تنظيم «أنصار الشريعة».. أخطر الجماعات المتشددة في تونس

إضاءة على المشهد العام على خلفية اعتداء متحف باردو

عناصر من الأمن التونسي يقومون بالحراسة خارج مبنى البرلمان في العاصمة التونسية (رويترز)
عناصر من الأمن التونسي يقومون بالحراسة خارج مبنى البرلمان في العاصمة التونسية (رويترز)
TT

تنظيم «أنصار الشريعة».. أخطر الجماعات المتشددة في تونس

عناصر من الأمن التونسي يقومون بالحراسة خارج مبنى البرلمان في العاصمة التونسية (رويترز)
عناصر من الأمن التونسي يقومون بالحراسة خارج مبنى البرلمان في العاصمة التونسية (رويترز)

فتح الاعتداء الدامي الذي استهدف متحف باردو في العاصمة التونسية تونس وقتل فيها أكثر من 20 شخصا جلهم من السياح الأجانب، خلال الأسبوع الماضي، باب النقاش حول خطر الجماعات المتشددة في البلاد على تجربتها الديمقراطية وتعافيها الاقتصادي. ويزيد من هذا الخطر حقيقة أن أكثر من 3 آلاف تونسي التحقوا حتى الآن بالتنظيمات المتطرفة التي تقاتل حاليا في العراق وسوريا، وتشكل نسبة المقاتلين التونسيين إحدى أعلى نسب المقاتلين في صفوف «داعش» و«جبهة النصرة».

على عكس ما يذهب إلى الأذهان، فإن الجماعات المتشددة والمتطرفة ليست ظاهرة جديدة في بلدان المغرب العربي، ومن بينها تونس، بل هي أقدم من الناحية التاريخية من حركات الإسلام السياسي. وهي اليوم ازدادت قوة لتشكل أهم رافد للمقاتلين الأجانب المنتشرين في سوريا والعراق وليبيا.
لقد استشرت الظاهرة في تونس بعد ثورة 2011، إذ إن انخراط المئات ممن كانوا يقاتلون في الجبهات في العراق والجزائر وأفغانستان وموريتانيا وليبيا وبعض المناطق الساخنة في العالم، عزز من حضورهم وأقنعهم أن «الإسلام المعتدل» ممثلا بـ«حركة النهضة»، على وجه الخصوص، لا يمكن أن يؤدي إلى إقامة «الدولة الإسلامية» وتطبيق الشريعة.
ونحن إذا حاولنا الاقتراب من التيارات المتشددة في تونس وإمعان النظر في طبيعتها، نجد أنها ليست حزبا سياسيا ولا تيارا منظما ينشط في العلن وتحت أعين القانون، بل كان أفراد هذه التيارات منذ عقد الثمانينات من القرن الماضي، ينخرطون في تنظيمات على شاكلة تنظيم يطلق عليه «الجبهة الإسلامية».
وهنا لا بد من الإشارة إلى أن منطقة المغرب العربي منذ القرن الماضي عرفت إقبالا على كتب سيد قطب وأبو الأعلى المودودي وناصر الدين الألباني. وأضيفت لها في فترة لاحقة أشرطة أسامة بن لادن وأيمن الظواهري، زعيمي تنظيم القاعدة، وكذلك كتب عمر عبد الرحمن وعبد الله طلال القاسمي، وأبو عاصم المقدسي، وأبو قتادة، وأبو الوليد الأنصاري، وأبو مصعب السوري، وغيرهم.
راهنا، يتزعم كبرى المنظمات المتشددة في تونس، التي تعود في الأصل إلى «الجبهة الإسلامية» المتأثرة بأفكار وقناعات جماعة الإخوان المسلمين في مصر بقيادة حسن البنا، التونسي الخطيب الإدريسي، وهو مقيم في منطقة بني عون من ولاية (محافظة) سيدي بوزيد، مهد الثورة التونسية، وهو من أهم شيوخها.
