الشعر والسياسة في أعمال المتنافسين على «جائزة جميل» في نسختها السادسة

تعرض حالياً في متحف «فيكتوريا آند ألبرت» بلندن

مشروع الفنان الهندي كالول داتا (فيكتوريا آند ألبرت)
مشروع الفنان الهندي كالول داتا (فيكتوريا آند ألبرت)
TT

الشعر والسياسة في أعمال المتنافسين على «جائزة جميل» في نسختها السادسة

مشروع الفنان الهندي كالول داتا (فيكتوريا آند ألبرت)
مشروع الفنان الهندي كالول داتا (فيكتوريا آند ألبرت)

في معرض جائزة جميل المقام حالياً بمتحف «فيكتوريا آند ألبرت» بلندن تحت عنوان: «جائزة جميل: من الشعر إلى السياسة»، تدهشنا التداخلات البصرية والتنوع في الأعمال المتنافسة. ها نحن في الدورة السادسة للجائزة نتجول ونستكشف عوالم مختلفة لهؤلاء الفنانين الثمانية، كل منهم يعبر عن واقع وماضٍ وحلم بالمستقبل، هناك الكثير من الحنين والنوستالجيا، وهناك أيضاً التعليق الحاد على الواقع بكل انعكاساته. لم يخيّب المشاركون زوار المعرض الذي يجمع أعمالهم معاً وسوف يطوف بها في العالم بعد انتهاء فترته في لندن.
قرر القائمون على الجائزة هذا العام توسيع دائرة التعبير بإضافة مساحة للتصميم المعاصر. ببساطة اندمجت تصميمات الأزياء المبطنة بمعانٍ وتعليقات على السياسة والحياة مع الرسومات التي تمثل تنويعات على الحرف العربي، والتركيب المتمثل في القبة الحديدية التي تعلو فوق المعروضات وهي للمبدع عجلان غارم، ولكن لنا وقفة أخرى مع القبة والفنان الذي توج بالجائزة أمس من خلال حفل افتراضي.
من بين أكثر من 400 مشروع متقدمة للجائزة التي تبلغ قيمتها 25 ألف جنيه إسترليني اختارت لجنة المحكمين أعمال ثمانية فنانين من بلدان مختلفة للتصفية النهائية، وهم: غلنار عديلي (إيران)، وهدية بدري (الإمارات)، وكالول داتا (الهند)، وفرح فياض (لبنان)، وعجلان غارم (السعودية)، وصوفيا كريم (المملكة المتحدة)، وجنى طرابلسي (لبنان)، وبشرى وقاص خان (باكستان). وللحق يجب القول إن الأعمال المختارة كلها تتميز بعمق وفكر وإبداع بصري. ومن خلال الممارسات الفنية المتنوعة أمامنا التي تشمل التصميم الجرافيكي والأزياء والطباعة والمنسوجات والمجسمات، تتفاعل الأعمال مع كل من الجانب الشخصي والجانب السياسي، وتطرح تفسيرات عن الماضي بطرق إبداعية ناقدة. وتتناول أعمال المعرض الأحداث العالمية والوقائع الحية، وموروثات اللغة والعمارة والِحرف.
الأعمال المشاركة:
تختار الفنانة الإيرانية غلنار عديلي التعبير عن الهوية والذات عبر مفردات اللغة الفارسية وتحديدا حرف «الياء». في عملها، تستكشف الفنانة مشاعر مرتبطة ببدايات حياتها في إيران، وتختار خطاباً كتبه والدها إلى حبيبته لتقدم لنا تصوراً مرئياً لمعاني الفقد والشوق والحنين. حرف «الياء» المتكرر في الخطاب يصبح هو الرابط بين مختلف الأشكال التعبيرية هنا، تلجأ لعرض خصوصيات خط يد والدها وتحول الخطاب إلى عمل تركيبي ثلاثي الأبعاد يتميز بالرقة رغم حجمه الضخم. تشدنا التشابكات المصنوعة من خطوط معدنية متداعية من كل حرف. نتوقف أمام التركيب الضخم ونحاول استيعاب ما يحمله كل حرف وما يمثله للفنانة. ونرى العمل كما أرادته عديلي: تحية وحنين من الفنانة لوالدها.
الفنانة الإماراتية هدية بدري تختار التعبير بالنسيج، فهي ترى أن المنسوجات تقدم لغة إبداعية ثرية - لغة توحد الإيماءات واللمس والذاكرة والطقوس. في العرض 3 من منسوجاتها المعقدة والملونة وكلها تدمج الكتابة في جسم نسيجها. عمل «الصلاة هي بريدي 2019» تقدمه بدري كإيماءة لإرث نسيج الجاكار. النصوص التي تستخدمها بدري شخصية، مأخوذة من يوميات عمتها الراحلة الحبيبة. تستخدم النسيج كطريقة لإعادة الاتصال بها، وتستدعي مفهوماً في الشعر الجاهلي وهو الوقوف على الأطلال، حيث تلمح بدري إلى فكرة أن المنسوجات قد تكون بمثابة آثار شخصية.
ومن منسوجات هدية الغنية بالحروف والمشاعر ننتقل لمنسوجات من نوع آخر من خلال مشروع الفنان الهندي، كالول داتا، وهو مصمم ملابس من كالكتا. يقدم لنا داتا تنويعات على أردية لها تراث خاص مثل العباءة والمعطف والحجاب والقفطان. بحسب تعليق الفنان المعروض أمامنا «عندما يصبح ما ترتديه إشارة إلى مجتمعك، يصبح الملبس خط دفاعك الأول أو مصدراً لراحتك». بجملة بسيطة سلّط الضوء على المضمونات الاجتماعية والسياسية أيضاً للملابس، حرص الفنان على تغطية وجه المانيكان، فالشخص نفسه لن يكون مهماً بل ما يعنيه ملبسه.
كتب داتا: «صناعة الملابس هي تمرين في الأنثروبولوجيا بالنسبة لي»، معترفاً بقوة الملابس لتحدي الأعراف الاجتماعية وتوجيه التعبير الشخصي.
الافتتان بالخط العربي يميز مشروع الفنانة فرح فياض من لبنان، حيث قامت بتصميم خط عربي معاصر باسم «الكفور» بناءً على الخط الكوفي التاريخي. إعادة تخيلها تحافظ على الطابع المرئي للخط الكوفي مع تكييف بعض الميزات للاستخدام الرقمي.
الفنانة جنى طرابلسي أيضاً تتناول الخط العربي وفن الكتابة من خلال مشروعها «كتاب الهوامش» الذي بحث في المخطوطات العربية. انطلاقاً من البحث في تقاليد صناعة الكتب في الشرق الأوسط، تستكشف طرابلسي جوانب ممارسات المخطوطات التي غالباً ما تعد ثانوية بالنسبة للنص المركزي، بما في ذلك علامات التشكيل وعلامات السور والفهرس والكلمات الرئيسية.
من باكستان تقدم بشرى وقاص خان ملابس بأحجام مصغرة مصنوعة من الورق. تدربت الفنانة على الطباعة، واستمدت إلهامها من ورقة الإفادة الخطية أو ورقة القسم التي تستخدم في جميع الوثائق الرسمية في باكستان. وتعرض جائزة جميل أول فستان من تصميم وصنع خان الذي لا يتجاوز طوله 50 سم. ويعكس الفستان التأثيرات الاستعمارية في تصاميم الملابس بدول جنوب آسيا، وانتشار أساليب التصميم الإسلامي في شتى مناحي الحياة اليومية في باكستان.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».