قراءة في علاقة اليمن و«القاعدة» وما قد تعنيه لواشنطن اليوم

أمام أوباما تحديات جديدة.. بينها مخاطر الحرب الأهلية

يمنيون يعاينون سيارة محترقة يشتبه في أنها كانت تابعة لتنظيم القاعدة بعد استهدافها من قبل طائرة {دورن} أميركية (أ.ف.ب)
يمنيون يعاينون سيارة محترقة يشتبه في أنها كانت تابعة لتنظيم القاعدة بعد استهدافها من قبل طائرة {دورن} أميركية (أ.ف.ب)
TT

قراءة في علاقة اليمن و«القاعدة» وما قد تعنيه لواشنطن اليوم

يمنيون يعاينون سيارة محترقة يشتبه في أنها كانت تابعة لتنظيم القاعدة بعد استهدافها من قبل طائرة {دورن} أميركية (أ.ف.ب)
يمنيون يعاينون سيارة محترقة يشتبه في أنها كانت تابعة لتنظيم القاعدة بعد استهدافها من قبل طائرة {دورن} أميركية (أ.ف.ب)

مرة أخرى عاد اليمن إلى اللعبة، بعد أن كانت للولايات المتحدة الأميركية قبل 5 سنوات حكاية نجاح ونصر مبكر في الحرب ضد «القاعدة». أما الآن، فقد ضاعت تلك المكاسب وظهرت «القاعدة»، وسيحتاج الرئيس الأميركي باراك أوباما وطاقمه إلى إيجاد طريقة لخوض نوع جديد من الحروب، وسيضطرون إلى فعل ذلك في أحد أسوأ البلدان ضيافة في العالم. في أرض تنهار وتنحدر نحو الحرب الأهلية والعنف، وترتفع فيها أسعار الطعام وتجف الآبار.
صعود «القاعدة» وسقوطها ونهوضها من جديد في اليمن، قصة نجاح وإخفاق، وتحديات قرن جديد، وطريقة جديدة في فهم العالم. وهي قصة تمس أميركا كما رصدها الكاتب غريغوري دي. جونسون في كتاب تحت عنوان «اليمن والقاعدة.. الحرب الأميركية في جزيرة العرب»، أوضح خلاله أن أفغانستان كانت تمثل فكرة لـ«الجهاديين» أكثر منها مكانا جغرافيا.