وكان الإدريسي قد أمضى سنتين في السجن بتهمة التحريض على الجهاد في عهد الرئيس التونسي الأسبق، زين العابدين بن علي، قبل أن يطلق سراحه أوائل سنة 2009. ولقد اتهم بإصدار فتوى حمل السلاح ضد الحاكم، مما أدى إلى أحداث مسلحة في منطقة سليمان القريبة من العاصمة التونسية.
وانقسم المتشددون في تونس، مثلهم مثل بقية أقرانهم في العالمين العربي والإسلامي، إلى قسمين أساسيين: نظري، وحركي متطرف. وحقق الشق المتطرف انتشارا سريا متزايدا في منطقة المغرب العربي منذ منتصف عقد الثمانينات من القرن الماضي. غير أن السلطات واجهته بالسجون.
وذكر المحامي سمير بن عمر، المتخصص في قضايا الإرهاب في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن عدد الشباب المتهم بالإرهاب في العهد السابق الذي كان داخل السجون، قُدر بنحو 3 آلاف شاب أعمارهم بين 18 و30 سنة. وارتفعت أعدادهم بعد اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) 2001، ثم الغزو الأميركي للعراق.
وبعد ثورة 2011 في تونس، اختارت التنظيمات المتشددة النزول إلى الشارع بشكل استعراضي، وكان أفرادها يؤدون صلاة جماعية في شارع الحبيب بورقيبة بالعاصمة، كما خاضوا الاعتصامات والاحتجاجات لمواجهة قوات الشرطة والأمن – أو كما يحلو لهم أن يسموهم «جلادو الأمس» – ورمت خططهم إلى كسب تعاطف التونسيين كونهم من ضحايا نظام بن علي. غير أن هذا الأمر لم يحصل، فعادوا إلى العمل السري، وانتدبوا المئات من الأنصار في ظل ضعف الدولة وتراجع منسوب الأمن والعمل الاستخباراتي.
وفي هذا الشأن، يقول علية العلاني، الباحث التونسي في الجماعات الإسلامية والمتشددة، لـ«الشرق الأوسط»، إن ظاهرة التشدد هذه «تمثل في كل الأحوال (حقل ألغام) ولا تكفي المقاربة الأمنية في علاجها». ويرى أن هذا التيار شهد تطورات مهمة بسبب الحرب على أفغانستان والعراق، وتداعيات الصراع العربي الإسرائيلي بعد «اتفاقيات أوسلو». وهو يقسم العالم برمته إلى قسمين: «دار الإسلام» و«دار الكفر». وتعشش في أذهان المنتمين إلى المجموعات المتطرفة المقاتلة منه عقيدة «الجهاد في سبيل الله» في أي مكان، وطموحمهم الوحيد هو التطوع للقتال من أجل «نصرة الإسلام»، و«محاربة أعداء الله»، وهم أساسا القوات العسكرية الأميركية وحلفاؤها. ولا يخفي العلاني مخاطر هذه الظاهرة «وبخاصة، أنها تتجاوز الأبعاد الأمنية وتهدد مشاريع مكاسب تحديث المجتمع والدولة، وقد يمتد تأثيرها إلى أوروبا المجاورة من خلال تغذية ظاهرة الخوف من الإسلام».
غير أن التنظيمات والجماعات المتشددة في المغرب العربي لا يجمعها تيار واحد، بل هم مجموعة من الاتجاهات، منها ما يتصل بـ«حزب التحرير» أو بـ«جماعة التبليغ» أو بـ«التنظيمات المسلحة»، وعلاقاتهم بنظرائهم في أوروبا متفاوتة. ولكن بعض المصادر ترجح وجود امتدادات تنظيمية في صفوف المهاجرين، في أوروبا خاصة، وهم ينشطون داخل خلايا مغلقة وانتقائية ومحدودة العدد، وعلاقاتهم بالخلايا المتطرفة في أوروبا تسودها السرية المطلقة نظرا لارتباطها بتنظيم القاعدة.
