الصبيحي.. جنرال في مواجهة {الحوثي}

الصبيحي.. جنرال في مواجهة {الحوثي}
TT

الصبيحي.. جنرال في مواجهة {الحوثي}

الصبيحي.. جنرال في مواجهة {الحوثي}

مع تصاعد أحداث العنف وانهيار الجيش اليمني تسلط الأضواء حاليا على الجنرال الجنوبي محمود الصبيحي الذي أصبح قائد الجيش الموالي للرئيس عبد ربه منصور هادي، منذ نجاحه في الإفلات من إقامته الجبرية، التي فرضها عليه الحوثيون في صنعاء.
واستغل الحوثيون الوضع الهش لتركيبة الجيش اليمني القائمة على الولاء الشخصي، منذ 3 عقود، ليتمكنوا من استقطاب قيادات عسكرية وأمنية سهلت لهم الطريق للسيطرة على المدن والعاصمة صنعاء ومعسكرات الجيش والأمن، فأصبح الجيش بيد ميليشيات مسلحة بعد أن كان يخوض معارك عنيفة ضدهم قبل خمس سنوات.

لقد أثار الجنرال الصبيحي الجدل في أول يوم وصل فيه إلى الجنوب، حيث فضل الذهاب إلى مسقط رأسه في لحج، وليس إلى عدن حيث يقيم هادي، وكانت هناك تكهنات باعتزاله العمل العسكري ومتابعة حياته بعيدا عن الزي العسكري، لكن سرعان ما أرسل هادي إليه وفدا رئاسيا لإقناعه بالعودة لمنصبه وزيرا للدفاع، وقيادة القوات الموالية له، وقد وافق على ذلك بعد ضغوط أميركية تعرض لها الرجل، ثم بعدها بأيام ذهب إلى عدن، والتقى بهادي بالزي الشعبي، لكنه لم يرتدِ البزة العسكرية إلا بعد أسبوعين من خروجه من صنعاء عندما زار مطار عدن ومعسكرات للجيش في عدن.
تمكن الجنرال خلال بضعة أيام من إعادة تشكيل وترتيب بعض الوحدات العسكرية والأمنية، وفتح باب التجنيد، والاستعانة باللجان الشعبية التي شكلها هادي عام 2012، ليقود بعدها أولى معاركه منذ تعيينه وزيرا للدفاع داخل أسوار عدن، حيث تمكن من إنهاء التمرد العسكري داخل فرع قوات الأمن الخاصة التي حاولت السيطرة على مقرات حيوية من بينها مطار عدن.

