ظل زيمور اليميني يهيمن على المعركة الرئاسية الفرنسية

أدين مرتين لعنصريته وعدائه للمسلمين وترويجه لنظرية «الاستبدال»

TT

ظل زيمور اليميني يهيمن على المعركة الرئاسية الفرنسية

يصدر الخميس المقبل كتاب المفكر والمثقف والصحافي الفرنسي أريك زيمور، تحت عنوان: «فرنسا لم تقل كلمتها الأخيرة»، وهو الأخير في سلسلة أثارت جدلاً كبيراً في فرنسا، ليس فقط بسبب شخصية صاحبها، لكن خصوصاً بسبب مواقفه السياسية التي تعد إلى أقصى اليمين المتطرف، لا بل إنها «تزايد» على مواقف زعيمته مارين لوبن، المرشحة الرئاسية التي قررت خوض المنافسة الانتخابية للمرة الثالثة ربيع العام المقبل. الطريف في الأمر أن زيمور البالغ من العمر 63 عاماً، لم يعد يخفي رغبته في النزول إلى الميدان الانتخابي، لا بل إن آخر استطلاع للرأي بين أنه قد يحصل على 8 في المائة من أصوات الناخبين، وهي نسبة لا بأس بها، خصوصاً أنه لم يعلن بعد ترشحه.
وحتى اليوم، اكتفى بالتلويح لاحتمال خوضه المعركة الرئاسية المقبلة. ويرى المحللون السياسيون أن هذه النسبة التي من المقدر لها أن ترتفع عندما يتحول زيمور من مرشح محتمل إلى مرشح حقيقي، تزعج مارين لوبن بالدرجة الأولى، كما أنها تزعج اليمين الكلاسيكي وحتى الرئيس إيمانويل ماكرون. وآخر ما صدر عن زيمور قوله إنه راغب في خوض غمار عالم السياسة، لكنه سيختار بنفسه اللحظة المناسبة لإعلان ترشحه.
في أي حال، فإن الإعلام الفرنسي، لا بل الأوروبي، يكرس الكثير من الوقت والمساحة لـزيمور غير الجديد على عالم الإعلام والسياسة، لأنه مارس مهنة الصحافة منذ عقود، متنقلاً بين الصحافة المكتوبة والمسموعة والمرئية. وآخر محطاته كانت القناة الإخبارية «سي نيوز» المصنفة يمينية متشددة. وأول من أمس، قررت المحطة وضع حد لمشاركة زيمور اليومية في برنامج إخباري يجتذب عادة أقل من مليون مشاهد ومخصص لتحليل الوضع السياسي في فرنسا، وكان يستخدمه الأخير منصة للترويج لأفكاره ونظرياته.
والسبب في ذلك ليست أراؤه، بل لأن المجلس الأعلى للوسائل السمعية - البصرية قرر احتساب وقت الكلام لـزيمور كمساهمة في الحملة الانتخابية، حتى قبل إعلان انطلاقها، الأمر الذي دفع القناة الإخبارية لحرمان الصحافي - السياسي من الاستمرار في المشاركة بالبرنامج. بيد أن زيمور الذي توقف عن كتابة زاويته الأسبوعية في صحيفة «لو فيغارو» اليمينية، سيعوض عن ذلك بفضل الجولة الواسعة على كبريات المدن الفرنسية للترويج لكتابه الجديد ما سيمكنه من إصابة عصفورين بحجر واحد: من جهة، الدعاية للكتاب الذي ينتظر له أن يحظى بإقبال من الجمهور، ومن جهة ثانية لقاء الفرنسيين والتحضير لإعلان ترشحه.
ليس زيمور السياسي الوحيد المصنف في خانة أقصى اليمين. لكن تفرده يكمن في أمرين: الأول، أنه من أكثر الشخصيات الملاحقة أمام المحاكم في فرنسا بسبب مواقفه وتعليقاته، وأنه أدين مرتين في عامي 2011 و2017 بسبب الحض على التمييز العنصري والتعبير عن الحقد إزاء المسلمين.