ضخ تنظيم «القاعدة» كمًّا هائلا من المعلومات في شكل وثائق وفيديوهات وملفات صوتية، أصدرها في اليمن، ولاحقا في شبه الجزيرة العربية. ومنذ عام 2007 أصدر كمية كبيرة من المواد عبر المنتديات المتشددة على شبكة «الإنترنت»، وفي ما بعد عن طريق جناحه الإعلامي. ولكن مع كل ذلك ليس هناك من يستطيع أن يجزم بدقة بصحة هذه المواد وما جاء بها من معلومات. مع هذا، حاول الكاتب الأميركي غريغوري دي. جونسون في كتابه «اليمن والقاعدة.. الحرب الأميركية في جزيرة العرب» أن يستعين ببعض الصحافيين والفارين من «القاعدة» لكي يتوثق ويعيد توثيق ما أصدره التنظيم من معلومات في هذا الشأن.
الكتاب تعرض لبعض الشخصيات الرئيسية التي اعتبرها المؤلف منطلقات لمعلوماته ومصادره. ومن هذه الشخصيات محمد الأهدل، وكيل «القاعدة» والقائم على شؤونها المالية حتى عام 2003، عندما استسلم كجزء من اتفاقية سرية، وحرر عام 2006 وهو يعيش في اليمن. كذلك تعرض الكتاب لعبد الله بن حسين الأحمر، شيخ مشايخ قبائل حاشد القوية ورئيس البرلمان اليمني عام 1993 حتى وفاته عام 2007، كما ترأس أيضا حزب الإصلاح الذي كان حزب المعارضة اليمني الأبرز.
ذهب الكاتب إلى أنه في عام 2009، وتحديدا في أوائل يناير (كانون الثاني) منه، اجتمع عدة رجال في بيت صغير آمن ذي طابقين في المرتفعات المطلة من الشمال على العاصمة صنعاء، وكانوا قد جاءوا من كل أنحاء العالم العربي، إلى أفريقيا وجنوب آسيا. وخلال بضعة أشهر انضمت إليهم حفنة من الأميركيين ومجموعة من الأوروبيين. وكلهم حارب وأخفق في أماكن أخرى، وبعضهم سجن في أماكن مختلفة منها غوانتانامو واليمن، إلا أنهم صمدوا وظلوا أحياء على الرغم مما مروا به من ظروف صعبة.
جاء الرجال إلى المنزل الصغير الآمن، في ذلك اليوم، عبر خليج عدن بقوارب لتهريب الرقيق الأبيض، فضاعوا بين حشود اللاجئين اليومية من أفريقيا. وبعض السعوديين جاءوا بالسيارة عبر خط الحدود المخفي في الرمال، وغيرهم هبطوا في مطار صنعاء الدولي مدعين أنهم طلبة لغة عربية أو سياح وكانوا مستعدين لما ينتظرهم.
وعلى بعد قارتين، كان باراك أوباما – الرئيس الأميركي المنتخب آنذاك – غير مستعد لما هو على وشك أن يحدث.
كان يجلس في مكتبه المؤقت في فندق «هاي - آدامز» الفخم المجاور للبيت الأبيض في العاصمة الأميركية واشنطن، ويحضر لتطبيق التغيرات التي وعد بها خلال حملته، وكان على رأس قائمته إغلاق سجن قاعدة غوانتانامو، لأنه أزعجه وأضر بصورة أميركا في الخارج، وقسم أصوات الناخبين في الداخل، وكانت المحاكم الداخلية تهاجم أسسه الشرعية، بينما كانت تتدفق قصص التعذيب عبر أقفاص السجن الحديدية.
ومع أن أوباما لم يكن يعلم ذلك في حينه، فإن حفنة من الرجال الملتقين في البيت الصغير الآمن باليمن، كانوا على وشك إجباره على ما لا يريد، ويلزمونه في الأيام المقبلة، بالرجوع عن وعد حملته الانتخابية. وكان السؤال الصعب: كيف للولايات المتحدة الأميركية أن تحارب عدوا حاذقا.. لا دولة له من دون الدخول في اجتياح عسكري جديد مكلف لا يزيد المسألة إلا صعوبة؟
وصل أوباما إلى منصبه مستعدا للتعامل مع الحربين في أفغانستان والعراق، إلا أنه لم يمض وقتا كافيا للنظر في اليمن، فخلال الأيام الأولى من يناير، كان اليمن لا يزال مسألة ثانوية، لكنها لم تبق كذلك. وبحلول أسبوعه الأول في المنصب، وجد أوباما أنه سيحتاج إلى الإجابة عن السؤال الذي طرحه اليمن ومقاتلوه، وهو الذي لم يبدأ حتى بالتفكير في المشكلة بعد.
وعلى الرغم من إعلان أوباما اعتزامه إغلاق معتقل غوانتانامو بعد أيام، فإن الرجال في اليمن كانوا يعرفون ما يفعلونه، فمن مخبئهم الضيق في الصحراء، وباستخدام مجرد كاميرا وبضع كومبيوترات محمولة، أحرجوا رئيس الولايات المتحدة الأميركية وحلفاءه العرب باستخدام فيديو واحد لا غير. حتى الطريقة التي نشروا بها المعلومات كنت محسوبة لزيادة التأثير، فنشروا أولا خبرا تشويقيا على صفحات المنتديات المتشددة على شبكة الإنترنت في الأيام التي سبقت مراسم تنصيب الرئيس الجديد، ومن ثم، بعدما أدى أوباما القسم الرئاسي، نشروا المادة النهائية.

