صديق أم عدو... أم مجرد «علاقة براغماتية»؟

عربة عسكرية روسية في ريف القامشلي شمال شرقي سوريا في 4 فبراير الماضي (أ.ف.ب)
عربة عسكرية روسية في ريف القامشلي شمال شرقي سوريا في 4 فبراير الماضي (أ.ف.ب)
TT

صديق أم عدو... أم مجرد «علاقة براغماتية»؟

عربة عسكرية روسية في ريف القامشلي شمال شرقي سوريا في 4 فبراير الماضي (أ.ف.ب)
عربة عسكرية روسية في ريف القامشلي شمال شرقي سوريا في 4 فبراير الماضي (أ.ف.ب)

لطالما كان للعلاقات التركية - الروسية عمق تاريخي يتسم في الغالب بالصراع، فقد خاضت الإمبراطورية العثمانية وروسيا القيصرية عشرات الحروب، وكانتا خلال الحرب العالمية الأولى على طرفي نقيض، وقد تمتعت الاثنتان بعلاقات تتراوح بين المقبولة والجيدة خلال حرب الاستقلال التركية. ولكن حتى في ذلك الحين، لم تكن الأمور جيدة كما كانت تبدو.
فبعد الحرب العالمية الثانية، طالب السوفيات ببعض الأراضي التركية في شرق الأناضول، وشككوا في سيادة البلاد على المضائق التركية، فيما انضمت أنقرة إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو) في عام 1952، وظلت في الجناح الجنوبي للحلف طوال فترة الحرب الباردة. ولكن بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، دخلت تركيا وروسيا في منافسة على ما يحب بعضهم تسميته «اللعبة الجديدة الكبرى من أجل القوقاز وآسيا الوسطى».
وفي القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، اضطر تتار القرم والشركس والنوغيين (مجموعة عرقية تركية تعيش في منطقة شمال القوقاز)، وغيرهم كثير من شعوب الإمبراطورية العثمانية المتقلصة، إلى الفرار من ديار أجدادهم بسبب التقدم الروسي. وهؤلاء الأشخاص الذين وجدوا في الأناضول مستقراً جديداً لهم كانوا أيضاً عاملاً في تشكيل العلاقات التركية - الروسية.
وبالنظر لهذه الخلفية، وفي إطار البيئة والتطورات الاستراتيجية الجديدة على الساحة الدولية، اكتسبت العلاقات التركية - الروسية زخماً جديداً في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.
- بوتين وإردوغان
ينظر كثيرون إلى الرئيسين التركي رجب طيب إردوغان والروسي فلاديمير بوتين على أنهما متشابهان في طريقتهما في ممارسة السياسة بشكل عام. صحيح أنهما قد لا يكونان أفضل صديقين (الصداقة التي تحددها المثل العليا وأنماط الحياة المشتركة)، لكنهما أقاما شكلاً من أشكال علاقات العمل التي تقوم على أساس المصلحة والمنفعة المتبادلة، وهي العلاقة التي تؤدي دوراً رئيسياً، بل مركزياً، في إدارة العلاقات التركية - الروسية في الوقت الحالي.
وتبدو العلاقات الثنائية الآن بين البلدين نشطة للغاية، إذ يبلغ حجم التجارة بينهما 25 مليار دولار أميركي، في المتوسط، حيث بلغ في وقت ما نحو 30 مليار دولار أميركي. وعلى الرغم من انخفاض حصتها، لا تزال روسيا هي المورِّد الرئيسي للطاقة إلى تركيا، حيث توفر لها 34 في المائة من الغاز الطبيعي، و11 في المائة من النفط، فيما تتمثل الصادرات التركية إلى روسيا بشكل أساسي في المنتجات الزراعية والآلات والمركبات والمنسوجات.
وبشكل عام، فإن نحو 80 في المائة من حجم التجارة الثنائية يصب في صالح روسيا، ولكن تركيا تعوض هذا النقص في مجالات الخدمات والبناء، حيث لا تزال أنقرة هي الوجهة الرئيسية للروس الذين يعشقون منتجعاتها ذات الأسعار المعتدلة الشاملة للخدمات كافة، حيث وصل عدد السياح الروس إلى تركيا عام 2019 إلى 7 ملايين سائح. أما بالنسبة لقطاع البناء، فقد أنجزت تركيا حتى الآن نحو 1980 مشروعاً في موسكو، بقيمة إجمالية تبلغ نحو 75 مليار دولار أميركي.
وتُعد تركيا، أيضاً، بمثابة ناقل للغاز الطبيعي الروسي. وأحدث مشروع مشترك في هذه المنطقة هو مشروع «ترك ستريم» الذي تم افتتاحه رسمياً في عام 2020، والذي يربط روسيا وتركيا بخطين من خطوط الأنابيب البحرية بطول 930 كيلومتراً تحت البحر الأسود، ويجلب أحدهما الغاز الطبيعي إلى تركيا، فيما يعد الآخر مخصصاً للغاز الموجه إلى أوروبا.
