الصبيحي.. جنرال في مواجهة {الحوثي}

الصبيحي.. جنرال في مواجهة {الحوثي}
TT

الصبيحي.. جنرال في مواجهة {الحوثي}

الصبيحي.. جنرال في مواجهة {الحوثي}

مع تصاعد أحداث العنف وانهيار الجيش اليمني تسلط الأضواء حاليا على الجنرال الجنوبي محمود الصبيحي الذي أصبح قائد الجيش الموالي للرئيس عبد ربه منصور هادي، منذ نجاحه في الإفلات من إقامته الجبرية، التي فرضها عليه الحوثيون في صنعاء.
واستغل الحوثيون الوضع الهش لتركيبة الجيش اليمني القائمة على الولاء الشخصي، منذ 3 عقود، ليتمكنوا من استقطاب قيادات عسكرية وأمنية سهلت لهم الطريق للسيطرة على المدن والعاصمة صنعاء ومعسكرات الجيش والأمن، فأصبح الجيش بيد ميليشيات مسلحة بعد أن كان يخوض معارك عنيفة ضدهم قبل خمس سنوات.

لقد أثار الجنرال الصبيحي الجدل في أول يوم وصل فيه إلى الجنوب، حيث فضل الذهاب إلى مسقط رأسه في لحج، وليس إلى عدن حيث يقيم هادي، وكانت هناك تكهنات باعتزاله العمل العسكري ومتابعة حياته بعيدا عن الزي العسكري، لكن سرعان ما أرسل هادي إليه وفدا رئاسيا لإقناعه بالعودة لمنصبه وزيرا للدفاع، وقيادة القوات الموالية له، وقد وافق على ذلك بعد ضغوط أميركية تعرض لها الرجل، ثم بعدها بأيام ذهب إلى عدن، والتقى بهادي بالزي الشعبي، لكنه لم يرتدِ البزة العسكرية إلا بعد أسبوعين من خروجه من صنعاء عندما زار مطار عدن ومعسكرات للجيش في عدن.
تمكن الجنرال خلال بضعة أيام من إعادة تشكيل وترتيب بعض الوحدات العسكرية والأمنية، وفتح باب التجنيد، والاستعانة باللجان الشعبية التي شكلها هادي عام 2012، ليقود بعدها أولى معاركه منذ تعيينه وزيرا للدفاع داخل أسوار عدن، حيث تمكن من إنهاء التمرد العسكري داخل فرع قوات الأمن الخاصة التي حاولت السيطرة على مقرات حيوية من بينها مطار عدن.

