قراءة في علاقة اليمن و«القاعدة» وما قد تعنيه لواشنطن اليوم

أمام أوباما تحديات جديدة.. بينها مخاطر الحرب الأهلية

يمنيون يعاينون سيارة محترقة يشتبه في أنها كانت تابعة لتنظيم القاعدة بعد استهدافها من قبل طائرة {دورن} أميركية (أ.ف.ب)
يمنيون يعاينون سيارة محترقة يشتبه في أنها كانت تابعة لتنظيم القاعدة بعد استهدافها من قبل طائرة {دورن} أميركية (أ.ف.ب)
TT

قراءة في علاقة اليمن و«القاعدة» وما قد تعنيه لواشنطن اليوم

يمنيون يعاينون سيارة محترقة يشتبه في أنها كانت تابعة لتنظيم القاعدة بعد استهدافها من قبل طائرة {دورن} أميركية (أ.ف.ب)
يمنيون يعاينون سيارة محترقة يشتبه في أنها كانت تابعة لتنظيم القاعدة بعد استهدافها من قبل طائرة {دورن} أميركية (أ.ف.ب)

مرة أخرى عاد اليمن إلى اللعبة، بعد أن كانت للولايات المتحدة الأميركية قبل 5 سنوات حكاية نجاح ونصر مبكر في الحرب ضد «القاعدة». أما الآن، فقد ضاعت تلك المكاسب وظهرت «القاعدة»، وسيحتاج الرئيس الأميركي باراك أوباما وطاقمه إلى إيجاد طريقة لخوض نوع جديد من الحروب، وسيضطرون إلى فعل ذلك في أحد أسوأ البلدان ضيافة في العالم. في أرض تنهار وتنحدر نحو الحرب الأهلية والعنف، وترتفع فيها أسعار الطعام وتجف الآبار.
صعود «القاعدة» وسقوطها ونهوضها من جديد في اليمن، قصة نجاح وإخفاق، وتحديات قرن جديد، وطريقة جديدة في فهم العالم. وهي قصة تمس أميركا كما رصدها الكاتب غريغوري دي. جونسون في كتاب تحت عنوان «اليمن والقاعدة.. الحرب الأميركية في جزيرة العرب»، أوضح خلاله أن أفغانستان كانت تمثل فكرة لـ«الجهاديين» أكثر منها مكانا جغرافيا.