مهمة صعبة
يعلم الصبيحي جيدا أن الجيش ووحداته المنتشرة في الشمال والجنوب لا تدين بالولاء له بشكل كامل، لهذا حرص على زيارة المعسكرات والألوية في عدن، خصوصا المعسكرات التي تضم جنودا موالين للرئيس السابق، كما قام بتعيين قيادات جديدة في قاعدة العند الجوية التي تعد أكبر قاعدة عسكرية في البلاد، والتقى بقيادات ما تسمى اللجان الشعبية الجنوبية وطالبهم بأن يبتعدوا عن رفع شعارات الانفصال واللغة المناطقية، مؤكدا لهم أن عدو اليمن في الشمال والجنوب واحد وهم جماعة الحوثيين.
بحسب الخريطة العسكرية للجيش اليمني، فإن أغلب قواته تتوزع في الجنوب، ينتمي معظم منتسبيها إلى الشمال، وخلال الأيام الماضية فر كثير من الجنود من معسكراتهم باتجاه الشمال بعد تهديدات تعرضوا لها من الجنوبيين، وتبدو مهمة الصبيحي في إخضاع جميع المناطق العسكرية في الجنوب لإمرته صعبة، فمن بين سبع مناطق عسكرية توجد أربع مناطق في الجنوب والشرق وهي لا تزال بعيدة عن سيطرة الحوثيين وصالح اللذين يسيطران بشكل مباشر على ثلاث في الشمال، فالجنوب تقع فيه المنطقة العسكرية الأولى ومقر قيادتها مدينة سيئون، والمنطقة العسكرية الثانية ومقر قيادتها في المكلا، والمنطقة العسكرية الثالثة ومقر قيادتها في مأرب، وتمتد إلى محافظة شبوة الجنوبية والجوف في الشمال الشرقي، أما المنطقة العسكرية الرابعة ومقر قيادتها في مدينة عدن فهي من أهم المناطق العسكرية الخاضعة لهادي ووزير دفاعه، وكان الصبيحي قائدها قبل أن يعين وزيرا للدفاع، وتضم المنطقة العسكرية عدة ألوية ومعسكرات تمتلك أقوى الأسلحة الثقيلة والمتوسطة، لكن مصادر عسكرية تؤكد وجود كتائب خاصة تدين بالولاء التام للرئيس السابق، ما يجعلها مشكوكا في ولائها للصبيحي وخضوعها له.
ويبدو أن الأحداث التي عاشها الجنرال الصبيحي طوال فترة حياته العسكرية التي أمضى فيها 39 سنة شكلت شخصية الصبيحي المغامرة والشجاعة والنزيهة كما يصفه من عمل معه، ما جعله من أهم الشخصيات العسكرية التي تحظى باحترام وإجماع سواء في الجنوب أو الشمال، فالصبيحي عاصر المراحل التاريخية في الجنوب والشمال، فقد كان قائد عسكري شغل كثيرا من المناصب في وحدات الجيش قبل الوحدة اليمنية عام 1990، وبعدها عيّن أيضا في مناصب عسكرية، ومثلما كان الرجل آخر قائد عسكري رحل من عدن في حرب 1994، التي انتصرت فيها قوات الشمال على الجنوب في ما يعرف بحرب الانفصال، فإن الصبيحي أيضا عاد للخدمة العسكرية بعد توقف دام 15 عاما، ليعينه الرئيس السابق علي عبد الله صالح قائد محور العند وأحد مستشاريه، ثم عيّن عام 2013 قائدا للمنطقة العسكرية الجنوبية في عدن، وعيّن في 2014 وزيرا للدفاع في ظروف صعبة وأوضاع منهارة للجيش، وبعد استقالة حكومة خالد بحاح في مطلع العام الحالي حاول الحوثيون استغلال الجنرال الصبيحي وعينوه رئيسا للجنة الأمنية العليا، وطلبوا منه إصدار قرارات بتعيينات موالين لهم في الجيش، وهو ما رفضه الرجل بحسب شهادة المقربين منه، الذي أكدوا أن هذه الضغوطات كانت سببا في فراره من صنعاء وكسر الإقامة الجبرية عليه.

