حكومة ميقاتي الثالثة... بين فرص النجاح وتوقعات الفشل

TT

حكومة ميقاتي الثالثة... بين فرص النجاح وتوقعات الفشل

الحكومة الحالية التي يرأسها الرئيس نجيب ميقاتي، هي الحكومة الثالثة التي يشكلها منذ أن دخل المعترك السياسي في منتصف تسعينات القرن الماضي، لكن كثيرين يتريثون بالحكم على نجاحها أو إخفاقها، قبل صدور بيانها الوزاري، واستشراف تعاطي المجتمعين العربي والدولي معها، في مرحلة تعد الأخطر في تاريخ لبنان والمنطقة.
ويؤكد النائب علي درويش عضو كتلة «لبنان الوسط» التي يرأسها ميقاتي، أن «ثمة فرصة لنجاح الحكومة الجديدة التي تلقى قبولاً داخلياً وتعاطفاً دولياً»، معتبراً في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «مهمات الحكومة قابلة للتنفيذ إذا حسنت نيات الأطراف السياسية، وقدموا الدعم لأعضائها الذين يتمتعون بمصداقية عالية». وحدد درويش برنامج عمل الحكومة، بالقول: «برنامجها لن يكون مثقلاً بالوعود، بل محدد بالتصدي للأزمة الاجتماعية، ومواجهة جائحة (كورونا) وآثار انفجار مرفأ بيروت، والتحضير للانتخابات التشريعية، والتفاوض مع صندوق النقد الدولي بشأن الإصلاحات».
هذه الأجواء الإيجابية عاكستها مناخات تشاؤمية من أحزاب آثرت البقاء في معسكر المعارضة، منها «القوات اللبنانية»، ورأى عضو كتلة «القوات» النائب فادي سعد، أن «الإدارة السياسية في لبنان غبية إلى درجة أنها أنتجت بعد 13 شهراً من الفراغ، حكومة بنفس مواصفات الحكومات التي تسببت بالانهيار».
وقال لـ«الشرق الأوسط»، «طالما الأكثرية النيابية الفاشلة المتمثلة بثنائي (حزب الله) و(التيار الوطني الحر)، قائمة على المحاصصة ومراعاة مصالحها بكل خبث، لن نخرج من الأزمات المستفحلة». ولفت سعد إلى أن رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل، «صم آذان اللبنانيين وهو يتحدث عن الزهد، وأنه لن يشارك في الحكومة، ليتبين أنه كان المفاوض الأول لرئيس الحكومة نجيب ميقاتي، وبات له ممثلون في الحكومة»، مذكراً بأن «المشكلة ليست بأسماء الوزراء، بل بمرجعياتهم السياسية، لذلك هي محكومة بالفشل».
وثمة من يشبه حكومة ميقاتي الجديدة، بحكومته الأولى التي شكلها في عام 2005، وكانت أول حكومة أعقبت اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري، لجهة إدارتها الاستحقاق الانتخابي يومذاك، ونجحت بإدارة مرحلة ما بعد الخروج السوري من لبنان، لكن يصعب إسقاط واقع تلك الحكومة على التي ولدت أمس، فظروف الحكومة الجديدة مختلفة وصعبة جداً، إذ يعتبر المحلل السياسي أحمد الغز، أنها «حكومة المفاضلة ما بين السيئ والأسوأ، وهي تشبه إلى حد ما حكومة الـ1926، التي أتت بعد المجاعة التي ضربت لبنان». ورغم وصفها بأنها أفضل الممكن، يرى الغز في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أنها «تعيد الأمل إلى مبدأ الاحتفاظ بالشرعية، أياً كانت هذه الشرعية»، ويشير إلى أن «الأزمات التي يعيشها اللبنانيون اليوم ليست اقتصادية أو مالية، بل هي أزمة سياسية بنيوية أوصلت البلد إلى الانهيار، وجعلت الدولة تتداعى بكل مؤسساتها السياسية والقضائية والاقتصادية، فلم يبق منها إلا الدور المتواضع للجيش اللبناني»، ملاحظاً أن «الفراغ الذي استمر أشهراً طويلة بسبب التعطيل، كاد يدفع باتجاه حكم البلد بمجلس عسكري أو تدخل خارجي على أنقاض التشظي السياسي والإداري». ويشدد على أن الحكومة الجديدة «يجب أن تضخ الحياة في موقع رئاسة مجلس الوزراء، وتعيده مركزاً للقرار، بعد أن تحول السرايا الحكومي إلى مجرد عقار».
ولا مجال للمقارنة أيضاً بين الحكومة الحالية وحكومة الـ2011 التي شكلها ميقاتي غداة إطاحة «حزب الله» مع «التيار الوطني الحر» وحلفاء النظام السوري، بحكومة سعد الحريري في نهاية عام 2010. ويعود أحمد الغز بالذاكرة إلى تلك الحكومة، فيشير إلى أنها «أتت من خارج الأكثرية النيابية التي أنتجتها انتخابات 2009، وأعطت الأغلبية لقوى «14 آذار»، وكانت بمثابة استهداف للدور السعودي في لبنان والمنطقة، ومنذ ذلك الحين بدأت معالم الانهيار تتضح».
وتتقاطع نظرة المتابعين لخطورة الأزمة اللبنانية عند أهمية تأليف حكومة ولو بالحد الأدنى من المواصفات، تنهي الفراغ القائم، حتى تصبح هذه المؤسسة الدستورية قادرة على إدارة شؤون الناس ومخاطبة العالم، ولا ينفي السياسي اللبناني الدكتور خلدون الشريف (مستشار سابق لميقاتي) في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن هذه الحكومة «لا تمتلك الوقت ولا القدرة على تحقيق نجاحات باهرة، فالبلد يتموضع في القعر المالي والاقتصادي والاجتماعي». ويعتقد أن «الصعود من الحفرة شاق وقاسٍ، خصوصاً على الفقراء ومتوسطي الدخل سابقاً»، لكنه يعتقد أن هذه الحكومة «قادرة على التخفيف من الأضرار التي تصيب البلد، ومعالجة بعض المشكلات الحياتية وصولاً إلى إجراء الانتخابات النيابية». ويذهب الشريف إلى وصفها بـ«حكومة تقطيع ظرف إقليمي متغير ومواكبة التبدلات الدولية مع الانسحاب الأميركي من المنطقة».
لا يراهن كثيرون في لبنان على إنجازات لهذه الحكومة، ويلفت الغز إلى أن «المنطقة بأسرها تعيش مرحلة إعادة تكوين المجتمعات، ولبنان اليوم مدعو لبناء مجتمع متماسك وواعٍ قادر على إعادة إنتاج سلطة جديدة عبر انتخابات حرة ونزيهة». ويسأل: «هل نكرس بقاءنا كشعب واحد في هذا الكيان اللبناني الصغير، أم نذهب إلى نزعة الخصوصية التي ينادي بها البعض؟».
ولا تختلف المقاربات بين النظرة إلى حكومة ميقاتي الجديدة، وحكومة اللون الواحد التي ترأسها في عام 2011، التي أطلق عليها اسم حكومة «القمصان السود»، التي فرضها «حزب الله» بقوة الأمر الواقع والانقلاب على الأكثرية النيابية والشعبية التي كانت تمثلها قوى «14 آذار»، ويذكر خلدون الشريف بأن «حكومة الـ2011، كانت مرتبطة بحماية محور من السقوط، أما الحكومة الحالية فتعبير عن ربح هذا المحور، أي ما يمثله (حزب الله) في المعادلة الداخلية والإقليمية».



اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
TT

اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)

كان مخيم اليرموك للاجئين في سوريا، الذي يقع خارج دمشق، يُعدّ عاصمة الشتات الفلسطيني قبل أن تؤدي الحرب إلى تقليصه لمجموعة من المباني المدمرة.

سيطر على المخيم، وفقاً لوكالة «أسوشييتد برس»، مجموعة من الجماعات المسلحة ثم تعرض للقصف من الجو، وأصبح خالياً تقريباً منذ عام 2018، والمباني التي لم تدمرها القنابل هدمت أو نهبها اللصوص.

رويداً رويداً، بدأ سكان المخيم في العودة إليه، وبعد سقوط الرئيس السوري السابق بشار الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول)، يأمل الكثيرون في أن يتمكنوا من العودة.

في الوقت نفسه، لا يزال اللاجئون الفلسطينيون في سوريا، الذين يبلغ عددهم نحو 450 ألف شخص، غير متأكدين من وضعهم في النظام الجديد.

أطفال يلعبون أمام منازل مدمرة بمخيم اليرموك للاجئين في سوريا (أ.ف.ب)

وتساءل السفير الفلسطيني لدى سوريا، سمير الرفاعي: «كيف ستتعامل القيادة السورية الجديدة مع القضية الفلسطينية؟»، وتابع: «ليس لدينا أي فكرة لأننا لم نتواصل مع بعضنا بعضاً حتى الآن».

بعد أيام من انهيار حكومة الأسد، مشت النساء في مجموعات عبر شوارع اليرموك، بينما كان الأطفال يلعبون بين الأنقاض. مرت الدراجات النارية والدراجات الهوائية والسيارات أحياناً بين المباني المدمرة. في إحدى المناطق الأقل تضرراً، كان سوق الفواكه والخضراوات يعمل بكثافة.

عاد بعض الأشخاص لأول مرة منذ سنوات للتحقق من منازلهم. آخرون كانوا قد عادوا سابقاً ولكنهم يفكرون الآن فقط في إعادة البناء والعودة بشكل دائم.

غادر أحمد الحسين المخيم في عام 2011، بعد فترة وجيزة من بداية الانتفاضة ضد الحكومة التي تحولت إلى حرب أهلية، وقبل بضعة أشهر، عاد للإقامة مع أقاربه في جزء غير مدمر من المخيم بسبب ارتفاع الإيجارات في أماكن أخرى، والآن يأمل في إعادة بناء منزله.