* قصة هشام الديلمي
* في الصباح الباكر من يوم 12 سبتمبر (أيلول) 1987، دوى رنين الهاتف الحاد على الجدران الثقيلة في منزل داخل صنعاء. ثمة صوت غير مألوف على الجانب الآخر من الخط، يطقطق عبر أميال من التشويش، قبل أن ينقل الخبر: «لقد استشهد هشام.. مبارك».
هذا كل ما ستحصل عليه العائلة.. حفنة كلمات من رجل غريب على بعد ألفي ميل. لا جثة يدفنونها ولا رسالة أخيرة تمرر إليهم، وفي الوقت الذي وصل فيه الاتصال من باكستان، كان قد مر على موت هشام 12 يوما.
هشام الديلمي ابن إحدى عائلات اليمن المتدينة العريقة، كان قد غادر اليمن قبل شهور للقتال ضد السوفيات. عبد الوهاب هو رب العائلة التي تتكون من 12 ولدا وحفنة من البنات، إلا أن هشام كان المفضل عنده؛ إذ كان يدرس القرآن، وعندما اكتشف أبناء جيله الفتيات إبان الدراسة الثانوية، وصاروا يطاردونهن كظلالهن في شوارع صنعاء الملتوية، جلس هشام يلتهم أعمال سيد قطب. لم يلمس قلب الشيخ ذي التسعة والأربعين عاما منظر مثل منظر ابنه الممتلئ منحنيا على كتبه.
ومع أن شهر سبتمبر أحد أجمل أوقات السنة في صنعاء، فإن ذلك الصباح من سبتمبر 1987، كان ثقيلا على عبد الوهاب. الذي وجد صعوبة في الكلام وهو يستمع إلى أولاده يخبرونه بأمر الاتصال الهاتفي الآتي من باكستان، وبينما هم يتحدثون، انحرف ذهنه عودة إلى قصة يعقوب القديمة في التوراة، وكيف تعامل مع خسارة ابنه المفضل، ولكن هذا أيضا لم يمنحه كثيرا من المواساة.. «كان قلبي حزينا، واغرورقت عيناي بالدموع»، يقول متذكرا: «أردت ولدي».

* بعيدا عن الجغرافيا.. أفغانستان فكرة
* يعتقد الكاتب أن أفغانستان ما كان لها أن تكون حرب هشام؛ «إذ هي صراع ضمن سياق الحرب الباردة في آسيا الوسطى، وعلاقتها بالإسلام قليلة وكذلك لا علاقة لها باليمن بتاتا. كان الدين هنا مصادفة جغرافية على رقعة شطرنج سياسة القوى العظمى، ولكن العرب جذبهم شيء أعمق.. شيء أكثر سحرا من السياسة أو السلطة.. شدهم هذا الشيء إلى الحرب الدائرة في أفغانستان.. فدخلوا متعثرين إلى بلد لم يفهموه تماما من قبل».
أفغانستان، ذات الشتاء القارس، بلاد عديمة اللون، وصحاراها مقفرة تتشقق وتتفتت تحت الأقدام، وجبالها متزاحمة في الشرق، متكسرة ومسننة بوديان تخترقها الأنهار، لا تشبه في أي شيء الصحارى الخالية والمدن المكتظة التي يدعوها معظم الشبان الآتين أوطانهم.
كانت على البقايا الرملية للحرب في البلاد قد نشطت قبائل منقسمة، وظهر «أمراء حرب» مخدرون، ومجرمون صغار، وجواسيس، وأصناف أخرى من البشر. كانت هذه هي أفغانستان من حيث التاريخ والخبرة، ولكن ثمة أفغانستان أخرى ما بعد الفوضى، تربت في عقول المراهقين النقية من أمثال هشام، الذين جاءوا ليشكلوا «جيوشا شعبية دينية» تنطلق من هذه البلاد التي كانت فكرة أكثر منها مكانا.

* شرارة الاقتتال الأولى
* انطلقت شرارة القتال مع قيام الاتحاد السوفياتي يوم الميلاد من عام 1979، بإنزال عسكري لدعم الحكومة الشيوعية في كابل. وهذا ما جعل العرب يحولون الحرب إلى «جهاد» على الفور. وبعكس كثير من الحكومات العربية، التي كانت تدعم الأمر علنا لكنها كانت تحاول في الخفاء ثني شبابها عن السفر، أرسل «اليمن الشمالي» - وكان في ذلك الوقت دولة مستقلة منفصلة عن اليمن الجنوبي - عشرات من خيرة شبانه وألمعهم. وبالنسبة إلى جيل كامل من الشباب اليمني، غدت الرحلة إلى الخطوط الأمامية في أفغانستان تعبيرا طقسيا عن النضج.
كانت هناك 3 قنوات تغذي خطوط اليمن إلى أفغانستان: القناة الأولى، الحكومة برئاسة علي عبد الله صالح الرئيس الخامس لليمن الشمالي الذي وصل للسلطة عام 1978؛ إذ كان يدعو المجندين إلى القصر الرئاسي، ويجلس المراهقين على مقاعد عملاقة فخمة ويتحدث إليهم في هذا الأمر.