انتصارات وخذلان
يقول اللواء متقاعد صالح حربي لـ«الشرق الأوسط» إن الصبيحي عرف عنه أنه رجل عسكري بامتياز يمتلك الشجاعة والانضباط العسكري والجدية في العمل، كما أن يده نظيفة ولا يعرف أنه قام باستغلال الجيش لمصلحته الشخصية، لذا يحظى باحترام الجميع سواء من العسكريين الذين عملوا معه أو المدنيين الذين عرفوه عن قرب. ويلفت حربي إلى أن الصبيحي جاء من أسرة مناضلة شاركت مع الجبهة القومية في الجنوب، وتعتمد أسرته بشكل رئيسي على فلاحة الأرض البسيطة في قريته»، موضحا أن معارك الصبيحي تشهد له بجدارته في قيادة الجيش تحت أي ظروف، وقال: «لقد كان يتقدم الصفوف الأولى في المعارك التي خاضها ضد عناصر تنظيم القاعدة في بداية تأسيس ما تسمى جماعة أنصار الشريعة، ونجح في كسر شوكتهم وهزيمتهم، خصوصا في محافظة شبوة»، ويستدرك حربي: «لكن رغم هذه الانتصارات فقد كان الصبيحي يتعرض لخذلان من قبل القيادة السياسية والعسكرية المركزية سواء في صنعاء أو عدن، حيث كان يتلقى توجيهات بوقف انتصاراته ووقف الهجوم على مواقع (القاعدة)»، وأشار اللواء المتقاعد إلى أن الصبيحي تمكن خلال الفترة الماضية من توحيد مواقف الجنوبيين والوحدات العسكرية التي لا تزال في الجنوب».
وبسبب اندفاعه وتقدمه الصفوف الأولى في المعارك التي يخوضها فقد تعرض الصبيحي لسبع محاولات اغتيال، أسفرت عن مقتل وجرح كثير من مرافقيه. يقول المقربون من الصبيحي إن الحياة العسكرية طغت على حياته الشخصية، فأغلب وقته يقضيه داخل المعسكرات ومقرات القيادة العسكرية، يقول المحلل السياسي أنيس منصور الذي ينتمي إلى مسقط رأس الصبيحي في منطقة هويرب بمديرية المضاربة في لحج: «إن الصبيحي الذي له ستة أولاد، يعيش معظم وقته في وحدات الجيش وفي حل المشكلات في منطقته، وقبل شهرين توفي والده وكريمته»، موضحا لـ«الشرق الأوسط»: «إن كل الفصائل السياسية والاجتماعية في الجنوب تكن له الاحترام وهي راضية عنه»، وأشار منصور إلى أن الصبيحي يعيش حياة تقشف ويده نظيفة، فأسرته تنتمي إلى الطبقة المكافحة، ومنزله متواضع، وغالبا ما يصرف من جيبه، حرصا منه على أموال الدولة»، مؤكدا أنه ورغم أنه قائد عسكري فإنه لم يطلب من أبنائه الانخراط في الجيش كما يفعل كثيرون، فهناك من أولاده من يدرس في ماليزيا، ومنهم معلم في مدرسة، والبقية يعملون في فلاحة الأرض ورعاية الغنم».
لا يجيد الصبيحي السياسة، وكما هو معروف عن الحياة السياسية فقط طبعت الرجل بشخصية جريئة وجادة بعيدا عن التعاملات الدبلوماسية، وقد ظهر ذلك في أحد مقاطع الفيديو الذي صورته في اجتماع لقيادات عسكرية مع سلفه اللواء محمد ناصر أحمد، ويظهر المقطع الصبيحي الذي كان يشغل قائد المنطقة الرابعة، أثناء إلقاء كلمته وانتقاده لموقف السلطات المركزية من دعم وحدات عسكرية في الجنوب، ليقاطعه وزير الدفاع، ما أغضب الصبيحي الذي وبخه وطلب منه السكوت حتى يكمل كلامه.
من جانبه يقول المحلل السياسي عبد الله الوصابي لـ«الشرق الأوسط» إنه رغم اللحظات التي كان فيها الصبيحي لغزا كبيرا لدى اليمنيين، وعدم قدرتهم على تحليل مواقفه، فإن الرجل اكتسب كثيرا من الزخم والثقة وعلقت عليه آمال كبيرة عندما رفض الانصياع لوضعه لدى الحوثيين بعد البيان الانقلابي الذي على أساسه عينه الحوثيون رئيسا للجنتهم الأمنية، رغم ما يحمله ذلك من مزايا ووضع عسكري كبير، مشيرا إلى أن الصبيحي نجح في أن يكتسب بخروجه من مظلة الحوثيين والتحاقه بالرئيس الشرعي هادي كثيرا من الاحترام والتقدير، ويثبت أنه لن يقبل أن يكون أداة بيدهم لتمرير مشروعهم، وجعله محافظا للقسم العسكري الذي خانه كثير من قيادات الجيش قبله»، ويؤكد الوصابي أن «كثيرا من الآمال معلق عليه في لملمة ما تبقى من جيش وطني، وتنظيم اللجان الشعبية وتنقيتها وجعلها لجانا شبه رسمية منضبطة تؤسس لتكون جزءا من الجيش الوطني».
أما الصحافي الجنوبي فؤاد مسعد فيعتبر أن ما عمله الصبيحي خلال الفترة الماضية رفع رصيده الوطني، فخروجه المفاجئ من صنعاء وانتقاله إلى عدن شكّل ضربة موجعة لميليشيا الانقلاب الحوثية، وتبعها بضربة موجعة ثانية حين قاد معركة عسكرية خاطفة لإخماد التمرد الذي دعمه الحوثيون وصالح في عدن ولحج، ويؤكد مسعد أن «الثقة التي يحظى بها الصبيحي من القوى السياسية والعسكرية جعلته معظم اليمنيين يراهنون عليه، في قيادة المواجهات مع مسلحي الحوثي وصالح».