ضخ تنظيم «القاعدة» كمًّا هائلا من المعلومات في شكل وثائق وفيديوهات وملفات صوتية، أصدرها في اليمن، ولاحقا في شبه الجزيرة العربية. ومنذ عام 2007 أصدر كمية كبيرة من المواد عبر المنتديات المتشددة على شبكة «الإنترنت»، وفي ما بعد عن طريق جناحه الإعلامي. ولكن مع كل ذلك ليس هناك من يستطيع أن يجزم بدقة بصحة هذه المواد وما جاء بها من معلومات. مع هذا، حاول الكاتب الأميركي غريغوري دي. جونسون في كتابه «اليمن والقاعدة.. الحرب الأميركية في جزيرة العرب» أن يستعين ببعض الصحافيين والفارين من «القاعدة» لكي يتوثق ويعيد توثيق ما أصدره التنظيم من معلومات في هذا الشأن.
الكتاب تعرض لبعض الشخصيات الرئيسية التي اعتبرها المؤلف منطلقات لمعلوماته ومصادره. ومن هذه الشخصيات محمد الأهدل، وكيل «القاعدة» والقائم على شؤونها المالية حتى عام 2003، عندما استسلم كجزء من اتفاقية سرية، وحرر عام 2006 وهو يعيش في اليمن. كذلك تعرض الكتاب لعبد الله بن حسين الأحمر، شيخ مشايخ قبائل حاشد القوية ورئيس البرلمان اليمني عام 1993 حتى وفاته عام 2007، كما ترأس أيضا حزب الإصلاح الذي كان حزب المعارضة اليمني الأبرز.
ذهب الكاتب إلى أنه في عام 2009، وتحديدا في أوائل يناير (كانون الثاني) منه، اجتمع عدة رجال في بيت صغير آمن ذي طابقين في المرتفعات المطلة من الشمال على العاصمة صنعاء، وكانوا قد جاءوا من كل أنحاء العالم العربي، إلى أفريقيا وجنوب آسيا. وخلال بضعة أشهر انضمت إليهم حفنة من الأميركيين ومجموعة من الأوروبيين. وكلهم حارب وأخفق في أماكن أخرى، وبعضهم سجن في أماكن مختلفة منها غوانتانامو واليمن، إلا أنهم صمدوا وظلوا أحياء على الرغم مما مروا به من ظروف صعبة.
جاء الرجال إلى المنزل الصغير الآمن، في ذلك اليوم، عبر خليج عدن بقوارب لتهريب الرقيق الأبيض، فضاعوا بين حشود اللاجئين اليومية من أفريقيا. وبعض السعوديين جاءوا بالسيارة عبر خط الحدود المخفي في الرمال، وغيرهم هبطوا في مطار صنعاء الدولي مدعين أنهم طلبة لغة عربية أو سياح وكانوا مستعدين لما ينتظرهم.
وعلى بعد قارتين، كان باراك أوباما – الرئيس الأميركي المنتخب آنذاك – غير مستعد لما هو على وشك أن يحدث.
كان يجلس في مكتبه المؤقت في فندق «هاي - آدامز» الفخم المجاور للبيت الأبيض في العاصمة الأميركية واشنطن، ويحضر لتطبيق التغيرات التي وعد بها خلال حملته، وكان على رأس قائمته إغلاق سجن قاعدة غوانتانامو، لأنه أزعجه وأضر بصورة أميركا في الخارج، وقسم أصوات الناخبين في الداخل، وكانت المحاكم الداخلية تهاجم أسسه الشرعية، بينما كانت تتدفق قصص التعذيب عبر أقفاص السجن الحديدية.
ومع أن أوباما لم يكن يعلم ذلك في حينه، فإن حفنة من الرجال الملتقين في البيت الصغير الآمن باليمن، كانوا على وشك إجباره على ما لا يريد، ويلزمونه في الأيام المقبلة، بالرجوع عن وعد حملته الانتخابية. وكان السؤال الصعب: كيف للولايات المتحدة الأميركية أن تحارب عدوا حاذقا.. لا دولة له من دون الدخول في اجتياح عسكري جديد مكلف لا يزيد المسألة إلا صعوبة؟
وصل أوباما إلى منصبه مستعدا للتعامل مع الحربين في أفغانستان والعراق، إلا أنه لم يمض وقتا كافيا للنظر في اليمن، فخلال الأيام الأولى من يناير، كان اليمن لا يزال مسألة ثانوية، لكنها لم تبق كذلك. وبحلول أسبوعه الأول في المنصب، وجد أوباما أنه سيحتاج إلى الإجابة عن السؤال الذي طرحه اليمن ومقاتلوه، وهو الذي لم يبدأ حتى بالتفكير في المشكلة بعد.
وعلى الرغم من إعلان أوباما اعتزامه إغلاق معتقل غوانتانامو بعد أيام، فإن الرجال في اليمن كانوا يعرفون ما يفعلونه، فمن مخبئهم الضيق في الصحراء، وباستخدام مجرد كاميرا وبضع كومبيوترات محمولة، أحرجوا رئيس الولايات المتحدة الأميركية وحلفاءه العرب باستخدام فيديو واحد لا غير. حتى الطريقة التي نشروا بها المعلومات كنت محسوبة لزيادة التأثير، فنشروا أولا خبرا تشويقيا على صفحات المنتديات المتشددة على شبكة الإنترنت في الأيام التي سبقت مراسم تنصيب الرئيس الجديد، ومن ثم، بعدما أدى أوباما القسم الرئاسي، نشروا المادة النهائية.

