوي  -  شعار الاتحاد
الرئيس الحالي لاتحاد كتّاب مصر محمد سلماوي - شعار الاتحاد

وسط المناخ المتردي الذي يعيشه اتحاد الكتاب المصريين يبدو السؤال ملحا، حول أهميته، والمشاكل التي يعاني منها، وسبل حلها، وهل يمكن مع هبوب رياح التغيير في المجتمع في أعقاب ثورتين شعبيتين أن تضخ في شرايينه دماء جديدة؟
حرب دعاية، و«تربيطات» وكتل انتخابية ترافقها شعارات طنانة، وبيانات صاخبة يعيشها اتحاد الكتاب المصري منذ عدة أشهر، توطئة لسباق التجديد النصفي الذي يتبارى 86 مرشحا يتنافسون على 15 مقعدا في انتخابات التجديد النصفي لمجلس إدارته التي تجري وقائعها الجمعة المقبل.
في غبار هذا المشهد، يبرز في ذاكرة الاتحاد عام 1997، كنقطة مفصلية، حيث كون مجموعة من الكتاب المصريين كتيبة ثقافية بقيادة الكاتب الراحل سعد الدين وهبة، أخذت على عاتقها مهمة تغيير اتحاد الكتاب حتى يكون نافذة حقيقية معبرة عنهم، تحفظ لهم حقوقهم في حرية الكتابة والتعبير، وتدافع عنهم من عثرات الحياة، وهو ما عرف إعلاميا وقتها بـ«عملية تطهير اتحاد الكتاب»، من جبهة الكاتب ثروة أباظة التي هيمنت على الاتحاد ومقدراته منذ نشأته في أعقاب مؤتمر الأدباء الشبان بمدينة الزقازيق في عام 1979، حيث كان مطلب إقامة «اتحاد كتاب» أحد شعارات المؤتمر الأساسية.
نجحت كتيبة التغيير التي ضمت نخبة من أبرز الكتاب، منهم إدوار الخراط، ومحفوظ عبد الرحمن، ووحيد حامد، في هزيمة جبهة ثروت أباظة وتفتيت أصواتها في انتخابات التجديد النصفي لمجلس إدارة الاتحاد المكون من 30 عضوا، وانتخب سعد الدين وهبة رئيسا للاتحاد، بينما توارى ثروت أباظة وما تبقى من جبهته في الظل. واستبشرت الحياة الثقافية خيرا، وبدأت بالفعل رياح التغيير تهب على الاتحاد، لكن مع موت سعد الدين وهبة، بعد عدة أشهر من توليه المنصب، تفتتت فكرة التغيير، وبحيل وتسميات عديدة، وصلت إلى التمسح بقناع التغيير نفسه، لكن كشعار فارغ من أي معنى حقيقي على الأرض، عادت جبهة ثروت أباظة للهيمنة على الاتحاد، ولتتوارى مع موت سعد الدين وهبة، الرجل القوي، محاولة التغيير الحقيقية لهذا الكيان الخامل، وتصبح مجرد ومضة خاطفة فوق رف التاريخ.
ومنذ تلك الفترة، وحتى الآن تعاقبت على رئاسة الاتحاد شخصيات نمطية، عمدت إلى الترقيع، وتجميل الصورة، كبديل عن أي تغيير حقيقي. ويرى كثير من الكتاب أن الإطاحة بالرئيس الحالي محمد سلماوي أصبحت ضرورة لإصلاح الاتحاد، ليأخذ دوره كطرف فاعل ومستقل في الثقافة المصرية، بعيدا عن عباءة المؤسسة الثقافية الرسمية (وزارة الثقافة)، والذي لم يسلم الاتحاد منذ تأسيسه من فرض وصايتها عليه بطرق ملتوية. ورفض سلماوي التعليق على هذه الاتهامات.
وشارك سلماوي في لجنة كتابة الدستور الجديد، وشغل منصب المتحدث الرسمي باسمها. واختير بالتذكية لمنصب رئيس اتحاد الكتاب، ولن يخوض انتخابات التجديد النصفي، ويبقى منصب رئيس الاتحاد معلقا بنتائج الانتخابات.
