جنبلاط من باريس: الهلال الخصيب القديم يتهاوى ولا انقشاعة في الأفق

هولاند استقبله لثلاثة أرباع الساعة ورفض الحديث عن الانتخابات الرئاسية

الرئيس الفرنسي هولاند استقبل الزعيم اللبناني وليد جنبلاط في قصر الإليزيه السبت الماضي (إ.ف.ب)
الرئيس الفرنسي هولاند استقبل الزعيم اللبناني وليد جنبلاط في قصر الإليزيه السبت الماضي (إ.ف.ب)
TT

جنبلاط من باريس: الهلال الخصيب القديم يتهاوى ولا انقشاعة في الأفق

الرئيس الفرنسي هولاند استقبل الزعيم اللبناني وليد جنبلاط في قصر الإليزيه السبت الماضي (إ.ف.ب)
الرئيس الفرنسي هولاند استقبل الزعيم اللبناني وليد جنبلاط في قصر الإليزيه السبت الماضي (إ.ف.ب)

ثلاثة أرباع الساعة قضاها رئيس اللقاء الديمقراطي النائب وليد جنبلاط مع رئيس الجمهورية الفرنسية فرنسوا هولاند في قصر الإليزيه، أول من أمس. وما يفسر لقاء كهذا يوم السبت، وهو يوم عطلة في فرنسا، هو أن الرجلين، بحسب مصدر رئاسي، «مرتبطان بصداقة قديمة منذ أيام الاشتراكية الدولية»، عندما كان هولاند سكرتير عام الحزب الاشتراكي لكثير من السنوات فيما الحزب التقدمي الذي يرأسه جنبلاط عضو قديم فيه. وأكثر من ذلك، أشار المصدر الرئاسي إلى أن «رأي جنبلاط يهم الرئيس هولاند» الذي تناول معه المسائل الإقليمية، ومنها الأوضاع في لبنان وسوريا والعراق، وتنظيم داعش.
وكان لافتا في كلام جنبلاط المختصر للصحافة، عقب انتهاء اللقاء، أنه رفض الخوض في الموضوع الرئاسي اللبناني، معتبرا أن «الجدل البيزنطي بين اللبنانيين نتناوله في لبنان»، وبالتالي، فإن الموضوع الرئاسي الذي تجهد باريس لإيجاد مخرج له عبر مساعي مدير دائرة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا جان فرنسوا جيرو، شأن يناقش في لبنان. بيد أن هذه المساعي تبدو في الوقت الراهن مجمدة، فيما الجهود الدبلوماسية متركزة في الوقت الحاضر على الملف النووي الإيراني وما يمكن أن يسفر عنه التوصل إلى اتفاق من نتائج «إيجابية» قد تنعكس عليه. وبعد 3 جولات على المنطقة، لم ينجح جيرو في زحزحة الأطراف عن المواقف المتمسكة بها. ولذا، فإنه يبحث عن دعم أوروبي ودولي أوسع لجهوده من أجل العودة لتفعيلها.
بعد جنبلاط، سيكون الضيف اللبناني القادم في باريس البطريرك بشارة الراعي في شهر أبريل (نيسان) المقبل، الذي سيشهد أيضا زيارة لوزير الدفاع الفرنسي جان إيف لو دريان إلى بيروت. وستتزامن زيارة لو دريان مع وصول أول دفعة سلاح اشتراها لبنان من فرنسا وهي تمول من الهبة السعودية. ولم تكشف المصادر الفرنسية عن نوعية الأسلحة التي ستسلم في المرحلة الأولى. إلا أن أوساطا في وزارة الدفاع قالت لـ«الشرق الأوسط» قبل أيام إن آخر ما سيسلم للجيش اللبناني هو الطوافات والبوارج العسكرية. وينتظر أن يبدأ سريعا برنامج تدريب وتأهيل الضباط والفنيين اللبنانيين على استخدام الطوافات العسكرية والبوارج في المدارس العسكرية الفرنسية. ومن المنتظر أن يمتد برنامج التعاون الخاص بالصفقة إلى أكثر من 3 سنوات، وفق ما قاله وزير الدفاع جان إيف لو دريان لـ«الشرق الأوسط».
وفي أي حال، لم يفت جنبلاط الإشادة بالدعم الفرنسي لأمن لبنان وجيشه ولموقفها من الأزمة السورية والحرب الدائرة هناك منذ 4 أعوام. واستعان جنبلاط بالتاريخ ليقيم مقارنة بين ما فعله الألمان إبان احتلالهم لفرنسا في الحرب العالمية الثانية، وبين ما يفعله النظام السوري في بلاده. ووصف جنبلاط موقف باريس الرافض لأي حوار مع النظام السوري والرئيس الأسد بـ«الشجاع». أما بالنسبة للمستقبل، فقد عبر جنبلاط عن نظرة تشاؤمية؛ إذ قال إنه «لا يري أي انقشاعة» وإن ما يحصل حاليا في المنطقة هو «تهاوي الهلال الخصيب القديم».
وفي سياق المآسي، دعا جنبلاط إلى الاستمرار في استقبال وإيواء اللاجئين السوريين الذين «لا مكان لهم يعودون إليه»، وأن الواجب «الأخلاقي» يكمن في استقبالهم، خصوصا أن فكرة إقامة مخيمات لهم داخل الحدود السورية «عبثية»، ولأن احتمالية طردهم «غير ممكنة».



الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)

ضمن مخاوف الجماعة الحوثية من ارتدادات تطورات الأوضاع في سوريا على قوتها وتراجع نفوذ محور إيران في منطقة الشرق الأوسط؛ صعّدت الجماعة من ممارساتها بغرض تطييف المجتمع واستقطاب أتباع جدد ومنع اليمنيين من الاحتفال بسقوط نظام بشار الأسد.

واستهدفت الجماعة، حديثاً، موظفي مؤسسات عمومية وأخرى خاصة وأولياء أمور الطلاب بالأنشطة والفعاليات ضمن حملات التعبئة التي تنفذها لاستقطاب أتباع جدد، واختبار ولاء منتسبي مختلف القطاعات الخاضعة لها، كما أجبرت أعياناً قبليين على الالتزام برفد جبهاتها بالمقاتلين، ولجأت إلى تصعيد عسكري في محافظة تعز.

وكانت قوات الحكومة اليمنية أكدت، الخميس، إحباطها ثلاث محاولات تسلل لمقاتلي الجماعة الحوثية في جبهات محافظة تعز (جنوب غربي)، قتل خلالها اثنان من مسلحي الجماعة، وتزامنت مع قصف مواقع للجيش ومناطق سكنية بالطيران المسير، ورد الجيش على تلك الهجمات باستهداف مواقع مدفعية الجماعة في مختلف الجبهات، وفق ما نقله الإعلام الرسمي.

الجيش اليمني في تعز يتصدى لأعمال تصعيد حوثية متكررة خلال الأسابيع الماضية (الجيش اليمني)

وخلال الأيام الماضية اختطفت الجماعة الحوثية في عدد من المحافظات الخاضعة لسيطرتها ناشطين وشباناً على خلفية احتفالهم بسقوط نظام الأسد في سوريا، وبلغ عدد المختطفين في صنعاء 17 شخصاً، قالت شبكة حقوقية يمنية إنهم اقتيدوا إلى سجون سرية، في حين تم اختطاف آخرين في محافظتي إب وتعز للأسباب نفسها.

وأدانت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات حملة الاختطافات التي رصدتها في العاصمة المختطفة صنعاء، مشيرة إلى أنها تعكس قلق الجماعة الحوثية من انعكاسات الوضع في سوريا على سيطرتها في صنعاء، وخوفها من اندلاع انتفاضة شعبية مماثلة تنهي وجودها، ما اضطرها إلى تكثيف انتشار عناصرها الأمنية والعسكرية في شوارع وأحياء المدينة خلال الأيام الماضية.

وطالبت الشبكة في بيان لها المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية بإدانة هذه الممارسات بشكل واضح، بوصفها خطوة أساسية نحو محاسبة مرتكبيها، والضغط على الجماعة الحوثية للإفراج عن جميع المختطفين والمخفيين قسراً في معتقلاتها، والتحرك الفوري لتصنيفها منظمة إرهابية بسبب تهديدها للأمن والسلم الإقليميين والدوليين.

تطييف القطاع الطبي

في محافظة تعز، كشفت مصادر محلية لـ«الشرق الأوسط» عن أن الجماعة الحوثية اختطفت عدداً من الشبان في منطقة الحوبان على خلفية إبداء آرائهم بسقوط نظام الأسد، ولم يعرف عدد من جرى اختطافهم.

تكدس في نقطة تفتيش حوثية في تعز حيث اختطفت الجماعة ناشطين بتهمة الاحتفال بسقوط الأسد (إكس)

وأوقفت الجماعة، بحسب المصادر، عدداً كبيراً من الشبان والناشطين القادمين من مناطق سيطرة الحكومة اليمنية، وأخضعتهم للاستجواب وتفتيش متعلقاتهم الشخصية وجوالاتهم بحثاً عمّا يدل على احتفالهم بتطورات الأحداث في سوريا، أو ربط ما يجري هناك بالوضع في اليمن.

وشهدت محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) اختطاف عدد من السكان للأسباب نفسها في عدد من المديريات، مترافقاً مع إجراءات أمنية مشددة في مركز المحافظة ومدنها الأخرى، وتكثيف أعمال التحري في الطرقات ونقاط التفتيش.