* مصطفى بادي.. رفيق جديد
* وفي الوقت الذي كان فيه هشام يطلب من أبيه الإذن له بالسفر إلى أفغانستان، وصل يافع يمني آخر اسمه مصطفى بادي إلى قرار مشابه، حينما كان يستمع إلى شيخ القرية وهو يتحدث عن أفغانستان بأنها تتعرض إلى هجوم شيوعي من السوفيات. وبعد أيام اشترى تذكرة سفر واستقل طائرة متجهة إلى مدينة كراتشي؛ كبرى مدن باكستان، وفي طريقه إلى حمام الطائرة، بدأ حوارا مع شابين يمنيين، واستمع الاثنان إلى بادي يكرر خطبة شيخ القرية ويخبرهم عن جرائم السوفيات في أفغانستان التي هو الآن في الطريق إليها.
أخبر الشابان اليمنيان بادي، وهم في سماء بحر العرب، أنهما متوجهان إلى أفغانستان، فبقي تحت رعايتهما، ومن ثم أرشداه عبر معبر كراتشي الصاخب إلى فندق هادئ وأحضرا له تذكرة سفر إلى بيشاور على متن طائرتهما عبر البلاد. وفي ردهة الواصلين وقف شخص فلسطيني ينتظرهم عرف عن نفسه ببساطة بـ«أبي تراب»، فجمع اليمنيين مع مقاتل أفغاني بدا كأنه أبكم، وأصعدهم في حافلة صغيرة، ومن ثم في بيت داخل قسم المدينة الجامعية في بيشاور.

* عبد الله عزام.. «راعي الجهاد في أفغانستان»
* شرح «أبو تراب» لأولئك الشبان اليمنيين، أن البيت هو «مكتب الخدمات»، وهو نزل ومركز تبادل تعليمات بيروقراطي للمتطوعين العرب يديره عبد الله عزام وهو «راعي الجهاد في أفغانستان»، وفق المؤلف جونسون. وفي الداخل سلم الثلاثة جوازات سفرهم وبطاقات هوياتهم وأموالهم واختاروا هويات جديدة؛ إذ قيل لهم: إن «الأسماء الجهادية» ستحميهم أثناء حياتهم السرية في بيشاور. واختار بادي اسم «أبو إبراهيم» وطوال بقائه في أفغانستان، لم يعرف إلا باسم «أبو إبراهيم».

* أميركا الصديقة.. تتحول إلى عدو لـ«القاعدة»
* سافر عزام إلى الدول الأوروبية والولايات المتحدة لتجنيد الشبان المسلمين للحرب في أفغانستان. وسمحت الولايات المتحدة بالفعل لعزام بإنشاء مراكز على امتداد البلاد مثل نيويورك وكانساس سيتي وتوسون، وذلك لتشوق واشنطن لإغراق الاتحاد السوفياتي في «المستنقع الأفغاني» مثلما أغرق الشيوعيون من قبل أميركا في «مستنقع فيتنام».
وبحلول أواخر عقد الثمانينات من القرن الماضي، تحولت قطرات المتطوعين العرب إلى فيضان، وكثيرون منهم جذبهم عزام وتلميذه أسامة بن لادن. وفي 15 فبراير (شباط)، حين عبر العسكري السوفياتي الأخير في أفغانستان الجنرال بوريس غروموف «جسر الصداقة» الذي صنعه السوفيات من الحديد والإسمنت المسلح وصولا إلى أوزبكستان السوفياتية، أكمل السوفيات رحيلهم تاركين خلفهم «حكومة دمية في كابل»، برأي مؤلف الكتاب، لكن بن لادن كان يريد أن ينهي العمل.
شعر بن لادن (31 سنة في حينه) بثقة هائلة بعد الانسحاب السوفياتي، وكان يخطط لرحلة وحيدة أخيرة نحو الحدود إلى أفغانستان. ولم يكن أحد يتوقع أن يكون هناك كثير من القتال، ولكن في ضاحية لانغلي، بولاية فيرجينيا، حيث مقر وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إيه)، اتفق محللو الوكالة مع تحليل «المجاهدين»، ووضعوا بالاشتراك مع الاستخبارات الباكستانية خطة لدعم الثوار المقاتلين أثناء اندفاعهم غربا من باكستان نحو كابل، قبل أن تلاحقها تفاصيل كثيرة من الأحداث غيرت مسار الحرب وانتهت بمواجهة جديدة بين «القاعدة» وأميركا.