وهناك كذلك محطة «أكويو» للطاقة النووية التي تقدر تكلفتها الإجمالية بـ20 مليار دولار أميركي، والتي تمثل مجال تعاون ذا قيمة استراتيجية أخرى بين البلدين. ومن المقرر أن يبدأ تشغيل مفاعلها الأول في عام 2023.
وعلى المسرح العالمي، تستمر روسيا وتركيا في مواجهة إحداهما الأخرى في أماكن مختلفة، مثل سوريا وأوكرانيا وليبيا وجنوب القوقاز، حيث تكونان في الغالب في جانبين متعارضين، كما أنهما في بعض الأحيان تؤذيان إحداهما الأخرى، ولكنهما نجحتا -بشكل عام- في إنشاء شكل من أشكال الحوار والتعاون في كل المسارح التي تتضمن وجودهما فيها معاً.
- صدع في إدلب
وتعد روسيا طرفاً فاعلاً رئيسياً في سوريا، كما أنها ناشطة عسكرياً في المعركة هناك. وقد مهدت عملية آستانة الطريق للتعاون بين أنقرة وموسكو، ولكن احتمال حدوث صدع لا يزال موجوداً إلى حد كبير، لا سيما في إدلب. فعلى الرغم من اتفاق عام 2018، استولى النظام السوري وروسيا على نصف المحافظة. وتضم المعارضة الموجودة في إدلب التي يتم استهدافها بشكل متكرر من قبل النظام آلاف المسلحين من «هيئة تحرير الشام» وغيرها من الجماعات المتطرفة في الغالب.
وفي مؤتمر صحافي عقده وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، في موسكو، يوم 9 سبتمبر (أيلول)، مع وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لبيد، قال لافروف: «يحتاج الزملاء الأتراك إلى تنفيذ الاتفاقات التي توصل إليها رئيسا روسيا وتركيا في سبتمبر (أيلول) 2018، وتنص هذه الاتفاقات على فصل المعارضة الطبيعية المعقولة عن الإرهابيين، وبشكل أساسي عن (هيئة تحرير الشام). صحيح أن هذا العمل جارٍ، ولكنه للأسف لم يكتمل بعد». وفي سياق التطورات الأخيرة في درعا، قال لافروف: «بالنسبة لدرعا، وعلى مستوى أوسع في سوريا، فإنه لا يجب أن تسيطر أي فصائل مسلحة غير الجيش السوري على أي أرض».
ويمكن اعتبار ما يقوله لافروف بمثابة رسالة لما يمكن توقعه في المستقبل. فما سيحدث لإدلب، وسكانها البالغ عددهم 3.4 مليون نسمة، في حال شن حملة عسكرية شاملة من قبل نظام الأسد والروس، يشير إلى احتمال المواجهة. وفي هذا الصدد، فإن الهجوم الذي تم على دورية تركية في إدلب، وأدى لمقتل جنديين تركيين، وإصابة 3 آخرين، يبدو أنه جاء في وقت حرج. فقد كانت حادثة 24 نوفمبر (تشرين الثاني) 2015، عندما أسقطت تركيا طائرة عسكرية روسية من طراز (SU-24) في سوريا، بمثابة مثال واضح على الكيفية التي يمكن أن تتحول بها الأمور بين البلدين، إذ أوقفت روسيا كل خدمات الشركات التركية تقريباً في أراضيها، فضلاً عن منع زيارة الروس لتركيا، كما تأثرت الأنشطة العسكرية التركية في سوريا بشكل خطير، وعززت روسيا وجودها في دمشق بمعدات عسكرية متطورة، بما في ذلك أنظمة الدفاع الجوي. وقد تطلب إصلاح العلاقات كثيرًا من الجهد، واستغرق الأمر نحو عام.
وفي ليبيا، واجهت تركيا وروسيا إحداهما الأخرى بعناصر قتالية مختلفة. فقد أدى التدخل التركي، بطلب من حكومة الوفاق الوطني الليبية، إلى تغيير مسار الحرب. صحيح أن روسيا والدول المؤيدة لموقفها في ليبيا لم ينتهِ بهم الأمر إلى السيطرة على الأوضاع، ولكن لا يبدو أنهم غير راضين عن مجريات الأحداث، على الأقل في الوقت الحالي.
- صدام في القوقاز
وفي عام 2020، تمكنت أذربيجان، بدعم من تركيا، من استرجاع أراضيها الواقعة تحت الاحتلال الأرميني. وحينها، استطاعت أنقرة وضع بصماتها في القوقاز، لتثبت أنها قوة لها أهميتها هناك، كما عززت تحالفها مع أذربيجان، وسجلت نقاطاً عدة لدى حلفائها في القوقاز وآسيا الوسطى. ومن جانب روسيا، فإن رئيس الوزراء الأرميني، نيكول باشينيان، الذي لم يكن صديقاً لموسكو لم يتعلم الدرس. فقد تمكنت الأخيرة من هندسة قرار وقف إطلاق النار. وبموجب شروط الاتفاق، استرجعت أذربيجان أراضيها لأول مرة منذ عام 1990. وعلى أي حال، فقد لعبت كل من تركيا وروسيا دوراً جيداً في منع الأمور من اتخاذ شكل مختلف، والتحول إلى صراع فيما بينهما في هذه الساحة.