ووفق عدة دراسات ميدانية، فإن ملامح المنخرط بالتيارات المتشددة يكون على النحو التالي: شاب دون 30 سنة من العمر، وهو غالبا ما يكون محدود الثقافة والمستوى الدراسي، وهو إلى جانب ذلك وفي الغالب من المهمشين اقتصاديا واجتماعيا. وقد وجدت هذه التيارات في الأحياء الشعبية التونسية مثل دوار هيشر وحي التضامن وبقية الأحياء الفقيرة القريبة من المدن الكبرى، مادة دسمة تمكنت من خلالها النفاذ إلى عقول البسطاء من الشباب.
ووفق حوار أجراه الباحث العلاني مع أحد العناصر المتشددة، فإن انتداب العناصر في تياره يمر حتما عبر مراحل متعددة، من بينها انتقاء الأفراد الذين لهم توجه متشدد من خلال ترددهم على المساجد والدروس الدينية، على وجه الخصوص. ويحظى الأفراد الذين يظهرون استعدادا فكريا لتقبل الطروحات المتشددة بالأولوية، فيصار إلى توجيههم إلى دراسة بعض الكتب والمراجع. وفي الحلقة الأولى من التنظيم يتم تمكينهم من كتب سيد قطب وأقطاب آخرين غيره، ويتم كذلك مدهم بخطب وأشرطة بن لادن و«المقدسي» و«أبو قتادة». ويطلب من المنخرط في الخلايا المقاتلة المتطرفة حفظ سورة «الأنفال» لما تتضمنه من آيات تحث على القتال ضد الكفار. وعندما تتأكد القيادات من وجود استعدادات جدية في التفاعل مع هذه الخطب والأشرطة يوجهون العناصر المنتدبة إلى خلايا تنظيمية سرية ويطلب منهم أداء البيعة. ويتضمن نص البيعة، على حد قوله، «قسما على السمع والطاعة للأمير في المنشط والمكره وقتال أعداء الله مثلما تم ضبطه في الكتاب والسنة».
وتؤكد عدة دراسات أن الجزائر تمثل «الدينامو» المحرك للتيارات المتشددة في منطقة المغرب العربي، وذلك من ناحية ثقلها العددي واللوجيستي. وتشكل الجماعات الجزائرية النواة الصلبة لهذه التيارات في منطقة المغرب العربي، بما يقارب 90 في المائة من العناصر، وتاريخيا، كانت السباقة إلى العمل المسلح من خلال جماعة مصطفى بويعلي عام 1982.
وتتجه المواجهة الميدانية بين سلطات دول المنطقة والجماعات المتشددة هذه الأيام إلى منطقة الصحراء الكبرى لاعتبارات متعددة أمنية واقتصادية. وتكتسي منطقة «مثلث» الصحراء أهمية خاصة بالنسبة للمتشددين المقاتلين في المغرب العربي، تنبع من كونها منطقة شاسعة المساحة تصعب مراقبتها بدقة. ولهذا السبب يتحالف عناصر «القاعدة» مع زعامات قبلية في هذه المنطقة، وكذلك مع محترفي التهريب خدمة لمصالحهم المشتركة.
ثم هناك عوامل أخرى ساهمت في انتعاشة التيارات المتشددة في تونس نفسها يمكن تصنيفها على أنها عوامل اقتصادية واجتماعية، وكذلك إعلامية من خلال دور الفضائيات في نشر فكرها ومواقفها. ولقد طالب باحثون متخصصون بفتح حوارات وطنية حول مسألة تدعى لها كل الأطراف من دون استثناء، لأن تفكيك الألغام أفضل من تجاهلها، على حد تعبيرهم.
