الرواية بوصفها متحفاً للذاكرة الجمعية الشعبية

«خلوّ» تستلهم «انتفاضة تشرين» العراقية

الرواية بوصفها متحفاً للذاكرة الجمعية الشعبية
TT

الرواية بوصفها متحفاً للذاكرة الجمعية الشعبية

الرواية بوصفها متحفاً للذاكرة الجمعية الشعبية

رواية «خلوّ» للروائي طه حامد شبيب، الصادرة عام 2021، رواية ترميزية - إليغوريا وفنطازية عن الوضع السياسي والاجتماعي، الذي أعقب الاحتلال عام 2003، وصعود القوى الإرهابية والطائفية واستقوائها بالخارج وقيامها بتهريب ثروات البلد، عبر أنفاق عملاقة «تشفط» رمزياً هذه الثروات. ومن الجهة الأخرى فهي تصدر أشكال المقاومة التي يواجه بها الناس هذا التسلط، وبشكل خاص من خلال انتفاضة تشرين وميدانها الأساسي ساحة التحرير في قلب بغداد. الرواية إلى درجة كبيرة صرخة احتجاج رافضة للحرب من خلال هرب بطل الرواية من جحيم الحرب، وهي دعوة للسلم والمحبة، من خلال ابتكار بدائل كرنفالية وتغريبية متنوعة منها توظيف الواقعية السحرية ورواية الخيال العلمي والتغريب البريختي، فضلاً عن السرد الواقعي الحديث. وتكاد الرواية تستهل حبكتها المركزية على غرار ما نجده في القصص البوليسية. إذ يدخل (نوفل) ابن الرابعة وهو يصرخ بلوعة: «عمو حاتم مات، طلع الدم من راسه ومات» (ص 5).
وهكذا مثل القصص البوليسية يثير هذا الاستهلال أسئلة عديدة لأفق توقع القارئ عن سر الجريمة وهوية القاتل، ولكنها قبل هذا وذاك تستدرجنا لمعرفة شخصية القتيل (العم حاتم)، وهو ما يحول الرواية بشكل جوهري، إلى رواية بطل مركزي، سيلاحق الراوي، وهو ذات المؤلف الثانية سيرة هذا البطل والأسرار التي أحاطت بحياته ومقتله. إذ يعلن الراوي المركزي إنه سينهض بمهمة لملمة شتات هذه الحكاية، اعتماداً على شهادته الشخصية ومرويات بطل الرواية (حاتم)، فضلاً عن الاستناد إلى «سند الآخرين من الثقاة»: «بعد سنين طوال، تومض تلك اللحظة من بعيد، فلا يكون لنوفل شأن في الحكاية المبعثرة التي أحاول أن ألم شتاتها الآن، ولن يسعني أن ألم شتاتها دون سند الآخرين من ثقاتي» (ص6).
ونكتشف أن هذا الراوي يعتمد على مصدرين لدعم روايته: الأول كتابي من خلال المدونة التي تركها لها (أبو الهدى) الذي يوكل لبطل الرواية (حاتم) أفعالاً متعددة، ويؤكد أنه كان يقود مجاميع الشبان في «الهيجان» الكبير لمواجهة القوى الظلامية، أما المصدر الثاني فهو شفاهي، ويعتمد على مرويات «نشمية أم الخبز» التي كانت تساند الشباب المنتفضين، وتمدهم بالخبز الحار الذي كانت تخبزه في ساحة الاعتصام.
وطريقة الإسناد السردي تضع الرواية في إطار رواية الميتاسرد، حيث الاعتماد على المخطوطة المدونة التي دونها «أبو الهدى» ومرويات «نشمية أم الخبز» الشفاهية، فضلاً عن قصدية الكتابة الروائية التي يؤكدها الراوي المركزي من حين لآخر. كما أن الاعتماد على أكثر من مصدر للحكي يضفي على الرواية مسحة بوليفونية تعددية، ويُفسر عنوان الرواية «خلو»، بوصفه عتبة نصية دالة حسب جيرار جنيت، سر انكفاء حركة الانتفاضة الشعبية إلى انتماء الناس إلى موقف «الخلو» الذي يعني انسحاب الناس من مواجهة ظالميهم، والانكفاء على ذواتهم، مما يتيح الفرصة لقوى الظلام بالاستقواء والاستفحال. ونكتشف أن أبو الهدى، أحد الرواة الثقة، هو الذي استخدم مصطلح «الخلو» ليشير به إلى هذه الحالة: «ذلك الفراغ اللامتناهي، المندلق في جميع الاتجاهات، الذي اختفت به المدن... الفراغ الذي سماه أبو الهدى بالخلو، ذلك الخلو يخبرنا عنه حاتم... مدينتنا خالية خالية، من الجسر إلى الجسر... أين ذهب الناس؟ حاتم لا يدري» (61).
