تباين تغطية اللقاحات داخل «مجموعة العشرين»

وزراء الصحة يتبنون «ميثاق روما»

وزير الصحة الإيطالي روبرتو سبيرانزا في ختام اجتماعات وزراء الصحة بروما أمس (إ.ب.أ)
وزير الصحة الإيطالي روبرتو سبيرانزا في ختام اجتماعات وزراء الصحة بروما أمس (إ.ب.أ)
TT

تباين تغطية اللقاحات داخل «مجموعة العشرين»

وزير الصحة الإيطالي روبرتو سبيرانزا في ختام اجتماعات وزراء الصحة بروما أمس (إ.ب.أ)
وزير الصحة الإيطالي روبرتو سبيرانزا في ختام اجتماعات وزراء الصحة بروما أمس (إ.ب.أ)

شدد وزراء الصحة لـ«مجموعة العشرين»، في ختام اجتماعهم في روما أمس (الاثنين)، على أهمية شمولية العناية الصحية ضد فيروس «كورونا»، بغض النظر عن الوضع الاقتصادي أو الاعتبارات الجغرافية أو العرقية، موضحين أن «تطبيق هذا المبدأ على الحملة لمكافحة الجائحة يستدعي إيصال اللقاحات إلى جميع بلدان العالم بأسرع وقت ممكن».
وكشف وزير الصحة الإيطالي، روبرتو سبيرانزا، أن التباين في معدلات التغطية اللقاحية واضح، ليس حول العالم فحسب بل أيضاً داخل مجموعة العشرين ذاتها، إذ إن دولاً مثل إيطاليا وكندا والصين وبريطانيا وفرنسا وإسبانيا، تجاوزت فيها هذه المعدلات 70 في المائة، بينما لا تزال نسبة الذين تناولوا جرعة واحدة دون 16 في المائة في جنوب أفريقيا، و23 في المائة في إندونيسيا، و37 في المائة في الهند.
وجاءت تصريحات الوزير الإيطالي في ختام يومين من المناقشات لوزراء الصحة في مجموعة العشرين، حيث اعتمدوا «ميثاق روما» الذي قال سبيرانزا إن عموده الفقري يقوم على «تلقيح جميع السكان وتعزيز النظم الصحية والتأهب لمواجهة الجوائح المقبلة، ليس فقط في البلدان الغنية بل أيضا في البلدان الفقيرة».
وفي الجلسة الختامية أمس، التي خصصت للبحث في التداعيات الاقتصادية والإنمائية لجائحة (كوفيد - 19) قال المحاضر في جامعة كولومبيا الأميركية، جيفري ساكس، إن هذه الأزمة الصحية ستؤدي إلى تأخير تحقيق أهداف التنمية المستدامة لعدة عقود في معظم البلدان النامية. وأضاف ساكس أن آلية «كوفاكس» التي تشرف عليها منظمة الصحة العالمية لتوزيع اللقاحات على البلدان النامية والفقيرة تعاني من عجز كبير في اللقاحات إذ تحتاج لأكثر من 12 مليار جرعة لحماية جميع البلدان ومنع ظهور متحورات جديدة للفيروس، ودعا إلى إسقاط مفاعيل براءات اختراعات اللقاحات ضد كوفيد والإسراع في نقل التكنولوجيا لإنتاج اللقاحات في بلدان مثل إندونيسيا والهند وجنوب أفريقيا.
ومن جهته لمح وزير الصحة الفرنسي أوليفيه فيران إلى أن بلاده قد تتجه هي أيضا إلى فرض اللقاح على جميع السكان إذا اقتضى المشهد الوبائي ذلك، علماً بأن فرنسا تواجه منذ فترة احتجاجات واسعة ضد فرض اللقاح للسفر في وسائل النقل العام وارتياد العديد من الأماكن العامة. وقال فيران إن «الجائحة أظهرت ضرورة النظام المتعدد الأطراف والتنسيق الدولي، ومجموعة العشرين التي تشكل منتدى مثالياً للعمل في هذا الاتجاه». وكان الوزير الفرنسي قد عرض على المجموعة تبني اقتراح لإصلاح منظمة الصحة العالمية بهدف زيادة فاعليتها وتعزيز استقلاليتها وشفافيتها.
وبعد أن باشرت عدة دول منذ فترة بفرض التلقيح لبعض الفئات من سكانها، وفيما تتحاشى معظم الحكومات فتح هذا الملف المثير للجدل، تستعد إيطاليا لتكون الدولة الغربية الأولى التي تقرر إلزامية اللقاح لجميع سكانها، في الوقت الذي يرتفع منسوب الاحتجاجات ضد هذا الإجراء في المجتمع الإيطالي وتتسع جبهة المعارضين له حتى داخل الحكومة.
ويذكر أن فرنسا كانت أول دولة أوروبية تفرض تناول اللقاح على جميع العاملين في القطاع الصحي والخدمات الأساسية التي تقتضي التواصل المباشر مع الجمهور، فيما تفرض 21 دولة عضوة في الاتحاد الأوروبي اللقاح ضد (كوفيد - 19) لحضور المباريات الرياضية والحفلات الموسيقية والملاهي والمقاهي والمسابح والأعراس. لكن في إيطاليا التي فرضت حتى الآن اللقاح الإلزامي في قطاعي الصحة والتعليم، تعتزم الحكومة فرض اللقاح على جميع السكان، عندما تسمح الظروف بذلك، كما صرح أمس رئيس الوزراء ماريو دراغي. وتجدر الإشارة أيضا إلى أن عدداً من الولايات الأميركية باشرت بفرض اللقاح على موظفي القطاع العام ومنع دخول غير الملقحين إلى بعض الأماكن العامة، وذلك بعد الارتفاع المطرد في عدد الإصابات الجديدة والوفيات التي يزيد متوسطها اليومي عن 1500 منذ أواسط الشهر الماضي.
وفيما يذكر الخبراء بأن الجدل حول إلزامية اللقاح ليس جديداً في أوروبا، حيث إن معظم لقاحات الأطفال إلزامية في 11 دولة، يقول المعترضون إن التجربة دلت على أن فرض اللقاح من شأنه أن يؤتي عكس النتيجة المنشودة، إذ يزيد عدد الرافضين له والممتنعين عن الالتزام بتدابير التباعد الاجتماعي واستخدام الكمامات الواقية، فضلاً عن المشكلات القانونية التي يثيرها، حيث إن بعض المحاكم العليا في أوروبا رفضت اعتبار شهادة التلقيح شرطاً ملزماً لدخول الأماكن العامة.
وبعد أن انضم حزب الرابطة اليميني، المشارك في الائتلاف الحاكم في إيطاليا إلى المعارضين لفرض اللقاح على جميع السكان، صرح وزير الصحة بأن الحكومة ما زالت تراقب تطور المشهد الوبائي ولم تحزم أمرها بعد من اللقاح الإجباري، مذكراً بأن التلقيح لا يهدف إلى حماية الذين يتناولون اللقاح فحسب، بل إلى حماية المجتمع من الوباء عن طريق المناعة الجماعية.