إلى ذلك، أجبرت الجماعة عاملين في القطاع الطبي، بشقيه العام والخاص، على حضور فعاليات تعبوية تتضمن محاضرات واستماع لخطابات زعيمها عبد الملك الحوثي، وشروحات لملازم المؤسس حسين الحوثي، وأتبعت ذلك بإجبارهم على المشاركة في تدريبات عسكرية على استخدام مختلف الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والقنابل اليدوية وزراعة الألغام والتعامل مع المتفجرات.

وذكرت مصادر طبية في صنعاء أن هذه الإجراءات استهدفت العاملين في المستشفيات الخاصعة لسيطرة الجماعة بشكل مباشر، سواء العمومية منها، أو المستشفيات الخاصة التي استولت عليها الجماعة بواسطة ما يعرف بالحارس القضائي المكلف بالاستحواذ على أموال وممتلكات معارضيها ومناهضي نفوذها من الأحزاب والأفراد.

زيارات إجبارية للموظفين العموميين إلى معارض صور قتلى الجماعة الحوثية ومقابرهم (إعلام حوثي)

وتتزامن هذه الأنشطة مع أنشطة أخرى شبيهة تستهدف منتسبي الجامعات الخاصة من المدرسين والأكاديميين والموظفين، يضاف إليها إجبارهم على زيارة مقابر قتلى الجماعة في الحرب، وأضرحة عدد من قادتها، بما فيها ضريح حسين الحوثي في محافظة صعدة (233 كيلومتراً شمال صنعاء)، وفق ما كانت أوردته «الشرق الأوسط» في وقت سابق.

وكانت الجماعة أخضعت أكثر من 250 من العاملين في الهيئة العليا للأدوية خلال سبتمبر (أيلول) الماضي، وأخضعت قبلهم مدرسي وأكاديميي جامعة صنعاء (أغلبهم تجاوزوا الستين من العمر) في مايو (أيار) الماضي، لتدريبات عسكرية مكثفة، ضمن ما تعلن الجماعة أنه استعداد لمواجهة الغرب وإسرائيل.

استهداف أولياء الأمور

في ضوء المخاوف الحوثية، ألزمت الجماعة المدعومة من إيران أعياناً قبليين في محافظة الضالع (243 كيلومتراً جنوب صنعاء) بتوقيع اتفاقية لجمع الأموال وحشد المقاتلين إلى الجبهات.

موظفون في القطاع الطبي يخضعون لدورات قتالية إجبارية في صنعاء (إعلام حوثي)

وبينما أعلنت الجماعة ما وصفته بالنفير العام في المناطق الخاضعة لسيطرتها من المحافظة، برعاية أسماء «السلطة المحلية» و«جهاز التعبئة العامة» و«مكتب هيئة شؤون القبائل» التابعة لها، أبدت أوساط اجتماعية استياءها من إجبار الأعيان والمشايخ في تلك المناطق على التوقيع على وثيقة لإلزام السكان بدفع إتاوات مالية لصالح المجهود الحربي وتجنيد أبنائهم للقتال خلال الأشهر المقبلة.

في السياق نفسه، أقدمت الجماعة الانقلابية على خصم 10 درجات من طلاب المرحلة الأساسية في عدد من مدارس صنعاء، بحة عدم حضور أولياء الأمور محاضرات زعيمها المسجلة داخل المدارس.

ونقلت المصادر عن عدد من الطلاب وأولياء أمورهم أن المشرفين الحوثيين على تلك المدارس هددوا الطلاب بعواقب مضاعفة في حال استمرار تغيب آبائهم عن حضور تلك المحاضرات، ومن ذلك طردهم من المدارس أو إسقاطهم في عدد من المواد الدراسية.

وأوضح مصدر تربوي في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن تعميماً صدر من قيادات عليا في الجماعة إلى القادة الحوثيين المشرفين على قطاع التربية والتعليم باتباع جميع الوسائل للتعبئة العامة في أوساط أولياء الأمور.

مقاتلون حوثيون جدد جرى تدريبهم وإعدادهم أخيراً بمزاعم مناصرة قطاع غزة (إعلام حوثي)

ونبه المصدر إلى أن طلب أولياء الأمور للحضور إلى المدارس بشكل أسبوعي للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة هو أول إجراء لتنفيذ هذه التعبئة، متوقعاً إجراءات أخرى قد تصل إلى إلزامهم بحضور فعاليات تعبوية أخرى تستمر لأيام، وزيارة المقابر والأضرحة والمشاركة في تدريبات قتالية.

وبحسب المصدر؛ فإن الجماعة لا تقبل أي أعذار لتغيب أولياء الأمور، كالسفر أو الانشغال بالعمل، بل إنها تأمر كل طالب يتحجج بعدم قدرة والده على حضور المحاضرات بإقناع أي فرد آخر في العائلة بالحضور نيابة عن ولي الأمر المتغيب.