«طالبان» تطلب مساعدات من المجتمع الدولي

تشمل استثمارات ومشروعات إعادة إعمار

TT

«طالبان» تطلب مساعدات من المجتمع الدولي

دعا متحدث باسم «حركة طالبان» في مدينة قندوز، عاصمة الولاية التي تحمل نفس الاسم، شمال أفغانستان، المجتمع الدولي إلى زيادة تقديم مساعدات للبلاد، مؤكداً على أن المتشددين الإسلاميين ليسوا إرهابيين. وقال المتحدث باسم ولاية قندوز، مطيع الله روحاني، إن المعونات ربما تأخذ شكل استثمار أو مشروعات إعادة إعمار «أو أي نوع من المساعدات الإنسانية للحكومة أو لمواطني أفغانستان»، وذلك في طلب موجه إلى «المجتمع الدولي، بما في ذلك ألمانيا». وأضاف المتحدث أن «طالبان» «سوف ترحب كثيرا بالمساعدة».
وكانت «طالبان» قد استولت على ولاية قندوز، في الثامن من أغسطس (آب) الماضي، في واحدة من سلسلة من التطورات السريعة التي شهدت في نهاية المطاف سيطرة الحركة على الدولة بأكملها. وكانت آخر القوات الأميركية قد غادرت أفغانستان في نهاية الشهر الماضي، ما يمثل نهاية مهمة عسكرية أميركية ودولية استمرت حوالي عقدين من الزمان.
وانتقد روحاني المجتمع الدولي بسبب دعم ما وصفها بأنها «حكومة فاسدة» في أفغانستان على مدار العشرين عاما الماضية، لكن أوقف معوناته عندما تولت «طالبان» السلطة. وتابع أن «طالبان» جلبت السلام إلى أفغانستان، قائلاً: «نحن لسنا إرهابيين».
يشار إلى أنه خلال فترة «طالبان» الأولى في السلطة، بين عام 1996 وعام 2001 فرضت الحركة المتشددة أسلوب حياة إسلاميا صارما، ومنعت النساء بشكل كامل من العمل والتعليم خارج المنزل. ورفض روحاني التعليق على سياسات «طالبان» المثيرة للجدل حول النساء، واكتفى بالقول إن «طالبان» فقط هي التي تقدر جميع المواطنين، نساء ورجالا على حد سواء.
ووفقاً لدراسة أجريت في عام 2014 يذهب نحو 53 في المائة من إنفاق الأسر في المناطق الريفية إلى الغذاء فقط، ومن المحتمل ألا يكون هذا الوضع قد تحسن في السنوات السبع الأخيرة.
وبسبب التأثيرات طويلة المدى للجفاف وجائحة «كورونا»، ارتفعت أسعار دقيق القمح في كابل بنحو 20 في المائة عن متوسطها التاريخي خلال معظم العام الماضي. ومن المحتمل أن يزداد هذا الوضع سوءاً نتيجة للاضطرابات الحالية، وإذا اعتقد المرء أن مشاكل سلسلة الإمدادات في الدول الغربية من شأنها أن تؤدي إلى نقص وتضخم، فإن هذا لا يقارن بنوع الفوضى المدنية وحالة الغموض التي تشهدها أفغانستان.
وكان مسؤول سابق بوزارة الخارجية الأفغانية قد أعلن أن بعض سفارات بلاده تعمل بشكل مستقل، وأن طبيعة عائداتها ما زالت مجهولة. وأشارت الوزارة إلى أن إحدى السفارات لم تودع أموالها بعد في البنك المعتاد، ورفضت أربع سفارات أخرى الإجابة عن أسئلة عن أنشطتها، حسبما أفادت وكالة «باجهوك» الأفغانية للأنباء.
وقال مسؤول سابق في وزارة الخارجية لوكالة «باجهوك»، شريطة عدم الكشف عن هويته، إن 80 في المائة من موظفي الوزارة غادروا أفغانستان بعد استيلاء «طالبان» على السلطة. وأضاف أن الإدارات السياسية بوزارة الخارجية مسؤولة عن الحفاظ على العلاقات مع سفارات الدول الأخرى، لكن يوجد حاليا عدد أقل من الموظفين في الإدارات.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