العلاقة بين أوباما والصحافيين.. الأبعد منذ نصف قرن

وصف تقرير صدر مؤخرا العلاقة بين الرئيس باراك أوباما وصحافيي البيت الأبيض الذين يغطونه بأنها «الأبعد منذ نصف قرن»، بالمقارنة مع الرؤساء الذين سبقوا أوباما. وعزا التقرير ذلك إلى أسباب كثيرة، منها:
أولا: طبيعة أوباما بأنه جاد، وغير اجتماعي، و«أوباما نو دراما» (أوباما غير المثير).
ثانيا: شكوكه، مثل بقية السياسيين، في النوايا الحقيقية للصحافيين (يريدون إيقاعه في شرك).
ثالثا: في عصر الإنترنت، ومواقع الاتصالات الاجتماعية، صار أوباما يتصل مباشرة مع الشعب الأميركي (عن طريق «فيسبوك» و«تويتر»).
رابعا: في عصر الإنترنت، والصفحات، والمواقع الخاصة لمراسلي البيت الأبيض، صاروا يريدون تلميع أنفسهم مثل تلميع أخبارهم.
وأصدرت التقرير مؤسسة «هيلين توماس الصحافية». هذه هي الصحافية الأميركية العربية التي توفيت قبل 3 أعوام، بعد أن غطت البيت الأبيض لنصف قرن (منذ الرئيس جون كنيدي في بداية ستينات القرن الماضي). وعرفت بجرأتها في نوع الأسئلة التي تسألها، وبشجاعتها في أسئلتها عن ظلم إسرائيل للفلسطينيين والعرب. وعلقت على التقرير، في دورية «كولمبيا جورناليز ريفيو» (التي تصدرها كلية الصحافية في جامعة كولمبيا، في نيويورك) سوزان ميليغان، التي غطت البيت الأبيض لصحيفة «نيويورك ديلي نيوز» و«بوسطن غلوب»، لأكثر من عشرين عاما.
لماذا علاقة أوباما مع الصحافيين هي «الأبعد خلال نصف قرن»؟
قالت مارثا كومار، أستاذة الصحافة في جامعة توسون (ولاية ماريلاند) إن الرئيس جون كنيدي عقد متوسط 20 مؤتمرا صحافيا كل عام. وأشارت إلى علاقة مستمرة بين كنيدي (وزوجته جاكلين) وبنجامين برادلي، الذي كان مدير مكتب مجلة «نيوزويك» في واشنطن. (في وقت لاحق، انتقل إلى صحيفة «واشنطن بوست»، وتدرج فيها حتى وصل إلى رئاسة التحرير. واشتهر بدوره في كشف فضيحة «ووترغيت» التي أسقطت الرئيس ريتشارد نيكسون).
بعد كنيدي، انفتح رئيسان، على الأقل، على الصحافيين:
الرئيس جيمي كارتر: كان، مع مستشارين وموظفين في البيت الأبيض، يلعب كرة «سوفتبول»، في ميدان البيت الأبيض الجنوبي، مع فريق الصحافيين الذين يغطون البيت الأبيض.
الرئيس بيل كلينتون: حضر حفلات عشاء في منازل صحافيين كانوا يغطون البيت الأبيض. منهم مراسل صحيفة «نيوزداي» ويليام دوغلاس (الأسود).
لكن، خلال العام الماضي، عقد أوباما 4 مؤتمرات صحافية فقط. وكما قال التقرير: «يمثل هذا العلاقة الجافة والقليلة بين صانع القرار الأول في العالم، والذين ينقلون ما يقول وما يفعل». وأضاف التقرير: «يبدو أن أوباما يتعمد الإجابات الطويلة. ربما لأنه يعرف ما يقول. وربما لأنه يريد أن يبرهن على أنه أكثر معرفة لما يقول من رؤساء قبله (الرئيس الذي قبله، جورج دبليو بوش، مثلا). لكن، ربما حتى لا يسأله الصحافيون أسئلة كثيرة.
في كل الحالات، قلل أوباما المؤتمرات الصحافية، وفضل العشاء في البيت الأبيض مع زوجته وابنتيهما، وعدد قليل من الأصدقاء (أغلبهم سود، مثل وزير العدل إريك هولدر). ولم يتودد كثيرا للصحافيين الذين يغطون البيت الأبيض. ولم يتودد، ربما قط، لأعضاء الكونغرس، خاصة الجمهوريين.
في الجانب الآخر، كما قال التقرير، «برهن الصحافيون الذين يغطون البيت الأبيض على أنهم يريدون أن يكونوا رهائن». ليس فقط لأوباما، ولكن، أيضا، للإنترنت. وذلك على النحو الآتي:
أولا: يبحثون عن أجوبة تزيد الإقبال على مواقع في «فيسبوك» أو مواقع في «تويتر» تابعة للصحف أو قنوات التلفزيون، أو تابعة للصحافيين أنفسهم.
