احتمال بقاء القوات الأميركية في أفغانستان إلى ما بعد عام 2016

كان من المفترض أن يتم خفض عدد القوات الأميركية بمقدار النصف تقريبا بحلول نهاية العام الحالي

احتمال بقاء القوات الأميركية في أفغانستان إلى ما بعد عام 2016
TT

احتمال بقاء القوات الأميركية في أفغانستان إلى ما بعد عام 2016

احتمال بقاء القوات الأميركية في أفغانستان إلى ما بعد عام 2016

بدا من تصريح مسؤول في البيت الأبيض، أول من أمس الجمعة، أن هناك احتمالا لبقاء القوات الأميركية في أفغانستان إلى ما بعد مغادرة الرئيس أوباما لمنصبه، وهو أمر يمثل تحولا ملحوظا عن إصرار الإدارة على إبقاء قوة صغيرة في السفارة الأميركية في كابل بعد عام 2016.
وفي ظل استمرار تمتع حركة طالبان المتمردة بشعبية، تفكر الإدارة في الخيارات المطروحة لإبطاء إيقاع سحب القوات الأميركية التي تتكون من 10 آلاف جندي، فضلا عن آلاف المتعاقدين، في أفغانستان. وكان من المفترض أن يتم خفض عدد القوات الأميركية بمقدار النصف تقريبا بحلول نهاية العام الحالي، لكن صرح مسؤولون على مدى الأيام القليلة الماضية بأن أوباما يقترب من اتخاذ قرار بالإبقاء على جزء كبير من القوات الموجودة هناك حاليا خلال العام المقبل من أجل تدريب وإرشاد القوات الأفغانية.
وفي الوقت الذي صرح فيه أكثر المسؤولين بأن الموعد النهائي لسحب القوات لن يتغير، قال جيف إيغرز، مسؤول رفيع المستوى في مجلس الأمن، يوم الجمعة، إن المناقشات الخاصة بما ينبغي القيام به خلال العام المقبل سوف تقود إلى اتخاذ قرار بشأن ما سيتم عمله عام 2017 «بالنظر إلى العزم على الاستمرار في الحوار حول هذا الشأن» مع الحكومة الأفغانية، لكنه أضاف قائلا «لا تزال هناك نية لدعم وإتمام سحب القوات والمعدات بحيث لا يتبقى سوى بعثة تعاون أمني يقتصر وجودها على كابل في عام 2017».
على الجانب الآخر، قالت بيرناديت ميهان، وهي متحدثة باسم المجلس «لم يفتح الرئيس أوباما الباب أمام أي شيء أكبر من قوة سفارة بعد عام 2016». وتتوافق تعليقات إيغرز مع ما يقول مسؤولون آخرون عنه إنه أمر تتم مناقشته داخل الإدارة الأميركية، حتى إذا كان تركيز أوباما ينصّب حاليا على ما سيتم عمله العام المقبل، لا الذي يليه». ومثل الكثير من الخطط، التي يتم وضعها في واشنطن، بشأن الوضع في أفغانستان منذ بداية الحرب عام 2001، يبدو أن المعطيات على أرض الواقع تجبر المسؤولين الأميركيين على التفكير في تحسين استراتيجيتهم الخاصة بإنهاء الحرب.
وتبدو محادثات السلام احتمالا بعيد المنال بعد مدها في فبراير (شباط)، وبداية مارس (آذار)، حيث بدت حركة طالبان في تلك الفترة عازمة على الاجتماع بالحكومة الأفغانية. لذا بدلا من الحديث عن كيفية إنهاء الحرب، يستعد المسؤولون الأفغان، والأميركيون، لتزايد وتيرة العنف مع ذوبان الجليد في المناطق المرتفعة، التي تفصل المتمردين عن ملاجئهم الآمنة في باكستان، واقتراب ما يعرف باسم موسم القتال. ولم يكتمل تشكل القوات الأفغانية، التي تولت الجزء الأكبر من القتال وكان مصير أفرادها الموت، على مدى العامين الماضيين. وتمكنت تلك القوات من منع طالبان من الحصول على مكاسب كبيرة خلال الصيف الماضي بمساعدة التحالف الذي تتولى الولايات المتحدة قيادته.
وتفاجأت إدارة أوباما بإصرار المقاتلين المتبقين من تنظيم القاعدة في أفغانستان وباكستان. ويقول مسؤولون إنه من الضروري الإبقاء على الكثير من أفراد القوات البالغ عددهم ألفين، والمخصصين لعمليات مكافحة الإرهاب في أفغانستان، خلال العام المقبل، مشيرين إلى أن توفير قوة أكبر سيساعد في استمرار عمل القواعد التي لا غنى عنها في محاربة «القاعدة»، وجمع المعلومات الاستخباراتية في جنوب وشرق أفغانستان. وليس الدافع وراء قرار إبطاء إيقاع سحب القوات عام 2016، والجدل الخاص بما ينبغي فعله عام 2017، هو التقييمات الميدانية المتشائمة. وأثبت أشرف غني، الرئيس الأفغاني الجديد، منذ توليه المنصب في سبتمبر (أيلول) الماضي، أنه أكثر عزما من سلفه، حميد كرزاي، على عمل شراكة مع الولايات المتحدة. ويقول مسؤولون أميركيون إنهم يرغبون في تقديم كل مساعدة ممكنة له. ويقوم غني، خلال الأسبوع المقبل، برحلته الأولى إلى واشنطن منذ توليه الرئاسة، ومن المتوقع أن يتم التركيز خلال اجتماعاته مع أوباما، ومع المسؤولين الآخرين، على الخطط المتعلقة بالسنوات المقبلة. وقال إيغرز يوم الجمعة «يتبنى الرئيس غني رؤية إيجابية واضحة الآن بشأن أفغانستان».
وأوضح كذلك أن المسؤولين الأميركيين يعتزمون «استغلال هذه العلاقة المختلفة نوعيا، وتلك الرؤية الأكثر إيجابية». وأضاف إيغرز أن مناقشات بين أوباما وغني قد بدأت بشأن رغبة أفغانستان في أن تتسم خطة سحب القوات الأميركية عام 2016 بقدر أكبر من الـ«مرونة». وقال سيث جونز، خبير في الشأن الأفغاني في «راند كوربوريشن»: «من الحكمة ألا يضعوا أنفسهم في مأزق ويلتزموا بمغادرة البلاد». مع ذلك سعى مسؤولون سابقون مقربون من إدارة أوباما إلى تصوير أي استمرار للوجود الأميركي في أفغانستان على أنه تماش مع رغبة الرئيس في مغادرة المنصب وهو واضع نهاية لحربين ورثهما عام 2009. وقال فيكرام سينغ، مسؤول سابق في وزارة الدفاع الأميركي في إدارة أوباما «يريد الرئيس أن يضع نهاية للإرث، الذي يتمثل في حربين طالت مدتهما، وزادت تكلفتهما على نحو أكبر من اللازم، ولم تحققا أهدافهما بالقدر الكافي». وقال سينغ إن مدّ فترة وجود القوات في البلاد لا يعني بالضرورة أن الولايات المتحدة سوف تكون في «حالة حرب» في أفغانستان، مشيرا إلى بعثات التدريب العسكري الأميركية في كل من أوغندا، والفلبين، والتي استمرت لسنوات.