* قصة هشام الديلمي
* في الصباح الباكر من يوم 12 سبتمبر (أيلول) 1987، دوى رنين الهاتف الحاد على الجدران الثقيلة في منزل داخل صنعاء. ثمة صوت غير مألوف على الجانب الآخر من الخط، يطقطق عبر أميال من التشويش، قبل أن ينقل الخبر: «لقد استشهد هشام.. مبارك».
هذا كل ما ستحصل عليه العائلة.. حفنة كلمات من رجل غريب على بعد ألفي ميل. لا جثة يدفنونها ولا رسالة أخيرة تمرر إليهم، وفي الوقت الذي وصل فيه الاتصال من باكستان، كان قد مر على موت هشام 12 يوما.
هشام الديلمي ابن إحدى عائلات اليمن المتدينة العريقة، كان قد غادر اليمن قبل شهور للقتال ضد السوفيات. عبد الوهاب هو رب العائلة التي تتكون من 12 ولدا وحفنة من البنات، إلا أن هشام كان المفضل عنده؛ إذ كان يدرس القرآن، وعندما اكتشف أبناء جيله الفتيات إبان الدراسة الثانوية، وصاروا يطاردونهن كظلالهن في شوارع صنعاء الملتوية، جلس هشام يلتهم أعمال سيد قطب. لم يلمس قلب الشيخ ذي التسعة والأربعين عاما منظر مثل منظر ابنه الممتلئ منحنيا على كتبه.
ومع أن شهر سبتمبر أحد أجمل أوقات السنة في صنعاء، فإن ذلك الصباح من سبتمبر 1987، كان ثقيلا على عبد الوهاب. الذي وجد صعوبة في الكلام وهو يستمع إلى أولاده يخبرونه بأمر الاتصال الهاتفي الآتي من باكستان، وبينما هم يتحدثون، انحرف ذهنه عودة إلى قصة يعقوب القديمة في التوراة، وكيف تعامل مع خسارة ابنه المفضل، ولكن هذا أيضا لم يمنحه كثيرا من المواساة.. «كان قلبي حزينا، واغرورقت عيناي بالدموع»، يقول متذكرا: «أردت ولدي».

* بعيدا عن الجغرافيا.. أفغانستان فكرة
* يعتقد الكاتب أن أفغانستان ما كان لها أن تكون حرب هشام؛ «إذ هي صراع ضمن سياق الحرب الباردة في آسيا الوسطى، وعلاقتها بالإسلام قليلة وكذلك لا علاقة لها باليمن بتاتا. كان الدين هنا مصادفة جغرافية على رقعة شطرنج سياسة القوى العظمى، ولكن العرب جذبهم شيء أعمق.. شيء أكثر سحرا من السياسة أو السلطة.. شدهم هذا الشيء إلى الحرب الدائرة في أفغانستان.. فدخلوا متعثرين إلى بلد لم يفهموه تماما من قبل».
أفغانستان، ذات الشتاء القارس، بلاد عديمة اللون، وصحاراها مقفرة تتشقق وتتفتت تحت الأقدام، وجبالها متزاحمة في الشرق، متكسرة ومسننة بوديان تخترقها الأنهار، لا تشبه في أي شيء الصحارى الخالية والمدن المكتظة التي يدعوها معظم الشبان الآتين أوطانهم.
كانت على البقايا الرملية للحرب في البلاد قد نشطت قبائل منقسمة، وظهر «أمراء حرب» مخدرون، ومجرمون صغار، وجواسيس، وأصناف أخرى من البشر. كانت هذه هي أفغانستان من حيث التاريخ والخبرة، ولكن ثمة أفغانستان أخرى ما بعد الفوضى، تربت في عقول المراهقين النقية من أمثال هشام، الذين جاءوا ليشكلوا «جيوشا شعبية دينية» تنطلق من هذه البلاد التي كانت فكرة أكثر منها مكانا.

* شرارة الاقتتال الأولى
* انطلقت شرارة القتال مع قيام الاتحاد السوفياتي يوم الميلاد من عام 1979، بإنزال عسكري لدعم الحكومة الشيوعية في كابل. وهذا ما جعل العرب يحولون الحرب إلى «جهاد» على الفور. وبعكس كثير من الحكومات العربية، التي كانت تدعم الأمر علنا لكنها كانت تحاول في الخفاء ثني شبابها عن السفر، أرسل «اليمن الشمالي» - وكان في ذلك الوقت دولة مستقلة منفصلة عن اليمن الجنوبي - عشرات من خيرة شبانه وألمعهم. وبالنسبة إلى جيل كامل من الشباب اليمني، غدت الرحلة إلى الخطوط الأمامية في أفغانستان تعبيرا طقسيا عن النضج.
كانت هناك 3 قنوات تغذي خطوط اليمن إلى أفغانستان: القناة الأولى، الحكومة برئاسة علي عبد الله صالح الرئيس الخامس لليمن الشمالي الذي وصل للسلطة عام 1978؛ إذ كان يدعو المجندين إلى القصر الرئاسي، ويجلس المراهقين على مقاعد عملاقة فخمة ويتحدث إليهم في هذا الأمر.

