الوسائل «الإلكترونية» تهيمن على حملات الانتخابات العراقية

غياب صور المرشحين واعلاناتهم في الناصرية

صورة كبيرة لمرشح تطل على شارع في الموصل (أ.ف.ب)
صورة كبيرة لمرشح تطل على شارع في الموصل (أ.ف.ب)
TT

الوسائل «الإلكترونية» تهيمن على حملات الانتخابات العراقية

صورة كبيرة لمرشح تطل على شارع في الموصل (أ.ف.ب)
صورة كبيرة لمرشح تطل على شارع في الموصل (أ.ف.ب)

تبدو الفوارق غير قليلة وربما كبيرة، بين الحملات الدعائية الانتخابية للقوى السياسية المتنافسة في الدورة الأولى للبرلمان العراقي (2006 - 2010) وبين مثيلاتها في الدورة الحالية التي لا يفصلها عن المرشحين والناخبين سوى 28 يوما.
ومن الواضح فإن مرور أكثر من عقد من الزمان على أول تجربة انتخابية أجريت في العراق بعد إطاحة نظام الرئيس الراحل صدام حسين عام 2003 والتحولات العميقة التي حدثت خلال هذه الفترة من الزمن، بالنسبة لوعي الناس الانتخابي وللتطورات الكبيرة في مجال التكنولوجيا الرقمية إلى جانب التغير في طبيعة النظام الانتخابي عوامل ساهمت بشكل حاسم في الفوارق الشاخصة اليوم بالنسبة للحملات الترويجية للأحزاب والكتل والمرشحين عنها.
فعلى مستوى انتشار الملصقات وصور المرشحين المقترنة بائتلافاتهم وأحزابهم وزعمائها، يلاحظ معظم العراقيين أنها تراجعت في شوارعهم وأحيائهم بنسبة كبيرة جدا، بعدما كانت تلك الشوارع والأحياء تكتظ وتختنق بها خلال الشهر المخصص للحملات. وصحيح أن ذروة الحملات وصور المرشحين يمكن أن تتزايد مع اقتراب موعد الاقتراع في 10 أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، إلا أن النظام الانتخابي (نظام الدوائر المتعددة) الذي أقره البرلمان ساهم في انحسار ظاهرة الصور والإعلانات الانتخابية، فالمرشح يركز في حملته على الدائرة التي يرشح فيها ولا يهتم لبقية المناطق في المحافظة، خلافا لما كان يحدث سابقا، حيث كان المرشحون يحاولون تغطية أكبر رقعة جغرافية في المحافظة على أمل الحصول على أصوات الناخبين المسموح لهم بالتصويت لأي مرشح واستنادا إلى القانون الانتخابي السابق الذي يعدها دائرة انتخابية واحدة.
وإلى جانب ذلك، يرى أغلب المتابعين وحتى المرشحين أن التطورات التكنولوجية في مجال مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة أحدثت طفرة كبيرة بالنسبة لقدرة المرشح على الوصول إلى أكبر عدد من الناخبين، خلافا للطرق التقليدية التي كانت تتطلب تحرك المرشح للوصول إلى ناخبيه في المناطق والأحياء الشعبية إلى جانب إقامته لولائم الغذاء والدعوات الخاصة التي يقوم بها، ورغم أن تلك الطريق ما زالت معتمدة وإن بدرجة أقل، لكن «التعامل الإلكتروني» صار هو الطريقة الأكثر تداولا في الحملات الانتخابية، استنادا إلى ما يقوله النائب والمرشح في بغداد جاسم البخاتي.
ويضيف البخاتي في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن «التعامل بالوسائل الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي (إعلان ممول في فيسبوك، أو إنشاء مجاميع في الواتساب) صار هو الأساس تقريبا في الحملات الانتخابية، فهي أسهل وربما أقل تكلفة وأفضل من توزيع الصور والملصقات الكبيرة على الشوارع التي غالبا ما تكون عرضة للتمزيق من اتباع المرشحين المنافسين». ويعتقد البخاتي أن «العمل الجيد والسرية الحسنة أفضل ما يمكن أن يتسلح به المرشح، والحملات الدعائية عوامل مساعدة وليست أساس الفوز وكسب صوت الناخب».
وعن أهم مشاكل نظام الدوائر المتعددة، يرى البخاتي أنها «ربما ساهمت في تكريس وتجذير المناطقية والعشائرية بشكل أكبر من قوانين الانتخابات السابقة، لأن الناخب لا يمكن الترشيح إلا ضمن دائرة ضيقة جدا لا يوجد فيها سوى أنباء منطقته أو عشيرته».
وهناك مشكلة الأموال الفاسدة، والكلام للبخاتي، التي «يستطيع الفاسدون من خلالها شراء الذمم وأصوات بعض الناخبين، سمعت عن عمليات شراء واسعة لبطاقات انتخابية، لكني لست متأكدا من ذلك». ويتردد محليا عن قيام بعض المرشحين بـ«شراء البطاقة الانتخابية» عبر إعطاء بعض الناخبين مبالغ تتراوح بين 200 - 500 دولار لضمان أصواتهم. غير أن ذلك لم تؤكده مفوضية الانتخابات أو أي جهة رسمية.
ويفرض قانون الانتخابات عقوبة بالسجن لا تقل عن 6 أشهر وغرامة لا تزيد على المليون دينار على الناخبين الذين يصوتون خلافا للقانون.
من ناحية أخرى، تشير الأنباء الواردة من مدينة الناصرية، مركز محافظة ذي قار الجنوبية، إلى خلو معظم شوارعها من صور وملصقات الحملات الدعائية، ويؤكد المحامي أحمد ساجت شريف ذلك، ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «لم أشاهد حتى الآن أي صورة أو جدارية أو ملصق لمرشح في المدينة». ويضيف «استغربت يوم أمس، حين شاهدت بعض الصور والملصقات في المحافظات المجاورة بعد رحلة قمت بها إلى محافظة كربلاء، لأني تذكرت أن مدينتي خالية منها».
ويعتقد شريف أن «معظم المرشحين يخشون من تمزيق وإتلاف صورهم في المدينة التي اعتبرت واحدة من أشهر معاقل الحراك الاحتجاجي في العامين الأخيرين». ويتابع: «لكن ذلك لا يعني عدم وجود حملات انتخابية، ذلك أن معظم المرشحين يعتمدون على الوسائل الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي في الترويج لحملاتهم».
وكان المحتجون في الناصرية وعموم محافظة ذي قار عمدوا إلى حرق وتجريف معظم المقار والمكاتب الحزبية هناك خلال ذروة الأعمال الاحتجاجية في عامي 2019 - 2020.



الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)

ضمن مخاوف الجماعة الحوثية من ارتدادات تطورات الأوضاع في سوريا على قوتها وتراجع نفوذ محور إيران في منطقة الشرق الأوسط؛ صعّدت الجماعة من ممارساتها بغرض تطييف المجتمع واستقطاب أتباع جدد ومنع اليمنيين من الاحتفال بسقوط نظام بشار الأسد.

واستهدفت الجماعة، حديثاً، موظفي مؤسسات عمومية وأخرى خاصة وأولياء أمور الطلاب بالأنشطة والفعاليات ضمن حملات التعبئة التي تنفذها لاستقطاب أتباع جدد، واختبار ولاء منتسبي مختلف القطاعات الخاضعة لها، كما أجبرت أعياناً قبليين على الالتزام برفد جبهاتها بالمقاتلين، ولجأت إلى تصعيد عسكري في محافظة تعز.

وكانت قوات الحكومة اليمنية أكدت، الخميس، إحباطها ثلاث محاولات تسلل لمقاتلي الجماعة الحوثية في جبهات محافظة تعز (جنوب غربي)، قتل خلالها اثنان من مسلحي الجماعة، وتزامنت مع قصف مواقع للجيش ومناطق سكنية بالطيران المسير، ورد الجيش على تلك الهجمات باستهداف مواقع مدفعية الجماعة في مختلف الجبهات، وفق ما نقله الإعلام الرسمي.