أما في أوكرانيا، فإن تركيا وروسيا تقفان على طرفي نقيض، وذلك لأن موقف أنقرة المعلن صراحة هو أنها لا تعترف بضم شبه جزيرة القرم. ولا يبدو أن روسيا تمانع في ذلك، ما دام أن المواقف السياسية لم تتحول إلى شكل من أشكال العمل الفعلي. ولكن الروس يتابعون ببعض الاستياء والقلق التعاون الدفاعي الأخير بين تركيا وأوكرانيا، لا سيما نقل الطائرات التركية المقاتلة من دون طيار.
وقد تصبح أفغانستان ملفاً آخر إما للتعاون أو المواجهة بين البلدين، وذلك حسب كيفية تطور الأمور هناك. والأسباب ليست واضحة تماماً للجميع، لكن يبدو أن تركيا حريصة على لعب دور في كابول الجديدة، فيما تنظر روسيا إلى أفغانستان -بشكل أساسي- من وجهة نظر أمنية، مع اهتمام خاص بدول آسيا الوسطى. فهذه المنطقة مهمة لروسيا، من حيث قيمتها الاستراتيجية، ولكونها الجوار الخارجي القريب منها، كما أنها مهمة لمنظمة الأمن الجماعي التي تقودها موسكو.
وهناك قضية أخرى ذات أهمية خاصة، وذلك من زاوية حلف الأطلسي (الناتو)، وهي البحر الأسود واتفاقية مونترو (اتفاقية عقدت في مونترو في 1936، منحت تركيا السيطرة على مضيقي البوسفور والدردنيل التركيين)، إذ لا تريد روسيا وجود سفن حلف شمال الأطلسي في البحر الأسود، وتصر على الحفاظ على الاتفاقية التي تنظم مرور السفن الحربية عبر المضيق التركي، وتحد من وجودها. وقد أثار مشروع قناة إسطنبول الذي تم تسويقه سياسياً من قبل الرئيس التركي بعض التساؤلات حول ما إذا كان سيتعين تغيير الاتفاقية أم لا. لكن لا يبدو أن موقف تركيا يتعارض مع موقف روسيا في هذه القضية.
- «إس ـ 400»
وكان أهم تطور في العلاقات الثنائية بين أنقرة وموسكو هو التداعيات بعيدة المدى لاستحواذ تركيا على أنظمة الدفاع الجوي «إس-400» من روسيا، حيث ردت الولايات المتحدة وبعض الحلفاء الآخرين في «الناتو» بقوة على الأمر، حتى ذهبوا إلى حد فرض عقوبات ينص عليها قانون مكافحة خصوم أميركا على تركيا، فيما تواصل كثير من الدول الغربية تقديم قضية «إس-400» بصفتها دليلاً آخر على ابتعاد تركيا عن «الناتو» والغرب.
أما الجانب التركي من القصة، فيبدو مختلفاً تماماً. فقد ظلت تركيا، لبعض الوقت، تشعر بمعاملة غير عادلة من قبل الاتحاد الأوروبي، والغرب بشكل عام، كما شعرت بأنها مهملة من قبل الحلفاء في عدد من المناسبات. وتشهد مفاوضات انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي حالة من الجمود العميق، فيما أصبحت مبيعات الأسلحة من كثير من دول الحلفاء، بما في ذلك الولايات المتحدة الأميركية وكندا وفرنسا وألمانيا، إما مقيدة أو محظورة تماماً في بعض الحالات.
وأكدت تركيا أنها حاولت شراء أنظمة دفاع جوي من الولايات المتحدة ودول غربية أخرى، لكنها قوبلت بالرفض. وفي المقابل، كانت روسيا مستعدة للغاية لبيع الأسلحة لأنقرة، واختارتها تركيا بصفتها المكان الذي يمكنها شراء النظام الدفاعي منه، والذي تشتد الحاجة إليه. حتى أن الأتراك، من مختلف المعتقدات السياسية، الذين نادراً ما يتفقون على أي شيء، لديهم الرأي نفسه القائل إن تحركات بلادهم ليست بدافع الحب لروسيا، ولكنها نتيجة للمعاملة السيئة لحلفائها الغربيين وشركائها.
وعلى أي حال، فإن روسيا تبدو سعيدة. فقد تمكنت من بيع أحد أنظمة أسلحتها التي تبلغ قيمتها مليارات الدولارات، وخلقت صدعاً داخل «الناتو»، وزادت من اضطراب العلاقات المتوترة بالفعل بين تركيا والغرب.
صحيح أن تركيا عضو في التحالف الذي تُعد روسيا التهديد الرئيسي له في البيئة الأمنية المتدهورة حالياً، ولكن لا يوجد ما يمنع أنقرة، أو أي دولة أخرى في «الناتو»، من الانخراط مع روسيا في مختلف المجالات، وذلك على أساس المنفعة والاحترام المتبادلين، بشكل لا يتناقض مع التزاماتها في الحلف.
وفي الختام، فإنه قد يكون لتركيا وروسيا مواقف متباينة بشأن عدد من القضايا التي يحمل بعضها احتمالات المواجهة المباشرة أو غير المباشرة، ولكن في الوقت الحالي يبدو أن البراغماتية هي التي تحكم علاقات الطرفين. وعلى الرغم من أنه قد تكون هناك حاجة إلى كثير من الصبر وغض الطرف من حين لآخر في هذه العلاقات، فإنه يبدو أن كلا البلدين يدرك أن الحوار والتعاون سيكون أفضل من المواجهة، ما دام ذلك ممكناً.
- خاص بـ«الشرق الأوسط»