* شارك كل من مايكل شير وإيريك شميت في إعداد هذا التقرير
* خدمة «واشنطن بوست»
خاص بـ«الشرق الأوسط»



رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية

رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية
TT

رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية

رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية

هل عادت رياح اليسار تهب من جديد على أميركا اللاتينية بعد موجة الانتصارات الأخيرة التي حصدتها القوى والأحزاب التقدمية في الانتخابات العامة والرئاسية؟
من المكسيك إلى الأرجنتين، ومن تشيلي إلى هندوراس والبيرو، ومؤخراً كولومبيا، خمسة من أقوى الاقتصادات في أميركا اللاتينية أصبحت بيد هذه الأحزاب، فيما تتجه كل الأنظار إلى البرازيل حيث ترجح الاستطلاعات الأولى فوز الرئيس الأسبق لولا دي سيلفا في انتخابات الرئاسة المقبلة، وإقفال الدائرة اليسارية في هذه المنطقة التي تتعاقب عليها منذ عقود شتى أنظمة الاستبداد العسكري والمدني، التي شهدت أبشع الديكتاتوريات اليسارية واليمينية.
بعض هذه الدول عاد إلى حكم اليسار، مثل الأرجنتين وهندوراس وبوليفيا، بعد أن جنح إلى الاعتدال، ودول أخرى لم تكن تتصور أنها ستقع يوماً في قبضة القوى التقدمية، مثل تشيلي وكولومبيا، فيما دول مثل المكسيك وبيرو ترفع لواء اليسار لكن اقتصادها يحتكم إلى أرسخ القواعد الليبرالية.
هذه الموجة تعيد إلى الأذهان تلك التي شهدتها المنطقة مطلع هذا القرن مع صعود هوغو تشافيز في فنزويلا، وتحت الظل الأبدي الوارف لفيديل كاسترو، فيما أطلق عليه يومها «اشتراكية القرن الحادي والعشرين». ومن المفارقة أن الدوافع التي كانت وراء ظهور هذه الموجة، نجدها غالباً في تمايزها عن تلك الموجة السابقة التي كان لارتفاع أسعار المواد الأولية والصادرات النفطية الدور الأساسي في صمودها. فيما محرك التغيير اليوم يتغذى من تدهور الوضع الاجتماعي الذي فجر احتجاجات عام 2019 وتفاقم مع ظهور جائحة «كوفيد». يضاف إلى ذلك أن تطرف القوى اليمينية، كما حصل في الأرجنتين وكولومبيا وتشيلي وبيرو، أضفى على الأحزاب اليسارية هالة من الاعتدال ساعدت على استقطاب قوى الوسط وتطمين المراكز الاقتصادية.
ومن أوجه التباين الأخرى بين الموجتين، أنه لم يعد أي من زعماء الموجة الأولى تقريباً على قيد الحياة، وأن القيادات الجديدة تتميز ببراغماتية ساعدت على توسيع دائرة التحالفات الانتخابية نحو قوى الوسط والاعتدال كما حصل مؤخراً في تشيلي وكولومبيا.
حتى لولا في البرازيل بحث عن حليفه الانتخابي في وسط المشهد السياسي واختار كمرشح لمنصب نائب الرئيس جيرالدو آلكمين، أحد زعماء اليمين المعتدل، الذي سبق أن هزمه في انتخابات عام 2006.