مهمة صعبة
يعلم الصبيحي جيدا أن الجيش ووحداته المنتشرة في الشمال والجنوب لا تدين بالولاء له بشكل كامل، لهذا حرص على زيارة المعسكرات والألوية في عدن، خصوصا المعسكرات التي تضم جنودا موالين للرئيس السابق، كما قام بتعيين قيادات جديدة في قاعدة العند الجوية التي تعد أكبر قاعدة عسكرية في البلاد، والتقى بقيادات ما تسمى اللجان الشعبية الجنوبية وطالبهم بأن يبتعدوا عن رفع شعارات الانفصال واللغة المناطقية، مؤكدا لهم أن عدو اليمن في الشمال والجنوب واحد وهم جماعة الحوثيين.
بحسب الخريطة العسكرية للجيش اليمني، فإن أغلب قواته تتوزع في الجنوب، ينتمي معظم منتسبيها إلى الشمال، وخلال الأيام الماضية فر كثير من الجنود من معسكراتهم باتجاه الشمال بعد تهديدات تعرضوا لها من الجنوبيين، وتبدو مهمة الصبيحي في إخضاع جميع المناطق العسكرية في الجنوب لإمرته صعبة، فمن بين سبع مناطق عسكرية توجد أربع مناطق في الجنوب والشرق وهي لا تزال بعيدة عن سيطرة الحوثيين وصالح اللذين يسيطران بشكل مباشر على ثلاث في الشمال، فالجنوب تقع فيه المنطقة العسكرية الأولى ومقر قيادتها مدينة سيئون، والمنطقة العسكرية الثانية ومقر قيادتها في المكلا، والمنطقة العسكرية الثالثة ومقر قيادتها في مأرب، وتمتد إلى محافظة شبوة الجنوبية والجوف في الشمال الشرقي، أما المنطقة العسكرية الرابعة ومقر قيادتها في مدينة عدن فهي من أهم المناطق العسكرية الخاضعة لهادي ووزير دفاعه، وكان الصبيحي قائدها قبل أن يعين وزيرا للدفاع، وتضم المنطقة العسكرية عدة ألوية ومعسكرات تمتلك أقوى الأسلحة الثقيلة والمتوسطة، لكن مصادر عسكرية تؤكد وجود كتائب خاصة تدين بالولاء التام للرئيس السابق، ما يجعلها مشكوكا في ولائها للصبيحي وخضوعها له.
ويبدو أن الأحداث التي عاشها الجنرال الصبيحي طوال فترة حياته العسكرية التي أمضى فيها 39 سنة شكلت شخصية الصبيحي المغامرة والشجاعة والنزيهة كما يصفه من عمل معه، ما جعله من أهم الشخصيات العسكرية التي تحظى باحترام وإجماع سواء في الجنوب أو الشمال، فالصبيحي عاصر المراحل التاريخية في الجنوب والشمال، فقد كان قائد عسكري شغل كثيرا من المناصب في وحدات الجيش قبل الوحدة اليمنية عام 1990، وبعدها عيّن أيضا في مناصب عسكرية، ومثلما كان الرجل آخر قائد عسكري رحل من عدن في حرب 1994، التي انتصرت فيها قوات الشمال على الجنوب في ما يعرف بحرب الانفصال، فإن الصبيحي أيضا عاد للخدمة العسكرية بعد توقف دام 15 عاما، ليعينه الرئيس السابق علي عبد الله صالح قائد محور العند وأحد مستشاريه، ثم عيّن عام 2013 قائدا للمنطقة العسكرية الجنوبية في عدن، وعيّن في 2014 وزيرا للدفاع في ظروف صعبة وأوضاع منهارة للجيش، وبعد استقالة حكومة خالد بحاح في مطلع العام الحالي حاول الحوثيون استغلال الجنرال الصبيحي وعينوه رئيسا للجنة الأمنية العليا، وطلبوا منه إصدار قرارات بتعيينات موالين لهم في الجيش، وهو ما رفضه الرجل بحسب شهادة المقربين منه، الذي أكدوا أن هذه الضغوطات كانت سببا في فراره من صنعاء وكسر الإقامة الجبرية عليه.

