يشكّل ضيوف البرامج التلفزيونية في لبنان عصب المحتوى الأساسي للحلقات المعروضة عبر الشاشة الصغيرة، فهم حاجة وضرورة لبرنامج سياسي كما لنشرات الأخبار.
ثم إن من شأن هؤلاء الضيوف أن يلوّنوا برنامجاً صباحياً أو ترفيهياً مسلياً. وعادة ما يلبي الضيف دعوة الإعلامي ويحضر شخصياً إلى مبنى التلفزيون لتسجيل أو إجراء مقابلة مباشرة على الهواء. وبدوره، فإن الإعلامي يستمتع باستقبال ضيفه وبحضوره معه في الاستوديو. ولكن في ظل انتشار جائحة «كوفيد - 19» تبدّل المشهد العام للحوارات التلفزيونية، بحيث غلبت عليها الاستضافات عبر تطبيقات إلكترونية. ولعل أكثر هذه التطبيقات رواجاً في هذا المجال؛ «زووم» و«سكايب».
هكذا صار الضيف يطل على المشاهد من منزله أو من مكتبه. وبدل أن يجلس أمام محاوره ينظر إليه ويتفاعل مع أسئلته وجهاً لوجه، صار يركز اهتمامه على كاميرا حاسوبه الآلي. ومرات كثيرة يضيع المشاهد بين المحتوى الذي يتفوه به الضيف والخلفية الموجود فيها. فيتحوّل تركيزه إلى نوعية أثاث منزل الضيف مثلاً. وهو ما جرى في إحدى المقابلات التلفزيونية، التي أطل فيها وزير الصحة حمد حسن. يومها انشغل اللبنانيون عبر وسائل التواصل الاجتماعي بالحديث عن الأريكة القديمة التي يجلس عليها. ومرات أخرى يولّد ضعف الاتصال بين الضيف ومحاوره مواقف حرجة، فتنطفئ شعلة الحوار بينهما قبل أن تولد.
سلبيات وإيجابيات
جورج صليبي، مذيع نشرات الأخبار ومقدم الحوارات البرامج السياسية قال في حديث لـ«الشرق الأوسط»، إن «جائحة كورونا أسهمت بشكل مباشر، في اتباع هذا النوع من الاستضافات التلفزيونية. وجاءت أزمة الوقود في لبنان لتزيدها رواجاً. فالتباعد الاجتماعي المفروض علينا كجميع سكان الكرة الأرضية من ناحية، وندرة مادة الوقود كوننا من سكان لبنان، دفعت بنا كإعلاميين إلى التواصل مع ضيوفنا عبر (زووم) و(سكايب)». وتابع موضحاً: «هناك أوجه سلبية وأخرى إيجابية لهذا الأسلوب في التحاور التلفزيوني. فالحضور وجهاً لوجه مع الضيف له نكهته الخاصة، ويولد تفاعلاً وحماساً بين الطرفين نفتقده في المقابلات التي تجري عبر (زووم). كما أن هناك عامل الغدر الذي يتسبّب به انقطاع التيار والإنترنت، فيطيح بالمقابلة ويحتل التشويش وانقطاع البث الدور الرئيسي على الشاشة. وفي رأيي هذا التفاعل الذي يلمسه المحاور مباشرة مع ضيفه في الاستوديو لا يمكن تعويضه ولا بديل عنه برأيي. ولكن من ناحية ثانية هذا النوع من المقابلات هو بمثابة خطة طوارئ يلجأ إليها الإعلامي للاستمرار في برنامجه... أحياناً كثيرة وفي ظل الجائحة، يكون من الأفضل تقليل عدد الضيوف في الاستوديو، والاستعانة بضيوف عبر وسائل التواصل الاجتماعي. باختصار، لهذا الأسلوب إيجابياته وسيئاته. إذ أحياناً يشعر المشاهد بالملل وهو يتابع حديثاً سياسياً من وراء شاشة صغيرة، وبالكاد يرى ملامح وجه الضيف». وأردف أن المشهدية التلفزيونية بشكل عام تتأثر، «ولذلك نركن مرات كثيرة إلى عدد أكبر من الضيوف، من باب التنويع والتعويض بالحوارات الرشيقة. كما أن هذه الوسائل حققت نوعاً من التساوي بين جميع الضيوف مهما علا شأنهم. فاليوم نرى سياسياً مثل وليد جنبلاط يتحدث عبر سكايب، تماماً كأي مواطن لبناني يشكو همومه لمراسلة الأخبار على الأرض». ويختم صليبي بالقول: «هي فترة غريبة نعيشها اليوم في العمل الإعلامي، لم أكن شخصياً أتصور أنني سأصل إليها يوماً».
