استراتيجية إردوغان... تعزيز خطط روسيا والصين في أفغانستان

إردوغان يرحب بالقوات التركية التي تم سحبها من أفغانستان (أ.ب)
إردوغان يرحب بالقوات التركية التي تم سحبها من أفغانستان (أ.ب)
TT

استراتيجية إردوغان... تعزيز خطط روسيا والصين في أفغانستان

إردوغان يرحب بالقوات التركية التي تم سحبها من أفغانستان (أ.ب)
إردوغان يرحب بالقوات التركية التي تم سحبها من أفغانستان (أ.ب)

من الواضح أن استراتيجية الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، بصفة بلاده عضواً في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، كما يقول أحد المحللين الأتراك، هي تعزيز خطط روسيا والصين لمستقبل أفغانستان. ويرى الكاتب السياسي التركي البارز، بوراك بيكديل، أنه ينبغي على الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي عدم تصديق موقف الرئيس التركي الزائف الموالي للغرب «مثلما حدث عندما عرض إدارة مطار كابل، ثم هرب»، أو مناهضته الزائفة للراديكالية «مثلما حدث عندما غازل الإرهابيين الأفغان».
ويقول بيكديل في تقرير نشره معهد جيتستون الأميركي إنه منذ استيلاء «طالبان» على السلطة في أفغانستان، أدلى الرئيس التركي رجب طيب إردوغان بكثير من التصريحات، وأجرى كثيراً من المحادثات بشأن التطورات والوضع الجديد في أفغانستان، بهدف تعزيز موقفه.
وأوضح بيكديل أنه عندما غزا الاتحاد السوفياتي أفغانستان، في ديسمبر (كانون الأول)، عام 1979، لدعم الحكومة الأفغانية الشيوعية، ثم أثناء صراع مع المسلحين الراديكاليين، كانت تركيا تخوض حربها الأهلية بين المتطرفين من اليسار واليمين. وفي سبتمبر (أيلول) من عام 1980، قام الجيش التركي بانقلاب وحظر جميع الأحزاب السياسية، ومن بينها الأحزاب الإسلامية. وأضاف أن الإسلاميين الأتراك أسسوا «حزب الرفاه»، الذي تم حظره أيضا في وقت لاحق. وفي عام 1985، أي في منتصف الفترة التي شهدت غزو الاتحاد السوفياتي لأفغانستان، كان إردوغان، الذي كان يبلغ من العمر 31 عاماً في ذلك الوقت، هو الرئيس الإقليمي الديناميكي لـ«حزب الرفاه» في إسطنبول. وفي أحد الأحداث المناهضة للولايات المتحدة والمناهضة للغرب، دعا إردوغان الأفغاني قلب الدين حكمتيار، إلى إسطنبول.
ويشار إلى أن حكمتيار هو زعيم «الحزب الإسلامي قلب الدين» السياسي. وكان المواطنون الأفغان العاديون يعرفونه بأنه «جزار كابل» بسبب قصفه المدينة مراراً دون وجود سبب واضح لذلك. وقبل بضعة أسابيع، عندما كانت سلطة «طالبان» تتزايد في كابل، قام إردوغان من جديد بتغيير موقفه واحتفل بعلاقة حب آيديولوجية تربطه بالإرهابيين في أفغانستان. وقال: «إن فهم وتفسير (طالبان) للإسلام لا يتعارض مع فهمنا»، وهو الأمر الذي صدم ملايين الأتراك من العلمانيين.
ويقول بيكديل إنه بالإضافة إلى ذلك، فإن المبادرات التي قدمها إردوغان لـ«طالبان» لم تقتصر على تسليطه الضوء على تسامحه مع الشريعة فحسب؛ فقد قال إردوغان إن «مؤسساتنا ذات الصلة تعمل على ذلك، وتتضمن إجراء محادثات مع (طالبان)، ومن الممكن أيضاً أن أستقبل زعيم (طالبان)». وأوضح بيكديل أن من أهم نتائج تقدم «طالبان» والتساهل التركي اللاحق إفساد سيطرة «طالبان» على كابل لخطة تركية لترك القوات في العاصمة الأفغانية لتشغيل مطار حميد كرزاي الدولي، وهي مهمة تعج بالمخاطر ولم تتطوع للقيام بها أي دولة أخرى. وقد سعى إردوغان للمهمة، لتسليط الضوء - على ما يبدو - على الأهمية الاستراتيجية لتركيا للدول الغربية، وتحديداً الولايات المتحدة. وبذلك، كان من المرجَّح أنه يأمل في أن يكون له نفوذ أكبر على إدارة بايدن عندما تفاوضت تركيا والولايات المتحدة على أصعب الاختلافات بينهما، ومن بينها فرض عقوبات جديدة محتملة على الحكومة التركية بسبب استحواذها على نظام الدفاع الجوي الروسي الصنع «إس 400».
وباختصار، كان إردوغان يأمل على الأرجح في استغلال الصفقة الخاصة بمطار كابل لإعادة العلاقات المثيرة للجدل بصورة كبيرة مع الولايات المتحدة، من خلال وضع العلاقات الثنائية في إطار المعاملات. وبهذه الطريقة، تحرز تركيا تحت قيادة إردوغان، نقطة في إظهار نفسها على أنها حليف غربي موثوق به. وقال بيكديل إنه قبل أسبوعين فقط من سيطرة «طالبان» على كابل، كانت أنقرة وواشنطن تحاولان تسوية الخلافات بينهما فيما يتعلق بشروط وأحكام سيطرة تركيا على مطار كابل. وحتى 11 من أغسطس (آب)، كانت تركيا ما زالت عازمة على إدارة وحراسة مطار كابل بعد انسحاب القوات الأجنبية الأخرى من أفغانستان.
من ناحية أخرى، تدفق آلاف اللاجئين الأفغان على حدود تركيا البرية مع اليونان، في 28 من أغسطس (آب)، بعد انتشار تكهنات على وسائل التواصل الاجتماعي تفيد بأن اليونان سوف تفتح حدودها أمام اللاجئين الأفغان حتى الأول من سبتمبر (أيلول). ويرى بيكديل أنه يبدو أن إيران، من جانبها، تأمل في «ضرب عصفورين بحجر واحد»؛ فمن خلال تسهيل رحلة المواطنين الأفغان غير الشرعيين إلى تركيا ونحو اليونان، بصورة منهجية، قد يؤدي ذلك إلى زعزعة استقرار كل من تركيا وأوروبا.
ومن المفترض أن رجال الدين في إيران سيكونون سعداء جداً بنقل عشرات الآلاف من الأفغان إلى حدود بلادهم الصعبة مع تركيا.
وسيكون الباقي بعد ذلك هو مشكلة الأتراك السنّة والغرب. ويختتم بيكديل تقريره بقوله إن حكمتيار الذي تربطه بإردوغان علاقات منذ عام 1985 يجري حالياً مباحثات مع طالبان وإردوغان بشأن مستقبل أفغانستان، بينما يجري إردوغان مباحثات مع «طالبان» وربما يحاول تحديد خطوته التالية. فبعد أن فقد إردوغان ورقة مساومة بالنسبة لتعاملاته المستقبلية مع بايدن والولايات المتحدة بسبب فشل خطته للقيام بحراسة مطار كابل، ونظراً لآيدولوجيته المعادية للغرب منذ وقت طويل، ربما يسعى لتشكيل تحالف مع أي جماعة أو جماعات إسلامية تحكم أفغانستان في المستقبل القريب.