* مصطفى بادي.. رفيق جديد
* وفي الوقت الذي كان فيه هشام يطلب من أبيه الإذن له بالسفر إلى أفغانستان، وصل يافع يمني آخر اسمه مصطفى بادي إلى قرار مشابه، حينما كان يستمع إلى شيخ القرية وهو يتحدث عن أفغانستان بأنها تتعرض إلى هجوم شيوعي من السوفيات. وبعد أيام اشترى تذكرة سفر واستقل طائرة متجهة إلى مدينة كراتشي؛ كبرى مدن باكستان، وفي طريقه إلى حمام الطائرة، بدأ حوارا مع شابين يمنيين، واستمع الاثنان إلى بادي يكرر خطبة شيخ القرية ويخبرهم عن جرائم السوفيات في أفغانستان التي هو الآن في الطريق إليها.
أخبر الشابان اليمنيان بادي، وهم في سماء بحر العرب، أنهما متوجهان إلى أفغانستان، فبقي تحت رعايتهما، ومن ثم أرشداه عبر معبر كراتشي الصاخب إلى فندق هادئ وأحضرا له تذكرة سفر إلى بيشاور على متن طائرتهما عبر البلاد. وفي ردهة الواصلين وقف شخص فلسطيني ينتظرهم عرف عن نفسه ببساطة بـ«أبي تراب»، فجمع اليمنيين مع مقاتل أفغاني بدا كأنه أبكم، وأصعدهم في حافلة صغيرة، ومن ثم في بيت داخل قسم المدينة الجامعية في بيشاور.

* عبد الله عزام.. «راعي الجهاد في أفغانستان»
* شرح «أبو تراب» لأولئك الشبان اليمنيين، أن البيت هو «مكتب الخدمات»، وهو نزل ومركز تبادل تعليمات بيروقراطي للمتطوعين العرب يديره عبد الله عزام وهو «راعي الجهاد في أفغانستان»، وفق المؤلف جونسون. وفي الداخل سلم الثلاثة جوازات سفرهم وبطاقات هوياتهم وأموالهم واختاروا هويات جديدة؛ إذ قيل لهم: إن «الأسماء الجهادية» ستحميهم أثناء حياتهم السرية في بيشاور. واختار بادي اسم «أبو إبراهيم» وطوال بقائه في أفغانستان، لم يعرف إلا باسم «أبو إبراهيم».

* أميركا الصديقة.. تتحول إلى عدو لـ«القاعدة»
* سافر عزام إلى الدول الأوروبية والولايات المتحدة لتجنيد الشبان المسلمين للحرب في أفغانستان. وسمحت الولايات المتحدة بالفعل لعزام بإنشاء مراكز على امتداد البلاد مثل نيويورك وكانساس سيتي وتوسون، وذلك لتشوق واشنطن لإغراق الاتحاد السوفياتي في «المستنقع الأفغاني» مثلما أغرق الشيوعيون من قبل أميركا في «مستنقع فيتنام».
وبحلول أواخر عقد الثمانينات من القرن الماضي، تحولت قطرات المتطوعين العرب إلى فيضان، وكثيرون منهم جذبهم عزام وتلميذه أسامة بن لادن. وفي 15 فبراير (شباط)، حين عبر العسكري السوفياتي الأخير في أفغانستان الجنرال بوريس غروموف «جسر الصداقة» الذي صنعه السوفيات من الحديد والإسمنت المسلح وصولا إلى أوزبكستان السوفياتية، أكمل السوفيات رحيلهم تاركين خلفهم «حكومة دمية في كابل»، برأي مؤلف الكتاب، لكن بن لادن كان يريد أن ينهي العمل.
شعر بن لادن (31 سنة في حينه) بثقة هائلة بعد الانسحاب السوفياتي، وكان يخطط لرحلة وحيدة أخيرة نحو الحدود إلى أفغانستان. ولم يكن أحد يتوقع أن يكون هناك كثير من القتال، ولكن في ضاحية لانغلي، بولاية فيرجينيا، حيث مقر وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إيه)، اتفق محللو الوكالة مع تحليل «المجاهدين»، ووضعوا بالاشتراك مع الاستخبارات الباكستانية خطة لدعم الثوار المقاتلين أثناء اندفاعهم غربا من باكستان نحو كابل، قبل أن تلاحقها تفاصيل كثيرة من الأحداث غيرت مسار الحرب وانتهت بمواجهة جديدة بين «القاعدة» وأميركا.