يعد تنظيم «أنصار الشريعة» الذي يقوده التونسي سيف الله بن حسين، المعروف باسم «أبو عياض»، أهم الجماعات المتطرفة المقاتلة في تونس، و«أبو عياض» مقاتل قديم شارك في الحرب الأفغانية. وهذا التنظيم كان أول الجماعات التي ظهرت في تونس بعد ثورة 2011 وهو متهم باغتيال القيادي اليساري شكري بلعيد في 6 فبراير (شباط) 2013 ومحمد البراهمي عضو البرلمان في 25 يوليو (تموز) من العام نفسه. وقد حظرت حكومة علي العريض، القيادي في حركة النهضة، نشاطات «أنصار الشريعة» منذ شهر أغسطس (آب) 2013. وبعد حظر هذا التنظيم لجأت معظم قياداته إلى ليبيا المجاورة، وهو على علاقة مباشرة بتنظيم «أنصار الشريعة» في ليبيا. وتعد «كتيبة عقبة بن نافع» في تونس من بين الجماعات المسلحة التي واصلت نشاطاتها في البلاد وقد تحصن أعضاؤها في الجبال الغربية لتونس، ويقودها الجزائري خالد الشايب الملقب بـ«لقمان أبو صخر»
وهي جماعة صغيرة تنشط في جبل الشعانبي، قرب الحدود الجزائرية. ولقد نجحت «الكتيبة» في ضم عدد من المقاتلين الأجانب الذين ما لبثوا أن غادروها لقتال القوات الفرنسية في مالي. وترجح مصادر أمنية أن يكون من بين أعضائها جزائريون وموريتانيون ونيجيريون وهم أمراء وقياديون.
أما قيادات «حزب التحرير»، فتصر على أنها غير معنية بالتصنيفات السياسية المتصلة بالتشدد، وتنفي أي روابط فكرية أو تنظيمية، وتصر على أن «حزب التحرير» لا يحث على القتال ولا يحرض على ممارسة العنف مع أنه يؤمن إيمانا جازما بـ«دولة الخلافة» وتطبيق الشريعة الإسلامية.
وللعلم، كان «حزب التحرير» – الذي تعود نشأته في أواخر السبعينات من القرن الماضي – يعمل بشكل سري، وكانت له خصومات طويلة مع نظامي الحبيب بورقيبة وزين العابدين بن علي. وتاريخيا، تعرض كثيرون من عناصره للمحاكمات. وبالفعل يشهد تاريخ الحركات السياسية في تونس أن عناصر الحزب تعرضوا للمحاكمات والملاحقات وأبرزهم محاكمة نحو 300 عنصر بينهم عسكريون بتهمة الانتماء إلى حزب سياسي غير مرخص له ومخالفة القانون الأساسي للعسكريين. كذلك تعرض أفراد من هذا الحزب عام 1985 للمحاكمة، لكن مع كل هذه المحاكمات كان الحزب ينشط داخل الفضاءات الشعبية والجامعية وعقد عدة مؤتمرات حول موضوع الخلافة خلال أعوام 1988 و1989 و1990، ثم تلت ذلك مرحلة صعبة كان الأمن يلاحق فيها شباب الحزب في الجامعات وخارجها، غير أن الملاحقات والمحاكمات لم تثنِ هذا الحزب عن التحرك والكتابة في الصحف الوطنية وإصدار مجلة ناطقة باسم الحزب «الخلافة».
ويرى باحثون عرب متخصصون أن الحركات المتشددة على وجه العموم، سواء في مصر أو تونس، «كانت تستند إلى جدار قد انهار، وبهذا أصبحت طريحة الأرض. وقد ترغب هذه الحركات في النهوض من خلال صناعة عدو خارجي أو داخلي يجمع الناس حولها، لكن الثورات لم تكشف عورات الأنظمة فقط، بل كشفت عورات المعارضة وهذه الحركات أيضا».