عودة ترمب تضع قادة العالم في مأزق: تهانٍ دبلوماسية بعد انتقادات لاذعة

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (يمين) يصافح الرئيس دونالد ترمب (د.ب.أ)
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (يمين) يصافح الرئيس دونالد ترمب (د.ب.أ)
TT

عودة ترمب تضع قادة العالم في مأزق: تهانٍ دبلوماسية بعد انتقادات لاذعة

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (يمين) يصافح الرئيس دونالد ترمب (د.ب.أ)
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (يمين) يصافح الرئيس دونالد ترمب (د.ب.أ)

عاد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، إلى البيت الأبيض بعد فوزه في انتخابات 2024، مما وضع عدداً من قادة العالم في موقف دبلوماسي حرج، حيث وجدوا أنفسهم مجبرين على مواجهة تعليقاتهم السابقة، التي شنَّت هجمات قاسية عليه. وبينما كانوا ينتقدون سياساته خلال ولايته الأولى، فإنهم اليوم يصوغون رسائل تهنئة ويدخلون في محادثات دافئة معه، استعداداً لمرحلة جديدة من العلاقات بين بلدانهم والولايات المتحدة. وفقاً لصحيفة «واشنطن بوست».

في أوروبا، تزداد المخاوف بشأن تداعيات عودة ترمب على الأمن القاري، خصوصاً في ظل تصريحاته السابقة التي أشار فيها إلى أن حلف «الناتو» لا يفي بالتزاماته المالية.

في المملكة المتحدة، اضطر ديفيد لامي، وزير الخارجية الحالي في حكومة حزب «العمال»، إلى تقديم تهنئة رسمية لترمب، رغم سجله السابق في انتقاده، حيث كان قد وصفه بأنه «عنصري، ومعتل نفسي، وتهديد للنظام الدولي». ويأتي ذلك في سياق تعليقات ساخرة من المعارضة السياسية ووسائل الإعلام، حيث عنونت صحيفة «ديلي ستار» البريطانية على صفحتها الأولى بـ«هذا محرج».

حتى رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، الذي بارك فوز ترمب، واجه تلميحات ساخرة من الزعيمة الجديدة لحزب المحافظين، كيمي بادنوش، التي تساءلت عمّا إذا كان ستارمر قد اعتذر لترمب عن تصريحات لامي السابقة. وفي حين لم يرد ستارمر مباشرة، فإنه أشار إلى أن لقاءه الأخير ترمب كان بنّاءً للغاية.

وفي فرنسا، هنَّأ الرئيس إيمانويل ماكرون الرئيس الأميركي المنتخب ترمب، عبر محادثة وصفها مكتبه بـ«الدافئة»، رغم علاقة شابها كثير من التوتر خلال ولاية ترمب السابقة. فبعد فترة من المصافحات الحماسية والخلافات السياسية، يستعد ماكرون الآن للتعامل مع ترمب في قضايا دولية ملحة، مثل الحرب في أوكرانيا، والصراع في الشرق الأوسط.

وعلى غرار الساسة الأوروبيين، قام سفير أستراليا في واشنطن، كيفن رود، بحذف منشورات سابقة وصف فيها ترمب بأنه «مدمر، وخائن للغرب». وأعرب رود عن استعداده للعمل مع الإدارة الأميركية الجديدة؛ لتعزيز العلاقات الثنائية.

يشير المشهد الحالي إلى أن العودة السياسية لترمب قد تضع علاقات الولايات المتحدة مع حلفائها على محك جديد، خصوصاً في ظل تحديات دولية تتطلب تنسيقاً مشتركاً، في حين يبرز المأزق الذي يواجهه قادة العالم بين تصريحاتهم السابقة والواقع السياسي الجديد.