«حزب الله»... خلايا قائمة وقادمة

متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي  (أ.ب)
متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي (أ.ب)
TT

«حزب الله»... خلايا قائمة وقادمة

متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي  (أ.ب)
متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي (أ.ب)

قبل نحو شهر تقريباً أدرجت السلطات البريطانية جماعة «حزب الله» بمؤسساتها المختلفة السياسية والعسكرية كمنظمة إرهابية، ومن قبلها مضت ألمانيا في الطريق عينه، الأمر الذي دفع المراقبين لشأن الميليشيات اللبنانية الجنسية الإيرانية الولاء والانتماء للتساؤل: «ما الجديد الذي جعل الأوروبيين يتصرفون على هذا النحو؟»

الشاهد أن الأمر لا يقتصر فقط على الجانب الأوروبي، بل أيضاً تبدو الولايات المتحدة الأميركية في حالة تأهب غير مسبوقة، وسباق مع الزمن في طريق مواجهة الخلايا النائمة «لحزب الله» على أراضيها، ناهيك عن تلك المنتشرة في الفناء اللوجيستي الخلفي، لها أي في أميركا اللاتينية.
غير أن الجديد والذي دفع جانبي الأطلسي لإعلان مواجهة شاملة لميليشيات «حزب الله» هو ما توفر لأجهزة الاستخبارات الغربية، والشرقية الآسيوية أيضاً، لا سيما تلك التي ترتبط بعلاقات تبادل أمني مع بروكسل وواشنطن، من معلومات تفيد بأن «حزب الله» ينسج خيوطاً إرهابية جديدة في دول أوروبية وأميركية وآسيوية، من أجل الاستعداد للمواجهة القادمة حكماً في تقديره بين طهران والغرب.
ليس من الجديد القول إن ميليشيات «حزب الله» هي أحد أذرع الإيرانيين الإرهابية حول العالم، وقد أعدت منذ زمان وزمانين من أجل اللحظة المرتقبة، أي لتكون المقدمة الضاربة في إحداث القلاقل والاضطرابات، ومحاولة ممارسة أقصى وأقسى درجات الضغط النفسي والمعنوي على الأوروبيين والأميركيين، مع الاستعداد التام للقيام بعمليات عسكرية سواء ضد المدنيين أو العسكريين في الحواضن الغربية حين تصدر التعليمات من نظام الملالي.
مؤخراً أشارت عدة مصادر استخباراتية غربية لعدد من وسائل الإعلام الغربية إلى الخطة الجديدة لـ«حزب الله» لإنشاء شبكات موالية له في العديد من مدن العالم شرقاً وغرباً، الأمر الذي أماطت عنه اللثام صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية بنوع خاص والتي ذكرت في تقرير مطول لـ«نيكولا باروت»، أن فكر التقية الإيراني الشهير يمارس الآن على الأرض، بمعنى أن البحث يجري على قدم وساق من أجل تجنيد المزيد من العناصر لصالح ميليشيات «حزب الله»، لكن المختلف هو انتقاء عناصر نظيفة السجلات الأمنية كما يقال، أي من غير المعروفين للأجهزة الأمنية والاستخباراتية سواء الأوروبية أو الآسيوية أو الأميركية.
هل الحديث عن عناصر «حزب الله» في الغرب قضية حديثة أم محدثة؟
الواقع أنهما الأمران معا، بمعنى أن ميليشيات «حزب الله» كثفت حضورها الخارجي في الأعوام الأخيرة، لا سيما في أميركا اللاتينية، وهناك جرى إنشاء «كارتلات» تعمل على تهريب البشر والسلاح والمخدرات من جهة، وتتهيأ لمجابهة أميركا الشمالية من ناحية أخرى.