لكن الرواية لا تستسلم لما هو قائم، بل ربما تفعل على ضوء مقولة لوسيان غولدمان، بعدم الاكتفاء بتوصيف «الوعي القائم» الذي قد يكون ساكناً بل بالبحث عن «الوعي الممكن»، بما فيه الوعي الثوري لمواجهة الاستبداد والظلم. ولذا تنحاز الرواية إلى نضال شبان الانتفاضة، وتؤكد قدرتهم على المواجهة والانتصار، وهو موقف يحسب لصالح الرواية وتوجهاتها الفكرية.
رواية «خلو» هذه تعتمد إلى حد كبير على الاستراتيجية السردية التي اعتمدها المؤلف في روايته السابقة «عن لا شيء يحكي»: ثمة بطل مركزي هو الذي يقدم السرد مثلما وجدنا في روايته السابقة وراويها الأعمى، وهو في الغالب سارد لا يمكن الاعتماد عليه أو يكون البطل جندياً يتخيل أشياء غير واقعية، ربما هذيانية، كما يعترف بطل الرواية ذاته حاتم الديو في أكثر من موقع (ص 294)، مما يجعل سرده تحت باب السرد الغرائبي، خصوصاً عندما يتحول البطل (حاتم الديو) إلى أسطورة تتحدى الموت، وتبث الأمل والشجاعة والإرادة الثورية بين صفوف شبان الهيجان الشعبي. فرغم الإعلان عن مقتل العم حاتم، الذي نقله «نوفل» ابن الرابعة وشقيق الراوي المركزي إلا أننا نجده يعود إلى الحياة، ربما لأن أحداً لم يشهد جنازته.
وتتكشف شخصية حاتم الديو الأسطورية في أكثر من مظهر، فهو يمتلك القدرة على قراءة المستقبل (البعيد) والنظر إلى مواقع ومواضع بعيدة عنه، ومنها قدرته على التخاطر التلباتي مع صديقه الجندي/ العدو، كما يسميه، الذي تعرف عليه «هناك في الأعلى التقيا... وفي نقطة يقدرها هو فوق الأرض الحرام التقيا، ولا نملك سبباً لتكذيبه» (ص 9)، واتفقا من خلال التخاطر عن بعد على الهرب من ساحة المعركة، احتجاجاً على الحرب، وتطلعاً لإقامة السلام والمودة بين الناس. وقد عبر عن ذلك صديقه الجندي المعادي بلغة عامية «جيش أنا، وجيش أنت مرة اثنين هرب» (ص 13)، ويقوده صديقه الجندي المعادي إلى قمة جبل عالية شبيهة بالجنة الأرضية بخضرتها وموسيقاها وجمال نسائها: «أكو جنة أحلى من هذي الجنة؟» (ص 18). ويؤكد حاتم الديو، وهو يروي حكايته، أنه كان يقف مع صديقه في «بطون السديم الرخو» بين النجوم (ص 18)، حيث يخلق الروائي عالماً يوتوبياً بديلاً عن عالم الدستوبيا الأسود الذي تمثله ساحة الحرب والعراك. لقد عمد الروائي لخلق مجموعة من البؤر المكانية، الأليفة والمعادية بتعبير باشلار، التي هيمنت على الفضاء الروائي منها ساحة المعركة والعراك، وبشكل خاص في خط المواجهة بين الجيشين، حيث يجند حاتم الديو بصفة مدفعي، وصديقه الجندي في الجبهة المعادية، الذي يعمل مدفعياً أيضاً، حيث يتحركان أحياناً وكأنهما نسخة واحدة من خلال عملية التماهي والتخاطر بين الشخصيتين. أما البؤرة الثانية التي أصبحت لاحقاً هي البؤرة المكانية المهيمنة فهي ساحة الانتفاضة والهيجان، والتي هي صورة لانتفاضة تشرين، وتتكشف في هذه البنية المكانية الخصال الثورية للشبان العراقيين الذين وقفوا ضد العنف والقتل والاختطاف والاستقواء بالخارج، كما تومئ إلى أن انتصار هيجان الشبان مرهون بنجاحهم في زج الناس في هذه المعركة العادلة، وإقناعهم بالخروج من دائرة الانتماء إلى «الخلو»، ودفعهم للانتماء إلى التغيير والرفض.