الجيش اليمني في تعز يتصدى لأعمال تصعيد حوثية متكررة خلال الأسابيع الماضية (الجيش اليمني)

وخلال الأيام الماضية اختطفت الجماعة الحوثية في عدد من المحافظات الخاضعة لسيطرتها ناشطين وشباناً على خلفية احتفالهم بسقوط نظام الأسد في سوريا، وبلغ عدد المختطفين في صنعاء 17 شخصاً، قالت شبكة حقوقية يمنية إنهم اقتيدوا إلى سجون سرية، في حين تم اختطاف آخرين في محافظتي إب وتعز للأسباب نفسها.

وأدانت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات حملة الاختطافات التي رصدتها في العاصمة المختطفة صنعاء، مشيرة إلى أنها تعكس قلق الجماعة الحوثية من انعكاسات الوضع في سوريا على سيطرتها في صنعاء، وخوفها من اندلاع انتفاضة شعبية مماثلة تنهي وجودها، ما اضطرها إلى تكثيف انتشار عناصرها الأمنية والعسكرية في شوارع وأحياء المدينة خلال الأيام الماضية.

وطالبت الشبكة في بيان لها المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية بإدانة هذه الممارسات بشكل واضح، بوصفها خطوة أساسية نحو محاسبة مرتكبيها، والضغط على الجماعة الحوثية للإفراج عن جميع المختطفين والمخفيين قسراً في معتقلاتها، والتحرك الفوري لتصنيفها منظمة إرهابية بسبب تهديدها للأمن والسلم الإقليميين والدوليين.

تطييف القطاع الطبي

في محافظة تعز، كشفت مصادر محلية لـ«الشرق الأوسط» عن أن الجماعة الحوثية اختطفت عدداً من الشبان في منطقة الحوبان على خلفية إبداء آرائهم بسقوط نظام الأسد، ولم يعرف عدد من جرى اختطافهم.

تكدس في نقطة تفتيش حوثية في تعز حيث اختطفت الجماعة ناشطين بتهمة الاحتفال بسقوط الأسد (إكس)

وأوقفت الجماعة، بحسب المصادر، عدداً كبيراً من الشبان والناشطين القادمين من مناطق سيطرة الحكومة اليمنية، وأخضعتهم للاستجواب وتفتيش متعلقاتهم الشخصية وجوالاتهم بحثاً عمّا يدل على احتفالهم بتطورات الأحداث في سوريا، أو ربط ما يجري هناك بالوضع في اليمن.

وشهدت محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) اختطاف عدد من السكان للأسباب نفسها في عدد من المديريات، مترافقاً مع إجراءات أمنية مشددة في مركز المحافظة ومدنها الأخرى، وتكثيف أعمال التحري في الطرقات ونقاط التفتيش.

إلى ذلك، أجبرت الجماعة عاملين في القطاع الطبي، بشقيه العام والخاص، على حضور فعاليات تعبوية تتضمن محاضرات واستماع لخطابات زعيمها عبد الملك الحوثي، وشروحات لملازم المؤسس حسين الحوثي، وأتبعت ذلك بإجبارهم على المشاركة في تدريبات عسكرية على استخدام مختلف الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والقنابل اليدوية وزراعة الألغام والتعامل مع المتفجرات.

وذكرت مصادر طبية في صنعاء أن هذه الإجراءات استهدفت العاملين في المستشفيات الخاصعة لسيطرة الجماعة بشكل مباشر، سواء العمومية منها، أو المستشفيات الخاصة التي استولت عليها الجماعة بواسطة ما يعرف بالحارس القضائي المكلف بالاستحواذ على أموال وممتلكات معارضيها ومناهضي نفوذها من الأحزاب والأفراد.