ولعل المثال الواضح على قصة هذا الاختراق لدول القارة اللاتينية يتمثل في قضية الإرهابي سلمان رؤوف سلمان، الذي شوهد مؤخراً في بوغوتا بكولومبيا، والذي ترصد الولايات المتحدة الأميركية عدة ملايين من الدولارات لاقتناصه، بوصفه صيداً ثميناً يحمل أسرار ميليشيات «حزب الله» في القارة الأميركية الجنوبية برمتها.
أما المثال الآخر على الخلايا النائمة في الولايات المتحدة الأميركية فيتمثل في شخص علي كوراني الذي تم القبض عليه في نيويورك بعد أن تم تجنيده لصالح «حزب الله» لتنفيذ هجمات إرهابية، حال تعرض إيران أو «حزب الله» في لبنان لهجمات من جانب الولايات المتحدة الأميركية، ولاحقاً أكدت التحقيقات التي جرت معه من قبل المباحث الاتحادية الأميركية أنه أحد أعضاء وحدة التخطيط للهجمات الخارجية في الحزب والمعروفة بـ«الوحدة 910».
كارثة كوراني تبين التخطيط الدقيق لإيران وأذرعها لإصابة الدول الغربية في مقتل، ذلك أنه كان دائم التنقل بين كندا والولايات المتحدة، حيث حاول تهريب متفجرات من كندا إلى الداخل الأميركي.
كان كوراني مثالاً على الخلايا النائمة التابعة «لحزب الله» في دول العالم، لا سيما أنه ينتمي لعائلة معروفة بصلاتها الوثيقة مع الحزب، وقد التحق بمعسكر تدريب تابع للحزب عندما كان في السادسة عشرة من عمره، وتعلم إطلاق النار، والقذائف الصاروخية قبل أن يجند كجزء من خطة للانتقام لمقتل عماد مغنية أحد قادة «حزب الله» رفيعي المستوى الذي قضى بسيارة مفخخة في دمشق عام 2008.
هل كان القبض على كوراني المدخل للخطط الجديدة لميليشيات «حزب الله» لنسج خيوط شبكات إرهابية جديدة غير معروفة لقوى الأمن والاستخبارات الدولية؟
يمكن أن يكون ذلك كذلك بالفعل، ولهذا تقضي الآلية الجديد تجنيد عناصر غير عربية، وغالباً ما يكون المعين المفضل من دول شرق وجنوب آسيا، والتي تكثر فيها الحواضن المشبعة بالإرهاب الأصولي، وقد كان آخر شخص تم الاشتباه فيه مهندس باكستاني لا يتجاوز الثلاثة عقود من عمره، وبدا أنه على اتصال «بحزب الله».
ويعزف القائمون على الميليشيات الخاصة «بحزب الله» على الأوتار الدوغمائية الشيعية تحديداً، ويستغلون الكراهية التقليدية تجاه الولايات المتحدة الأميركية والقارة الأوروبية، ويلعبون على أوتار القضايا الدينية، مظهرين الصراع بين إيران والغرب على أنه صراع ديني وليس آيديولوجياً، وفي الوسط من هذا يقومون بتجنيد من يقدرون على تعبئتهم، وفي هذا تكون الكارثة لا الحادثة، أي من خلال استخدام جوازات سفرهم الأجنبية أو تزويد بعضهم الآخر بجوازات سفر قد تكون حقيقية مسروقة، أو مزورة، ليمثلوا حصان طروادة في الجسد الأوروبي أو الأميركي.
لا تكتفي خطط ميليشيات «حزب الله» الخاصة بإعداد شبكات إرهابية جديدة في الغرب بالطرق التقليدية في تجنيد عناصر جديدة من الصعب متابعتها، بل يبدو أنها تمضي في طريق محاكاة تنظيم «داعش» في سعيه لضم عناصر إرهابية إضافية لصفوفه عبر استخدام وسائط التواصل الاجتماعي الحديثة من مخرجات الشبكة العنكبوتية الإنترنت، مثل «فيسبوك» و«تويتر» و«إنستغرام».
في هذا السياق تبدو الخطط الجديدة لـ«حزب الله» كمن ينسج شبكات إرهابية في العالم الرقمي، بمعنى أنها خطط لتجنيد المزيد من «الذئاب المنفردة»، تلك التي يمكن أن يتفتق ذهنها عن وسائل انتقام غير مدرجة من قبل على خارطة الأعمال الإرهابية، فكما كان استخدام الشاحنات للدهس في أوروبا أداة غير معروفة، فمن الجائز جداً أن نرى آليات جديدة تمارس بها الجماعة الإيرانية الخطى طريقها في إقلاق الحواضن الغربية.
