السارقون في لبنان ينتهجون «الوقاحة» في عملياتهم مع تحلل الدولة ومؤسساتها

TT

السارقون في لبنان ينتهجون «الوقاحة» في عملياتهم مع تحلل الدولة ومؤسساتها

عمليتا سرقة تعرض لهما اللبناني عماد غدار (50 عاماً) خلال أقل من أسبوعين؛ الأولى جرت في وضح النهار بمنطقة خلدة جنوب بيروت، خلال عودته إلى منزله على دراجته النارية. ويقول إنه توقف ليتحدث عبر الهاتف حين باغته رجلان على دراجة نارية أخرى. الأول بقي عليها فيما ترجل عنها الثاني طالباً من غدار هويته. عندما رفض غدار إبرازها قال له إنه من «حزب الله». حجة لم تقنع غدار الذي أكد له أنه غير مستعد لإبرازها إلا للقوى الأمنية اللبنانية. ويضيف غدار لـ«الشرق الأوسط»: «بقينا نتشاجر إلى أن قررت إبرازها له ظناً أنني بذلك أنهي إشكالاً. لكن حين أخذت محفظتي وسحبت هويتي أصر على أن أريه ما بداخل محفظتي متهماً إياي بأنني أخفي مخدرات... وحين رفضت أن أعطيه إياها باعتبارها كانت تحوي مبلغاً من المال، سحب سكيناً وجهه إلى خاصرتي؛ ما اضطرني مباشرة إلى أن أعطيه إياها قبل أن يطلب هاتفي ويأخذ دراجتي أيضاً ويرحل وخلفه رفيقه على الدراجة الأخرى».
غدار؛ الذي تقدم بشكوى في مخفر المنطقة، لا يتوقع أن تعود إليه أمواله أو أي من ممتلكاته التي سرقت منه. كل ما يهمه أن يتمكن من إصدار أوراق ثبوتية جديدة. لكن قبل أن يستعيد ولو ورقة من أوراقه، تعرض قبل نحو أسبوع لعملية سرقة جديدة حين أقدم أحدهم على سرقة مرايا سيارته المركونة مباشرة أمام منزله في مجمع سكني يفترض أنه يخضع لحماية. يقول غدار: «لم يعد ينقص إلا أن يدخل السارقون منازلنا. ما أخشاه أن يضطر أولادي لمواجهة أحد السارقين وتنتهي الأمور إلى ما لا تحمد عقباه».
قصة غدار واحدة من مئات القصص التي تسجلها القوى الأمنية في دفاترها لعمليات سرقة ازدادت نسبتها بشكل لافت جداً في الأشهر الماضية مع تردي الأوضاع المعيشية وتحول 74 في المائة من اللبنانيين إلى فقراء، بحسب «لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (الإسكوا)».
وليس اللبنانيون وحدهم من يئنون من الأزمة الاقتصادية الحادة التي تعصف بالبلد منذ نحو عامين، وهي أزمة صنّفها البنك الدولي بين الأسوأ في العالم منذ عام 1850؛ بل يواجهها اللاجئون إليه أيضاً؛ إذ، بحسب مفوضية شؤون اللاجئين، يعيش 90 في المائة على الأقل من اللاجئين السوريين في لبنان في فقر مدقع، تماماً كما نسبة مماثلة من اللاجئين الفلسطينيين.
ووفق «الشركة الدولية للمعلومات»، ازدادت عمليات القتل والسرقة منذ مطلع عام 2021، فارتفعت جرائم السرقة بنسبة 144 في المائة، أما جرائم القتل فارتفعت بنسبة 45 في المائة.
ولعل الجديد والخطير في عمليات السرقة التي جرى تسجيلها أخيراً، أنها أسقطت كل المحرمات بعدما جرى تسجيل سرقة مدافن ومدارس ودور عبادة. ويقول مصدر أمني لـ«الشرق الأوسط» إن «عدد الذين يجري توقيفهم بعمليات سرقة والذين يدخلون السجون حالياً ارتفع كثيراً في الآونة الأخيرة في نتيجة مباشرة لتردي الوضع الاقتصادي». ويشير المصدر إلى أن «السارقين أصبحوا أكثر وقاحة في تنفيذ عملياتهم، فكثيرون يقومون بها في وضح النهار ورغم علمهم بارتفاع احتمال ضبطهم من قبل الأشخاص الذين يسرقونهم». ويرد خبراء أمنيون ذلك إلى «شعور هؤلاء بتحلل الدولة، وبأن القوى الأمنية لم تعد قادرة على ملاحقة السارقين والمجرمين مع ارتفاع أعدادهم، ولانشغالها بحل كثير من الأزمات، ولعل أبرزها أخيراً الإشكالات اليومية على محطات الوقود».
وأظهر استطلاع أجرته «منظمة الأمم المتحدة للأطفال (يونيسيف)» مؤخراً أن 3 من كل 10 أسر لديها طفل واحد على الأقل أوى إلى فراشه بلا عشاء أو تخطى تناول وجبة واحدة على الأقل من الوجبات الثلاث.
وتعدّ الدكتورة منى فياض، الأستاذة في علم النفس بالجامعة اللبنانية، أن ارتفاع معدلات السرقة والعراك على محطات المحروقات وغيرها من أشكال العنف «منتظرة ومتوقعة في بلد يعاني ما يعانيه لبنان، حتى إن الأوضاع في بلدان أخرى في ظروف كالتي نرزح تحتها قد تكون أصعب»، لافتة في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أنه «ما دام الوضع متفلتاً والأجهزة الأمنية تعيش في حالة من التضعضع رغم محاولات الحفاظ عليها ومساعدتها، والسلطة متفككة ومنهارة، فسنكون على موعد مع مزيد من العنف».
وتشير فياض إلى أنه «بعدما سرقت أموال الناس من المصارف، وارتفعت الأسعار بشكل جنوني، بات كثيرون يرزحون تحت خط الفقر، لذلك علينا أن نتوقع أن يقدم أي شخص يرى أولاده جياعاً على السرقة لإطعامهم»، مضيفة: «من لديه سوابق جرمية سيكون أسهل عليه أن يقدم على السرقة سواء أكان يقوم بعملياته وحيداً أم في إطار عصابات منظمة، ولكن عندما ترتفع النسب، فذلك يعني أن هناك فئات جديدة تضطر للسرقة وممارسة العنف في رد فعل على العنف الذي يحيط بهم».



