عمالقة العالم الجُدد

8 شركات تكنولوجية ضمن 10 شركات عالمية غنية

عظيم أزهر
عظيم أزهر
TT

عمالقة العالم الجُدد

عظيم أزهر
عظيم أزهر

التكنولوجيا تحقق قفزات سريعة جداً لا يمكن للإنسان ملاحقتها من جهة؛ أو إيقاف «تأثيراتها الجانبية» التي قد تضر بالبشرية من جهة أخرى. واليوم تحتل 8 شركات تكنولوجية موقعها ضمن قائمة لأكبر 10 من الشركات العالمية الغنية. وتعمل تلك الشركات في الأغلب في نطاق «الاقتصاد الافتراضي».
والبشرية قد دخلت فيما يسمى «العصر الأسّي»؛ لأن عصرنا هو العصر الأول في التاريخ الذي تتسارع فيه التكنولوجيا باستمرار وبشكل أسي... من أجهزة الكومبيوتر الأسرع؛ إلى البرامج الأفضل، والبيانات الأكبر سعة.
وفي كتابه «الأسّي»، يجادل عظيم أزهر؛ رجلُ الأعمال والمحلل في ميدان التكنولوجيا، بأن التكنولوجيا تتطور بمعدل أسّي متزايد. لكن المجتمع البشري؛ من الأعمال اليومية إلى المؤسسات، لا يمكنه مطلقاً التكيف إلا بوتيرة أبطأ وبشكل تدريجي. والنتيجة هي خلق «فجوة أسية» بين قوة التكنولوجيا الجديدة وقدرتنا على المواكبة.
ويوضح أزهر كيف يمكن لهذه الفجوة المتسارعة أن تفسر مشكلات مجتمعنا الأكثر إلحاحاً؛ من الصعوبة أمام الشركات القائمة في مواكبة المنصات الرقمية، إلى الاستجابة المتصلبة للحكومات للمشكلات الاجتماعية سريعة التطور.
وتناولت الصحافة البريطانية بالتحليل كتاب أزهر الجديد الموسوم: «الأسّي: كيف تتركنا التكنولوجيا المتسارعة وراءها... وما الذي يجدر بنا صنعه» الذي يستعرض فيه عمل الشركات التكنولوجية الرائدة اليوم وواقع الإنسان. وهو يعني بالوصف «أسّي» النموَ المتسارع بشكل أسّي.
شركات التكنولوجيا الجديدة من «غوغل» و«فيسبوك» إلى «أمازون» وغيرها تخلق أرستقراطية الثروة الجديدة؛ إذ إن سهم المداخيل التي يجنيها العاملون في قطاعات الاقتصاد غير التقنية يتدهور، فمقابل نحو 150 ألف دولار مرتب مهندس كومبيوتر يعمل في شركة «أوبر» الخدمية لتأجير السيارات، يحصل السائق في هذه الخدمة في المتوسط على 30 ألف دولار لعمل يستمر 48 ساعة أسبوعياً.
هذا التفاوت يبدو فاقعاً أمام حقيقة أن «أوبر» لا تملك أي سيارات مثلما لا تملك شركة «إير بي إن بي»؛ التي تؤجر حجرات الإقامة حول العالم؛ أي مبانٍ أو فنادق. أما «فيسبوك» أو «غوغل» فلا يمكن لأحد معرفة ما لديهما من أصول أساسية؛ لأن أغلب ما لديهما بيانات ومعلومات تنتقل بسرعة الضوء من دون موجودات مادية... أي إن العالم يحيا اليوم في إطار رأسمالية «طافية».
ومع هذا؛ فإن هذه الشركات تنمو باطراد وهي مهووسة بالنمو؛ وهذه أهم سمات العصر الأسّي. ويعتقد المؤلف أن «توقف هذه الشركات عن النمو يعني هلاكها الفوري وانفجار بالونات أسهمها المرتفعة»؛ لأنها تطفو على بحر افتراضي من ثقة الأسواق بها. ويضيف أن «العصر الأسي للنمو يتسم بانفراد شركة تكنولوجية واحدة بقطاع معين من الاقتصاد».
وتختلف شركات التكنولوجيا العملاقة الجديدة العاملة في الاقتصاد الافتراضي عن مثيلاتها التقليدية التي تنمو وتتوسع، ثم تنحسر قليلاً، ليزيد انحسارها، ثم ينطفئ نشاطها.
وهكذا رأينا أن «غوغل» و«فيسبوك» و«أمازون» أخذت تنمو بشكل أسي في مثل تلك الظروف لتغدو شركات احتكارية ومهيمنة؛ كلاً على قطاعها.
وتعود هيمنة الشركات التكنولوجية إلى انفرادها في قطاعها واجتذاب أعداد أكبر من الزبائن عبر شبكاتها المتزايدة الانتشار؛ فلكي تتلاقى مع أصدقاء جدد، فعليك بـ«فيسبوك»، وإن أردت الدخول إلى «إنستغرام» أو «واتساب» فإنك ما زلت مع «فيسبوك» المالكة لهما.
ويشير أزهر؛ الذي يؤمن بإيجابيات التكنولوجيا، إلى أنه «لا يوجد ضرر في النمو التكنولوجي رغم أنه يؤدي في البداية إلى إحداث ارتباك شديد، ثم إلى تكيف الإنسان معه، ثم تحقيق الازدهار».
وفي النهاية؛ يقدم الكاتب تعريفاً شاملاً ودقيقاً للطور الجديد في عالم اليوم الذي يعدّ أنه ابتدأ عام 2010؛ وهو العام الذي بدأت فيه الشركات الكبرى غير الافتراضية؛ شركات إنتاج السيارات وشركات النفط وشركات الأدوية لا تزال متمسكة في «أعالي متحدراتها الرأسمالية». والآن لم يتبق منها في قائمة شركات السيارات الثرية الكبرى سوى شركة «تيسلا» للسيارات وهي تعمل من وادي السليكون، ومن شركات النفط شركة «أرامكو السعودية».
كما يتعرض الكاتب إلى التقنيات الواعدة الأخرى في «العصر الأسي»، مثل تقنيات الطاقة الشمسية التي أضحت رخيصة الثمن، وكذلك عمليات رصد التسلسل الجيني، وإمكانات تطوير «نظم الكومبيوتر الكوانتية». أما العمليات الإنتاجية؛ فإنها تتكيف في هذا العصر بعد أن تطورت نظم الطباعة التجسيمية بالأبعاد الثلاثة؛ إذ يمكن الآن إرسال رسم لسيارة صُممت في الصين بالبريد الإلكتروني لكي تصنّع في الولايات المتحدة، ولهذا لن تكون هناك حاجة لأي حاويات شحن كبيرة للنقل من الصين إلى أميركا.