يتساءل المراقبون أيضاً هل من دافع جديد يقودها في طريق شهوة الانتقام غير المسبوقة هذه؟
من الواضح جداً أن قيام الولايات المتحدة الأميركية باغتيال قاسم سليماني، والتهديدات التي أطلقها «إسماعيل قاآني»، قائد فيلق القدس الجديد، ضمن صفوف الحرس الثوري الإيراني، بأن تملأ جثث الأميركيين الشوارع، هي وراء تسريع إيران في طريق دفع ميليشيات «حزب الله» في تغيير طرق تجنيد واكتساب عملاء جدد يكونون بمثابة رؤوس حراب في المواجهة القادمة.
خلال صيف العام الماضي كشفت مصادر استخباراتية لصحيفة «ديلي تليغراف» البريطانية عن أن الأزمة مع إيران قد تتسبب في إيقاظ خلايا إرهابية نائمة، وتدفعها إلى شن هجمات إرهابية على بريطانيا، ولفتت المصادر عينها إلى الخلايا يديرها متشددون مرتبطون بـ«حزب الله» اللبناني.
ولم تكن هذه تصريحات جوفاء أو عشوائية، وإنما جاءت بعد أن كشفت شرطة محاربة الإرهاب في عام 2015 في بريطانيا عن خلية جمعت أطناناً من المتفجرات في متاجر بضواحي لندن، موضحة أن إيران وضعت عملاءها في «حزب الله» على استعداد لشن هجمات في حالة اندلاع نزاع مسلح، وهذا هو الخطر الذي تشكله إيران على الأمن الداخلي في بريطانيا.
والثابت أنه لا يمكن فصل مخططات ميليشيات «حزب الله» الخاصة بتجنيد عناصر ونسج شبكات جديدة عن الموقف الواضح لـ«حزب الله» من الصراع الدائر بين أميركا وإيران، فهي ترغب في القتال، وهو ما أشار إليه حسن نصر الله أمين عام الحزب في مقابلة تلفزيونية مع قناة المنار التابعة لجماعته عندما أجاب على سؤال حول ما ستفعله الجماعة في حال نشوب حرب بين إيران والولايات المتحدة، إذ أجاب بسؤال استفهامي أو استنكاري على الأصح في مواجهة المحاور: «هل تظن أننا سنقف مكتوفي الأيدي؟ إيران لن تحارب وحدها، هذا أمر واضح وضوح الشمس، هكذا أكد نصر الله».
هل قررت إيران إذن شكل المواجهة القادمة مع الولايات المتحدة الأميركية، طالما ظلت العقوبات الاقتصادية الأميركية قائمة وموجعة لهيكل إيران التكتوني البنيوي الرئيسي؟
فوفقا لرؤية «ماثيو ليفيت» مدير برنامج ستاين لمكافحة الإرهاب والاستخبارات في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، يبدو أن إيران و«حزب الله» لن يعتمدا المواجهة المباشرة مع الولايات المتحدة في حال نشوب حرب بين واشنطن طهران، إذ سيتم إيقاظ «الخلايا النائمة» من سباتها في الداخل الأميركي الشمالي والجنوبي أولاً، عطفاً على ذلك إعطاء الضوء الأخضر للعناصر والشبكات الجديدة بإحداث أكبر خسائر في صفوف الأوروبيين، وتجاه كل ما يشكل أهدافاً ومصالح أميركية من شمال الأرض إلى جنوبها، ومن شرقها إلى غربها دفعة واحدة.
الخلاصة... العالم أمام فصل جديد مقلق من تنامي مؤامرات «حزب الله» والتي ظهرت خلال السنوات القليلة الماضية خارج الشرق الأوسط، ربما بشكل لا يقل إقلاقاً عن الدور الذي يلعبه على التراب الوطني اللبناني في حاضرات أيامنا، ما يجعل التفكير في حصار هذا الشر أمراً واجب الوجود كما تقول جماعة الفلاسفة، من غير فصل مشهده عن حجر الزاوية الذي يستند إليه، أي إيران وملاليها في الحال والمستقبل.