من هو محمود أحمد سالم الصبيحي؟

مواليد: هويرب مديرية المغاربة محافظة لحج 1948م، متزوج ولديه 6 أولاد.
المؤهلات:

- بكالوريوس علوم عسكرية – الكلية العسكرية عدن 1976م.
- ماجستير علوم عسكرية - أكاديمية فرونزا - الاتحاد السوفياتي 1978 - 1982م.
- دورة قيادة وأركان - أكاديمية فورنزا 1988م.
المناصب التي تقلدها:

- أركان حرب لواء ملهم 1982 - 1986م.
- قائد اللواء 25 ميكا 1986 - 1988م.
- قائد الكلية العسكرية عدن 1988 - 1990م.
- نائب مدير الكلية الحربية 1990 - 1993م.
- قائد اللواء 25 ميكا 1993 - 1994م.
- مستشار القائد الأعلى للقوات المسلحة 2010م.
- قائد محور العند قائد اللواء 201 ميكا مارس (آذار) 2011 - 2013م.
- قائد المنطقة العسكرية الرابعة، (2013 - 2014).
- وزير الدفاع في حكومة خالد بحاح، 7 نوفمبر (تشرين الثاني) 2014.
- عينه الحوثيون بعد انقلابهم على الرئيس هادي رئيسا للجنة الأمنية في فبراير (شباط) 2015.
- كسر الإقامة الجبرية وخرج من صنعاء إلى مسقط رأسه في لحج الجنوبية، في 8 مارس 2015.



الإعتبارات العسكرية والأمنية تتصدر المشهد في تونس

الرئيس التونسي قيس سعيّد (رويترز)
الرئيس التونسي قيس سعيّد (رويترز)
TT

الإعتبارات العسكرية والأمنية تتصدر المشهد في تونس

الرئيس التونسي قيس سعيّد (رويترز)
الرئيس التونسي قيس سعيّد (رويترز)

ضاعف الرئيس التونسي قيس سعيّد فور أداء اليمين بمناسبة انتخابه لعهدة ثانية، الاهتمام بالملفات الأمنية والعسكرية الداخلية والخارجية والتحذير من «المخاطر والمؤامرات» و«المتآمرين» على أمن الدولة. كما كثف سعيّد لقاءاته بمسؤولي وزارتي الدفاع والداخلية وأعضاء مجلس الأمن القومي الذي يضم كذلك أكبر قيادات القوات المسلحة العسكرية والمدنية إلى جانب رئيسَي الحكومة والبرلمان ووزراء السيادة وكبار مستشاري القصر الرئاسي. وزاد الاهتمام بزيادة تفعيل دور القوات المسلحة و«تصدرها المشهد السياسي» بمناسبة مناقشة مشروع ميزانية الدولة للعام الجديد أمام البرلمان بعد تصريحات غير مسبوقة لوزير الدفاع الوطني السفير السابق خالد السهيلي عن «مخاطر» تهدد أمن البلاد الداخلي والخارجي.

تصريحات وزير الدفاع التونسي خالد السهيلي تزامنت مع تصريحات أخرى صدرت عن وزير الداخلية خالد النوري وعن وزير الدولة للأمن القاضي سفيان بالصادق وعن الرئيس قيس سعيّد شخصياً. وهي كلها حذّرت من مخاطر الإرهاب والتهريب والمتفجرات والهجرة غير النظامية، ونبّهت إلى وجود «محاولات للنيل من سيادة تونس على كامل ترابها الوطني ومياهها الإقليمية» وعن «خلافات» لم تُحسم بعد و«غموض» نسبي في العلاقات مع بعض دول المنطقة.

وهنا نشير إلى أن اللافت في هذه التصريحات والمواقف كونها تأتي مع بدء الولاية الرئاسية الثانية للرئيس قيس سعيّد، ومع مصادقة البرلمان على مشروع الحكومة لموازنة عام 2025... وسط تحذيرات من خطر أن تشهد تونس خلال العام أزمات أمنية وسياسية واقتصادية اجتماعية خطيرة.