ومن البؤر المكانية، تلك البقعة الخيالية الافتراضية التي خلقها الروائي «بين السديم المترجرج»، حيث الجبال الشاهقة التي تعانق السحب، وحيث الجمال والنساء «نسوان هلوين»، وحيث تدار لهما جرار صغيرة من الشراب تستخرج من باطن الأشجار. ويتحول هذا المكان إلى بديل كرنفالي متألق في مواجهة واقع الحرب الأسود والمليء بالمآسي والدماء: «الجنة هنا بهذي المدينة، هنا، وليس فوق فوق» (17).
وتظل المحلة التي يقطنها بطل الرواية حاتم الديو مع زوجته (شمم) وأبنائه الثلاثة، كما يقطنها الراوي المركزي بمثابة المكان الأليف، مكان الطفولة الواقعي، الذي تنطلق منها لاحقاً كل الأحداث الواقعية والمتخيلة على السواء. وعمد المؤلف في هذه الرواية إلى خلق فسيفساء سردية، وظف فيها العديد من التقنيات والأساليب الواقعية والغرائبية والفنطازية والتغريبية (بمفهوم بريخت)، فضلاً عن توظيف الواقعية السحرية ورواية الخيال العلمي والنزعة الاحتفالية والكرنفالية بمفهوم ميخائيل باختين، فضلاً عن النزعة الميتاسردية، كما نجد لوناً من الأسلبة اللغوية بالمنظور الباختيني، حيث تتداخل الأصوات الغيرية في الخطاب عبر مظاهر التهجين التي يجري فيها تحوير اللغة وتكييفها لمتطلبات المقام والموقف. إذْ يلجأ الروائي إلى إعادة أسلبة وتهجين لغة البطل حاتم الديو، ونشمية أم الخبز بطريقة مغايرة للأصل. فقد اعتادت نشمية أم الخبز التي كانت تخبز الخبز الحار للشبان المنتفضين في ساحة الاعتصام، أن تقدم شهادتها شفوياً، فيقوم الروائي بأسلبة لغتها وتهجينها: «نشمية لا تجيد الكتابة والقراءة بطلاقة. تقرأ وتكتب ولكن ليس بدرجة تجعلني أستكتبها، كما استكتبت أبو الهدى، لذا تعتذر عن عجزها في التعبير فتقول: يمة يا المعلم آني أعرف شويه نحوي... يصير أحكي بالنحوي... وأنا أكتم ابتسامة قلت لها: قصدك تتكلمين بالفصحى» (ص 84).
كما يمكن ملاحظة ظاهرة التهجين اللغوي والأسلوبي في الرواية من خلال «مزج لغتين اجتماعيتين داخل ملفوظ واحد، وهو أيضاً التقاء وعيين لسانيين مفصولين وبفارق اجتماعي، داخل ذلك الملفوظ، كما يرى ميخائيل باختين.
ولذا يتداخل أكثر من وعي لساني داخل ملفوظ واحد مما يعزز مظاهر التهجين والأسلبة في الرواية. إذْ يشير الراوي إلى أن حاتم الديو غير قادر على صياغة أدبية لأفكاره، ولذا يتدخل بصياغة مروياته «ولا نتوهم، فنتصور أن هذه تعابير حاتم الديو... لا... لا... هذه، وأذكرها ثانية وثالثة ورابعة، ما هي إلا فحوى كلامه فحسب» (ص 16).
يمكن القول إن رواية «خلو» هذه بمثابة موسوعة شاملة عن انتفاضة تشرين وبطولات شبانها وتجسيد حي لمجتمع الانتفاضة اليومي، ولأشكال المقاومة والنضال التي كان يبديها المنتفضون. لكن ما يصدم القارئ وهو ينتهي من قراءة الصفحة الأخيرة من الرواية أنها تبدو مقطوعة وناقصة، إذ يتوقف السرد في ذروة الصراع والاشتباك دونما حسم محدد، أو إشارة إلى مسار هذا الحسم. وهذا الأمر يجعل من الرواية عرضة لتأويلات وقراءات مختلفة بوصفها رواية مفتوحة. كما تظل بعض مواضع الغموض التي لم يتم جلاؤها مثل سر زيارة حاتم الديو إلى مدينته، ومعرفة من المسؤول عن قتل الفتاتين، وما هو السبب الحقيقي للحكم على حاتم وقتله لاحقاً. كما لم أقتنع بالموقف الذي طرحته الرواية من قضية المسفرين بالقوة من قبل السلطة الديكتاتورية آنذاك بحجة «التبعية» لدولة مجاورة، والخشية من تعاطفهم مع جيش العدو (ص 113).
رواية «خلو» عمل سردي بانارومي، يتشكل من فسيفساء سردية متنوعة، جعلت منها متحفاً مهماً للذاكرة الجمعية الشعبية، وللوطنية العراقية في مواجهة قوى التدخل الأجنبي، ودفاعاً عن قيم الحق والخير والجمال.



