تحذيرات من «عواقب وخيمة» لتقليص برامج الإغاثة في اليمن

TT

تحذيرات من «عواقب وخيمة» لتقليص برامج الإغاثة في اليمن

حذر شركاء العمل الإنساني في اليمن، الأمم المتحدة مما وصفوه بـ«عواقب وخيمة» إذا مضت في قرار خفض برامجها الإغاثية وبالذات المساعدات الغذائية وبرامج دعم المياه والقطاع الصحي، وقالوا إن ذلك قد يؤدي إلى وفاة الآلاف من الأطفال المصابين بسوء التغذية والمرضى، وأشاروا إلى أن عدد سكان البلاد زاد خلال سنوات الحرب بمقدار ستة ملايين فرد ومعه زادت الاحتياجات الإنسانية.
الرسالة الموجهة إلى ديفيد غريسلي منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في اليمن جاءت تعقيباً على بيانه الصادر في 30 أغسطس (آب) والذي أشار فيه إلى أنه اعتباراً من سبتمبر (أيلول) الجاري، قد تعمل بعض الوكالات على الحد من البرامج المهمة، بما في ذلك المياه والصحة والقطاعات الأخرى، بسبب نقص التمويل.
وحضت رسالة الشركاء العمل الإنساني في اليمن الأمم المتحدة على تحمل مسؤولياتها تجاه ملايين اليمنيين الذين يعتمدون على هذه البرامج والمشاريع الحيوية، حيث إن أمام المنظمة الدولية «خيارات أخرى للوفاء بالتزاماتها الإنسانية والأخلاقية».
وأكدت منظمات المجتمع المدني التي تعمل بالشراكة مع المنظمات الأممية في الجانب الإغاثي أن «عواقب تقليص برامج وكالات الأمم المتحدة ستكون كارثية» من حيث انقطاع الخدمات الصحية، وقطع إمدادات المياه، واحتمال وفاة الآلاف من الأطفال المصابين بسوء التغذية والمرضى. وذكرت أن اليمن الآن في السنة السابعة من بدء الصراع الأهلي «وقد وُلد جيل كامل يضم ما يقرب من 6 ملايين يمني خلال حالة النزاع»، ما يشير إلى زيادة الاحتياجات الإنسانية.
وقالت المنظمات في رسالتها إنه «يجب على الدول المانحة زيادة مساعدتها الإنسانية بالتناسب مع متطلبات برامج المرونة. وهذا مهم لتخفيف الأثر السلبي للانخفاض المستقبلي المفاجئ في التمويل الإنساني. وأن الشعب اليمني يأمل ويطلب من الدول المتقدمة الضغط من أجل السلام، حيث لا يوجد حل مثالي لوقف المعاناة الإنسانية في اليمن غير وقف الصراع».
وأشار شركاء العمل الإنساني في اليمن إلى أنه «بسبب القيود المفروضة على ميناء الحديدة وإغلاق طريق تعز وطريق صنعاء - مأرب ومطار صنعاء الذي يخدم ما يقرب من 60 في المائة من السكان ارتفعت تكلفة الاحتياجات الإنسانية الأساسية المنقذة للحياة بسبب التعقيدات التي فرضتها أطراف الحرب على الواردات عبر الموانئ».
ووفق ما جاء في الرسالة فإن «المنظمات غير الحكومية تشتري معظم الاحتياجات الإنسانية مثل الغذاء والمياه والنظافة والسلع الصحية من السوق المحلية بأسعار تجارية»، والتي تشمل التكاليف الإضافية الناتجة عن الازدواج الجمركي، والنقل، وانخفاض قيمة العملة المحلية، وتدهور الطرق المستخدمة لنقل تلك البضائع.
كما ذكرت الرسالة أن «الكثير من الناس يموتون في صمت لأنهم فقدوا إمكانية الوصول إلى الخدمات الصحية في الخارج، وأن الطرق المؤدية إلى المطارات البديلة غير آمنة وكلفتها عالية».
وطالب شركاء العمل الإنساني من جميع الأطراف في اليمن، بتبني وضمان مرور آمن للمساعدات الإنسانية والعاملين في المجال الإنساني والمدنيين، وخصوصاً في المناطق الساخنة مثل مأرب وتعز وحجة والحديدة. وقالوا إن توقف التمويل أو تخفيضه في منتصف الطريق سيؤثر سلباً على جهود الجهات الفاعلة الإنسانية، وإنه يجب على المجتمع الدولي الضغط على جميع الأطراف بشكل رئيسي لدفع رواتب الموظفين العموميين بناءً على سجلات 2014 ودفعها مباشرة تحت إشراف الأمم المتحدة.
ووفق ما جاء في الرسالة فإنه بالنظر إلى أن 22.2 مليون يمني يحتاجون إلى نوع من المساعدة الإنسانية في العام الحالي، وأن الاحتياجات الإنسانية لم تحصل إلا على 40 في المائة من التمويل اللازم. فإن نحو 11.1 مليون لا تصل إليهم المساعدات وإن عدد السكان الذين يحتاجون إلى نوع من المساعدة الإنسانية نحو خمسة أضعاف عدد سكان باريس، وإن الوضع الإنساني يحتاج إلى التزام اقتصادي ودبلوماسي حقيقي للتخفيف من الكارثة.
وطالب الشركاء المحليون ببناء شراكات استراتيجية بين المنظمات المحلية والدولية ووكالات الأمم المتحدة من خلال المشاريع طويلة المدى وزيادة عدد الممثلين للفريق القطري من 3 إلى 5 أعضاء، بالإضافة إلى زيادة عدد الفريق الاستشاري الإنساني من 2 إلى 5 ممثلين، بحيث يتم اختيارهم بشكل ديمقراطي وشفاف من قبل منظمات المجتمع المدني.



الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)

كثّفت الجماعة الحوثية استهدافها مدرسي الجامعات والأكاديميين المقيمين في مناطق سيطرتها بحملات جديدة، وألزمتهم بحضور دورات تعبوية وزيارات أضرحة القتلى من قادتها، والمشاركة في وقفات تنظمها ضد الغرب وإسرائيل، بالتزامن مع الكشف عن انتهاكات خطيرة طالتهم خلال فترة الانقلاب والحرب، ومساعٍ حثيثة لكثير منهم إلى الهجرة.

وذكرت مصادر أكاديمية في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن مدرسي الجامعات العامة والخاصة والموظفين في تلك الجامعات يخضعون خلال الأسابيع الماضية لممارسات متنوعة؛ يُجبرون خلالها على المشاركة في أنشطة خاصة بالجماعة على حساب مهامهم الأكاديمية والتدريس، وتحت مبرر مواجهة ما تسميه «العدوان الغربي والإسرائيلي»، ومناصرة فلسطينيي غزة.

وتُلوّح الجماعة بمعاقبة مَن يتهرّب أو يتخلّف من الأكاديميين في الجامعات العمومية، عن المشاركة في تلك الفعاليات بالفصل من وظائفهم، وإيقاف مستحقاتهم المالية، في حين يتم تهديد الجامعات الخاصة بإجراءات عقابية مختلفة، منها الغرامات والإغلاق، في حال عدم مشاركة مدرسيها وموظفيها في تلك الفعاليات.

أكاديميون في جامعة صنعاء يشاركون في تدريبات عسكرية أخضعهم لها الحوثيون (إعلام حوثي)

وتأتي هذه الإجراءات متزامنة مع إجراءات شبيهة يتعرّض لها الطلاب الذين يجبرون على حضور دورات تدريبية قتالية، والمشاركة في عروض عسكرية ضمن مساعي الجماعة لاستغلال الحرب الإسرائيلية على غزة لتجنيد مقاتلين تابعين لها.

انتهاكات مروّعة

وكان تقرير حقوقي قد كشف عن «انتهاكات خطيرة» طالت عشرات الأكاديميين والمعلمين اليمنيين خلال الأعوام العشرة الماضية.

وأوضح التقرير الذي أصدرته «بوابة التقاضي الاستراتيجي»، التابعة للمجلس العربي، بالتعاون مع الهيئة الوطنية للأسرى والمختطفين، قبل أسبوع تقريباً، وغطّي الفترة من مايو (أيار) 2015، وحتى أغسطس (آب) الماضي، أن 1304 وقائع انتهاك طالت الأكاديميين والمعلمين في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية التي اتهمها باختطافهم وتعقبهم، ضمن ما سمّاها بـ«سياسة تستهدف القضاء على الفئات المؤثرة في المجتمع اليمني وتعطيل العملية التعليمية».

أنشطة الجماعة الحوثية في الجامعات طغت على الأنشطة الأكاديمية والعلمية (إكس)

ووثّق التقرير حالتي وفاة تحت التعذيب في سجون الجماعة، وأكثر من 20 حالة إخفاء قسري، منوهاً بأن من بين المستهدفين وزراء ومستشارين حكوميين ونقابيين ورؤساء جامعات، ومرجعيات علمية وثقافية ذات تأثير كبير في المجتمع اليمني.

وتضمن التقرير تحليلاً قانونياً لمجموعة من الوثائق، بما في ذلك تفاصيل جلسات التحقيق ووقائع التعذيب.