«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
TT

«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)

ارت طموحات تنظيم «داعش» الإرهابي للتمدد مجدداً تساؤلات كثيرة تتعلق بطبيعة «مساعيه» في الدول خلال العام الجاري. واعتبر مراقبون أن «(أزمة كورونا) جددت طموحات التنظيم للقيام بعمليات إرهابية، واستقطاب (إرهابيين) عقب هزائم السنوات الماضية ومقتل زعيمه السابق أبو بكر البغدادي». ووفق خبراء ومتخصصين في الشأن الأصولي بمصر، فإن «التنظيم يبحث عن أي فرصة لإثبات الوجود»، مشيرين إلى «مساعي التنظيم في أفريقيا عبر (الذئاب المنفردة)، ومحاولاته لعودة نشاطه السابق في العراق وسوريا عبر تبني عمليات القتل»، موضحين أن «المخاوف من العناصر (الانفرادية) التي تنتشر في أوروبا وأميركا تتزايد، خاصة وأنها تتحرك بانسيابية شديدة داخل محيطهم الجغرافي».
وقال أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية، إن «(داعش) مثل تنظيمات الإرهاب تبحث عن فرصة مُناسبة للوجود، ومن الفُرص المُناسبة، وجود أي شكل من أشكال الفوضى أو الارتباك، وعندما تكون جهود الدول موجهة لمحاربة (كورونا المستجد)، فيبقى من الطبيعي أن يسعى التنظيم للحركة من جديد، وانتظار فرصة مناسبة لتنفيذ أهدافه، خاصة أن (داعش) في تعامله مع الفيروس روج لفكرة (أن كورونا عقاب إلهي لأعدائه، على حد زعم التنظيم)، خصوصاً أن (كورونا) كبد أوروبا خسائر كبيرة، وأوروبا في الدعايا الداعشية (هذا الغرب الذي يحارب الإسلام، على حد تصور الداعشيين)، لذا فـ(داعش) يستغل هذا، في مواجهة بعض الارتكازات الأمنية، أو الأكمنة، أو الاستهدافات بالشوارع، لإثارة فازعات، ومن الوارد تنفيذ بعض العمليات الإرهابية».
وأكد عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) استغل (أزمة الفيروس) بالادعاء في بيان له مارس (آذار) الماضي، بأن الفيروس (عذاب مؤلم من الله للغرب، خاصة للدول المشاركة في العمليات العسكرية ضده، على حد زعمه)، ويحاول التنظيم نشر الخوف من الوباء، والبحث عن إيجاد مصارف لتمويل العمليات الإرهابية».
ووفق تقرير سابق لمجموعة «الأزمات الدولية» في نهاية مارس الماضي، أشار إلى أن «التنظيم أبدى مع ظهور الفيروس (نبرة شماتة)، وأخبر عناصره عبر افتتاحية جريدة (النبأ) التابعة له في نهاية مارس الماضي، بضرورة استمرار حربهم عبر أرجاء العالم حتى مع تفشي الوباء... وادعى أن الأنظمة الأمنية والدولية التي تسهم في كبح جماح التنظيم على وشك الغرق، على حد قول التنظيم».
ويشير عبد المنعم في هذا الصدد، إلى أنه «بالعودة لزاوية (حصاد الأجناد) في عدد (النبأ) الأخير، زعم التنظيم أنه شن 86 هجمة إرهابية في شهر واحد، هو مارس الماضي، وهو أعلى رقم منذ نهاية نوفمبر (تشرين ثاني) الماضي، الذي سجل 109 هجمات، فيما عُرف بـ(غزوة الثأر) للبغدادي وأبو الحسن المهاجر اللذين قُتلا في أكتوبر (تشرين أول) الماضي في غارة جوية».