الظلام يغطي 7 عواصم عربية... والطاقة المتجددة تفرض نفسها

الظلام يغطي مقر شركة «كهرباء لبنان» خلال انقطاع التيار عن العاصمة بيروت (أ.ف.ب)
الظلام يغطي مقر شركة «كهرباء لبنان» خلال انقطاع التيار عن العاصمة بيروت (أ.ف.ب)
TT

الظلام يغطي 7 عواصم عربية... والطاقة المتجددة تفرض نفسها

الظلام يغطي مقر شركة «كهرباء لبنان» خلال انقطاع التيار عن العاصمة بيروت (أ.ف.ب)
الظلام يغطي مقر شركة «كهرباء لبنان» خلال انقطاع التيار عن العاصمة بيروت (أ.ف.ب)

في يوم شديد الحرارة، وخلال ساعات النهار في شهر يونيو (حزيران)، رفع 5 أفراد من أسرة مصرية عيونهم إلى الأعلى وتساءلوا بغضب في نفس واحد: «هوّ ده وقته؟».

هكذا تساءلت أسرة ماجد عزت، الأربعيني، التي كانت تتابع تطور الذكاء الاصطناعي ومميزاته وتهديده لبعض الوظائف، عبر شاشة فضائية عربية؛ غير أن الساعات المحددة لانقطاع الكهرباء عن حي شبرا، بشمال القاهرة، قد حلَّت.

تأثُّر عزت الشديد بالتكنولوجيا ظهر بوضوح في نبرته وهو يتحدث لـ«الشرق الأوسط»، حتى إنه كرر ما سمعه عبر الشاشة قائلاً: «من مميزات الذكاء الاصطناعي: زيادة الإنتاج وسرعة الأداء، وهيريح البشر... لأن الروبوتات هتقوم ببعض الوظائف بشكل أفضل ومن دون أي فساد أو محسوبية... لكن مشكلته أنه هيهدد وظائف في المستقبل... إيه هي الوظايف دي... النور قطع عليها».

روى عزت، الذي يملك ويدير مقهى، وهو يضرب كفاً بكف، مأساة أسرته مع انقطاع الكهرباء: «في عز الحر... من الساعة 2 للساعة 5 العصر... 3 ساعات لا نور ولا نت (إنترنت)». وبنبرة أعلى: «ولا معرفة حتى».

وبإظلام المنطقة، انطفأ الشغف في المعرفة، وبحث أفراد الأسرة عن أوراق لاستخدامها «هوَّاية» يدوية، في محاولة لتقليل أثر الحرارة التي تعدت حينها 40 درجة مئوية، حسب قوله.

مناطق مظلمة في العاصمة القاهرة خلال انقطاع التيار الكهربائي (رويترز)

«تخفيف أحمال»

تواجه مصر مشكلة كهرباء، تفاقمت منذ أشهر إلى أزمة، تسعى الحكومة لتقليل أثرها نسبياً عبر ما تسميه «تخفيف أحمال»، بقطع التيار نحو ساعتين إلى ثلاث يومياً. ومع حدة الأزمة، اضطرت الشركة القابضة لكهرباء مصر إلى إعلان جدول تخفيف الأحمال، ليتسنى للمواطنين معرفة توقيت الانقطاعات، وترتيب أحوالهم اليومية على ذلك، لكنَّ قرار القطع عادةً ما يتم ربطه بزيادة الاستهلاك، وليس بمواعيد الجدول.

ومؤخراً، أعلنت الحكومة المصرية توقف «تخفيف الأحمال» إلى نهاية الصيف الحالي، واستبدلت به خطة «الأعطال الفنية»، مع وعود بالعمل على القضاء على المشكلة في أقرب وقت.

ووفق رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، فإن «استهلاك الكهرباء ارتفع بمعدلات غير مسبوقة خلال الفترة الماضية»، مشيراً إلى أن البلاد تستهلك نحو 37.5 غيغاواط يومياً في الوقت الحالي، بزيادة أكثر من 12 في المائة عن العام الماضي، ولم يشر إلى تأثير التوسعات في إنشاء مدن وأبراج جديدة على الاستهلاك.

وقدَّر رئيس الوزراء الفجوة في الكهرباء بنحو 3 - 4 غيغاواط، وقال إن «الفجوة من احتياجاتنا من الطاقة سيجري توفيرها من خلال الاعتماد على الطاقة الجديدة والمتجددة»، مشيراً إلى التعاون مع الإمارات في هذا الصدد.

وتُظهر البيانات أن أقل من 12 في المائة من قدرة الطاقة المُركبة في مصر البالغة نحو 60 غيغاواط، تأتي من مصادر الطاقة المتجددة.

مصانع خارج الخدمة

في يوم آخر شديد الحرارة من شهر يونيو 2024، بلغت فيه 40 درجة مئوية في الظل، وتعدت 45 درجة تحت الشمس الحارقة، يتابع المزارع السيد متولي، الخمسيني، من محافظة الدقهلية، شمال شرقي الدلتا بمصر، محصول أرضه من الفول الصويا، ويقول بثقة: «محصولي أنا كفيل به... الزرعة هتطلع أحلى زرعة».

رد متولي، جاء على مخاوف قد تبدو مشروعة في السوق المصرية، حول مستقبل المحاصيل، في ظل نقص الأسمدة الأزوتية (السماد).

ونتيجة انقطاع الكهرباء، أعلنت مصانع أسمدة في مصر توقفها عن العمل، وفي إفصاح للبورصة المصرية، في 26 يوليو (تموز) 2024، قالت شركة مصر لإنتاج الأسمدة «موبكو»، إنها أوقفت مصانعها الثلاثة، بسبب توقف إمدادات الغاز الطبيعي، حيث استخدمت وزارة الكهرباء كميات الغاز المخصصة للمصانع، لتشغيل بعض المحطات.

وفي إفصاح مماثل، سبقتها شركة «أبو قير» للأسمدة، وأعلنت عن توقف مصانعها الثلاثة، كما أعلنت شركة «سيدي كرير» للبتروكيماويات عن توقف مصانعها «نظراً لانقطاع غازات التغذية».