«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
TT

«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)

ارت طموحات تنظيم «داعش» الإرهابي للتمدد مجدداً تساؤلات كثيرة تتعلق بطبيعة «مساعيه» في الدول خلال العام الجاري. واعتبر مراقبون أن «(أزمة كورونا) جددت طموحات التنظيم للقيام بعمليات إرهابية، واستقطاب (إرهابيين) عقب هزائم السنوات الماضية ومقتل زعيمه السابق أبو بكر البغدادي». ووفق خبراء ومتخصصين في الشأن الأصولي بمصر، فإن «التنظيم يبحث عن أي فرصة لإثبات الوجود»، مشيرين إلى «مساعي التنظيم في أفريقيا عبر (الذئاب المنفردة)، ومحاولاته لعودة نشاطه السابق في العراق وسوريا عبر تبني عمليات القتل»، موضحين أن «المخاوف من العناصر (الانفرادية) التي تنتشر في أوروبا وأميركا تتزايد، خاصة وأنها تتحرك بانسيابية شديدة داخل محيطهم الجغرافي».
وقال أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية، إن «(داعش) مثل تنظيمات الإرهاب تبحث عن فرصة مُناسبة للوجود، ومن الفُرص المُناسبة، وجود أي شكل من أشكال الفوضى أو الارتباك، وعندما تكون جهود الدول موجهة لمحاربة (كورونا المستجد)، فيبقى من الطبيعي أن يسعى التنظيم للحركة من جديد، وانتظار فرصة مناسبة لتنفيذ أهدافه، خاصة أن (داعش) في تعامله مع الفيروس روج لفكرة (أن كورونا عقاب إلهي لأعدائه، على حد زعم التنظيم)، خصوصاً أن (كورونا) كبد أوروبا خسائر كبيرة، وأوروبا في الدعايا الداعشية (هذا الغرب الذي يحارب الإسلام، على حد تصور الداعشيين)، لذا فـ(داعش) يستغل هذا، في مواجهة بعض الارتكازات الأمنية، أو الأكمنة، أو الاستهدافات بالشوارع، لإثارة فازعات، ومن الوارد تنفيذ بعض العمليات الإرهابية».
وأكد عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) استغل (أزمة الفيروس) بالادعاء في بيان له مارس (آذار) الماضي، بأن الفيروس (عذاب مؤلم من الله للغرب، خاصة للدول المشاركة في العمليات العسكرية ضده، على حد زعمه)، ويحاول التنظيم نشر الخوف من الوباء، والبحث عن إيجاد مصارف لتمويل العمليات الإرهابية».
ووفق تقرير سابق لمجموعة «الأزمات الدولية» في نهاية مارس الماضي، أشار إلى أن «التنظيم أبدى مع ظهور الفيروس (نبرة شماتة)، وأخبر عناصره عبر افتتاحية جريدة (النبأ) التابعة له في نهاية مارس الماضي، بضرورة استمرار حربهم عبر أرجاء العالم حتى مع تفشي الوباء... وادعى أن الأنظمة الأمنية والدولية التي تسهم في كبح جماح التنظيم على وشك الغرق، على حد قول التنظيم».
ويشير عبد المنعم في هذا الصدد، إلى أنه «بالعودة لزاوية (حصاد الأجناد) في عدد (النبأ) الأخير، زعم التنظيم أنه شن 86 هجمة إرهابية في شهر واحد، هو مارس الماضي، وهو أعلى رقم منذ نهاية نوفمبر (تشرين ثاني) الماضي، الذي سجل 109 هجمات، فيما عُرف بـ(غزوة الثأر) للبغدادي وأبو الحسن المهاجر اللذين قُتلا في أكتوبر (تشرين أول) الماضي في غارة جوية».