انتصارات وخذلان
يقول اللواء متقاعد صالح حربي لـ«الشرق الأوسط» إن الصبيحي عرف عنه أنه رجل عسكري بامتياز يمتلك الشجاعة والانضباط العسكري والجدية في العمل، كما أن يده نظيفة ولا يعرف أنه قام باستغلال الجيش لمصلحته الشخصية، لذا يحظى باحترام الجميع سواء من العسكريين الذين عملوا معه أو المدنيين الذين عرفوه عن قرب. ويلفت حربي إلى أن الصبيحي جاء من أسرة مناضلة شاركت مع الجبهة القومية في الجنوب، وتعتمد أسرته بشكل رئيسي على فلاحة الأرض البسيطة في قريته»، موضحا أن معارك الصبيحي تشهد له بجدارته في قيادة الجيش تحت أي ظروف، وقال: «لقد كان يتقدم الصفوف الأولى في المعارك التي خاضها ضد عناصر تنظيم القاعدة في بداية تأسيس ما تسمى جماعة أنصار الشريعة، ونجح في كسر شوكتهم وهزيمتهم، خصوصا في محافظة شبوة»، ويستدرك حربي: «لكن رغم هذه الانتصارات فقد كان الصبيحي يتعرض لخذلان من قبل القيادة السياسية والعسكرية المركزية سواء في صنعاء أو عدن، حيث كان يتلقى توجيهات بوقف انتصاراته ووقف الهجوم على مواقع (القاعدة)»، وأشار اللواء المتقاعد إلى أن الصبيحي تمكن خلال الفترة الماضية من توحيد مواقف الجنوبيين والوحدات العسكرية التي لا تزال في الجنوب».
وبسبب اندفاعه وتقدمه الصفوف الأولى في المعارك التي يخوضها فقد تعرض الصبيحي لسبع محاولات اغتيال، أسفرت عن مقتل وجرح كثير من مرافقيه. يقول المقربون من الصبيحي إن الحياة العسكرية طغت على حياته الشخصية، فأغلب وقته يقضيه داخل المعسكرات ومقرات القيادة العسكرية، يقول المحلل السياسي أنيس منصور الذي ينتمي إلى مسقط رأس الصبيحي في منطقة هويرب بمديرية المضاربة في لحج: «إن الصبيحي الذي له ستة أولاد، يعيش معظم وقته في وحدات الجيش وفي حل المشكلات في منطقته، وقبل شهرين توفي والده وكريمته»، موضحا لـ«الشرق الأوسط»: «إن كل الفصائل السياسية والاجتماعية في الجنوب تكن له الاحترام وهي راضية عنه»، وأشار منصور إلى أن الصبيحي يعيش حياة تقشف ويده نظيفة، فأسرته تنتمي إلى الطبقة المكافحة، ومنزله متواضع، وغالبا ما يصرف من جيبه، حرصا منه على أموال الدولة»، مؤكدا أنه ورغم أنه قائد عسكري فإنه لم يطلب من أبنائه الانخراط في الجيش كما يفعل كثيرون، فهناك من أولاده من يدرس في ماليزيا، ومنهم معلم في مدرسة، والبقية يعملون في فلاحة الأرض ورعاية الغنم».
لا يجيد الصبيحي السياسة، وكما هو معروف عن الحياة السياسية فقط طبعت الرجل بشخصية جريئة وجادة بعيدا عن التعاملات الدبلوماسية، وقد ظهر ذلك في أحد مقاطع الفيديو الذي صورته في اجتماع لقيادات عسكرية مع سلفه اللواء محمد ناصر أحمد، ويظهر المقطع الصبيحي الذي كان يشغل قائد المنطقة الرابعة، أثناء إلقاء كلمته وانتقاده لموقف السلطات المركزية من دعم وحدات عسكرية في الجنوب، ليقاطعه وزير الدفاع، ما أغضب الصبيحي الذي وبخه وطلب منه السكوت حتى يكمل كلامه.
من جانبه يقول المحلل السياسي عبد الله الوصابي لـ«الشرق الأوسط» إنه رغم اللحظات التي كان فيها الصبيحي لغزا كبيرا لدى اليمنيين، وعدم قدرتهم على تحليل مواقفه، فإن الرجل اكتسب كثيرا من الزخم والثقة وعلقت عليه آمال كبيرة عندما رفض الانصياع لوضعه لدى الحوثيين بعد البيان الانقلابي الذي على أساسه عينه الحوثيون رئيسا للجنتهم الأمنية، رغم ما يحمله ذلك من مزايا ووضع عسكري كبير، مشيرا إلى أن الصبيحي نجح في أن يكتسب بخروجه من مظلة الحوثيين والتحاقه بالرئيس الشرعي هادي كثيرا من الاحترام والتقدير، ويثبت أنه لن يقبل أن يكون أداة بيدهم لتمرير مشروعهم، وجعله محافظا للقسم العسكري الذي خانه كثير من قيادات الجيش قبله»، ويؤكد الوصابي أن «كثيرا من الآمال معلق عليه في لملمة ما تبقى من جيش وطني، وتنظيم اللجان الشعبية وتنقيتها وجعلها لجانا شبه رسمية منضبطة تؤسس لتكون جزءا من الجيش الوطني».
أما الصحافي الجنوبي فؤاد مسعد فيعتبر أن ما عمله الصبيحي خلال الفترة الماضية رفع رصيده الوطني، فخروجه المفاجئ من صنعاء وانتقاله إلى عدن شكّل ضربة موجعة لميليشيا الانقلاب الحوثية، وتبعها بضربة موجعة ثانية حين قاد معركة عسكرية خاطفة لإخماد التمرد الذي دعمه الحوثيون وصالح في عدن ولحج، ويؤكد مسعد أن «الثقة التي يحظى بها الصبيحي من القوى السياسية والعسكرية جعلته معظم اليمنيين يراهنون عليه، في قيادة المواجهات مع مسلحي الحوثي وصالح».

من هو محمود أحمد سالم الصبيحي؟

مواليد: هويرب مديرية المغاربة محافظة لحج 1948م، متزوج ولديه 6 أولاد.
المؤهلات:

- بكالوريوس علوم عسكرية – الكلية العسكرية عدن 1976م.
- ماجستير علوم عسكرية - أكاديمية فرونزا - الاتحاد السوفياتي 1978 - 1982م.
- دورة قيادة وأركان - أكاديمية فورنزا 1988م.
المناصب التي تقلدها:

- أركان حرب لواء ملهم 1982 - 1986م.
- قائد اللواء 25 ميكا 1986 - 1988م.
- قائد الكلية العسكرية عدن 1988 - 1990م.
- نائب مدير الكلية الحربية 1990 - 1993م.
- قائد اللواء 25 ميكا 1993 - 1994م.
- مستشار القائد الأعلى للقوات المسلحة 2010م.
- قائد محور العند قائد اللواء 201 ميكا مارس (آذار) 2011 - 2013م.
- قائد المنطقة العسكرية الرابعة، (2013 - 2014).
- وزير الدفاع في حكومة خالد بحاح، 7 نوفمبر (تشرين الثاني) 2014.
- عينه الحوثيون بعد انقلابهم على الرئيس هادي رئيسا للجنة الأمنية في فبراير (شباط) 2015.
- كسر الإقامة الجبرية وخرج من صنعاء إلى مسقط رأسه في لحج الجنوبية، في 8 مارس 2015.



دوما بوكو... رئيس بوتسوانا «العنيد» يواجه تحديات «البطالة والتمرد»

دوما بوكو
دوما بوكو
TT

دوما بوكو... رئيس بوتسوانا «العنيد» يواجه تحديات «البطالة والتمرد»

دوما بوكو
دوما بوكو

لا يختلف متابعو ملفات انتقال السلطة في أفريقيا، على أن العناد مفتاح سحري لشخصية المحامي والحقوقي اليساري دوما بوكو (54 سنة)، الذي أصبح رئيساً لبوتسوانا، إثر فوزه في الانتخابات الرئاسية بنهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. «عناد» الرئيس الجديد قاده، وعلى نحو مذهل، لإزاحة خصمه الرئيس السابق موكغويتسي ماسيسي ومن خلفه حزب قويّ هيمن على السلطة قرابة 6 عقود مرّت على استقلال بوتسوانا. ويبدو أن وعورة طريق بوكو إلى الانتصار لن تحجب حقيقة أن وديعة الفقر والفساد والبطالة و«تمرّد الاستخبارات»، التي خلفها سلفه ماسيسي، ستكون أخطر الألغام التي تعترض مهمة بوكو، الذي دشّن مع بلاده تداولاً غير مسبوق للسلطة، في بلد حبيسة جغرافياً، اقترن فيها الفقر مع إنتاج الماس.

إلى جانب «العناد في ساحة القتال» والتواضع المُقترن بالثقة في النفس، يبدو أن رهان الانتصار للفقراء والطبقات الدنيا هو المحرّك الرئيسي في المسارات المتوقعة للرئيس البوتسواني الجديد دوما بوكو. وبالفعل، لم يبالغ الرئيس المنتخب في أول تصريحاته لوسائل الإعلام عندما خاطب شعبه قائلاً: «أتعهد بأنني سأبذل قصارى جهدي وعندما أفشل وأخطئ، سأتطلع إليكم للحصول على التوجيه».

هذه الكلمات قوبلت باهتمام واسع من جانب مراقبين، بعد أداء بوكو (54 سنة) اليمين الدستورية أمام حشد من آلاف من الأشخاص في الاستاد الوطني بالعاصمة خابوروني، في مراسم حضرها قادة مدغشقر، وناميبيا، وزامبيا وزيمبابوي، وبدأت معها التساؤلات عن مستقبل بوتسوانا.

من هو دوما بوكو؟

وُلد دوما جديون بوكو عام 1969، في قرية ماهالابي الصغيرة التي تبعد 200 كلم عن العاصمة خابوروني، وترعرع وسط أسرة متواضعة، لكن اللافت أنه كان «يتمتع بثقة عالية في النفس واحترام أهله وذويه في طفولته وصباه»، وفق كلام لأقاربه لوسائل إعلام محلية. وهذه الصفات الإيجابية المبكرة، اقترنت لدى الرئيس الجديد بـ«إيمان عميق بالعدالة»، وفق عمته، وربما أكسبته هذه الصفات ثقة زملاء الدراسة الذين انتخبوه رئيساً لاتحاد الطلاب في المدرسة الثانوية.

أكاديمياً، درس بوكو القانون في جامعة بوتسوانا، لكنه - بعكس أقرانه اليساريين في العالم - كان منفتحاً على إكمال دراسته القانونية في الولايات المتحدة، وبالذات في كلية الحقوق بجامعة هارفارد العريقة، حيث تشربت ميوله اليسارية بـ«أفكار ديمقراطية» انعكست على مستقبله السياسي. أما عن المشوار المهني، فقد ذاع صيت بوكو بوصفه أحد ألمع محامين بوتسوانا.