وتعد صناعة الأسمدة استراتيجية في مصر، لأهميتها المتعلقة بالزراعة، بالإضافة إلى عوائدها التصديرية من الدولار، إذ تحتل مصر حالياً المركز الخامس عالمياً في الإنتاج والسادس في التصدير.

وتُلزم الحكومة منتجي الأسمدة بتوريد 55 في المائة من إنتاجهم بسعر مدعم إلى وزارة الزراعة لتغطية احتياجات السوق المحلية، ورغم إعلان الشركات الثلاث الرئيسية عودتها للعمل، فإن الفلاح المصري متولي، أكد لـ«الشرق الأوسط»: «شيكارة السماد بتتباع في السوق السودا بـ1500 جنيه؛ من كام بقى؟ من 250 جنيه... والحكومة كانت بتصرفلنا 3 شكاير سماد... دلوقتي بتصرف شيكارتين بس... لكن الفلاح لو هيشحت هيصرف على زرعته من قوته، عشان زرعته تكون كويسة».

وبنبرة تملؤها الحسرة: «بس لو هيخسر! يبقى السنة اللي بعدها مش هيزرعها تاني... دا إيجار الفدان بقى من 50 إلى 70 ألف جنيه في السنة».

ويؤدي ارتفاع سعر السماد إلى زيادة في أسعار السلع الغذائية، مما يزيد بدوره من التضخم، الذي يعد أزمة أخرى تحاول البنوك المركزية حول العالم التغلب عليها برفع أسعار الفائدة، مما يقلل من جاذبية مناخ الاستثمار، نتيجة زيادة الاقتراض؛ الذي يتسبب انقطاع الكهرباء عن المصانع في جزء كبير منه.

صف من مولدات الديزل المملوكة للقطاع الخاص يوفر الطاقة للمنازل والشركات في بيروت (أ.ب)

ظلام في بيروت

ومن الذكاء الاصطناعي والصناعة والزراعة في مصر، إلى التعليم في لبنان، حيث أكدت هنادي الحاج تأثرها الشديد بـ«الظلام».

وقالت الحاج لـ«الشرق الأوسط» من بيروت، والحرارة ما زالت مرتفعة هناك أيضاً، إن «انقطاع الكهرباء لفترات طويلة أثَّر علينا... ولادنا مش قادرين يتعلموا منيح لأنهم مضطرين للأونلاين... يشغلوا الكومبيوتر ما بيشتغل... قطع الكهربا خرَب التعليم».

وبالنظر إلى الوضع في مصر، يبدو وصف هنادي مبالغاً فيه، فتحمُّل الطالب ساعتين أو ثلاثاً والعودة إلى دراسته من جديد قد يكون صعباً ومكلفاً نوعاً ما لكنه لا يصل إلى حد الخراب، غير أن هنادي أفادت بأن عدد ساعات الانقطاع وصل في بعض الأيام إلى 24 ساعة متصلة.

«قطع الكهربا خرب التعليم... فاضطرينا نركّب الطاقة الشمسية... وكمان عندنا اشتراك عادي لأن في الشتاء ما في شمس تلبّي متل الصيف... هذا الشيء سحب مدخراتنا»، وفق هنادي التي تساءلت: «كيف يطلعوا ولادنا في الظلام؟».

«منذ مطلع العام الحالي، رفعت مؤسسة كهرباء لبنان التغذية بالتيار إلى نحو 6 و10 ساعات يومياً طبقاً للمناطق، بعدما كانت توفر الكهرباء بين ساعة وساعتين يومياً فقط، بعد صرف سلفة الخزينة التي حصلت عليها من المصرف المركزي لسداد ثمن الوقود العراقي».

أعمال متضررة في العراق

الأعمال تتدهور في العراق، في جو بنصف درجة الغليان في محافظة الديوانية (جنوب)، التي شهدت مظاهرات يوم 14 يوليو الجاري، ليس على انقطاع الكهرباء، بل «على غيابها التام»، وفق أحمد حسين، من منطقة غماس، الذي شارك في المظاهرة.

يصف حسين، الذي يعمل في مجال الحدادة، لـ«الشرق الأوسط»، تداعيات الانقطاع على عمله الخاص: «شغلي حداد وطبيعي أستخدم الكهرباء... الباب اللي يستغرق 3 ساعات يأخذ 3 أيام وأكثر... الرزق قلّ بسبب الكهرباء».

وتساءل حسين: «هل يمكن للإنسان أن يعيش في جو تصل درجة حرارته إلى قرب درجة الغليان من دون كهرباء... أنا من بلد النفط... هل من المعقول أن نقاسي ونعاني هكذا؟».

ويُنتج العراق، الغني بالنفط واحتياطيات الغاز، 26 ألف ميغاواط، بينما يحتاج إلى 35 ألف ميغاواط من الكهرباء، بعجز 9 آلاف ميغاواط في الإنتاج.

ورغم اعتماد لبنان على العراق في حل مشكلة الكهرباء، من خلال الاتفاق على توريد شحنات الفيول (زيت الوقود عالي الكبريت)، فإن العراق يعاني هو الآخر من أزمة، نتيجة تردي البنية التحتية للمحطات، وعدم توفر الوقود اللازم، إذ تعتمد على الغاز المستورد من إيران.

ورغم أن احتياطيات الغاز في العراق 4 أضعاف احتياطيات الغاز في مصر، فإن إنتاج بغداد من الغاز لا يتخطى عُشر إنتاج القاهرة من الغاز، وتستورد باقي الاحتياجات من إيران.