أكثر من هذا، يتساءل البعض عن مبرّر إثارة القضايا الخلافية مع ليبيا، والمخاطر الأمنية من قِبل كبار المسؤولين عن القوات المسلحة، في مرحلة تعذّر فيها مجدداً عقد «القمة المغاربية المصغرة التونسية - الليبية - الجزائرية»... التي سبق أن تأجلت مرات عدة منذ شهر يوليو (تموز) الماضي.

كلام السهيلي... وزيارة سعيّد للجزائركلام السهيلي، وزير الدفاع، جاء أمام البرلمان بعد نحو أسبوع من زيارة الرئيس قيس سعيّد إلى الجزائر، وحضوره هناك الاستعراض العسكري الضخم الذي نُظّم بمناسبة الذكرى السبعين لانفجار الثورة الجزائرية المسلحة. وما قاله الوزير التونسي أن «الوضع الأمني في البلاد يستدعي البقاء على درجة من اليقظة والحذر»، وقوله أيضاً إن «المجهودات العسكرية الأمنية متضافرة للتصدّي للتهديدات الإرهابية وتعقّب العناصر المشبوهة في المناطق المعزولة». إلى جانب إشارته إلى أن تونس «لن تتنازل عن أي شبر من أرضها» مذكراً - في هذا الإطار - بملف الخلافات الحدودية مع ليبيا.

من جهة ثانية، مع أن الوزير السهيلي ذكر أن الوضع الأمني بالبلاد خلال هذا العام يتسم بـ«الهدوء الحذر»، فإنه أفاد في المقابل بأنه جرى تنفيذ 990 عملية في «المناطق المشبوهة» - على حد تعبيره - شارك فيها أكثر من 19 ألفاً و500 عسكري. وأنجز هؤلاء خلال العمليات تفكيك 62 لغماً يدوي الصنع، وأوقفوا آلاف المهرّبين والمهاجرين غير النظاميين قرب الحدود مع ليبيا والجزائر، وحجزوا أكبر من 365 ألف قرص من المخدرات.

بالتوازي، كشف وزير الدفاع لأول مرة عن تسخير الدولة ألفي عسكري لتأمين مواقع إنتاج المحروقات بعد سنوات من الاضطرابات وتعطيل الإنتاج والتصدير في المحافظات الصحراوية المتاخمة لليبيا والجزائر.

مهاجرون عبر الصحراء الكبرى باتجاه اوروبا عبر ليبيا وتونس (رويترز)

تفعيل دور «القوات المسلحة»

تصريحات الوزير السهيلي لقيت أصداء كبيرة، محلياً وخارجياً، في حين اعترض على جانب منها سياسيون وإعلاميون ليبيون بارزون.

بيد أن الأمر الأهم، وفق البشير الجويني، الخبير التونسي في العلاقات بين الدول المغاربية والدبلوماسي السابق لدى ليبيا، أنها تزامنت مع «تأجيل» انعقاد القمة المغاربية التونسية - الليبية - الجزائرية التي سبق الإعلان أنه تقرر تنظيمها في النصف الأول من الشهر الأول في ليبيا، وذلك في أعقاب تأخير موعدها غير مرة بسبب انشغال كل من الجزائر وتونس بالانتخابات الرئاسية، واستفحال الأزمات السياسية الأمنية والاقتصادية البنكية في ليبيا من جديد.

والحال، أن الجويني يربط بين هذه العوامل والخطوات الجديدة التي قام بها الرئيس سعيّد وفريقه في اتجاه «مزيد من تفعيل دور القوات المسلحة العسكرية والمدنية» وسلسلة اجتماعاته مع وزيري الداخلية والدفاع ومع وزير الدولة للأمن الوطني، فضلاً عن زياراته المتعاقبة لمقر وزارة الداخلية والإشراف على جلسات عمل مع كبار كوادرها ومع أعضاء «مجلس الأمن القومي» في قصر الرئاسة بقرطاج. وهنا تجدر الإشارة إلى أنه إذ يسند الدستور إلى رئيس الدولة صفة «القائد العام للقوات المسلحة»، فإن الرئيس سعيّد حمّل مراراً المؤسستين العسكرية والأمنية مسؤولية «التصدي للخطر الداهم» ولمحاولات «التآمر على أمن الدولة الداخلي والخارجي».