زيارات إجبارية للموظفين العموميين إلى معارض صور قتلى الجماعة الحوثية ومقابرهم (إعلام حوثي)

وتتزامن هذه الأنشطة مع أنشطة أخرى شبيهة تستهدف منتسبي الجامعات الخاصة من المدرسين والأكاديميين والموظفين، يضاف إليها إجبارهم على زيارة مقابر قتلى الجماعة في الحرب، وأضرحة عدد من قادتها، بما فيها ضريح حسين الحوثي في محافظة صعدة (233 كيلومتراً شمال صنعاء)، وفق ما كانت أوردته «الشرق الأوسط» في وقت سابق.

وكانت الجماعة أخضعت أكثر من 250 من العاملين في الهيئة العليا للأدوية خلال سبتمبر (أيلول) الماضي، وأخضعت قبلهم مدرسي وأكاديميي جامعة صنعاء (أغلبهم تجاوزوا الستين من العمر) في مايو (أيار) الماضي، لتدريبات عسكرية مكثفة، ضمن ما تعلن الجماعة أنه استعداد لمواجهة الغرب وإسرائيل.

استهداف أولياء الأمور

في ضوء المخاوف الحوثية، ألزمت الجماعة المدعومة من إيران أعياناً قبليين في محافظة الضالع (243 كيلومتراً جنوب صنعاء) بتوقيع اتفاقية لجمع الأموال وحشد المقاتلين إلى الجبهات.

موظفون في القطاع الطبي يخضعون لدورات قتالية إجبارية في صنعاء (إعلام حوثي)

وبينما أعلنت الجماعة ما وصفته بالنفير العام في المناطق الخاضعة لسيطرتها من المحافظة، برعاية أسماء «السلطة المحلية» و«جهاز التعبئة العامة» و«مكتب هيئة شؤون القبائل» التابعة لها، أبدت أوساط اجتماعية استياءها من إجبار الأعيان والمشايخ في تلك المناطق على التوقيع على وثيقة لإلزام السكان بدفع إتاوات مالية لصالح المجهود الحربي وتجنيد أبنائهم للقتال خلال الأشهر المقبلة.

في السياق نفسه، أقدمت الجماعة الانقلابية على خصم 10 درجات من طلاب المرحلة الأساسية في عدد من مدارس صنعاء، بحة عدم حضور أولياء الأمور محاضرات زعيمها المسجلة داخل المدارس.

ونقلت المصادر عن عدد من الطلاب وأولياء أمورهم أن المشرفين الحوثيين على تلك المدارس هددوا الطلاب بعواقب مضاعفة في حال استمرار تغيب آبائهم عن حضور تلك المحاضرات، ومن ذلك طردهم من المدارس أو إسقاطهم في عدد من المواد الدراسية.

وأوضح مصدر تربوي في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن تعميماً صدر من قيادات عليا في الجماعة إلى القادة الحوثيين المشرفين على قطاع التربية والتعليم باتباع جميع الوسائل للتعبئة العامة في أوساط أولياء الأمور.

مقاتلون حوثيون جدد جرى تدريبهم وإعدادهم أخيراً بمزاعم مناصرة قطاع غزة (إعلام حوثي)

ونبه المصدر إلى أن طلب أولياء الأمور للحضور إلى المدارس بشكل أسبوعي للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة هو أول إجراء لتنفيذ هذه التعبئة، متوقعاً إجراءات أخرى قد تصل إلى إلزامهم بحضور فعاليات تعبوية أخرى تستمر لأيام، وزيارة المقابر والأضرحة والمشاركة في تدريبات قتالية.

وبحسب المصدر؛ فإن الجماعة لا تقبل أي أعذار لتغيب أولياء الأمور، كالسفر أو الانشغال بالعمل، بل إنها تأمر كل طالب يتحجج بعدم قدرة والده على حضور المحاضرات بإقناع أي فرد آخر في العائلة بالحضور نيابة عن ولي الأمر المتغيب.