مقالات ذات صلة

أربع ساعات مع إيزابيل الليندي في محبة الكتابة

ثقافة وفنون أربع ساعات مع إيزابيل الليندي في محبة الكتابة

أربع ساعات مع إيزابيل الليندي في محبة الكتابة

أطلّت الكاتبة التشيلية الأشهر إيزابيل الليندي، عبر منصة «مايسترو»، في «هيئة الإذاعة البريطانية»، من صالونها الهادئ الذي يضم تفاصيلها الشخصية والحميمية

سحر عبد الله
يوميات الشرق «معرض جدة للكتاب 2024» يستقبل زواره حتى 21 ديسمبر الجاري (هيئة الأدب)

انطلاق «معرض جدة للكتاب» بمشاركة 1000 دار نشر

انطلقت، الخميس، فعاليات «معرض جدة للكتاب 2024»، الذي يستمر حتى 21 ديسمبر الجاري في مركز «سوبر دوم» بمشاركة نحو 1000 دار نشر ووكالة محلية وعالمية من 22 دولة.

«الشرق الأوسط» (جدة)
كتب الفنان المصري الراحل محمود ياسين (فيسبوك)

«حياتي كما عشتها»... محمود ياسين يروي ذكرياته مع الأدباء

في كتاب «حياتي كما عشتها» الصادر عن دار «بيت الحكمة» بالقاهرة، يروي الفنان المصري محمود ياسين قبل رحيله طرفاً من مذكراته وتجربته في الفن والحياة

رشا أحمد (القاهرة)
كتب «عورة في الجوار»... رواية  جديدة لأمير تاجّ السِّر

«عورة في الجوار»... رواية جديدة لأمير تاجّ السِّر

بالرغم من أن الرواية الجديدة للكاتب السوداني أمير تاج السر تحمل على غلافها صورة «كلب» أنيق، فإنه لا شيء في عالم الرواية عن الكلب أو عن الحيوانات عموماً.

«الشرق الأوسط» (الدمام)
كتب «البؤس الأنثوي» بوصفه صورة من «غبار التاريخ»

«البؤس الأنثوي» بوصفه صورة من «غبار التاريخ»

في كتابه الأحدث «البؤس الأنثوي... دور الجنس في الهيمنة على المرأة»، يشير الباحث فالح مهدي إلى أن بغيته الأساسية في مباحث الكتاب لم تكن الدفاع المباشر عن المرأة

محمد خضير سلطان

«الجبرتي»... الوجه الآخر لأشهر مؤرخي الحملة الفرنسية

«الجبرتي»... الوجه الآخر لأشهر مؤرخي الحملة الفرنسية
TT

«الجبرتي»... الوجه الآخر لأشهر مؤرخي الحملة الفرنسية

«الجبرتي»... الوجه الآخر لأشهر مؤرخي الحملة الفرنسية

يقدم الكاتب والباحث الراحل صلاح عيسى في كتابه المهم «عبد الرحمن الجبرتي - الإنتلجنسيا المصرية في عصر القومية» رصداً لافتاً لحقبة ملتبسة من التاريخ المصري تتعلق بفترة الحملة الفرنسية على مصر وما قبلها في النصف الثاني من القرن الثامن عشر.