مشوار التغيير

نقطة التحول في رحلة الرئيس الجديد باتجاه القصر الرئاسي، بدأت بتوليه زعامة حزب «جبهة بوتسوانا الوطنية» عام 2010.

يومذاك، كانت «الجبهة» تتمسك بأفكار شيوعية تلاشت مع أفول شمس الإمبراطورية السوفياتية، إلا أن بوكو بحنكته وواقعيته، مال بها نحو اشتراكية «يسار الوسط». ولم يتوقف طموح بوكو عند هذه النقطة، بل خطا خطوة غير مسبوقة بتشكيله ائتلاف «مظلة التغيير الديمقراطي» عام 2012، وهو تحالف من الأحزاب المعارضة للحكومة بينها «الجبهة». وأطلق بهذا الائتلاف عملياً «شرارة» التغيير بعد إحباط طويل من هزائم المعارضة أمام الحزب الديمقراطي البوتسواني، المحافظ،، الذي حكم البلاد منذ استقلالها عن بريطانيا عام 1966.

طوال 12 سنة، لعب المحامي اليساري الديمقراطي بوكو دوراً حاسماً في قيادة الائتلاف، ولم ييأس أو يستسلم أو يقدم تنازلات على الرغم من الهزائم التي لحقت بالائتلاف.

وفي غمار حملة الدعاية بانتخابات الرئاسة البوتسوانية الأخيرة، كان المحللون ووسائل الإعلام منشغلين بانعكاسات خلاف قديم بين الرئيس (السابق) ماسيسي وسلفه الرئيس الأسبق إيان خاما، في حين ركّز بوكو طوال حملته على استقطاب شرائح من الطبقات الدُّنيا في بلد يفترسه الفقر والبطالة، وشدّدت تعهدات حملته الانتخابية عن دفاع قوي عن الطبقات الاقتصادية الدنيا في المجتمع وتعاطف بالغ معها.

ووفق كلام الصحافي إنوسنت سيلاتلهوا لـ«هيئة الإذاعة البريطانية» (بي بي سي) كان بوكو «يناشد أنصاره الاقتراب من الناس والاستماع إلى شكاواهم». وبجانب أن أسلوب الرئيس الجديد - الذي استبعد الترشح لعضوية البرلمان) - كان «جذاباً وودوداً دائماً» مع الفقراء وطبقات الشباب، حسب سيلاتلهوا، فإن عاملاً آخر رجَّح كفّته وأوصله إلى سدة السلطة هو عودة الرئيس الأسبق خاما إلى بوتسوانا خلال سبتمبر (أيلول) الماضي من منفاه في جنوب أفريقيا، ليقود حملة إزاحة غريمه ماسيسي عبر صناديق الاقتراع.

انتصار مفاجئ

مع انقشاع غبار الحملات الانتخابية، لم يتوقع أكثر المتفائلين فوز ائتلاف بوكو اليساري «مظلة التغيير الديمقراطي» بالغالبية المطلقة في صناديق الاقتراع، وحصوله على 36 مقعداً برلماناً في انتخابات 30 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، مقارنة بأربعة مقاعد فقط للحزب الديمقراطي. وبالتالي، وفق دستور بوتسوانا، يحق للحزب الذي يسيطر على البرلمان اختيار الرئيس وتشكيل حكومة جديدة. ولقد خاضت 6 أحزاب الانتخابات، وتقدم أربعة منها بمرشحين لرئاسة الجمهورية، في حين سعى ماسيسي لإعادة انتخابه لولاية ثانية رئيساً للدولة.

تكابد بوتسوانا التي يبلغ عدد سكانها 2.6 مليون نسمة

مستويات عالية جداً من البطالة نسبتها 27.6 % فضلاً

عن معدلات فقر تقترب نسبتها من 38 %

وبقدر ما كانت هذه الهزيمة صادمة للحزب الديمقراطي والرئيس السابق ماسيسي - الذي سارع بالاعتراف بالهزيمة في حفل التنصيب - فإنها فاجأت أيضاً بوكو نفسه، الذي اعترف بأنه فوجئ بالأرقام.