ووفق تقارير إخبارية محلية ودولية فإن «(داعش) يسعى لاستعادة سيطرته على عدد من المناطق في سوريا والعراق من جديد، وأنه يحتفظ بنحو من 20 إلى 30 ألف عضو نشط، ولا ينقصه سوى توفر المال والسلاح». وأشارت التقارير ذاتها إلى أن «التنظيم يحاول استغلال انشغال سوريا والعراق بمكافحة الفيروس، لاستعادة سيطرته على مناطق من الصحراء السورية في الغرب، إلى وادي نهر الفرات شرقاً، مروراً بمحافظة دير الزور والمناطق ذات الأغلبية السنية في العراق، والتي لا يزال يوجد فيها بعض عناصره».
ويشار أنه في أبريل (نيسان) الماضي، هاجم التنظيم بلدة السخنة في صحراء حمص، وأسفر عن مقتل 18. وفي دير الزور أعلن التنظيم مقتل اثنين... وفي العراق، قتل ضابط شرطة عند نقطة تفتيش في الحويجة غرب كركوك على يد التنظيم، كما قتل اثنان من مقاتلي البيشمركة الكردية في هجوم للتنظيم أبريل الماضي، كما أسفر هجوم للتنظيم على مطار الصادق العسكري عن مقتل اثنين.
وفي هذا الصدد، قال عمرو عبد المنعم، إن «أكثر هجمات (داعش) كانت في العراق أخيراً، وشهد التنظيم نشاطاً مكثفاً هناك»، مضيفاً: «في نفس السياق دعت فتوى نشرها التنظيم على (تلغرام) للهروب من السجون السورية، وهذا ما حدث، فقد هرب 4 نهاية مارس الماضي، من سجن تديره قوات سوريا الديمقراطية، وفقاً لتقارير إخبارية».
وسبق أن طالب أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» في سبتمبر (أيلول) الماضي، «بتحرير أنصار التنظيم من السجون ...»، وسبقه البغدادي «وقد حرض بشكل مُباشر على مهاجمة السجون في سوريا والعراق».
وبحسب المراقبين «حاول (داعش) أخيراً زيادة حضوره الإعلامي على منصات التواصل الاجتماعي مجدداً، بعد انهيار إعلامه العام الماضي». ورصدت دراسة أخيرة لمرصد الأزهر لمكافحة التطرف في القاهرة «تداول التنظيم تعليمات لعناصره عبر شبكات التواصل الاجتماعي، بالادعاء بأن الفيروس يمثل (عقاباً من الله، ويحتم اتخاذ خطوات لتكفير الذنوب)، وجعل التنظيم الإرهابي - على حد زعمه - السبيل الوحيد للخلاص من الفيروس، والقضاء عليه، هو (تنفيذ العمليات الإرهابية)، ولو بأبسط الوسائل المتاحة». اتسق الكلام السابق مع تقارير محلية ودولية أكدت «تنامي أعداد حسابات أعضاء التنظيم وأنصاره على مواقع التواصل خصوصاً (فيسبوك)، حيث تمكن التنظيم مجدداً من تصوير وإخراج مقاطع فيديو صغيرة الحجم حتى يسهل تحميلها، كما كثف من نشر أخباره الخاصة باستهداف المناطق التي طرد منها في العراق وسوريا، وتضمين رسائل بأبعاد عالمية، بما يتوافق مع أهداف وأفكار التنظيم».
ووفق عبد المنعم فإن «(داعش) يستغل التطبيقات الإلكترونية التي تم تطويرها في الفترة الأخيرة في المجتمع الأوروبي، والتي قدمتها شركات التكنولوجيا والذكاء الصناعي في أوروبا مثل تطبيق Corona-tracker لجمع البيانات عن المصابين، وتوجيه بعض الأسئلة لتحديد نسبة الخطورة، وفرض التنظيم على الأطباء والممرضين في الرقة الحضور اليومي الإجباري، ومن خالف تعرض لعقوبات شديدة».