ويعد الكتاب الصادر أخيراً عن دار «الكرمة» بالقاهرة بمثابة قراءة نقدية لسيرة واحد من أشهر المؤرخين المصريين في العصر الحديث عموماً والحملة الفرنسية التي عاصرها بشكل خاص وهو عبد الرحمن الجبرتي (1756 - 1825) صاحب الكتابين الشهيرين «عجائب الآثار في التراجم والأخبار» و«مظاهر التقديس في زوال دولة الفرنسيس».

يشير عيسى في البداية إلى أن الصعوبات في اكتشاف منهج الجبرتي كمؤرخ تتحدد من خلال عدد من الحقائق، منها أن بعض الباحثين يصنفون الرجل في خانة «الإخباريين» ويرون أن كتابيه مجرد «يوميات» كُتبت في أوانها أو هي «إضمامة» تضم جهد مخبر صحافي غير نشيط.

والجبرتي عند هؤلاء صحافي تلك الأيام التي أرخ لها، وبينما يتحفظ بعضهم فيكتفون بإطلاق الحكم مع بعض قيود على كتاب «مظهر التقديس» فيقولون إن الجبرتي كان فيه كاتب مذكرات أكثر منه مؤرخاً، فإن هذا الحكم يشمل عند آخرين «عجائب الآثار» وبلا تحفظات فهو عندهم كتاب ليس من التاريخ في شيء إنما هو مذكرات وروايات قيد المؤلف شواردها بغير ترتيب ولا تنسيق، تصلح أن تكون مادة للمؤرخ مع شيء غير قليل من الصعوبة والعناء. ولأن «الإخباريين» في رأي البعض ليسوا أصحاب منهج أو موقف، فإن البحث في ذلك عند الجبرتي أمر غير وارد.

ويتفرع عن هذه الصعوبة أن الجبرتي كان معاصراً لمرحلة تزيد على خمسة وأربعين عاماً، كما تشكل أكثر من ثلث الزمن الذي أرخ له، فبعض من ترجم لهم كانت تربطه بهم وشائج وصلات بين صديق له وشيخ تلقى عنه العلم، فضلاً عن تلامذة أبيه وأنداده، حتى أن بعض الحوادث التي أرخها كان طرفاً فيها. وهو ما يجعل جهده كمؤرخ معيباً بالمعاصرة، وهي حجاب يحول دون الرؤية الموضوعية وينقله إلى حيث يصبح مجرد «شهادة معاصر» وليس تأريخاً، وبالتالي فلا محل لاكتشاف منهج أو رؤية، إضافة إلى أن الموقف يتعقد لأن الجبرتي نفسه قليل التعليقات ومعظم أخباره صماء لا يتجاوزها إلى مقارنتها أو تحقيقها أو تفسيرها، وهو يصوغ أحكامه غالباً في كلمات مبتسرة تنطوي تحت مظلة الأحكام الأخلاقية، من مثل: هذا التصرف «ظلم» أو «سخافة» أو «خزعبلات»، وهذا الأمر «شنيع جداً». وهذا الشخص «لعين» أو «كافر»، وبعضها عبارات لا تعكس رأياً في الحدث ولكن استكمالاً للخبر.

لكن صلاح عيسى الذي كتب هذا الكتاب في السبعينيات، وينشر لأول مرة بعد وفاته يعود بحسه كمؤرخ ويؤكد أن تصنيف الجبرتي في خانة «الإخباريين» بشكل مطلق هو خطأ بلا جدال، ولكننا مع افتراض صحته لا نرى أن الإخباريين ليسوا أصحاب منهج أو موقف. والواقع أن اختيار أخبار معينة وإهمال غيرها والحرص على الترجمة لأفراد معينين وترك الآخرين، لهو سلوك يعكس بحد ذاته وجهة نظر ضمنية. وعلى سبيل المثال، فإن الجبرتي في «مظهر التقديس» أغفل من حوادث شهر ربيع الأول 1216. وفق التقويم الهجري، وشهر ربيع الثاني من العام نفسه أكثر من نصف حوادثهما. وعاد في كتابه الثاني «عجائب الآثار» فأورد حوادث الشهرين متكاملة بحسب جهده في التجميع.