رسائل السيسي لـ«طمأنة» المصريين تثير تفاعلاً «سوشيالياً»

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال مشاركته الأقباط الاحتفال بعيد الميلاد (الرئاسة المصرية)
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال مشاركته الأقباط الاحتفال بعيد الميلاد (الرئاسة المصرية)
TT

رسائل السيسي لـ«طمأنة» المصريين تثير تفاعلاً «سوشيالياً»

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال مشاركته الأقباط الاحتفال بعيد الميلاد (الرئاسة المصرية)
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال مشاركته الأقباط الاحتفال بعيد الميلاد (الرئاسة المصرية)

حظيت رسائل «طمأنة» جديدة أطلقها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، خلال احتفال الأقباط بـ«عيد الميلاد»، وأكد فيها «قوة الدولة وصلابتها»، في مواجهة أوضاع إقليمية متوترة، بتفاعل واسع على مواقع التواصل الاجتماعي.

وقال السيسي، خلال مشاركته في احتفال الأقباط بعيد الميلاد مساء الاثنين، إنه «يتابع كل الأمور... القلق ربما يكون مبرراً»، لكنه أشار إلى قلق مشابه في الأعوام الماضية قبل أن «تمر الأمور بسلام».

وأضاف السيسي: «ليس معنى هذا أننا كمصريين لا نأخذ بالأسباب لحماية بلدنا، وأول حماية فيها هي محبتنا لبعضنا، ومخزون المحبة ورصيدها بين المصريين يزيد يوماً بعد يوم وهو أمر يجب وضعه في الاعتبار».

السيسي يحيّي بعض الأقباط لدى وصوله إلى قداس عيد الميلاد (الرئاسة المصرية)

وللمرة الثانية خلال أقل من شهر، تحدث الرئيس المصري عن «نزاهته المالية» وعدم تورطه في «قتل أحد» منذ توليه المسؤولية، قائلاً إن «يده لم تتلوث بدم أحد، ولم يأخذ أموال أحد»، وتبعاً لذلك «فلا خوف على مصر»، على حد تعبيره.

ومنتصف ديسمبر (كانون الأول) الماضي، قال السيسي في لقاء مع إعلاميين، إن «يديه لم تتلطخا بالدم كما لم تأخذا مال أحد»، في إطار حديثه عن التغييرات التي تعيشها المنطقة، عقب رحيل نظام بشار الأسد.