تعزيز العدالة الاجتماعية

لعل بين «أسرار» نجاح بوكو، التي رصدها ديفيد سيبودوبودو، المحلل السياسي والأستاذ في جامعة بوتسوانا، «بروزه زعيماً حريصة على تعزيز العدالة الاجتماعية». وفي مسار موازٍ رفعت أسهمه خبرته الحقوقية وخاصة حقوق قبيلة الباساروا (السان)، وهم السكان الأصليون في بوتسوانا، وفق موقع «أول أفريكا». هذا الأسبوع، دخلت وعود الرئيس الجديد محك التجربة في مواجهة مرحلة بلد يعاني مرحلة «شكوك اقتصادية»؛ إذ تكابد بوتسوانا التي يبلغ عدد سكانها 2.6 مليون نسمة، مستويات عالية جداً من البطالة تبلغ 27.6 في المائة، فضلاً عن معدلات فقر تقترب نسبتها من 38 في المائة، وفق أرقام رسمية واستطلاعات رأي. وخلص استطلاع حديث أجرته مؤسسة «أفروباروميتر» إلى أن البطالة هي مصدر القلق «الأكثر إلحاحاً» للمواطنين مقارنة بالقضايا الأخرى.

الأرقام السابقة تصطدم بوعود أعلنها بوكو برفع الراتب الأساسي وعلاوات الطلاب ومعاشات الشيخوخة، والاهتمام بشريحة الشباب، علماً بأن نحو 70 في المائة من سكان البلاد دون سن الـ35 سنة. ويتمثل التحدي الأكبر بتعهد الرئيس بـ«تنويع الاقتصاد» الذي يعتمد في 90 في المائة من صادراته على الماس. لذا؛ قال الباحث سيبودوبودو لموقع «أول أفريكا» شارحاً: «حكومة بوكو في حاجة إلى تحويل الاقتصاد بحيث يخلق فرص العمل، وهذا أمر صعب في خضم ركود سوق الماس، أكبر مصدر للدخل في البلاد». في المقابل، يرى المحلل السياسي ليسولي ماتشاشا أن الرئيس بوكو «شغوف بالمعرفة والتعليم، ولديه دائماً فهم جيد للشؤون والقضايا الداخلية الجارية في بوتسوانا... وكذلك فهو جاد في إصلاح البلاد».

... الدافع الحقوقي

وفي موازاة الهاجس الاقتصادي، يبدو أن الدافع الحقوقي سيشكل عنصراً مهماً في أجندة بوكو الرئاسية؛ إذ عبر في مقابلة مع «بي بي سي» عن عزمه منح إقامة مؤقَّتة وتصاريح عمل لآلاف المهاجرين الذين وصلوا خلال السنوات الأخيرة بشكل غير نظامي إلى البلاد من الجارة زيمبابوي. وفي معرض تبريره هذا القرار، أوضح بوكو: «إن المهاجرين يأتون من دون وثائق؛ ولذا فإنَّ حصولهم على الخدمات محدود، وما يفعلونه بعد ذلك هو العيش خارج القانون وارتكاب الجرائم». ثم تابع مستدركاً: «ما يجب علينا فعله هو تسوية أوضاعهم».

ترويض مديرية الاستخبارات

لكن، ربما تكون المهمة الأصعب للرئيس الجديد هي ترويض «مديرية الاستخبارات والأمن»، التي يرى البعض أنها تتعامل وكأنها «فوق القانون أو هي قانون في حد ذاتها».

وهنا يشير الباحث سيبودوبودو إلى تقارير تفيد بأن الاستخبارات عرقلت التحقيقات التي تجريها «مديرية مكافحة الفساد والجرائم الاقتصادية» في قضايا فساد، تتمثل في تربّح بعض أقارب الرئيس السابق من المناقصات الحكومية، وأنباء عن انخراط الجهاز الاستخباراتي في أدوار خارج نطاق صلاحياته، وتضارب عمله مع الشرطة ومديرية الفساد. «وبناءً على ذلك قد تبدو مهمة بوكو صعبة في إعادة ترتيب مؤسسات الدولية السيادية، علماً بأن (مديرية الاستخبارات والأمن) كانت مركز تناحر بين الرئيس السابق وسلفه إيان خاما، كما أن المؤسسات التي كان من المفترض أن توفر المساءلة، مثل (مديرية مكافحة الفساد) والسلطة القضائية، جرى إضعافها أو تعريضها للخطر في ظل صمت الرئيس السابق».أخيراً، من غير المستبعد أن يفرض سؤال محاكمات النظام السابق نفسه على أجندة أولويات الرئيس الجديد، وفق متابعين جيدي الاطلاع، مع الرئيس السابق الذي لم يتردد في الإقرار بهزيمته. بل، وأعلن، أثناء تسليم السلطة، مجدداً أن على حزبه «التعلم الآن كيف يكون أقلية معارضة».