من ناحيتها، تؤكد مذيعة الأخبار ومقدمة البرامج السياسية ندى أندراوس عزيز، أن «زووم» و«سكايب» سهّلا العمل الإعلامي التلفزيوني. وتابعت خلال لقاء مع «الشرق الأوسط» القول: «في أجواء عامة، انقطع فيها العالم عن التواصل مع بعضه جاءت هذه التطبيقات لتنتشلنا من وحدتنا. فتصوّروا لو كنا نعيش في حقبة سابقة لانتشار وباء ما، حيث لم تكن هذه التطبيقات متوفرة». وحسب رأي ندى، فإن إيجابيات هذا الأسلوب في الاستضافات كثيرة تغلب على سلبياته، «إذ أصبح التواصل مع الآخر ومحاورة الضيف أسرع. صحيح أنه يفقد المشهدية التلفزيونية بشكل عام مستواها الإعلامي المشهور بها، ولكن في الوقت نفسه تختصر المسافات والوقت. وأنا شخصياً أثناء الحجر المنزلي مثل غيري من الزملاء، كنا نطل من بيوتنا لتزويد نشرات الأخبار بتحقيقات خاصة. ولا شك أن (سكايب) و(زووم) وفّرا علينا الدَّوَران في فراغ قاتل، كان في استطاعته أن يحرم حلقة كاملة من تلوينها بضيف».
والواقع أنه لم تقتصر هذه الاتصالات عبر وسائل التواصل الاجتماعي على ضيوف البرامج التلفزيونية، فهي كانت وسيلة متبعة أيضاً لدى مراسلي نشرات الأخبار ومقدمي نشرات الطقس. وهنا يقول جو القارح، وهو مقدم نشرات الطقس، لـ«الشرق الأوسط» شارحاً: «أنا شخصياً لا أحبّذ تقديم نشرة الطقس عبر (زووم) أو ما شابه. وأحرص على تقديمها من الاستوديو، إذ أشعر بالحرفية بشكل أكبر وبأنني موجود في ملعبي الحقيقي. فللكاميرا والاستوديو بشكل عام لذتهما التي لا تضاهيها إطلالة عبر (زووم)... ثم إنني عندما أطل من منزلي يعتريني القلق خوفاً من انقطاع التيار أو الـ(كونيكشن). كذلك تكون مسؤوليتي أكبر، إذ إن أسلوب التقديم يصبح محصوراً بي فقط، بينما في الاستوديو تلونه عناصر كثيرة منها برنامج توزيع درجات حرارة الطقس، وتقارير شيقة عن مناطق لبنانية».
موالون ومعارضون لـ«سكايب»
في الحقيقة، ينقسم الإعلاميون بين موالٍ ومعارض للاستضافات التلفزيونية عبر «سكايب». إلا أن غالبيتهم ترى فيها نعمة كمدير الأخبار والبرامج السياسية في قناة «إم تي في» غياث يزبك. يزبك قال لـ«الشرق الأوسط» في حوار معه «إن دخول هذه التقنيات على العمل الإعلامي نعمة بلا شك... إنها أسهمت في تسهيل التواصل، كما سرّعت في الوقوف على آراء هذا السياسي أو ذاك وبظرف دقائق قليلة. نعم هناك اعتلالات ترافق هذه التقنيات وتتسبب في تشويهات تلفزيونية، كانقطاع الإنترنت ومن ثم الصورة والصوت، لكنها برأيي ممر إجباري يخرق النمط التقليدي الذي اعتادت عليه محطات التلفزيون. وأعتقد أن هذا التحول الآني سيصبح نهائياً بعد سنوات قليلة». ويستطرد يزبك موضحاً رأيه، فيقول إن هذا «التزاوج بين النمط التلفزيوني التقليدي والنمط الحديث المتجدد سيختفي تماماً ليحل مكانه هذا الأخير... بالتأكيد سيخسر الإعلامي لذة اللقاءات المباشرة، لكننا إذا تصورنا أنه لا يوجد حل لكل هذه المشكلات اللوجيستية التي نعيشها، لكان الأمر أسوأ. مع هذا، في المقابل، الإفراط باللجوء إلى هذه التقنية ولّد نوعاً من الكسل والتراخي لدى البعض، وإن كانت ثغرات يمكن التخلص منها». ويختتم يزبك قائلاً: «أعتقد أنه لم يعد في استطاعتنا الالتفات إلى الوراء، واستذكار ساعي البريد وشريط الكاسيت وتلفزيون الأسود والأبيض. الأمر نفسه ينطبق على المشهدية التلفزيونية، إذ سنذهب حتماً نحو التطور».
أخيراً، التقت «الشرق الأوسط» ماغي عون، إحدى أبرز المذيعات التلفزيونيات اللاتي واكبن المشهد المرئي القديم والجديد في لبنان، وهي راهناً تشارك في تقديم برنامج صباحي، فقالت معلقة: «لا شك أن اللقاءات المباشرة مع الضيوف لا تعوض. فوجود الضيف مباشرة في الاستوديو بلغة جسده والاتصال بالعين، له وقعه الخاص على المحاور والمشاهد معاً. كما أنه هو نفسه تخفّ وتيرة تفاعله فلا يعود يترك الانطباع نفسه لدى المشاهد عبر (زووم)... وبالنسبة لي، كنت قاب قوسين من اتخاذ قراري بوقف مسيرتي، خصوصاً أن المحطة التي أعمل فيها كانت مترددة باتباع هذا النوع من الاتصالات في البرامج. غير أن هذه التقنية وفّرت علينا خطر المواجهة والحفاظ على سلامة صحتنا وهذا هو الأهم». وأكملت: «ما زلت حتى اليوم أتفادى اللقاءات المباشرة، وأقف مع إدارة الإنتاج على حالات الضيوف وإذا ما كانوا ملقّحين أم لا. ولكني في النهاية اعتدت على هذا الأمر، خصوصاً أنني أعطي دروساً لطلابي الجامعيين عبر (زووم)».