هذا المناخ المضطرب الرخو هو ما دفع الروائي بهاء طاهر للاستقالة من مجلس إدارة الاتحاد في مارس (آذار) عام 2000، محدثا هزة عنيفة في الوسط الثقافي حول طبيعة الاتحاد كمؤسسة ثقافية ومستقلة. ولفت طاهر وقتها إلى أن وجوده في مجلس إدارة الاتحاد لم يحقق ما كان يتمناه، في اتحاد قوي ومستمر وفعال.. وشهد العام نفسه استقالة الكاتبين جمال الغيطاني، وإبراهيم عبد المجيد من عضوية مجلس إدارة الاتحاد.
وتكررت مواقف الاتحاد السلبية خاصة في الدفاع عن حرية الإبداع والرأي والتعبير، بل إنه ترك عددا من أعضائه صرعى المحاكم والتهم الجائرة بازدراء الأديان، من قبل التيارات الإسلامية المتشددة، كما انحاز الاتحاد في يناير (كانون الثاني) 2001 تحت رئاسة الشاعر فاروق شوشة، إلى صف وزير الثقافة الأسبق فاروق حسني في أزمة مصادرة الروايات الثلاث الشهيرة التي نشرتها الهيئة العامة لقصور الثقافة، وأحدثت صدمة في الواقع الثقافي المصري، حيث أطيح بسببها برئيس الهيئة نفسه والمسؤولين عن السلسلة التي صدرت عنها الروايات، ومعظمهم كتاب وأعضاء بالاتحاد.
وسط هذا المناخ المتردي الذي يعيشه اتحاد الكتاب المصريين يبدو السؤال ملحا، حول أهميته، والمشاكل التي يعاني منها، وسبل حلها، وهل يمكن مع هبوب رياح التغيير في المجتمع في أعقاب ثورتين شعبيتين، أن تضخ في شرايينه دماء جديدة، تجعل منه اتحادا قويا يليق بمكانة مصر، ويحفظ لكتابها كرامتهم من السقوط في براثن العزلة والاكتئاب ويساعدهم من أجل العيش في ظل حياة آمنة.
يقول الكاتب والشاعر أحمد سراج، أحد المرشحين للتجديد النصفي، في إطار قائمة جماعية من 13 عضوا أطلقوا عليها «قائمة التغيير»: «هناك معضلة شديدة الخطورة في التعامل مع اتحاد كتاب مصر؛ فهو الكيان الوحيد المعترف به داخل مصر وخارجها، وهو نقابة يفترض أن تؤدي لأعضائها خدمات مميزة تسهم في إراحتهم والتيسير عليهم ومساعدتهم في مجابهة الصعوبات. لكن يتعرض الاتحاد لمحاولات من التدجين بشكل يسلبه أدواره جميعها. ومن كثرة ما تعرض ومن كثرة مواقفه الغريبة بات لدينا خيارات ثلاثة؛ إصلاحه أو إغلاقه أو إنشاء كيان بديل.. واختياري هو الأول: الإصلاح».
ويرى سراج أن «آفة الاتحاد هي بقاء محمد سلماوي رئيسا له؛ لأسباب يصعب حصرها، وحلها أولا في الإطاحة به أو مطالبته بألا يترشح من الأساس»، لافتا إلى أنه لا يطالب بهذا لعيب في كتابة الرجل ونقابيته واحترامه ونزاهته؛ فهو شخص مهذب ونبيل وخدوم، لكن بقاءه كل هذه المدة مع عدم تفرغه وتقدم سنه مع استغلال الكثيرين لهذه الظروف يجعل بقاءه على الكرسي استمرارًا للتجاوزات التي يعاني منها الاتحاد، أضف إلى ذلك علاقة الرجل الوطيدة بالأنظمة الحاكمة ومحاولته خدمتها بشكل يحول الاتحاد من بناء وطني إلى مقر تابع لخدمة سياسات معينة».