ثانيا: يتحاشون الأسئلة عن سياسات ومواضيع وفلسفات عن الأخبار اليومية. يتحاشون «الصورة الكبيرة»، ويريدون التركيز على 140 كلمة (الحد الأعلى للرسالة في موقع «تويتر»).
ثالثا: في كثير من الأحيان، يسألون، واحدا بعد الآخر، نفس السؤال.
رابعا: لا يركزون على الحصول على معلومات، ولكن الحصول على رد فعل (مختصر، لتسهل عليهم كتابته، أو إذاعته).
انفتح أوباما، أو لم ينفتح، ظل هناك، دائما، توتر معين بين البيت الأبيض والسلك الصحافي الذي يغطي البيت الأبيض. وكما قال التقرير: «هذا شيء طبيعي وصحي».
لكن، تغيرت هذه الديناميكية مع أوباما لسببين:
أولا: طبيعته «الباردة».
ثانيا: التطور الكبير في التكنولوجيا.
لهذا، صار أوباما «غير الاجتماعي» يعتمد على وسائل الإعلام «الاجتماعية» (ربما لأنها «اجتماعيات من دون مقابلات»).
في الماضي، كان الرؤساء يعقدون لقاءات «اجتماعية» في مبنى البلدية، أو المكتبة العامة، أو محطة السكة الحديد. لكن، في الوقت الحاضر، توجد مواقع الإنترنت «الاجتماعية». وجاء ذلك لحسن حظ أوباما.
صار أول رئيس يعقد مؤتمرات صحافية في الإنترنت (من غير أن يقابل الصحافيين). وأول رئيس يوزع الأخبار مباشرة إلى الشعب الأميركي (عن طريق موقع البيت الأبيض). وأول رئيس يقدم «نشرة أخبار»: فيديو قصير كل يوم عما فعل في ذلك اليوم. وفيديو طويل كل أسبوع عما فعل خلال الأسبوع.
يسمى هذا «ويست وينغ ويك» (أسبوع الجناح الغربي، جناح الرئيس. الشرقي هو جناح السيدة الأولى). ولم يغب عن الناس وجود تشابه بين اسم البرنامج، ومسلسل تلفزيوني؛ «ويست وينغ» (الجناح الغربي). لكن، طبعا، واحد حقيقي، وواحد افتراضي.
عن هذا، قال دانا ميلبانك، صحافي «واشنطن بوست» الذي غطى البيت الأبيض خلال سنوات الرئيس جورج دبليو بوش: «يحاولون نشر أخبارهم بأنفسهم. ويحسون، خطأ أو صوابا، أنهم لا يحتاجون إلى الاعتماد على السلك الصحافي للبيت الأبيض».
وقال التقرير: «توجد هنا مفارقة مثيرة للقلق، وهي أن صحافيي البيت الأبيض يعملون في الجو الأكثر حرية للصحافة في العالم. ويعملون في عصر المعلومات الذي جعل كل شيء سهلا. ويعملون في دولة تشتهر وسائل الإعلام فيه بالشجاعة، والجرأة، بل العدوانية». وأضاف التقرير: «المفارقة المثيرة للقلق هي أن هذه العوامل ضرورية للديمقراطية».
وقال بيتر بيكر، مراسل صحيفة «نيويورك تايمز» الذي يغطى البيت الأبيض في الوقت الحاضر: «نلاحظ أن الصحافيين الذين يغطون الرئيس هم الذين يعرفونه أقل من غيرهم». وأضاف: «يسألني الناس في كل وقت: كيف هو أوباما؟ يسألونني وكأنني أعرف الإجابة. رغم أني غطيت أوباما كل سنواته في البيت الأبيض، حتى الآن، لا أعرف ما الذي يدفعه في أعماقه».
وقال كينيت والش، صحافي في مجلة «يو إس نيوز»، وظل يغطي البيت الأبيض منذ عام 1988: «فقدنا شيئا مهما حقا. فقدنا فهم رئيس البلاد الذين نحن أقرب الناس إليه بحكم وظيفتنا. وفقدنا ثقة كل جانب في الآخر بما فيه الكفاية حتى يفهم الصحافيون ما يجري. لهذا، أعتقد أن الوطن يفقد كثيرا بسبب هذا».
هل الصحافيون أيضا يتحملون المسؤولية؟
قال جيم كارول، الذي يغطى البيت الأبيض لصحيفة «لويفيل كاريار جورنال»: «يحاول البيت الأبيض مخاطبة الشعب عن طريق «فيسبوك» و«تويتر»، لكن الصحافيين، أيضا، يحاولون مخاطبة الشعب عن طريق مثل هذه القنوات الجديدة. وليس فقط عن طريق صحفهم وتلفزيوناتهم وإذاعاتهم. يريد كل صحافي جمع جيش من أتباعه على الإنترنت».