الجزائر: جنازة «على نطاق ضيق» لبوتفليقة

حالت السلطات الجزائرية دون خروج جنازة شعبية، أمس، للرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة في طريقه إلى «مقبرة العالية» بالعاصمة، حيث ووري الثرى؛ إذ مُنع الآلاف من حضورها، واقتصرت المراسم على كبار المسؤولين المدنيين والعسكريين؛ يتقدمهم الرئيس عبد المجيد تبون ورئيس أركان الجيش الفريق سعيد شنقريحة، والسفراء الأجانب المعتمدين.
وشارك في التشييع ناصر بوتفليقة؛ شقيق الرئيس السابع للجزائر، فيما غاب شقيقه الأصغر ومستشاره سابقاً؛ سعيد، المسجون في قضايا فساد، والذي غادر السجن برخصة استثنائية، أول من أمس، لإلقاء النظرة الأخيرة على جثمان شقيقه في مقر إقامته بالعاصمة.
وانطلق الموكب الجنائزي صباحاً من «الإقامة الرئاسية زرالدة» في الضاحية الغربية للعاصمة، محاطاً بالعربات العسكرية وسيارات تابعة للرئاسة، ومرّ ببعض الأحياء في وسط العاصمة؛ وتحديداً «شارع جيش التحرير» الذي يقود إلى المقبرة التي دُفن فيها الرؤساء السابقون: أحمد بن بلة، وهواري بومدين، والشاذلي بن جديد، ومحمد بوضياف، وعلي كافي. كما دُفن فيها رموز ثورة الاستقلال، ومؤسس الدولة الجزائرية الحديثة الأمير عبد القادر الجزائري.
واصطف أشخاص على أطراف الطريق يراقبون الموكب الرسمي الجنائزي؛ منهم من أبدى حزناً على الرئيس الذي اختلفت مواقف الجزائريين حول فترة حكمه. وقال ستيني في حي «الديار الخمس» القريب من المقبرة، عند مرور الموكب إلى جوار بيته: «يتحمل بوتفليقة سوء التسيير والفساد الذي استشرى في البلاد خلال 20 سنة قضاها في السلطة. هذا الأمر لا يختلف حوله الناس، لكن لا أحد ينكر فضله في طي صفحة الآلام التي عشناها خلال مرحلة الاقتتال مع الإرهاب، كما أنه يمثل العصر الذهبي للجزائر في السبعينات حينما كان وزيراً للخارجية».
وباتت صورة بوتفليقة مشوّهة في عيون قطاع كبير من الجزائريين، وذلك منذ انفجار الشارع ضده في 22 فبراير (شباط) 2019 عندما أعلن مقربون منه ترشحه لولاية خامسة، وهو عاجز عن الحركة بسبب المرض.
اللافت أن وسائل الإعلام الحكومية وأغلب وسائل الإعلام الخاصة، لم تخصص مساحة كبيرة لوفاة الرئيس. وقد عكس ذلك تعاطي السلطات مع الموضوع؛ فقد حرصت على عدم «تضخيم» الحدث. ويعود ذلك إلى الموقف الرسمي من الرئيس السابق الذي يقدم في الخطاب الحكومي على أنه يمثل «مرحلة حالكة من تاريخ الجزائر»، وجب طيها ومحوها من الأذهان. وقد اقتصرت تغطية الجنازة على وكالة الأنباء والتلفزيون الحكوميين.
وكان قد أُعلن في السابق أن جثمانه سيسجى في «قصر الشعب» بالعاصمة لإلقاء نظرة الوداع، لكن هذه المراسم أُلغيت، رغم أن هذا المبنى الاحتفالي قد شهد استعدادات لاستقبال جثمان الرئيس السابق بحضور كبار الشخصيات في البلاد. وسجيت جثامين أسلاف بوتفليقة؛ وحتى رئيس الأركان السابق الفريق أحمد قايد صالح، في هذا القصر قبل أن تُوارى الثرى.
وحضر مراسم الجنازة إلى جانب رئيس الجمهورية، رئيس مجلس الأمة صالح قوجيل، وهو الرجل الثاني في الدولة بحسب الدستور، ورئيس المجلس الشعبي الوطني (الغرفة البرلمانية الأولى) إبراهيم بوغالي، والوزير الأول أيمن بن عبد الرحمن. وفي كلمة تأبينية، أشار وزير المجاهدين وذوي الحقوق العيد ربيقة إلى «المسيرة النضالية للفقيد»، وسرد أبرز محطات حياته السياسية.
يذكر أن بوتفليقة؛ الذي توفي ليل الجمعة، تولى سدة الحكم سنة 1999 خلفاً للرئيس ليامين زروال، وأعيد انتخابه لأربع ولايات متتالية.
وكان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وصف، أمس، الرئيس الجزائري السابق بأنه «وجه كبير للجزائر المعاصرة وشريك لفرنسا» خلال أعوامه العشرين في الحكم. ووجه ماكرون في بيان أصدره «الإليزيه»؛ «تعازيه إلى الشعب الجزائري»، مؤكداً أنه يبقى «ملتزماً تطوير العلاقات الوثيقة من التقدير والصداقة بين الشعب الفرنسي والشعب الجزائري».
وبعث العاهل المغربي الملك محمد السادس برقية تعزية ومواساة إلى الرئيس تبون، في وفاة بوتفليقة. ومما جاء في برقية ملك المغرب: «علمت، ببالغ التأثر والأسى، بنبأ وفاة المشمول بعفو الله، رئيس الجمهورية السابق، المرحوم عبد العزيز بوتفليقة، تغمده الله بواسع رحمته».
وأعرب العاهل المغربي للرئيس الجزائري، «ومن خلاله لعائلة الفقيد وللشعب الجزائري الشقيق، عن أحر التعازي وأصدق المواساة، داعياً الله تعالى أن يلهمكم جميل الصبر وحسن العزاء، وأن يشمل الراحل الكبير بمغفرته ورضوانه ويسكنه فسيح جنانه». واستحضر عاهل المغرب «الروابط الخاصة» التي كانت تجمع الفقيد بالمغرب، «سواء خلال فترة النشأة والدراسة في مدينة وجدة، أو في مرحلة النضال من أجل استقلال الجزائر»، مشيراً إلى أن «التاريخ يسجل أن الراحل طبع مرحلة مهمة من تاريخ الجزائر الحديث».
وبعث الملك محمد السادس أيضاً برقية تعزية ومواساة إلى أفراد أسرة الرئيس الراحل بوتفليقة. وجاء في البرقية: «تلقينا بعميق التأثر نبأ وفاة المرحوم عبد العزيز بوتفليقة، الرئيس السابق للجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية، تغمده الله بواسع رحمته وأسدل علية أردية غفرانه». وأعرب لأفراد أسرة الراحل «ومن خلالكم، لكافة أهلكم وذويكم، عن أحر تعازينا وأصدق مشاعر مواساتنا وتعاطفنا معكم في هذا الرزء الفادح الذي لا رادّ لقضاء الله فيه، سائلينه تبارك وتعالى أن يلهمكم أجمل الصبر وأوفى العزاء». وتابع: «إننا ونحن نشاطركم أحزانكم، لندعو الله العلي القدير أن يجزل ثواب الفقيد المبرور، وأن يسكنه فسيح جنانه، ويتقبله في عداد الصالحين من عباده، المنعم عليهم بالجنة والرضوان».
يذكر أن الجزائر قطعت علاقاتها الدبلوماسية مع المغرب في 24 أغسطس (آب) الماضي.