ويطالب سراج بإظهار الشفافية في بنود صرف ميزانية الاتحاد أولا بأول وعمل كشف حساب شهري للاتحاد، وتكوين لجان متابعة من أعضاء الجمعية العمومية لكل ما يقوم به، من أنشطة وخدمات، مشيرا إلى أنه لا يعقل أن يكون الحد الأقصى لمعاش الكتاب 220 جنيها (نحو 29 دولارا)، كما لا يوجد برنامج مستقر وواضح للخدمة الصحية، مطالبا بضم أعضاء الاتحاد لبرنامج صحي تابع لمستشفيات حكومية كبرى، وأيضا فتح فروع جديدة للاتحاد بالمحافظات، وتحصيل ما للاتحاد من موارد، والحصول على وحدات سكنية مخفضة أو قطعة أرض وبناء مدينة سكنية، وتحويل الاتحاد لنقابة مهنية، وتعديل بعض المواد الخاصة في لائحته والتي تحول دون ذلك، كما يقترح سراج تقليل عدد الأعضاء في مجلس الإدارة إلى 15 بدلا من 30 عضوا. ويدلل سراج على التجاوزات والعشوائية في السياسة الحالية للاتحاد، مشيرا إلى أنه ليست هناك لجنة للإسكان، فيما هناك جمعية لا ولاية للاتحاد عليها، وأن هناك أرضا خصصت للاتحاد ولم يسمع بها أحد ولا بمشروع سكني عليها.
ويتابع سراج: «يتميز الاتحاد عن النقابات بأنشطته النوعية؛ مؤتمرات اليوم الواحد ومسابقاته وسفرياته وندواته ومطبوعاته، ويكفي أن نقول إن مشروع النشر متوقف، وإن المؤتمرات لا تخلو من تكرار أسماء بعينها، هي المناقشون والحضور غالبًا، لكن يمكن أن ننفذ خطط البناء بنشر إلكتروني وورقي، نحن أمام حالة صعبة وليست مستعصية، حلها يكمن في العمل والخلاص، حتى يحقق الاتحاد هويته المؤسسية بشكل صحيح».
وتقترح الكاتبة دكتورة زينب العسال المرشحة لخوض الانتخابات، إنشاء دار نشر خاصة بالاتحاد تمول من خزينة الاتحاد، ومن اشتراكات الأعضاء، ومن منح رأس المال الوطني، حتى لا يظل الأعضاء رهن قوائم هيئات الدولة، أو ابتزاز الكثير من ناشري القطاع الخاص، وإنشاء آليات جديدة لجوائز الاتحاد، بداية من الترشيح، وانتهاء بتسلم الجائزة، بحيث لا تذهب الجوائز إلا لمن يستحقونها بالفعل، بعيدا عن أي مؤثرات.
وكذلك مراعاة التمثيل المشرف للأدباء في المؤتمرات الخارجية، وتحديد نسبة 75 في المائة من المشاركين، من أعضاء الجمعية العمومية، وكذلك تمثيل الاتحاد بصورة صحيحة في لجان اختيار النصوص بوزارة التربية والتعليم، وفي اختيار الفائزين في جوائز الدولة، واختيار ممثلين للاتحاد في المؤسسات الثقافية الحكومية، مثل هيئة الكتاب، وهيئة قصور الثقافة، والمجلس الأعلى للثقافة. وتطوير الخدمات العلاجية بالإفادة من الخدمات التي تقدمها نقابات أخرى، مثل نقابة الصحافيين.
وتشدد العسال على مساندة الاتحاد لأعضائه، من خلال لجنة الحريات في قضايا الرأي والنشر. كما ترى أن 4 سنوات فترة كافية لإثبات جدية أداء عضو مجلس الإدارة، فإذا ثبت ذلك تقدم لدورة ثانية، وأخيرة.
ويسبق الانتخابات انعقاد الجمعية العمومية لاتحاد الكتاب يوم الجمعة المقبل برئاسة محمد سلماوي، وبحضور أكثر من 1600 أديب لهم حق التصويت لاختيار 15 عضوا، والطريف أن كل أعضاء المجلس الحالي الذين انتهت مدة وجودهم بهذه الدورة (4 سنوات)، أعادوا ترشيح أنفسهم من أجل البقاء في المجلس بعد أن قضوا دورتين كاملتين! باستثناء الدكتور أحمد مرسي، والشاعر أحمد سويلم اللذين رفضا إعادة ترشيح نفسيهما، ويتخوف كثيرون من فوز هؤلاء الأعضاء لمرة ثالثة، نظرا لخبرتهم الطويلة بكواليس اللعبة الانتخابية، الأمر الذي يجعل الاتحاد يمارس عادة «الجري في المكان».