ووفق تصنيف التقرير للانتهاكات، فإن الجماعة الحوثية نفّذت 1046 حالة اختطاف بحق مؤثرين، وعرضت 124 منهم للتعذيب، وأخضعت اثنين من الأكاديميين و26 من المعلمين لمحاكمات سياسية.

وتشمل الانتهاكات التي رصدها التقرير، الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري والتعذيب الجسدي والنفسي والمحاكمات الصورية وأحكام الإعدام.

عشرات الأكاديميين لجأوا إلى طلب الهجرة بسبب سياسات الإقصاء الحوثية وقطع الرواتب (إكس)

وسبق أن كشف تقرير تحليلي لأوضاع الأكاديميين اليمنيين عن زيادة في طلبات العلماء والباحثين الجامعيين للهجرة خارج البلاد، بعد تدهور الظروف المعيشية، واستمرار توقف رواتبهم، والانتهاكات التي تطال الحرية الأكاديمية.

وطبقاً للتقرير الصادر عن معهد التعليم الدولي، ارتفعت أعداد الطلبات المقدمة من باحثين وأكاديميين يمنيين لصندوق إنقاذ العلماء، في حين تجري محاولات لاستكشاف الطرق التي يمكن لقطاع التعليم الدولي من خلالها مساعدة وتغيير حياة من تبقى منهم في البلاد إلى الأفضل.

إقبال على الهجرة

يؤكد المعهد الدولي أن اليمن كان مصدر غالبية الطلبات التي تلقّاها صندوق إنقاذ العلماء في السنوات الخمس الماضية، وتم دعم أكثر من ثلثي العلماء اليمنيين داخل المنطقة العربية وفي الدول المجاورة، بمنحة قدرها 25 ألف دولار لتسهيل وظائف مؤقتة.

قادة حوثيون يتجولون في جامعة صنعاء (إعلام حوثي)

لكن تحديات التنقل المتعلقة بالتأشيرات وتكلفة المعيشة والاختلافات اللغوية الأكاديمية والثقافية تحد من منح الفرص للأكاديميين اليمنيين في أميركا الشمالية وأوروبا، مقابل توفر هذه الفرص في مصر والأردن وشمال العراق، وهو ما يفضله كثير منهم؛ لأن ذلك يسمح لهم بالبقاء قريباً من عائلاتهم وأقاربهم.

وخلص التقرير إلى أن العمل الأكاديمي والبحثي داخل البلاد «يواجه عراقيل سياسية وتقييداً للحريات ونقصاً في الوصول إلى الإنترنت، ما يجعلهم يعيشون فيما يُشبه العزلة».

وأبدى أكاديمي في جامعة صنعاء رغبته في البحث عن منافذ أخرى قائمة ومستمرة، خصوصاً مع انقطاع الرواتب وضآلة ما يتلقاه الأستاذ الجامعي من مبالغ، منها أجور ساعات تدريس محاضرات لا تفي بالاحتياجات الأساسية، فضلاً عن ارتفاع الإيجارات.

إجبار الأكاديميين اليمنيين على المشاركة في الأنشطة الحوثية تسبب في تراجع العملية التعليمية (إكس)

وقال الأكاديمي الذي طلب من «الشرق الأوسط» التحفظ على بياناته خوفاً على سلامته، إن الهجرة ليست غاية بقدر ما هي بحث عن وظيفة أكاديمية بديلة للوضع المأساوي المعاش.

ويقدر الأكاديمي أن تأثير هذه الأوضاع أدّى إلى تدهور العملية التعليمية في الجامعات اليمنية بنسبة تتجاوز نصف الأداء في بعض الأقسام العلمية، وثلثه في أقسام أخرى، ما أتاح المجال لإحلال كوادر غير مؤهلة تأهيلاً عالياً، وتتبع الجماعة الحوثية التي لم تتوقف مساعيها الحثيثة للهيمنة على الجامعات ومصادرة قرارها، وصياغة محتوى مناهجها وفقاً لرؤية أحادية، خصوصاً في العلوم الاجتماعية والإنسانية.

وفي حين فقدت جامعة صنعاء -على سبيل المثال- دورها التنويري في المجتمع، ومكانتها بصفتها مؤسسة تعليمية، تُشجع على النقد والتفكير العقلاني، تحسّر الأكاديمي اليمني لغياب مساعي المنظمات الدولية في تبني حلول لأعضاء هيئة التدريس، سواء في استيعابهم في مجالات أو مشروعات علمية، متمنياً ألا يكون تخصيص المساعدات لمواجهة المتطلبات الحياتية للأكاديميين غير مشروط أو مجاني، وبما لا يمس كرامتهم.