الأعمال الشعرية الكاملة للشاعر العراقي الراحل كمال سبتي

الأعمال الشعرية الكاملة للشاعر العراقي الراحل كمال سبتي
TT

الأعمال الشعرية الكاملة للشاعر العراقي الراحل كمال سبتي

الأعمال الشعرية الكاملة للشاعر العراقي الراحل كمال سبتي

تصدر قريباً الأعمال الشعرية الكاملة للشاعر العراقي كمال سبتي (1955 - 2006)، أحد أهم شعراء ما عُرف بجيل السبعينات في العراق. متضمنة ثمانية دواوين، مستهلةً بديوان «وردة البحر ـ 1980»، ومختتمةً بـ«صبراً قالت الطبائع الأربع ـ 2006». هنا نص مقدمة هذه الأعمال التي ستصدر عن «دار جبرا للنشر والتوزيع ـ الأردن»، وبالتعاون مع «دار النخبة للتأليف والترجمة والنشر - لبنان».

وقد كتب مقدمة المجموعة الكاملة الشاعر العراقي باسم المرعبي، التي جاءت بعنوان «كمال سبتي... المرافعة عن الشعر» ويقول فيها:

«يحتاج شعر كمال سبتي، بالمجمل، إلى جَلَد عند قراءته، فهو على نقيض الكثير مما هو شائع من تقنيات شعرية تعتمد البساطة والعفوية والمباشرة، مع عدم تسفيه هذه النزعات الأسلوبية، طالما أن الشعر كقيمة وجوهر يبقى مُصاناً، غير منتهَك به. على أنّ إشاحة الشاعر عن مثل هذا الاتجاه ومخالفته، لم يجعل شعره غامضاً أو عصيّاً.