واعتبر سعيّد خلال زيارات عمل قام بها إلى مؤسسات عمومية موسومة بأنه «انتشر فيها الفساد» - بينها مؤسسات زراعية وخدماتية عملاقة - أن البلاد تواجه «متآمرين من الداخل والخارج» وأنها في مرحلة «كفاح جديد من أجل التحرر الوطني»، ومن ثم، أعلن إسناده إلى القوات المسلّحة مسؤولية تتبع المشتبه فيهم في قضايا «التآمر والفساد» والتحقيق معهم وإحالتهم على القضاء.

المسار نفسه اعتمده، في الواقع، عدد من الوزراء والمسؤولين الحكوميين التونسيين بينهم وزير الصحة والوزير المستشار السابق في قصر قرطاج الجنرال مصطفى الفرجاني، الذي أعلن بدوره عن إحالة مسؤولين متهمين بـ«شبهة الفساد» في قطاع الصحة على النيابة العمومية والوحدات الأمنية المركزية المكلّفة «الملفات السياسية والاقتصادية الخطيرة»، وبين هذه الملفات الإرهاب وسوء التصرّف المالي والإداري في أموال الدولة ومؤسساتها.

متغيرات في العلاقات مع ليبيا والجزائر وملفَي الإرهاب والهجرة

القمة المغاربية الأخيرة التي استضافتها الجزائر (لانا)

حملات غير مسبوقة

وفعلاً، كانت من أبرز نتائج «التفعيل الجديد» للدور الوطني للمؤسستين العسكرية والأمنية، وتصدّرهما المشهد السياسي الوطني التونسي، أن نظّمت النيابة العمومية وقوات الأمن والجيش حملات غير مسبوقة شملت «كبار الحيتان» في مجالات تهريب المخدرات والممنوعات، وتهريب عشرات آلاف المهاجرين من بلدان أفريقيا جنوب الصحراء سنوياً نحو تونس، عبر الحدود الليبية والجزائرية تمهيداً لترحيلهم بحراً نحو أوروبا عبر إيطاليا.

وحسب المعلومات التي ساقها كل من وزيري الدفاع والداخلية، وأيضاً رئاسة الحرس الوطني، تمكنت القوات العسكرية والأمنية لأول مرة من أن تحجز مئات الكيلوغرامات من الكوكايين إلى جانب «كميات هائلة من الحشيش» والأقراص المخدرة.

وفي الحصيلة، أدّت تلك العمليات إلى إيقاف عدد من كبار المهرّبين ومن رؤوس تجار المخدرات «بقرار رئاسي»، بعدما أثبتت دراسات وتقارير عدة أن مئات الآلاف من أطفال المدارس، وشباب الجامعات، وأبناء الأحياء الشعبية، تورّطوا في «الإدمان» والجريمة المنظمة. وجاء هذا الإنجاز بعد عقود من «تتبّع صغار المهرّبين والمستهلكين للمخدرات وغضّ الطرف عن كبار المافيات»، على حد تعبير الخبير الأمني والإعلامي علي الزرمديني في تصريح لـ«الشرق الأوسط».

تحرّكات أمنية عسكرية دوليةعلى صعيد آخر، جاء تصدّر القوات المسلحة العسكرية والأمنية التونسية المشهدين السياسي متلازماً زمنياً مع ترفيع التنسيقين الأمني والعسكري مع عواصم وتكتلات عسكرية دولية، بينها حلف شمال الأطلسي (ناتو) وقيادة القوات الأميركية في أفريقيا (أفريكوم). وما يُذكر هنا أنه في ظل عودة التوترات السياسية في ليبيا، وتفاقم الخلافات داخلها بين حلفاء روسيا وتركيا والعواصم الغربية، تزايدت الاهتمامات الأميركية والأوروبية والأطلسية بـ«ترفيع الشراكة الأمنية والعسكرية مع تونس».