أسلاك كهربائية معلقة بين المباني في أحد شوارع العاصمة العراقية بغداد (أ.ف.ب)

الناتج المحلي والكهرباء

لا يمكن النظر إلى كل مشكلة من هذه المشكلات على حدة، إذ ينسحب بعضها أو جميعها على معظم الأسر الأخرى في الدول العربية التي تشهد انقطاعات مستمرة في الكهرباء، والتي بلغت حد الأزمة في الكويت ومصر والعراق واليمن والسودان ولبنان وسوريا.

فما يحدث في مصر من تداعيات نتيجة انقطاع الكهرباء، يحدث بالكاد في الكويت، وترتفع وتيرته في العراق، ورغم اختلاف وضع الشبكات الكهربائية والقدرات الإنتاجية للدول، تتشابه ليبيا واليمن والسودان وسوريا في معظم تداعيات الأزمة، بسبب الظروف السياسية.

ومع اختلاف ظروف كل دولة، سواء في القدرة الإنتاجية المنتجة أو وضع الشبكات وإمدادات الوقود، فإن النتيجة واحدة في جميع الدول: «تخفيف أحمال».

ويصل عدد ساعات الانقطاع أو تخفيف الأحمال في اليمن إلى 12 ساعة يومياً، والعراق إلى 10 ساعات، والسودان من 10 إلى 14 ساعة، ولبنان من 12 إلى 20 ساعة، وسوريا من 10 إلى 20 ساعة، وفي مصر 3 ساعات، وفي الكويت من 2 إلى 3 ساعات يومياً.

وما دامت «الطاقة محركاً أساسياً للنمو وجزءاً مهماً من عملية الإنتاج»، يتوقع الخبير الاقتصادي من اليمن مصطفى نصر «تراجع الناتج المحلي الإجمالي بنسب مختلفة في الدول العربية التي تنقطع فيها الكهرباء، حسب عدد ساعات الانقطاع»، مؤكداً لـ«الشرق الأوسط» أن «الكهرباء أمن قومي فعلاً».

ولكي يوضح نصر عُمق المشكلة، قال إنه بحساب «عدد ساعات الظلام في دولة مثل مصر على سبيل المثال، الذي يصل إلى 3 ساعات يومياً، يتوقف فيها الإنتاج الصناعي والخدمي والإلكتروني، فإن الاقتصاد الكلي يخسر من ناتجه المحلي نحو 90 ساعة شهرياً، وفي حالة استمرار الانقطاع لمدة سنة يصل العدد إلى أكثر من 1000 ساعة سنوياً، (نحو 45 يوماً من إجمالي السنة)، مما يعني أن الاقتصاد يتوقف عن الإنتاج تماماً لمدة 45 يوماً في السنة، بخلاف الإجازات الرسمية والمناسبات».

حقائق

الناتج المحلي الإجمالي

مصر: 396 مليار دولار (2023)

الكويت: 162 مليار دولار (2023)

العراق: 251 مليار دولار (2023)

اليمن: 21 مليار دولار (2018)


وتصل أيام المناسبات والأعياد في مصر إلى 22 يوماً في عام 2024، بخلاف الإجازات الأسبوعية الاعتيادية.

وتنسحب هذه الحسبة على الدول الأخرى كافة، إذ تصل في دولة مثل العراق إلى 152 يوماً في السنة يتوقف فيها الإنتاج والعمل بشكل شبه تام، وفي اليمن إلى نحو 182 يوماً، وفق نصر، الذي أكد: «كلما ارتفع عدد ساعات التوقف عن العمل، زادت نسبة التراجع في الناتج المحلي الإجمالي»، متوقعاً «تراجع الناتج نتيجة انقطاع الكهرباء في اليمن بنسبة 10 في المائة سنوياً».

وبلغ الناتج المحلي الإجمالي لمصر نحو 396 مليار دولار في عام 2023، ولليمن 21 مليار دولار في عام 2018 (أحدث سنة مسجَّلة لدى البنك الدولي)، وللعراق 251 مليار دولار عام 2023، وللكويت 162 مليار دولار عام 2023.

مخاطر مالية

لكنَّ حافظ سلماوي، رئيس مرفق الكهرباء المصري السابق، واستشاري قطاع الكهرباء لعدد من الدول العربية، الذي رفض وضع كل الدول التي تنقطع فيها الكهرباء في «سلة واحدة» لـ«اختلاف الأسباب والظروف»، استبعد تأثُّر الناتج المحلي الإجمالي لمصر والكويت على سبيل المثال بانقطاعات الكهرباء، نظراً لأن «وقت الانقطاع محدَّد التوقيتات والمدة... وهي قليلة بالمقارنة بالناتج المحلي الإجمالي».

ويوضح سلماوي لـ«الشرق الأوسط»، أن «أي مرفق كهرباء في أي دولة، حال وقوعه في أزمة، يستهدف القطاع المنزلي في بداية خطته لتخفيف الأحمال لأنه قطاع غير مُنتج، ويسمى أحمالاً من الدرجة الثالثة، ثم تأتي بعده المحال التجارية، وهي أحمال من الدرجة الثانية، ثم أخيراً القطاع الصناعي والإنتاجي، وهي أحمال من الدرجة الأولى، وعادةً ما يُستبعد تماماً من تخفيف الأحمال».

وبالنظر إلى تأثر القطاع الصناعي في مصر، عبر مصانع الأسمدة، على سبيل المثال، قال سلماوي: «قد يكون هناك تأثر بعض الشيء في مصر حال استمرار الأزمة»، أما في باقي الدول: «فمن المتوقع أن يتأثر الناتج المحلي الإجمالي لديهم بالطبع».