«هوامش على دفتر الثقافة» يحتفي بشعراء الحزن الجميل

«هوامش على دفتر الثقافة» يحتفي بشعراء الحزن الجميل
TT

«هوامش على دفتر الثقافة» يحتفي بشعراء الحزن الجميل

«هوامش على دفتر الثقافة» يحتفي بشعراء الحزن الجميل

في كتابه «هوامش على دفتر الثقافة» الصادر عن دار «بيت الحكمة» بالقاهرة، يستعرض الشاعر عزمي عبد الوهاب العديد من قضايا الإبداع والأدب، لكنه يفرد مساحة مميزة لمسألة «الحزن»، وتفاعل الشعراء معها في سياق جمالي إنساني رهيف. ويشير المؤلف إلى أن ظاهرة الحزن لم تعد ترتبط بأسباب عرضية، أو بحدث يهم الشاعر، ويدفعه إلى الحزن كما كان الحال في الشعر العربي القديم.

ومن بين بواعث الحزن ومظاهره في الشعر قديماً، أن يفقد الشاعر أخاً أو حبيبة، فيدعوه هذا إلى رثاء الفقيد بقصائد تمتلئ بالفقد والأسى، مثل الخنساء في رثاء شقيقها، وأبي ذؤيب الهذلي في رثاء أبنائه، وجرير في رثاء زوجته، وهناك من يشعر بقرب الموت فيرثي نفسه، كما فعل مالك بن الريب، وقد يعاني الشاعر مرضاً، فيعبر عن ألمه.

أما في الشعر الحديث، فيعد الحزن ظاهرة معنوية تدخل في بنية العديد من القصائد، وقد استفاضت نغمتها، حتى صارت تلفت النظر، بل يمكن أن يقال إنها صارت محوراً أساسياً في معظم ما يكتبه الشعراء المعاصرون حتى حاول بعض النقاد البحث في أسباب تعمق تلك الظاهرة في الشعر العربي. ومن أبرزهم دكتور عز الدين إسماعيل الذي يعزو أسباب الظاهرة إلى تنامي الشعور بالذات الفردية بدلاً من الجماعية، وهذا ما يقودنا إلى الحديث عن «اغتراب» الإنسان المبدع؛ إذ يأخذ أشكالاً متعددة، ولعل أقسى أشكال ذلك الاغتراب ما عبر عنه أبو حيان التوحيدي بقوله: «أغرب الغرباء من صار غريباً في وطنه».

ذكر إسماعيل عدة أسباب للحزن منها تأثر الشاعر العربي الحديث بأحزان الشاعر الأوروبي وبالفنين الروائي والمسرحي، وقد توصل إلى أن أحزان الشاعر مصدرها المعرفة، وكأن شاعرنا الحديث تنقصه أسباب للحزن وبالتالي يعمد إلى استيرادها أوروبياً من شعراء الغرب.

وفي كتابه «حياتي في الشعر» يواجه صلاح عبد الصبور مقولات النقاد حول أنه شاعر حزين، موضحاً أن هؤلاء يصدرون عن وجهة نظر غير فنية، لا تستحق عناء الاهتمام مثل آراء محترفي السياسة أو دعاة الإصلاح الأخلاقي التقليديين. وانبرى عبد الصبور لتفنيد النظريات التي يأتي بها هؤلاء النقاد لمحاكمة الشعر والشاعر قائلاً: «لست شاعراً حزيناً لكني شاعر متألم، وذلك لأن الكون لا يعجبني ولأني أحمل بين جوانحي، كما قال شيللي، شهوة لإصلاح العالم، وهي القوة الدافعة في حياة الفيلسوف والنبي والشاعر، لأن كلاً منهم يرى النقص فلا يحاول أن يخدع نفسه، بل يجهد في أن يرى وسيلة لإصلاحه».