أيضاً، ورغم الحملات الإعلامية الواسعة في تونس ضد الإدارة الأميركية وحلفائها منذ عملية «طوفان الأقصى»؛ بسبب انحيازها لإسرائيل ودعمها حكومة بنيامين نتنياهو، كثّفت واشنطن - عبر بعثاتها في المنطقة - دعمها التدريبات العسكرية والأمنية المشتركة مع قوات الجيش والأمن التونسية.

بل، لقد أعلن جوي هود، السفير الأميركي لدى تونس، عن برامج واسعة لترفيع دور «الشراكة» العسكرية والأمنية الأميركية - التونسية، وبخاصة في المحافظات التونسية الحدودية مع كل من ليبيا والجزائر، وأيضاً في ميناء بنزرت العسكري (شمال تونس) ومنطقة النفيضة (100 كلم جنوب شرقي العاصمة تونس).

وإضافة إلى ما سبق، أعلنت مصادر رسمية تونسية وأميركية عن مشاركة قوات تونسية ومغاربية أخيراً في مناورات عسكرية بحرية أميركية دولية نُظمت في سواحل تونس. وجاءت هذه المناورات بعد مشاركة الجيش التونسي، للعام الثالث على التوالي، في مناورات «الأسد الأفريقي» الدولية المتعددة الأطراف... التي نُظم جانب منها في تونس برعاية القوات الأميركية.

وحول هذا الأمر، أكد وزير الداخلية التونسي خالد النوري، قبل أيام في البرلمان، أن من بين أولويات وزارته عام 2025 «بناء أكاديمية الشرطة للعلوم الأمنية» في منطقة النفيضة من محافظة سوسة، وأخرى لحرس السواحل، وهذا فضلاً عن توسيع الكثير من الثكنات ومراكز الأمن والحرس الوطنيين وتهيئة مقر المدرسة الوطنية للحماية المدنية.

أبعاد التنسيقين الأمني والعسكري مع واشنطنوحقاً، أكد تصريح الوزير النوري ما سبق أن أعلن عنه السفير الأميركي هود عن «وجود فرصة لتصبح تونس ومؤسّساتها الأمنية والعسكرية نقطة تصدير للأمن وللتجارب الأمنية في أفريقيا وفي كامل المنطقة».

وفي هذا الكلام إشارة واضحة إلى أن بعض مؤسسات التدريب التي يدعمها «البنتاغون» (وزارة الدفاع الأميركية)، وحلفاء واشنطن في «ناتو»، معنية في وقت واحد بأن تكون تونس طرفاً في «شراكة أمنية عسكرية أكثر تطوراً» مع ليبيا وبلدان الساحل والصحراء الأفريقية والبلدان العربية.

وزير الداخلية خالد النوري نوّه أيضاً بكون جهود تطوير القدرات الأمنية لتونس «تتزامن مع بدء العهدتين الثانيتين للرئيس قيس سعيّد وأخيه الرئيس الجزائري عبد المجيد تبّون».

وفي السياق ذاته، نوّه عزوز باعلال، سفير الجزائر لدى تونس، بالشراكة الاقتصادية والأمنية والسياسية بين تونس والجزائر، وبنتائج زيارة الرئيس سعيّد الأخيرة للجزائر، وكذلك بجلسات العمل واللقاءات السبعة التي عقدها وزيرا خارجيتي البلدين محمد علي النفطي وأحمد عطّاف خلال الأسابيع القليلة الماضية في الجزائر وفي عواصم أخرى عدة.

