«حزب الله» يدخل النفط الإيراني إلى لبنان عبر معابر غير شرعية وسط صمت رسمي

قيادي في «القوات» يسأل عما إذا كانت أراضي البلاد «سائبة»

مناصر لـ«حزب الله» يطلق قذيفة «آر بي جي» في بعلبك احتفالاً بوصول المازوت الإيراني أمس (أ.ب)
مناصر لـ«حزب الله» يطلق قذيفة «آر بي جي» في بعلبك احتفالاً بوصول المازوت الإيراني أمس (أ.ب)
TT

«حزب الله» يدخل النفط الإيراني إلى لبنان عبر معابر غير شرعية وسط صمت رسمي

مناصر لـ«حزب الله» يطلق قذيفة «آر بي جي» في بعلبك احتفالاً بوصول المازوت الإيراني أمس (أ.ب)
مناصر لـ«حزب الله» يطلق قذيفة «آر بي جي» في بعلبك احتفالاً بوصول المازوت الإيراني أمس (أ.ب)

وسع «حزب الله» رسمياً دوره في لبنان، أمس، مع استيراد المازوت الإيراني وإدخاله إلى الأراضي اللبنانية عبر معابر غير شرعية من الأراضي السورية، وسط صمت رسمي أثار انتقادات، أبرزها من حزب «القوات اللبنانية» الذي سأل عن «دولة الرقابة والقانون والسيادة» وعما إذا كانت الأراضي اللبنانية «سائبة».
ودخلت عشرات الصهاريج التي تحمل لوحات سورية، والمحملة بالمازوت الإيراني الذي استقدمه «حزب الله» من إيران إلى لبنان، صباح أمس، آتية من الحدود السورية عبر معابر غير شرعية تصل منطقة الهرمل في شمال شرقي لبنان بمنطقة القصير السورية في ريف حمص الغربي. وقالت مصادر ميدانية إن 80 صهريجاً دخلت على أربع مراحل، وبلغ تعداد كل قافلة 20 صهريجاً، وتقدر الحمولة الكاملة أمس بنحو 4 آلاف طن، وهي الدفعة الأولى من قوافل عدة تنقل المازوت على مدى أيام من بانياس على الساحل السوري إلى الداخل اللبناني.
وقالت المصادر لـ«الشرق الأوسط» إن المخزون القادم من إيران تسلمته شركة «الأمانة» للمحروقات المدرجة على قوائم العقوبات الأميركية في العام 2020، وفرغته في مخازنها شرق لبنان تمهيداً لتوزيعه. وأشارت إلى أن السكان أبلغوا بأن التوزيع «سيتم وفق قائمة الأولويات التي حددها الحزب».
وتجمع العشرات من مناصري الحزب على طول الطريق باتجاه مدينة بعلبك، ورفع بعضهم أعلام الحزب ولافتات تشكر إيران وسوريا و«حزب الله»، بينما أطلقت النساء الزغاريد ونثرن الأرز والورود على الصهاريج التي أطلق سائقوها العنان لأبواقها. وقرب قرية العين في شمال شرقي لبنان، رفعت لافتة تعلن أن «حزب الله كسر الحصار على لبنان». وأظهرت مقاطع فيديو شباناً يطلقون النيران ابتهاجاً، كما أطلق أحدهم قذيفة «آر بي جي» ترحيباً بالقافلة.
وأثار إعلان «حزب الله» في 19 أغسطس (آب) الماضي عزمه استقدام الوقود من طهران، انتقادات سياسية من خصومه الذين يتهمونه بأنه يرهن لبنان لإيران، فيما كانت السلطات اللبنانية أعلنت مراراً أنها ملتزمة في تعاملاتها المالية والمصرفية عدم خرق العقوبات الدولية والأميركية المفروضة.
وقال نصر الله إن حزبه اتخذ قرار وصول البواخر الإيرانية إلى مرفأ بانياس للحؤول دون «إحراج» الدولة اللبنانية وتعرضها لعقوبات، موضحاً أن باخرة مازوت ثانية ستنطلق «خلال أيام قليلة»، بينما بدأت باخرة ثالثة الاثنين الماضي تحميل البنزين وتم الاتفاق على إعداد باخرة رابعة تحمل المازوت.
ويمثل قرار استيراد الوقود توسعة للدور الذي يلعبه «حزب الله» في لبنان، حيث يتهم منتقدون الجماعة المسلحة التي خاضت حروباً مع إسرائيل بالتصرف كدولة داخل الدولة. ووسط صمت رسمي لبناني، أثار دخول القوافل الأربع عبر معابر غير شرعية أسئلة عن حضور الدولة. وقال رئيس جهاز العلاقات الخارجية في حزب «القوات اللبنانية» الوزير السابق ريشار قيومجيان: «كل البروباغندا (الحسنة) حول الصهاريج الإيرانية الخاضعة للعقوبات لا تلغي مسؤولية الدولة عن تأمين متطلبات الناس مع دعم أو من دون دعم. تدخل الصهاريج عبر معابر غير شرعية، لا جمارك، لا موافقة من وزارة الطاقة المسؤولة عن النوعية والمعايير». وسأل: «لمن ستسلم وأين سيتم التخزين؟ وفق أي أسعار سيتم البيع؟ أين دولة الرقابة والقانون والسيادة وكأنما لبنان أرض سائبة؟ أفي حصرية السلاح وقرار الحرب والسلم والعلاقات العربية الدولية؟ أم الأمن الاجتماعي وضبط الحدود ومنع التهريب؟».
بدوره، توجه عضو «تكتل الجمهورية القوية» النائب بيار بو عاصي إلى الرئيس اللبناني ميشال عون، بالقول: «حلفت يوماً بالله العظيم أنك تحترم دستور الأمة اللبنانية وقوانينها. دخلت صهاريج محملة بالمحروقات إلى لبنان من دون أي احترام للأنظمة والقوانين فما هو موقفك؟». وأضاف متسائلاً: «من سيخزن ويبيع هذه المواد، كيف تحددت الأسعار، من سيستفيد من الأموال الناتجة عن البيع، ما الرابط بينه وبين المالية العامة والضرائب، وكل ذلك وفقاً لأي معايير قانونية؟». وتابع: «كنائب للأمة اللبنانية أطالب بموقف منك لأنك رئيس البلاد، أقسمت على احترام الدستور والقوانين كما حفظ استقلال الوطن وسلامة أراضيه».
ويأتي استيراد الحزب للنفط الإيراني في ظل تراجع حاد بقدرة مؤسسة كهرباء لبنان على توفير التغذية لكل المناطق، ما أدى إلى رفع ساعات التقنين لتتجاوز 22 ساعة يومياً. ولم تعد المولدات الخاصة قادرة على تأمين المازوت اللازم لتغطية ساعات انقطاع الكهرباء. ويقول الحزب إن الخطوة «تهدف إلى تخفيف أزمة طاقة خانقة». لكن معارضيه قالوا إنها تعرض البلاد لخطر العقوبات الأميركية.
وأشار قياديو الحزب إلى هذه النقطة، إذ رأى رئيس «تكتل نواب بعلبك الهرمل» النائب حسين الحاج حسن في حديث إلى قناة «المنار» التابعة للحزب أن دخول قوافل الصهاريج المحملة بالمازوت الإيراني عبر سوريا إلى لبنان «كسر للحصار الأميركي»، عاداً يوم أمس «يوماً تاريخياً في سجل انتصارات لبنان».



الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
TT

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)

يتضاعف خطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، بفعل الحرب الحوثية على الموارد الرئيسية للبلاد، وتوسيع دائرة الصراع إلى خارج الحدود، في حين تتزايد الدعوات إلى اللجوء للتنمية المستدامة، والبحث عن حلول من الداخل.

وبينما تتوالي التحذيرات من تعاظم احتياجات السكان إلى المساعدات الإنسانية خلال الأشهر المقبلة، تواجه الحكومة اليمنية تحديات صعبة في إدارة الأمن الغذائي، وتوفير الخدمات للسكان في مناطق سيطرتها، خصوصاً بعد تراجع المساعدات الإغاثية الدولية والأممية خلال الأشهر الماضية، ما زاد من التعقيدات التي تعاني منها بفعل توقف عدد من الموارد التي كانت تعتمد عليها في سد الكثير من الفجوات الغذائية والخدمية.

ورجحت شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة حدوث ارتفاع في عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في اليمن في ظل استمرار التدهور الاقتصادي في البلاد، حيث لا تزال العائلات تعاني من التأثيرات طويلة الأجل للصراع المطول، بما في ذلك الظروف الاقتصادية الكلية السيئة للغاية، بينما تستمر بيئة الأعمال في التآكل بسبب نقص العملة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وانخفاض قيمة العملة والتضخم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وبحسب توقعات الأمن الغذائي خلال الستة أشهر المقبلة، فإنه وبفعل الظروف الاقتصادية السيئة، وانخفاض فرص كسب الدخل المحدودة، ستواجه ملايين العائلات، فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء وحالة انعدام الأمن الغذائي الحاد واسعة النطاق على مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي) أو حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة) في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية.

انهيار العملة المحلية أسهم مع تراجع المساعدات الإغاثية في تراجع الأمن الغذائي باليمن (البنك الدولي)

يشدد الأكاديمي محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، على ضرورة وجود إرادة سياسية حازمة لمواجهة أسباب الانهيار الاقتصادي وتهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، منوهاً إلى أن عائدات صادرات النفط والغاز كانت تغطي 70 في المائة من الإنفاق العام في الموازنة العامة، وهو ما يؤكد أهميتها في تشغيل مؤسسات الدولة.