ولى زمن زعماء اليسار التاريخيين مثل الأخوين كاسترو في كوبا، وتشافيز في فنزويلا، وإيفو موراليس في بوليفيا، الذين اعتنقوا أصفى المبادئ الاشتراكية وحاولوا تطويعها مع مقتضيات الظروف المحلية، وجاء عهد قيادات جديدة تحرص على احترام الإطار الدستوري للأنظمة الديمقراطية، وتمتنع عن تجديد الولاية، وتلتزم الدفاع عن حقوق الإنسان والحفاظ على البيئة.
لكن مع ذلك لا يستقيم الحديث عن كيان واحد مشترك تنضوي تحته كل القوى التقدمية الحاكمة حالياً في أميركا اللاتينية، إذ إن أوجه التباين بين طروحاتها الاقتصادية والاجتماعية تزيد عن القواسم المشتركة بينها، الأمر الذي يدفع إلى التساؤل حول طبيعة العلاقات التي ستقيمها هذه القوى التقدمية مع محيطها، وأيضاً مع بقية دول العالم.
وتشير الدلائل الأولى إلى ظهور توتر يتنامى بين رؤية القوى التقدمية الواقعية والمتعددة الأطراف للعلاقات الدولية، والمنظور الجيوستراتيجي للمحور البوليفاري. ومن المرجح أن يشتد في حال فوز لولا في البرازيل، نظراً لتمايز نهجه الدبلوماسي عن خط كوبا وفنزويلا، في الحكم كما في المعارضة.
ويلاحظ أن جميع القوى اليسارية الحاكمة اليوم في أميركا اللاتينية، وخلافاً لتلك التي حكمت خلال الموجة السابقة، تعتمد أسلوباً دفاعياً يهدف إلى صون، أو إحداث، تغييرات معتدلة من موقع السلطة وليس من خلال التعبئة الاجتماعية التي كانت أسلوب الأنظمة اليسارية السابقة، أو البوليفارية التي ما زالت إلى اليوم في الحكم. ولا شك في أن من الأسباب الرئيسية التي تدفع إلى اعتماد هذا الأسلوب الدفاعي، أن القوى اليسارية والتقدمية الحاكمة غير قادرة على ممارسة الهيمنة السياسية والآيديولوجية في بلدانها، وهي تواجه صعوبات كبيرة في تنفيذ برامج تغييرية، أو حتى في الحفاظ على تماسكها الداخلي.
ويتبدى من التحركات والمواقف الأولى التي اتخذتها هذه الحكومات من بعض الأزمات والملفات الإقليمية الشائكة، أن العلاقات مع كوبا ونيكاراغوا وفنزويلا ستكون مصدراً دائماً للتوتر. ومن الأمثلة على ذلك أن الرئيس الكولومبي الجديد غوستافو بيترو، ونظيره التشيلي، اللذين كانا لأشهر قليلة خلت يؤيدان النظام الفنزويلي، اضطرا مؤخراً لإدانة انتهاكات حقوق الإنسان التي يمارسها نظام نيكولاس مادورو، علماً بأن ملايين الفنزويليين لجأوا في السنوات الأخيرة إلى كولومبيا وتشيلي.
وفي انتظار نتائج الانتخابات البرازيلية المقبلة، وبعد تراجع أسهم المكسيكي مانويل لوبيز لوبرادور والتشيلي بوريتش لقيادة الجبهة التقدمية الجديدة في أميركا اللاتينية، برزت مؤخراً صورة الرئيس الكولومبي المنتخب الذي يتولى مهامه الأحد المقبل، والذي كان وضع برنامجه الانتخابي حول محاور رئيسية ثلاثة تمهد لهذا الدور، وهي: الحفاظ على البيئة والموارد الطبيعية وتغير المناخ، والدور المركزي لمنطقة الكاريبي والسكان المتحدرين من أصول أفريقية، والميثاق الإقليمي الجديد الذي لا يقوم على التسليم بريادة الولايات المتحدة في المنطقة لكن يعترف بدورها الأساسي فيها.