واختتم السيسي كلمته بكاتدرائية «ميلاد المسيح» في العاصمة الجديدة، قائلاً إن «مصر دولة كبيرة»، مشيراً إلى أن «الأيام القادمة ستكون أفضل من الماضية».

العبارة الأخيرة، التي كررها الرئيس المصري ثلاثاً، التقطتها سريعاً صفحات التواصل الاجتماعي، وتصدر هاشتاغ (#مصر_دولة_كبيرة_أوي) «التريند» في مصر، كما تصدرت العبارة محركات البحث.

وقال الإعلامي المصري، أحمد موسى، إن مشهد الرئيس في كاتدرائية ميلاد المسيح «يُبكي أعداء الوطن» لكونه دلالة على وحدة المصريين، لافتاً إلى أن عبارة «مصر دولة كبيرة» رسالة إلى عدم مقارنتها بدول أخرى.

وأشار الإعلامي والمدون لؤي الخطيب، إلى أن «التريند رقم 1 في مصر هو عبارة (#مصر_دولة_كبيرة_أوي)»، لافتاً إلى أنها رسالة مهمة موجهة إلى من يتحدثون عن سقوط أو محاولة إسقاط مصر، مبيناً أن هؤلاء يحتاجون إلى التفكير مجدداً بعد حديث الرئيس، مؤكداً أن مصر ليست سهلة بقوة شعبها ووعيه.

برلمانيون مصريون توقفوا أيضاً أمام عبارة السيسي، وعلق عضو مجلس النواب، محمود بدر، عليها عبر منشور بحسابه على «إكس»، موضحاً أن ملخص كلام الرئيس يشير إلى أنه رغم الأوضاع الإقليمية المعقدة، ورغم كل محاولات التهديد، والقلق المبرر والمشروع، فإن مصر دولة كبيرة وتستطيع أن تحافظ علي أمنها القومي وعلى سلامة شعبها.

وثمّن عضو مجلس النواب مصطفى بكري، كلمات السيسي، خاصة التي دعا من خلالها المصريين إلى التكاتف والوحدة، لافتاً عبر حسابه على منصة «إكس»، إلى مشاركته في الاحتفال بعيد الميلاد الجديد بحضور السيسي.

وربط مصريون بين عبارة «مصر دولة كبيرة» وما ردده السيسي قبل سنوات لقادة «الإخوان» عندما أكد لهم أن «الجيش المصري حاجة كبيرة»، لافتين إلى أن كلماته تحمل التحذير نفسه، في ظل ظهور «دعوات إخوانية تحرض على إسقاط مصر

وفي مقابل الكثير من «التدوينات المؤيدة» ظهرت «تدوينات معارضة»، أشارت إلى ما عدته تعبيراً عن «أزمات وقلق» لدى السلطات المصرية إزاء الأوضاع الإقليمية المتأزمة، وهو ما عدّه ناجي الشهابي، رئيس حزب «الجيل» الديمقراطي، قلقاً مشروعاً بسبب ما تشهده المنطقة، مبيناً أن الرئيس «مدرك للقلق الذي يشعر به المصريون».

وأوضح الشهابي، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، أنه «رغم أن كثيراً من الآراء المعارضة تعود إلى جماعة الإخوان وأنصارها، الذين انتعشت آمالهم بعد سقوط النظام السوري، فإن المصريين يمتلكون الوعي والفهم اللذين يمكنّانهم من التصدي لكل الشرور التي تهدد الوطن، ويستطيعون التغلب على التحديات التي تواجههم، ومن خلفهم يوجد الجيش المصري، الأقوى في المنطقة».

وتصنّف السلطات المصرية «الإخوان» «جماعة إرهابية» منذ عام 2013، حيث يقبع معظم قيادات «الإخوان»، وفي مقدمتهم المرشد العام محمد بديع، داخل السجون المصرية، بعد إدانتهم في قضايا عنف وقتل وقعت بمصر بعد رحيل «الإخوان» عن السلطة في العام نفسه، بينما يوجد آخرون هاربون في الخارج مطلوبون للقضاء المصري.

بينما عدّ العديد من الرواد أن كلمات الرئيس تطمئنهم وهي رسالة في الوقت نفسه إلى «المتآمرين» على مصر.