ووفق تقارير إخبارية محلية ودولية فإن «(داعش) يسعى لاستعادة سيطرته على عدد من المناطق في سوريا والعراق من جديد، وأنه يحتفظ بنحو من 20 إلى 30 ألف عضو نشط، ولا ينقصه سوى توفر المال والسلاح». وأشارت التقارير ذاتها إلى أن «التنظيم يحاول استغلال انشغال سوريا والعراق بمكافحة الفيروس، لاستعادة سيطرته على مناطق من الصحراء السورية في الغرب، إلى وادي نهر الفرات شرقاً، مروراً بمحافظة دير الزور والمناطق ذات الأغلبية السنية في العراق، والتي لا يزال يوجد فيها بعض عناصره».
ويشار أنه في أبريل (نيسان) الماضي، هاجم التنظيم بلدة السخنة في صحراء حمص، وأسفر عن مقتل 18. وفي دير الزور أعلن التنظيم مقتل اثنين... وفي العراق، قتل ضابط شرطة عند نقطة تفتيش في الحويجة غرب كركوك على يد التنظيم، كما قتل اثنان من مقاتلي البيشمركة الكردية في هجوم للتنظيم أبريل الماضي، كما أسفر هجوم للتنظيم على مطار الصادق العسكري عن مقتل اثنين.
وفي هذا الصدد، قال عمرو عبد المنعم، إن «أكثر هجمات (داعش) كانت في العراق أخيراً، وشهد التنظيم نشاطاً مكثفاً هناك»، مضيفاً: «في نفس السياق دعت فتوى نشرها التنظيم على (تلغرام) للهروب من السجون السورية، وهذا ما حدث، فقد هرب 4 نهاية مارس الماضي، من سجن تديره قوات سوريا الديمقراطية، وفقاً لتقارير إخبارية».
وسبق أن طالب أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» في سبتمبر (أيلول) الماضي، «بتحرير أنصار التنظيم من السجون ...»، وسبقه البغدادي «وقد حرض بشكل مُباشر على مهاجمة السجون في سوريا والعراق».
وبحسب المراقبين «حاول (داعش) أخيراً زيادة حضوره الإعلامي على منصات التواصل الاجتماعي مجدداً، بعد انهيار إعلامه العام الماضي». ورصدت دراسة أخيرة لمرصد الأزهر لمكافحة التطرف في القاهرة «تداول التنظيم تعليمات لعناصره عبر شبكات التواصل الاجتماعي، بالادعاء بأن الفيروس يمثل (عقاباً من الله، ويحتم اتخاذ خطوات لتكفير الذنوب)، وجعل التنظيم الإرهابي - على حد زعمه - السبيل الوحيد للخلاص من الفيروس، والقضاء عليه، هو (تنفيذ العمليات الإرهابية)، ولو بأبسط الوسائل المتاحة». اتسق الكلام السابق مع تقارير محلية ودولية أكدت «تنامي أعداد حسابات أعضاء التنظيم وأنصاره على مواقع التواصل خصوصاً (فيسبوك)، حيث تمكن التنظيم مجدداً من تصوير وإخراج مقاطع فيديو صغيرة الحجم حتى يسهل تحميلها، كما كثف من نشر أخباره الخاصة باستهداف المناطق التي طرد منها في العراق وسوريا، وتضمين رسائل بأبعاد عالمية، بما يتوافق مع أهداف وأفكار التنظيم».
ووفق عبد المنعم فإن «(داعش) يستغل التطبيقات الإلكترونية التي تم تطويرها في الفترة الأخيرة في المجتمع الأوروبي، والتي قدمتها شركات التكنولوجيا والذكاء الصناعي في أوروبا مثل تطبيق Corona-tracker لجمع البيانات عن المصابين، وتوجيه بعض الأسئلة لتحديد نسبة الخطورة، وفرض التنظيم على الأطباء والممرضين في الرقة الحضور اليومي الإجباري، ومن خالف تعرض لعقوبات شديدة».