وهنا يلفت زاهر خليف، محلل المخاطر في إحدى شركات الاستثمار المصرية، إلى أن «تخفيف الأحمال أثر سلباً في إنتاج 20 في المائة من مصانع الحديد في مصر، فيما بلغت النسبة 40 في المائة بالنسبة لصناعة الأجهزة المنزلية، فضلاً عن تأثر شركات الإسمنت والألمنيوم والأسمدة، التي تشكل الكهرباء فيها مكوناً رئيسياً من مدخلات الإنتاج... وبالطبع لن يكون ذلك بعيداً عن الناتج المحلي الإجمالي».

وأوضح زاهر، في ورقة بحثية عن تداعيات انقطاع الكهرباء على الاقتصاد الكلي، أعدها خصيصاً لـ«الشرق الأوسط»، أن «نسبة استهلاك القطاع الصناعي من إنتاج الكهرباء تبلغ أكثر من 41 في المائة، بينما لا يتجاوز نصيب القطاع الزراعي 4 في المائة».

وبالنظر إلى كم الخسائر التي يتكبدها اقتصاد كل دول عربية ينقطع فيها الكهرباء، «تستطيع حساب معدل النمو المتوقع، الذي من المؤكد أنه سيتأثر»، وفق نصر، الذي أشار إلى أن التكاليف المالية المطلوبة للقضاء على أزمة الكهرباء، قد تكون أقل من التكاليف المالية التي سيتحملها الاقتصاد الكلي، نتيجة الاستمرار في سياسة «تخفيف الأحمال».

ويرى البنك الدولي أن أقل من 40 في المائة من المرافق وشبكات الكهرباء في البلدان النامية، «تحقق إيرادات بالكاد تكفي لتغطية تكاليف التشغيل وخدمة الديون -وهو الحد الأدنى للاستدامة المالية».

ورغم أن البنك الدولي لم يشر إلى تكلفة أزمة الكهرباء الحالية في الدول العربية وتداعياتها على الاقتصاد الكلي، فإن صندوق النقد الدولي دعا مصر بشكل صريح إلى «احتواء المخاطر المالية المرتبطة بقطاع الطاقة»، وذلك بعد أن لفت في بيان يوم 29 يوليو، إلى انخفاض إنتاج الغاز الطبيعي في البلاد، والذي أسهم في انقطاع التيار يومياً منذ العام الماضي.

يدرس الطلاب لامتحانات الثانوية العامة في مكتبة الإسكندرية خلال انقطاع الكهرباء (إ.ب.أ)

الحرارة والكهرباء

في تصور أحمد السيد، أستاذ الاقتصاد والتمويل، أن «مشكلات انقطاع الكهرباء التي ظهرت في الآونة الأخيرة تعود إلى موجة الحر التي يشهدها العالم».

وأشار السيد لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن «التوقعات تشير إلى أن عام 2024 هو الأكثر حرارةً في التاريخ. وهنا تجب الإشارة إلى أن البنية التحتية والقدرة الإنتاجية لكل دولة تختلف عن الأخرى ومتأثرة بارتفاع الحرارة».

وأظهرت بيانات خدمة «كوبرنيكوس» للتغير المناخي (سي ثري إس)، التابعة للاتحاد الأوروبي، أن يوم 22 يوليو 2024 كان اليوم الأكثر سخونة الذي سُجل على وجه الأرض، على الإطلاق، حتى الآن.

وهذا الشهر، سجلت مدن في اليابان وإندونيسيا والصين حرارةً غير مسبوقة، فيما عانت دول الخليج ودول عربية أخرى من حرارة مرتفعة، إذ وصل مؤشرها إلى أكثر من 60 درجة مئوية. وفي أوروبا، ارتفعت إلى 45 درجة مئوية فما فوق.

وإلى جانب الحرارة المرتفعة، يرى محمد يوسف، مسؤول قسم البحوث الاقتصادية في أحد المراكز العربية، أن لمشكلة الانقطاع ثلاثة أبعاد: «القدرة والوصول والانتظام».

تَظهر المشكلة عادةً «إما في عجز مزمن في قدرات الإنتاج، وإما في ضعف الشبكات الذي يمنعها من الوصول إلى جميع الأقاليم الجغرافية، وإما في انتظام التيار الكهربائي للأماكن التي تصل إليها الشبكات»، وفق يوسف، الذي تحدث لـ«الشرق الأوسط» من أبوظبي.

ونتيجة لذلك يوضح سلماوي: «مشكلة الكهرباء في مصر أزمة عابرة نتيجة نقص الوقود الناتج عن شح الدولار، ومع توفير العملة الأجنبية سوف تُحل. كذلك الحال في الكويت. أما سوريا واليمن فالوضع صعب جداً بسبب تهالك وتدمير الشبكات، ومع حصار الاقتصاد نتيجة العقوبات، فإن المشكلة هناك سياسية. أضف إليهما ليبيا التي لها وفرة مالية جيدة لكن المشكلة السياسية تقف عائقاً أمام الحلول. أما العراق الذي لديه فوائض مالية، فيعاني من تهالك الشبكات ونقص القدرة الإنتاجية».

توضح مؤشرات البنك الدولي الحقائق السابقة بصورة رقمية، فرغم ارتفاع نسبة وصول سكان الدول العربية إلى الكهرباء من نحو 83 في المائة إلى 91 في المائة بين عامي 2004 و2022، فإنها ككتلة واحدة ما زالت بعيدة عن واقع الاقتصادات المتقدمة كدول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، إذ تصل هذه النسبة في تلك الدول إلى 100 في المائة من السكان.