أما الأمر الثاني فيكمن في عنف طروحاته المعادية للمسلمين وللمهاجرين بشكل عام. وليس سراً أن زيمور المتحدر من عائلة يهودية يتبنى الطروحات اليمينية الأكثر تطرفاً في الدفاع عن الهوية الفرنسية المهددة بسبب تكاثر أعداد المهاجرين والمسلمين، الذين لا يرى أنهم قابلون للاندماج في المجتمع الفرنسي، لا بل يذهب أبعد من ذلك من خلال تبني نظرية «الاستبدال»، أي استبدال المهاجرين المتدفقين على فرنسا، الذين يتبنون ممارسات وقيماً مختلفة عن قيم وممارسات المجتمع الفرنسي، بالفرنسيين «الأصليين».
وفي كتابه الجديد، يسعى زيمور إلى إعطاء محتوى ملموس لنظرية «الاستبدال»، متوقفاً مطولاً عند حالة منطقة سين سان جوني الواقعة على مدخل باريس الشمالي. يكتب زيمور: «منطقة سين سان دوني تجسد بشكل كامل ما نسميه نظرية الاستبدال.
فهي أولاً تمثل القلب التاريخي لفرنسا بفضل كنيسة القديس دنيسيوس، حيث دفن ملوك فرنسا. وحالياً، تفيد الإحصائيات أن ثلثي الولادات تعود لعائلة أحد الوالدين مولود في بلد أجنبي. كذلك تبين أن ليس أقل من 60 في المائة من الشبان والشابات دون الثامنة عشرة من العمر هم من أصول أجنبية. كذلك تبين الأسماء العشرة الرئيسية المعطاة للأولاد كلها أسماء إسلامية أو ما يشابهها».
ويشير المؤلف إلى تقرير برلماني صدر في عام 2018، وفيه أن الدولة لا تعرف حقيقة عدد سكان المنطقة المذكورة القريبة من مطار رواسي ــ شارل ديغول الدولي، وأن أعداد المهاجرين غير الشرعيين تتراوح ما بين 250 ألفاً إلى 400 ألف، أو ما يعادل 8 إلى 20 في المائة من سكان المنطقة. يضاف إلى ذلك أن نسبة البطالة في منطقة سين سان دوني تصل إلى أرقام مخيفة: 40 في المائة بالنسبة للذين هم دون الـ29 من العمر، و26 في المائة بالنسبة للشباب بشكل عام.
ويلخص زيمور تحليله بجملة صادمة تقول: «هذه المقاطعات الأجنبية تعيش تحت حكم الله»، بمعنى أن «المسلمين يعيشون فيها ويفرضون قيمهم الدينية» وليست القيم الجمهورية، و«حكم مهربي المخدرات الذين يتحكمون بحياة الناس اليومية».
ولوبن تتخوف من أن خسارتها لنسبة من الأصوات لشخص أكثر يمينية وجذرية منها قد يهدد تمكنها من الوصول إلى الدورة الثانية من المنافسة الانتخابية. والقلق ينتاب أيضاً المعسكر الرئاسي الذي يفضل استعادة انتخابات عام 2017، حيث تواجه ماكرون مع لوبن، وفاز عليها بفارق 19 نقطة، وبالتالي فإنه يعتبرها منافسته «المفضلة»، أي الأكثر تمكناً من الفوز عليها. كذلك، فإن اليمين الكلاسيكي ينظر بنوع من الريبة لمرشح لا يتردد في اللجوء إلى خطاب شعبوي يميني متطرف يتوجه إلى الرائز أكثر من توجهه إلى ذكاء الناخب.
وخلاصة القول أن ترشح زيمور إذا أصبح واقعاً. ورغم أنه لن يصل أبداً إلى قصر الإليزيه، لأن ذلك يتطلب وجود حزب وراءه وماكينة انتخابية وتمويل... وكل ذلك ينقصه. لكنه، مع ذلك، على أهبة اجتياز الخطوة الأخيرة ربما تحضيراً لمعارك لاحقة.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