ويفسر حجب هذه الأخبار ثم إيرادها موقفاً له، فقد كانت كلها تسجيلاً لقبائح وجرائم ارتكبها العثمانيون عندما دخلوا القاهرة مرة أخرى. وبصرف النظر عن دلالة هذا فيما يتعلق بموقفه من العثمانيين، فهو أيضاً يعكس دلالة على أن الخبر ليس دائماً عرضاً لواقع أصم، ولكنه اختيار من هذا الواقع وما يتحكم فيه هو وجهة النظر أو المنهج، بل إن ترتيب بعض مباحث الكتاب نفسها يمكن أن يكون ذا دلالة.

ويرى صلاح عيسى أنه برغم أن معاصرة المؤلف للحقبة التي يرويها عنصر له تأثيره، فإن هذا التأثير يقل كثيراً هنا، لأننا نعلم أن الجبرتي لم يسجل أخباره هكذا في حينها تاركاً إياها مادة خام دون تنسيق أو تعديل. لافتاً إلى أن الدافع للجبرتي على كتابة تاريخه معروف فقد كلفه أستاذه الزبيدي في عام 1779 حين كان الجبرتي في الخامسة والعشرين من عمره بمساعدته في الترجمة لأعلام المائة المنصرمة من مصريين وحجازيين، والمراحل التي مر بها تاريخ القرن الثالث عشر الهجري، ثم دوّن بعد ذلك يوميات للمراحل التي عاصرها. المهم في هذا كله ّأن النص الذي تركه لنا الجبرتي ليس هو نص تدويناته اليومية التي كان يسجلها، ولكنه عمل تفرغ له فيما بعد لإعادة تنسيق ما كتب وتبويبه وكان وقتها قد جاوز الخمسين من عمره.

كما أن بعض الظواهر التاريخية كانت قد استكملت ملامحها، وهو بالقطع ما أتاح للجبرتي فرصة للتخلص من تأثير المعاصرة في حدودها الضيقة ومكنه من استخلاص نتائج ربما لم تكن واضحة أمامه وهو يسجل الأحداث اليومية وقت حدوثها ونقل عمله بدرجة محدودة من إطار الأخبار الأصم إلى أفق أكثر رحابة.

ولأن التاريخ عند الجبرتي هو تحقيق لإرادة عليا لا يملك الإنسان الفكاك منها وكل ما حدث له من مظالم هو «انتقام سماوي» لخروجه عن الناموس، فقد كان طبيعياً أن ينظر إلى التكوين الاجتماعي باعتباره خاضعاً لتركيب طبقي حديدي يخضع فيه الصغير للكبير والدنيء للشريف والأدنى للأعلى. في هذا الصدد يبدو الجبرتي أكثر تزمتاً من أي شيء آخر، فكل شيء لا يداني عنده الإخلال بالتصميم الاجتماعي المستقر، فعلى المماليك وهم القوة السياسية والعسكرية والاقتصادية المتنامية والقادمة من خلفية العبودية والرق أن يتبعوا التقاليد تجاه أمرائهم، فإذا ما خرجوا عنها أثاروا غضبهم. ومن ثم يرى الجبرتي أن من الأحداث التي تستحق الرواية أن المماليك قد تزوجوا وصار لهم بيوت وخدم ويركبون ويغدون ويروحون ويشربون وفي أيديهم شبكات الدخان من غير إنكار وهم في الرق ولا يخطر ببالهم خروجهم عن الأدب لعدم إنكار أسيادهم وترخيصهم لهم في الأمور.

لم يكن غريباً أن يكون من أعمال «هيئة الديوان»، التي كان الجبرتي من أعضائها على عهد قيادة الجنرال مينو للحملة الفرنسية، أن يحذر القائد الفرنسي الذي خلف نابليون بونابرت من الثورة الشعبية، وأن يصوغ تحذيره في أن الثورة يقوم بها الدهماء فلا يخسرون شيئاً، وإنما يخسر الذين يملكون المال أو النفوذ، فقد ذكر أن أعضاء الديوان المذكور دعوا مشايخ الحارات والأخطاط وحذروهم مما يترتب على قيام المفسدين وجهل الجاهلين، وأن مشايخ الحارات هم المأخوذون بذلك كما أن من فوقهم مأخوذ عنهم، فالعاقل يشتغل بما يعنيه.

ومع ذلك، لا يبدو الجبرتي في تأريخه لثورة 1805 التي قام بها المصريون ضد الاحتلال الفرنسي للبلاد، معارضاً لها، بل إننا نستشعر روحاً من التعاطف في روايته لأحداثها، فقد خلت عباراته من أوصاف «الأشرار» و«أوباش الناس» في وصف الجماهير. وفي كل المناقشات التي دارت بين قادة الثورة والوالي العثماني والتي كان الثوار فيها يستندون إلى أن من حقهم بمقتضى الشريعة أن يعزلوا ولي الأمر إذا سار فيهم بالظلم، بدا الجبرتي موافقاً على هذا الرأي ووصف رفض الوالي له بأنه «خلاف وعناد».