ويضيف قحطان في حديث خص به «الشرق الأوسط» أن وقف هذه الصادرات يضع الحكومة في حالة عجز عن الوفاء بالتزاماتها، بالتضافر مع أسباب أخرى منها الفساد والتسيب الوظيفي في أهم المؤسسات الحكومية، وعدم وصول إيرادات مؤسسات الدولة إلى البنك المركزي، والمضاربة بالعملات الأجنبية وتسريبها إلى الخارج، واستيراد مشتقات الوقود بدلاً من تكرير النفط داخلياً.

أدوات الإصلاح

طبقاً لخبراء اقتصاديين، تنذر الإخفاقات في إدارة الموارد السيادية ورفد خزينة الدولة بها، والفشل في إدارة أسعار صرف العملات الأجنبية، بآثار كارثية على سعر العملة المحلية، والتوجه إلى تمويل النفقات الحكومية من مصادر تضخمية مثل الإصدار النقدي.

توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

ويلفت الأكاديمي قحطان إلى أن استيراد مشتقات الوقود من الخارج لتغطية حاجة السوق اليمنية من دون مادة الأسفلت يكلف الدولة أكثر من 3.5 مليار دولار في السنة، بينما في حالة تكرير النفط المنتج محلياً سيتم توفير هذا المبلغ لدعم ميزان المدفوعات، وتوفير احتياجات البلاد من الأسفلت لتعبيد الطرقات عوض استيرادها، وأيضاً تحصيل إيرادات مقابل بيع الوقود داخلياً.

وسيتبع ذلك إمكانية إدارة البنك المركزي لتلك المبالغ لدعم العرض النقدي من العملات الأجنبية، ومواجهة الطلب بأريحية تامة دون ضغوط للطلب عليها، ولن يكون بحاجة إلى بيع دولارات لتغطية الرواتب، كما يحدث حالياً، وسيتمكن من سحب فائض السيولة النقدية، ما سيعيد للاقتصاد توازنه، وتتعافى العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وهو ما سيسهم في استعادة جزء من القدرة الشرائية المفقودة للسكان.

ودعا الحكومة إلى خفض نفقاتها الداخلية والخارجية ومواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية لإحداث تحول سريع من حالة الركود التضخمي إلى حالة الانتعاش الاقتصادي، ومواجهة البيئة الطاردة للاستثمارات ورجال الأعمال اليمنيين، مع الأهمية القصوى لعودة كل منتسبي الدولة للاستقرار داخل البلاد، وأداء مهاهم من مواقعهم.

الحكومة اليمنية تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لوقف حصار تصدير النفط (سبأ)

ويؤكد مصدر حكومي يمني لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة باتت تدرك الأخطاء التي تراكمت خلال السنوات الماضية، مثل تسرب الكثير من أموال المساعدات الدولية والودائع السعودية في البنك المركزي إلى قنوات لإنتاج حلول مؤقتة، بدلاً من استثمارها في مشاريع للتنمية المستدامة، إلا أن معالجة تلك الأخطاء لم تعد سهلة حالياً.

الحل بالتنمية المستدامة

وفقاً للمصدر الذي فضل التحفظ على بياناته، لعدم امتلاكه صلاحية الحديث لوسائل الإعلام، فإن النقاشات الحكومية الحالية تبحث في كيفية الحصول على مساعدات خارجية جديدة لتحقيق تنمية مستدامة، بالشراكة وتحت إشراف الجهات الممولة، لضمان نجاح تلك المشروعات.

إلا أنه اعترف بصعوبة حدوث ذلك، وهو ما يدفع الحكومة إلى المطالبة بإلحاح للضغط من أجل تمكينها من الموارد الرئيسية، ومنها تصدير النفط.

واعترف المصدر أيضاً بصعوبة موافقة المجتمع الدولي على الضغط على الجماعة الحوثية لوقف حصارها المفروض على تصدير النفط، نظراً لتعنتها وشروطها صعبة التنفيذ من جهة، وإمكانية تصعيدها العسكري لفرض تلك الشروط في وقت يتوقع فيه حدوث تقدم في مشاورات السلام، من جهة ثانية.

تحذيرات من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد (أ.ف.ب)

وقدمت الحكومة اليمنية، أواخر الشهر الماضي، رؤية شاملة إلى البنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات القائمة لتتوافق مع الاحتياجات الراهنة، مطالبةً في الوقت ذاته بزيادة المخصصات المالية المخصصة للبلاد في الدورة الجديدة.

وكان البنك الدولي توقع في تقرير له هذا الشهر، انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة واحد في المائة هذا العام، بعد انخفاضه بنسبة 2 في المائة العام الماضي، بما يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج الحقيقي.

ويعاني أكثر من 60 في المائة من السكان من ضعف قدرتهم على الحصول على الغذاء الكافي، وفقاً للبنك الدولي، بسبب استمرار الحصار الذي فرضته الجماعة الحوثية على صادرات النفط، ما أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية للحكومة بنسبة 42 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، وترتب على ذلك عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وأبدى البنك قلقه من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والإنسانية.