يتحدث الشاعر أيضاً عن قضيتين أثارهما بعض النقاد عن شعره، أولاهما أن حزن هذا الجيل الجديد من الشعراء المعاصرين حزن مقتبس عن الحزن الأوروبي، وبخاصة أحزان اليوميات. وكذلك قولهم إن الشعراء يتحدثون عن مشكلات لم يعانوها على أرض الواقع كمشكلة «غياب التواصل الإنساني» من خلال اللغة، كما تتضح عند يوجين يونيسكو أو «الجدب والانتظار» عند صمويل بيكيت وإليوت، أو «المشكلات الوجودية» عند جان بول سارتر وكامو، وبخاصة «مشكلة الموت والوعي».

وشرح عبد الصبور كيف أن الحزن بالنسبة إليه ليس حالة عارضة، لكنه مزاج عام، قد يعجزه أن يقول إنه حزن لكذا ولكذا، فحياته الخاصة ساذجة، ليست أسوأ ولا أفضل من حياة غيره، لكنه يعتقد عموماً أن الإنسان «حيوان مفكر حزين».

ويضيف عبد الصبور: «الحزن ثمرة التأمل، وهو غير اليأس، بل لعله نقيضه، فاليأس ساكن فاتر، أما الحزن فمتقد، وهو ليس ذلك الضرب من الأنين الفج، إنه وقود عميق وإنساني».

لكن ما سبب الحزن بشكل أكثر تحديداً عن الشاعر صلاح عبد الصبور؟ يؤكد أنه هو نفسه لا يستطيع الإجابة ويقول: «أن أرد هذا الحزن إلى حاجة لم أقضها، أو إلى فقد شخص قريب، أو شقاء طفولة، فذلك ما لا أستطيعه».

ومن أشهر قصائد صلاح عبد الصبور في هذا السياق قصيدة تحمل عنوان «الحزن» يقول في مطلعها:

«يا صاحبي إني حزين

طلع الصباح فما ابتسمت

ولم ينر وجهي الصباح»

لقد حاول التحرر فيها من اللغة الشعرية التقليدية عبر لغة يراها أكثر مواءمة للمشهد، لكن كثيرين اعترضوا على تلك اللغة، في حين أنه كان يريد أن يقدم صورة لحياة بائسة ملؤها التكرار والرتابة. ويؤكد الناقد د. جابر عصفور أن السخرية والحزن كلاهما ركيزتان أساسيتان في شعر عبد الصبور، وهو ما جعل عصفور يسأل الأخير في لقاء جمعهما: «لماذا كل هذا الحزن في شعرك؟» فنظر إليه عبد الصبور نظرة بدت كما لو كانت تنطوي على نوع من الرفق به ثم سأله: «وما الذي يفرح في هذا الكون؟».

وتحت عنوان «ظاهرة الحزن في الشعر العربي الحديث»، يوضح الباحث والناقد د. أحمد سيف الدين أن الحزن يشكل ظاهرة لها حضورها وامتدادها في معظم التجارب الشعرية الحديثة، خلافاً لما كان عليه الحال في الشعر العربي القديم. ويميز سيف الدين بين حزن الإنسان العادي وحزن المبدع الذي يتسم بحساسية خاصة، حيث يستطيع أن يحول حزنه وألمه إلى مادة إبداعية.

ويلفت الكتاب إلى أن هناك أسباباً متنوعة للحزن، منها أسباب ذاتية يتعرض لها الشاعر في حياته كالمرض أو الفقر أو الاغتراب. أيضاً هناك أسباب موضوعية تتصل بالواقع العربي، وما فيه من أزمات ومشكلات سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية. ومن ثم، فالحزن ليس فقط وعاء الشعر، إنما هو أحد أوعية المعرفة الإنسانية في شمولها وعمقها الضارب في التاريخ.