حقائق

قضايا الحدود التونسية... شرقاً وغرباً

اقترن بدء الولاية الرئاسية الثانية التونسي للرئيس قيس سعيّد بتحرّكات قام بها مسؤولون كبار في الدولة إلى مؤسسات الأمن والجيش في المحافظات الحدودية، وبالأخص من جهة ليبيا، ضمن جهود مكافحة الإرهاب والتهريب والمخدرات.ومعلوم أنه زاد الاهتمام بالأبعاد الأمنية في علاقات تونس بجارتيها ليبيا والجزائر بعد إثارة وزير الدفاع خالد السهيلي أمام البرلمان ملف «رسم الحدود» الشرقية لتونس من قِبل «لجنة مشتركة» تونسية - ليبية. وكما سبق، كان الوزير السهيلي قد تطرّق إلى استغلال الأراضي الواقعة بين الحاجز الحدودي بين ليبيا وتونس، قائلاً إن «تونس لم ولن تسمح بالتفريط في أي شبر من الوطن». وفي حين رحّبت أطراف ليبية ومغاربية بهذا الإعلان، انتقده عدد من المسؤولين والخبراء الليبيين بقوة واعتبروا أن «ملف الخلافات الحدودية أغلق منذ مدة طويلة».ولكن، حسب تأكيدات مصادر مطلعة لـ«الشرق الأوسط»، فإن السلطات الليبية أعلنت عن تغيير موقع العلامة الحدودية الفاصلة بين ليبيا وتونس «جزئياً» في منطقة سانية الأحيمر، التي تتبع ليبيا. إذ أورد بيان مديرية أمن السهل الغربي في يوليو (تموز) 2022، أنها رصدت ضم سانية الأحيمر إلى الأراضي التونسية، من خلال وضع العلامة الدالة على الحدود بذلك المكان (شرق السانية) بمسافة تقدر بنحو 150 متراً شرقاً ونحو 6 كيلو جنوباً.‏ما يستحق الإشارة هنا أن اللجنة الخاصة بترسيم الحدود الليبية مع تونس، والمكلفة من قِبل وزارة الدفاع في حكومة طرابلس، كشفت عن وجود عملية «تحوير» للعلامة. لكن مصادر دبلوماسية من الجانبين أكدت أن هذه القضية، وغيرها من «الخلافات والمستجدات»، جارٍ بحثها على مستوى اللجنة المشتركة ومن قِبل المسؤولين السياسيين والديبلوماسيين «بهدوء».في أي حال، أعادت إثارة هذه القضية إلى الواجهة تصريحاً سابقاً قال فيه الرئيس سعيّد بشأن الحدود مع ليبيا: «إن تونس لم تحصل إلا على الفتات» بعد خلافها الحدودي البحري مع ليبيا في فترة سبعينات القرن الماضي.والحقيقة، أنه سبق أن شهدت علاقات تونس وليبيا في أوقات سابقة توترات محورها الحدود والمناطق الترابية المشتركة بينهما؛ وذلك بسبب خلافات حدودية برّية وبحرية تعود إلى مرحلة الاحتلالين الفرنسي لتونس والإيطالي لليبيا، ثم إلى «التغييرات» التي أدخلتها السلطات الفرنسية على حدود مستعمراتها في شمال أفريقيا خلال خمسينات القرن الماضي عشية توقيع اتفاقيات الاستقلال. وهكذا، بقيت بعض المناطق الصحراوية الحدودية بين تونس وكل من ليبيا والجزائر «مثار جدل» بسبب قلة وضوح الترسيم وتزايد الأهمية الاستراتيجية للمناطق الحدودية بعد اكتشاف حقول النفط والغاز.وعلى الرغم من توقيع سلطات تونس وليبيا والجزائر اتفاقيات عدة لضبط الحدود والتعاون الأمني، تضاعف الاضطرابات الأمنية والسياسية في المنطقة منذ عام 2011 بسبب اندلاع حروب جديدة «بالوكالة» داخل ليبيا ودول الساحل والصحراء، بعضها بين جيوش و«ميليشيات» تابعة لواشنطن وموسكو وباريس وأنقرة على مواقع جيو - استراتيجية شرقاً غرباً.مع هذا، وفي كل الأحوال، تشهد علاقات تونس وكل من ليبيا والجزائر مستجدات سريعة على المجالين الأمني والعسكري. وربما تتعقد الأوضاع أكثر في المناطق الحدودية بعدما أصبحت التوترات والخلافات تشمل ملفات أمنية دولية تتداخل فيها مصالح أطراف محلية وعالمية ذات «أجندات» مختلفة وحساباتها للسنوات الخمس المقبلة من الولاية الثانية للرئيسين سعيّد وعبد المجيد تبّون.