هيكل إحدى ألعاب الملاهي في مخيم اليرموك بسوريا (أ.ف.ب)

قال الحسين: «تحت حكم الأسد، لم يكن من السهل الحصول على إذن من الأجهزة الأمنية لدخول المخيم. كان عليك الجلوس على طاولة والإجابة عن أسئلة مثل: مَن هي والدتك؟ مَن هو والدك؟ مَن في عائلتك تم اعتقاله؟ عشرون ألف سؤال للحصول على الموافقة».

وأشار إلى إن الناس الذين كانوا مترددين يرغبون في العودة الآن، ومن بينهم ابنه الذي هرب إلى ألمانيا.

جاءت تغريد حلاوي مع امرأتين أخريين، يوم الخميس، للتحقق من منازلهن. وتحدثن بحسرة عن الأيام التي كانت فيها شوارع المخيم تعج بالحياة حتى الساعة الثالثة أو الرابعة صباحاً.

قالت تغريد: «أشعر بأن فلسطين هنا، حتى لو كنت بعيدة عنها»، مضيفة: «حتى مع كل هذا الدمار، أشعر وكأنها الجنة. آمل أن يعود الجميع، جميع الذين غادروا البلاد أو يعيشون في مناطق أخرى».

بني مخيم اليرموك في عام 1957 للاجئين الفلسطينيين، لكنه تطور ليصبح ضاحية نابضة بالحياة حيث استقر العديد من السوريين من الطبقة العاملة به. قبل الحرب، كان يعيش فيه نحو 1.2 مليون شخص، بما في ذلك 160 ألف فلسطيني، وفقاً لوكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (الأونروا). اليوم، يضم المخيم نحو 8 آلاف لاجئ فلسطيني ممن بقوا أو عادوا.

لا يحصل اللاجئون الفلسطينيون في سوريا على الجنسية، للحفاظ على حقهم في العودة إلى مدنهم وقراهم التي أُجبروا على مغادرتها في فلسطين عام 1948.

لكن، على عكس لبنان المجاورة، حيث يُمنع الفلسطينيون من التملك أو العمل في العديد من المهن، كان للفلسطينيين في سوريا تاريخياً جميع حقوق المواطنين باستثناء حق التصويت والترشح للمناصب.

في الوقت نفسه، كانت للفصائل الفلسطينية علاقة معقدة مع السلطات السورية. كان الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد وزعيم «منظمة التحرير الفلسطينية»، ياسر عرفات، خصمين. وسُجن العديد من الفلسطينيين بسبب انتمائهم لحركة «فتح» التابعة لعرفات.

قال محمود دخنوس، معلم متقاعد عاد إلى «اليرموك» للتحقق من منزله، إنه كان يُستدعى كثيراً للاستجواب من قبل أجهزة الاستخبارات السورية.

وأضاف متحدثاً عن عائلة الأسد: «على الرغم من ادعاءاتهم بأنهم مع (المقاومة) الفلسطينية، في الإعلام كانوا كذلك، لكن على الأرض كانت الحقيقة شيئاً آخر».

وبالنسبة لحكام البلاد الجدد، قال: «نحتاج إلى مزيد من الوقت للحكم على موقفهم تجاه الفلسطينيين في سوريا. لكن العلامات حتى الآن خلال هذا الأسبوع، المواقف والمقترحات التي يتم طرحها من قبل الحكومة الجديدة جيدة للشعب والمواطنين».

حاولت الفصائل الفلسطينية في اليرموك البقاء محايدة عندما اندلع الصراع في سوريا، ولكن بحلول أواخر 2012، انجر المخيم إلى الصراع ووقفت فصائل مختلفة على جوانب متعارضة.

عرفات في حديث مع حافظ الأسد خلال احتفالات ذكرى الثورة الليبية في طرابلس عام 1989 (أ.ف.ب)

منذ سقوط الأسد، كانت الفصائل تسعى لتوطيد علاقتها مع الحكومة الجديدة. قالت مجموعة من الفصائل الفلسطينية، في بيان يوم الأربعاء، إنها شكلت هيئة برئاسة السفير الفلسطيني لإدارة العلاقات مع السلطات الجديدة في سوريا.

ولم تعلق القيادة الجديدة، التي ترأسها «هيئة تحرير الشام»، رسمياً على وضع اللاجئين الفلسطينيين.

قدمت الحكومة السورية المؤقتة، الجمعة، شكوى إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تدين دخول القوات الإسرائيلية للأراضي السورية في مرتفعات الجولان وقصفها لعدة مناطق في سوريا.

لكن زعيم «هيئة تحرير الشام»، أحمد الشرع، المعروف سابقاً باسم «أبو محمد الجولاني»، قال إن الإدارة الجديدة لا تسعى إلى صراع مع إسرائيل.

وقال الرفاعي إن قوات الأمن الحكومية الجديدة دخلت مكاتب ثلاث فصائل فلسطينية وأزالت الأسلحة الموجودة هناك، لكن لم يتضح ما إذا كان هناك قرار رسمي لنزع سلاح الجماعات الفلسطينية.