وعن الواجهة التي يسعى «داعش» التمدد فيها خلال الفترة المقبلة. أكد الخبير أحمد بان، أن «أفريقيا هي الواجهة المفضلة لتنظيمي (داعش) و(القاعدة)، والفترة الأخيرة شهدت تصاعدا لعمليات في الغرب الأفريقي وداخل الساحل، وعمليات داخل موزمبيق، فـ(داعش) في حالة سباق لتصدر المشهد هناك، مع توفر آليات تساعده على ذلك من بينها، تهريب السلاح، وحركة العصابات». فيما أبدى عمرو عبد المنعم، تصوراً يتعلق بـ«زيادة العمليات الإرهابية في نيجيريا، وأنه طبقاً لبيانات صدرت أخيراً عما يُعرف باسم (ولاية غرب أفريقيا) أفادت بوجود أكثر من مائة مقاتل هاجروا لنيجيريا من سوريا والعراق».
وتجدد الحديث في فبراير (شباط) الماضي، عن مساعي «داعش» للوجود في شرق أفريقيا أيضاً، بعدما أظهرت صوراً نشرها التنظيم عبر إحدى منصاته تتعلق بتدريبات على أسلحة تلقاها عناصره في مرتفعات «غل غلا» الوعرة بولاية بونتلاند الواقعة شمال شرقي الصومال.
تعليقاً، على ذلك أكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) يهدف إلى السعي لمناطق بالقارة السمراء، بعيداً عن سوريا والعراق، لـ(تفريغ قدرات عناصره القتالية)، فضلاً عن تأكيد عبارة (أنه ما زال باقياً)».
تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية أشارت أيضاً إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال المراقبون إن «عودة هؤلاء أو ما تبقى منهم إلى أفريقيا، ما زالت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيراً منهم شباب صغير السن، وأغلبهم تم استقطابه عبر مواقع التواصل الاجتماعي».
فيما قال خالد الزعفراني، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، إن «مساعي التنظيم للتمدد داخل أفريقيا سوف تتواصل عبر (الذئاب المنفردة)»، مضيفاً أن «ما يقوم به التنظيم في أفريقيا، والعراق وسوريا أخيراً، لإثبات أن لديه قدرة على تحقيق إنجازات، وأنه (عابر للحدود)، وأنه غير مُتأثر بهزائم سوريا والعراق».
وكان أبو محمد العدناني، الناطق الأسبق باسم «داعش» قد دعا في تسجيل صوتي عام 2014 المتعاطفين مع التنظيم، إلى القتل باستخدام أي سلاح متاح، حتى سكين المطبخ من دون العودة إلى قيادة «داعش»... ومن بعده دعا البغدادي إلى «استهداف المواطنين». وتوعد التنظيم عبر مؤسسة الإعلامية «دابق» بحرب تحت عنوان «الذئاب المنفردة».
في ذات السياق، لفت أحمد بان، إلى أن «التنظيم يسعى لاكتشاف أي ثغرة لإثبات الوجود أو تجنيد عناصر جُدد، خاصة وأن هناك عناصر (متشوقة للإرهاب)، وعندما يُنفذ (داعش) أي عمليات إرهابية، تبحث هذه العناصر عن التنظيم، نتيجة الانبهار».
من جانبه، قال الخبير الأمني اللواء فاروق المقرحي، مساعد وزير الداخلية المصري الأسبق، إن «تنظيمات الإرهاب خاصة (داعش) و(القاعدة) لن تتوانى عن سياسة التجنيد، ومن هنا تنبع فكرة الاعتماد على (الذئاب المنفردة) أو (العائدين) بشكل كبير».
وبينما رجح زغلول «حدوث بعض التغيرات داخل (داعش) عام 2020». قال اللواء المقرحي: «لا أظن عودة (داعش) بفائق قوته في 2020 والتي كان عليها خلال عامي 2014 و2015 نتيجة للحصار المتناهي؛ لكن الخوف من (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، لاستنزاف القوى الكبرى»، لافتاً إلى أن «كثيرا من العناصر (الانفرادية) تتحرك في أوروبا وأميركا بانسيابية داخل الدول، وهذا هو الخطر».