وثائق إسرائيلية: الغطرسة سبب إخفاقات حرب أكتوبر

310 أسرى إسرائيليين سابقين لدى مصر وسوريا يشكون الإهمال

إغلاق الطرق مساء الأربعاء بمناسبة احتفال إسرائيل بيوم الغفران الذي وقعت فيه حرب أكتوبر (أ.ف.ب)
إغلاق الطرق مساء الأربعاء بمناسبة احتفال إسرائيل بيوم الغفران الذي وقعت فيه حرب أكتوبر (أ.ف.ب)
TT

وثائق إسرائيلية: الغطرسة سبب إخفاقات حرب أكتوبر

إغلاق الطرق مساء الأربعاء بمناسبة احتفال إسرائيل بيوم الغفران الذي وقعت فيه حرب أكتوبر (أ.ف.ب)
إغلاق الطرق مساء الأربعاء بمناسبة احتفال إسرائيل بيوم الغفران الذي وقعت فيه حرب أكتوبر (أ.ف.ب)

في تقارير تنشر في تل أبيب، هذه الأيام، بمناسبة مرور 48 سنة على حرب أكتوبر (تشرين الأول) 1973، التي تصدف الآن وفقاً للتقويم العبري.
وفي كتاب أعده المؤرخ العسكري الإسرائيلي، يوآف غيلبر، سيصدر قريباً، يكشف فيه، عن أن إخفاقات إسرائيل في حرب أكتوبر كانت أعمق بكثير من كونها إخفاقات المخابرات التي فشلت في رصد مفاجأة الحرب رغم وجود معلومات، وأن الإخفاق الأكبر يكمن في «إهمال يبلغ درجة الفساد العفن الذي ساد الجيش الإسرائيلي طيلة سنوات». ويقول، إن «ما حدث في الجيش الإسرائيلي في 5 و6 أكتوبر 1973، ليس مجرد الوقوع في مفاجأة نتيجة لأخطاء في التقدير، أو عدم فهم الإنذار، أو بسبب عدم استخدام وسيلة كهذه أو تلك من أجل الحصول عليه، فحسب، بل بالأساس لأن هناك أمراضاً خبيثة في أداء الجيش وعقيدته في السنوات الست التي سبقت الحرب. فمنذ الانتصار الساحق في حرب يونيو (حزيران) 1967، ساد شعور بالغطرسة والغرور في قيادة الجيش، فأقنعوا أنفسهم بأن العرب لن يجرؤوا على محاربة إسرائيل».
وكان البروفسور غيلبر قد اختار لكتابه العنوان «راهف»، وتعني «غطرسة». وكشف، عن أنه طرح رؤيته هذه خلال عمله في الجيش وفي الأكاديمية، وخلال عضويته في الطاقم المهني الذي رافق «لجنة أغرنات» التي حققت في إخفاقات إسرائيل في تلك الحرب، وقال «كانت مهمتي في اللجنة ترتيب كميات المواد الهائلة التي وصلت إلى اللجنة، وشملت وثائق وبروتوكولات من مصادر مختلفة، مثل مكتب رئيس هيئة الأركان العامة ورئيس الموساد. وكانت جميعها مفتوحة أمامي، وقد طفحت بالمعلومات التي تصرخ بالغطرسة. ولكنهم في اللجنة بحثوا عن نقطة ارتكاز أخرى وتجاهلوا النقطة الأساسية».
وفي تقرير آخر، قال المفوض الأسبق لشكاوى جنود الجيش الإسرائيلي، الجنرال يتسحاق بريك، إن الجيش لم يتعلم من إخفاقات حرب أكتوبر، وهو اليوم يهدد بالحروب، ولكنه غير مستعد للحرب المقبلة. وأكد بريك، المعروف بانتقاداته اللاذعة لقيادة الجيش، أنه في حال وقوع حرب أخرى، فإن إسرائيل ستصاب بنكسة على غرار حرب أكتوبر 1973.
ونشر موقع «واللا» الإخباري تقريراً بمناسبة الحرب، ادعى فيه أحد الضباط السابقين، أنه حذر وزير الأمن موشيه ديان في حينه، من وجود تحركات على الجبهة المصرية تشير إلى استعدادهم للحرب، لكنه استخف به وتجاهل تحذيراته.
كشف عدد من الجنود والضباط والطيارين الذين كانوا وقعوا في الأسر لدى سوريا ومصر، عن أنهم تعرضوا لتنكيل وتعذيب في إسرائيل بعد عودتهم، وأن هذا ترك أثره على نفوسهم بحيث لم يعودوا طبيعيين. وهم يطالبون بإعادة فتح ملفاتهم وتعويضهم عن معاناتهم.
ويشكو هؤلاء الأسرى، البالغ عددهم 301 شخص، من نوعين من المعاناة، الأول من الأسر العربي نفسه والآخر من التعامل الإسرائيلي معهم. ففي الجانب العربي، يتحدثون عن ذكريات رهيبة تبدأ في الفشل الحربي ورؤية رفاقهم قتلى بمحاذاتهم، وتستمر عند الوقوع في الأسر والتعرض للإهانة والإذلال والتحقيق القاسي، كما تحدثوا عن تعرضهم للتعذيب. ثم جاءوا إلى إسرائيل، بعد أشهر، فاستقبلوا بالترحاب الحميم أمام الكاميرات، ثم أخذوا إلى معسكر اعتقال وراحوا يحققون معهم طيلة شهرين، في ظروف ترهيب قاسية، في محاولة لاكتشاف إن كان أحدهم قد ضعف وأدلى بمعلومات سرية. وتبين أن 101 جندي إسرائيلي ضعفوا وأدلوا بمعلومات سرية، فتم اعتبارهم خونة. وهم يصرحون اليوم بأن معاناتهم لم تتوقف؛ ولذلك يطالبون بالاعتراف بهم مشوهي حرب وتعويضهم عن ذلك.
واعتمد هؤلاء الجنود الأسرى السابقون، على دراسة طبية أجريت في الجيش الإسرائيلي، تبين أن 43 في المائة منهم يعانون اكتئاباً وإحباطاً دائمين ويستيقظون فزعين في الليالي، و28 في المائة مناعتهم منخفضة، وجميعهم يعانون أمراضاً مختلفة.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.