وعن الواجهة التي يسعى «داعش» التمدد فيها خلال الفترة المقبلة. أكد الخبير أحمد بان، أن «أفريقيا هي الواجهة المفضلة لتنظيمي (داعش) و(القاعدة)، والفترة الأخيرة شهدت تصاعدا لعمليات في الغرب الأفريقي وداخل الساحل، وعمليات داخل موزمبيق، فـ(داعش) في حالة سباق لتصدر المشهد هناك، مع توفر آليات تساعده على ذلك من بينها، تهريب السلاح، وحركة العصابات». فيما أبدى عمرو عبد المنعم، تصوراً يتعلق بـ«زيادة العمليات الإرهابية في نيجيريا، وأنه طبقاً لبيانات صدرت أخيراً عما يُعرف باسم (ولاية غرب أفريقيا) أفادت بوجود أكثر من مائة مقاتل هاجروا لنيجيريا من سوريا والعراق».
وتجدد الحديث في فبراير (شباط) الماضي، عن مساعي «داعش» للوجود في شرق أفريقيا أيضاً، بعدما أظهرت صوراً نشرها التنظيم عبر إحدى منصاته تتعلق بتدريبات على أسلحة تلقاها عناصره في مرتفعات «غل غلا» الوعرة بولاية بونتلاند الواقعة شمال شرقي الصومال.
تعليقاً، على ذلك أكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) يهدف إلى السعي لمناطق بالقارة السمراء، بعيداً عن سوريا والعراق، لـ(تفريغ قدرات عناصره القتالية)، فضلاً عن تأكيد عبارة (أنه ما زال باقياً)».
تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية أشارت أيضاً إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال المراقبون إن «عودة هؤلاء أو ما تبقى منهم إلى أفريقيا، ما زالت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيراً منهم شباب صغير السن، وأغلبهم تم استقطابه عبر مواقع التواصل الاجتماعي».
فيما قال خالد الزعفراني، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، إن «مساعي التنظيم للتمدد داخل أفريقيا سوف تتواصل عبر (الذئاب المنفردة)»، مضيفاً أن «ما يقوم به التنظيم في أفريقيا، والعراق وسوريا أخيراً، لإثبات أن لديه قدرة على تحقيق إنجازات، وأنه (عابر للحدود)، وأنه غير مُتأثر بهزائم سوريا والعراق».
وكان أبو محمد العدناني، الناطق الأسبق باسم «داعش» قد دعا في تسجيل صوتي عام 2014 المتعاطفين مع التنظيم، إلى القتل باستخدام أي سلاح متاح، حتى سكين المطبخ من دون العودة إلى قيادة «داعش»... ومن بعده دعا البغدادي إلى «استهداف المواطنين». وتوعد التنظيم عبر مؤسسة الإعلامية «دابق» بحرب تحت عنوان «الذئاب المنفردة».
في ذات السياق، لفت أحمد بان، إلى أن «التنظيم يسعى لاكتشاف أي ثغرة لإثبات الوجود أو تجنيد عناصر جُدد، خاصة وأن هناك عناصر (متشوقة للإرهاب)، وعندما يُنفذ (داعش) أي عمليات إرهابية، تبحث هذه العناصر عن التنظيم، نتيجة الانبهار».
من جانبه، قال الخبير الأمني اللواء فاروق المقرحي، مساعد وزير الداخلية المصري الأسبق، إن «تنظيمات الإرهاب خاصة (داعش) و(القاعدة) لن تتوانى عن سياسة التجنيد، ومن هنا تنبع فكرة الاعتماد على (الذئاب المنفردة) أو (العائدين) بشكل كبير».
وبينما رجح زغلول «حدوث بعض التغيرات داخل (داعش) عام 2020». قال اللواء المقرحي: «لا أظن عودة (داعش) بفائق قوته في 2020 والتي كان عليها خلال عامي 2014 و2015 نتيجة للحصار المتناهي؛ لكن الخوف من (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، لاستنزاف القوى الكبرى»، لافتاً إلى أن «كثيرا من العناصر (الانفرادية) تتحرك في أوروبا وأميركا بانسيابية داخل الدول، وهذا هو الخطر».