شعر مثقل بالمعنى ومزدحم به، لأنه ذو مهمة توصيلية، وهو يتطلب إصغاءً وإعمال فكر. والقصيدة لدى كمال معمار ذهني - فكري ونفسي، في الآن ذاته، يستمدّ فيها الشاعر مادته من مغاور النفس والسيرة الشخصية، فضلاً عن استثمار راهن التجربة الحياتية، مشظّياً كلّ ذلك في النص، صراحةً أو رمزاً. دون أن يستثني مادة الحلم من استثماره الفني والموضوعي، وهو ما يُتبيَّن أثره في نصوصه، لا سيّما النصوص النثرية الطويلة، المتأخرة، ليتصادى ذلك مع قراءات الشاعر في الرواية أو اعتماده السينما مصدراً مفعّلاً في كتابته الشعرية. وعن هذه الأخيرة قد أشار إلى ذلك الشاعر نفسه في واحد من الحوارات التي أُجريت معه، ليرقى كلّ ذلك إلى أن يكون جزءاً عضوياً من تجربته الحياتية، الذهنية هذه المرة، مُسقَطة بالمحصلة على القصيدة، لتنعكس خلالها حركةً وتوتراً درامياً. وهو ما ينسحب بالقدر ذاته على نزوع الشاعر في سنواته الأخيرة إلى قراءات في التصوف والقرآن والتراث، ما نجمَ أثره بشكل جلي، في مجموعته الأخيرة «صبراً قالت الطبائع الأربع»، وإلى حد ما في المجموعة السابقة لها. وهو فارق يلمسه القارئ، إجمالاً، بين المنحى الذي اتخذه شعر كمال سبتي في السبعينات أو الثمانينات وما صار إليه في التسعينات وما بعدها. وعلى الرغم مما ذهب إليه الشاعر من مدى أقصى في التجريب الكتابي مسنوداً برؤية يميزها قلق إبداعي، شأن كلّ شاعر مجدّد، إلا أنه وبدافع من القلق ذاته عاد إلى القصيدة الموزونة، كما تجسد في كتابيه الأخيرين. وكان لقراءاته المذكورة آنفاً، دورها في بسط المناخ الملائم لانتعاش هذه القصيدة، ثانيةً، وقد بدت محافظة في شكلها، لكن بالاحتفاظ بقدر عال ورفيع من الشعرية المتينة، المعهودة في شعر كمال سبتي، وبدافع من روح المعنى الذي بقي مهيمناً حتى السطر الأخير، لأن الشعر لديه مأخوذ بجدية حدّ القداسة، وهو قضية في ذاتها، قضية رافع عنها الشاعر طوال حياته بدم القلب.

تصدر هذه الأعمال في غياب شاعرها، وهو ما يجعل من حدث كهذا مثلوماً، إذ عُرف عن كمال اهتمامه المفرط بنتاجه وتدقيقه ومتابعته، واحتفائه به قبل النشر وبعده، لأن الشعر كان كل حياته، هذه الحياة التي عاشها شعراً. فكم كان مبهجاً، لو أن مجموع أعماله هذا قد صدر تحت ناظريه.

ولأهمية هذه الأعمال وضروة أن لا تبقى رهينة التفرّق والغياب، أي في طبعاتها الأولى المتباعدة، غير المتاحة للتداول إلّا فيما ندر، ولأهمية أن تأخذ مكانها في مكتبة الشعر، عراقياً وعربياً، كانت هذه الخطوة في جمعها ومراجعتها وتقديمها للنشر. وقد كان لوفاء الصديق، الفنان المسرحي رياض سبتي، لشقيقه وتراثه الشعري، دوره الحاسم في حفظ مجموعات الشاعر، ومن ثمّ إتاحتها لكاتب سطور هذه المقدمة، حين تم طرح فكرة طباعتها ونشرها، إسهاماً في صون هذا الشعر وجعله قابلاً للانتشار من جديد، بما يجدر به».

من المجموعة الكاملة:

«الشاعر في التاريخ»

الرجل الجالسُ في المكتبة

مورّخٌ يكتبُ عن شاعرٍ

الرجل الهاربُ في سيرةٍ

مشرّدٌ في الليل كالليلِ

رغيفهُ باردْ

رغيفهُ واحدْ

عنوانه مصطبة

محطّةٌ مغلقةُ البابِ

الرجلُ الخائفُ في سيرةٍ

يغيّر الشكلَ تباعاً، فمرّةً

بلحية كثةٍ

ومرّةً بشاربٍ، ثمّ مرّةْ

بنصفِ قلبٍ حائرٍ في الطريقْ

يسيرُ فوقَ جمرةٍ، ثمّ جمرةْ

تلقيه فوقَ جمرةٍ، في الطريقْ.