يمنيون يحاولون ربط أسلاك كهربائية لإيصال التيار إلى منازلهم (إ.ب.أ)

«قائمة حلول موحدة»

رغم اختلاف أسباب الأزمة في كل دولة فإنها يمكن أن تندرج تحت «أمن الطاقة»، كونها تعدت بالفعل معاناة أسر عربية، لتهدد الاقتصاد الكلي في كل دولة، وهو ما يفسر تعميم بعض الحلول على الدول كافة.

علي الرميان خبير الطاقة الدولي، قال من سلطنة عمان لـ«الشرق الأوسط»، إن «أمن الطاقة بالنسبة لأي دولة، يعني استقرار قطاع الطاقة من حيث ضخ استثمارات مستدامة بعد وضع خطط طويلة المدى، وتوفير الموارد اللازمة وتسهيل وصول الطاقة إلى جميع الفئات، سواء كانت طاقة كهرباء أو نفط أو غاز أو طاقة شمسية أو رياح أو هيدروجينية»، لكن «يجب ألا نحدّ أمن الطاقة في انقطاع الكهرباء فقط».

وأشار الرميان إلى أن هناك «دولاً أوروبية تشهد انقطاعات، وهو ما يعني أن هناك أسباباً يجب الوقوف على حلها أولاً، قبل ربطها بأمن الطاقة». مؤكداً أن «أمن الطاقة، وتوفيرها يحتاج إلى كثير من الاهتمام من الدول العربية والخليجية، خصوصاً مع التقلبات العالمية التي نشهدها في المناخ وارتفاع درجات الحرارة، والاحتباس الحراري».

ووضع حافظ سلماوي، رئيس مرفق الكهرباء المصري السابق، قائمة شبه موحدة بالحلول لجميع الدول تتمثل في «إنشاء مخازن استراتيجية للوقود، للشراء في أثناء تراجع الأسعار، وسداد مديونيات قطاع الطاقة لتشجيع الاستثمارات، وزيادة نسبة الطاقة المتجددة ضمن مزيج الطاقة المحلي، إلى جانب ترشيد الطاقة في جميع الأحوال وليس وقت الأزمات فقط، وأخيراً الربط الكهربائي مع الدول المجاورة».

 

حقائق

حزمة حلول

إنشاء مخازن استراتيجية للوقود

زيادة نسبة الطاقة المتجددة

الربط الكهربائي مع دول مجاورة

وإلى جانب هذه الحلول، التي اتفق معها مصطفى نصر من اليمن، فإنه أكد أن «أولى الخطوات تتمثل في إصلاح قطاع الكهرباء وإعادة هيكلته، من خلال كفاءة الإدارة ووضع الاستراتيجيات متوسطة وطويلة المدى التي تحقق الاكتفاء الذاتي من الطاقة»، يليها «خفض الرسوم الجمركية على منتجات الطاقة المتجددة لتشجيع المستهلكين».

أحمد السيد قال إن انقطاع الكهرباء «يكشف بشكل كبير الحاجة المتزايدة إلى وجود خطط للتنبؤ المبكر بالأزمات، وهو أمر ليس صعباً خصوصاً في مجال المناخ، نظراً إلى وجود توقعات معدلات الحرارة مسبقاً، وهو ما يسهّل على متخذ القرار معرفة فترات الضغط المتزايد على الاستهلاك».

واقترح «وضع أكواد لمصنّعي الأجهزة الكهربائية حتى تساعد على تخفيض استهلاك الطاقة، وإلزام المصنّعين المحليين والمستوردين بالتزام تلك الأكواد».

ضرغام محمد علي، الخبير الاقتصادي العراقي، يرى أن الحل بالنسبة إلى بلاده، يتمثل في استثمار الغاز المصاحب للإنتاج النفطي، «ووصول نسب الحرق إلى النقطة صفر». أما بالنسبة إلى الحلول العامة، فركَّز على «الاتجاه نحو الطاقات المتجددة خصوصاً الطاقة الشمسية في بلداننا العربية».

وقسّم محمد يوسف، الخبير الاقتصادي، الحلول، حسب حالة الدولة، ففي حالة الاقتصاد اليمني، قال إنه «سيتعين أن يذهب جزء من الاستثمارات الموجَّهة إلى الكهرباء لمد الشبكات لتغطي جميع المناطق السكانية الحضرية والريفية». إلى جانب ذلك، يقترح أن يدخل اليمن في «اتفاقيات شراكة دولية لتوجيه المنح والهبات والمساعدات إلى قطاع الكهرباء، ويمكنه في ذلك الاستفادة من الدعم الفني والتمويلي لمجموعة البنك الدولي».

أما في حالة الاقتصادات العربية التي تعاني عجزاً طارئاً أو مزمناً في موازنة النقد الأجنبي (مثل مصر) فـ«هناك حلّان لا بديل عنهما، ويجب العمل عليهما بصورة متزامنة؛ أولهما توسيع برامج ترشيد وتسعير استخدامات الطاقة باستخدام التقنيات الحديثة، خصوصا الذكاء الاصطناعي وأنظمة تشغيل البيانات الضخمة وثانيهما توسيع قدرات إنتاج الكهرباء من الطاقة المتجددة، بعد توطين التقنيات الحديثة في دول لديها رأس مال بشري ضخم وقدرات بحث علمي يمكن الانطلاق منها لتطوير التقنيات الوطنية للخلايا الشمسية وتوربينات طواحين الهواء».