مقالات ذات صلة

«كوفيد طويل الأمد»: حوار طبي حول أحدث التطورات

صحتك «كوفيد طويل الأمد»: حوار طبي حول أحدث التطورات

«كوفيد طويل الأمد»: حوار طبي حول أحدث التطورات

يؤثر على 6 : 11 % من المرضى

ماثيو سولان (كمبردج (ولاية ماساشوستس الأميركية))
صحتك أطباء يحاولون إسعاف مريضة بـ«كورونا» (رويترز)

«كورونا» قد يساعد الجسم في مكافحة السرطان

كشفت دراسة جديدة، عن أن الإصابة بفيروس كورونا قد تساعد في مكافحة السرطان وتقليص حجم الأورام.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
أوروبا الطبيب البريطاني توماس كوان (رويترز)

سجن طبيب بريطاني 31 عاماً لمحاولته قتل صديق والدته بلقاح كوفيد مزيف

حكم على طبيب بريطاني بالسجن لأكثر من 31 عاماً بتهمة التخطيط لقتل صديق والدته بلقاح مزيف لكوفيد - 19.

«الشرق الأوسط» (لندن )
الاقتصاد السعودية تصدرت قائمة دول «العشرين» في أعداد الزوار الدوليين بـ 73 % (واس)

السعودية الـ12 عالمياً في إنفاق السياح الدوليين

واصلت السعودية ريادتها العالمية بقطاع السياحة؛ إذ صعدت 15 مركزاً ضمن ترتيب الدول في إنفاق السيّاح الدوليين.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
صحتك تم تسجيل إصابات طويلة بـ«كوفيد- 19» لدى أشخاص مناعتهم كانت غير قادرة على محاربة الفيروس بشكل كافٍ (رويترز)

قرار يمنع وزارة الصحة في ولاية إيداهو الأميركية من تقديم لقاح «كوفيد»

قرر قسم الصحة العامة الإقليمي في ولاية إيداهو الأميركية، بأغلبية ضئيلة، التوقف عن تقديم لقاحات فيروس «كوفيد-19» للسكان في ست مقاطعات.

«الشرق الأوسط» (أيداهو)

كيف كسرت الحرب في أوكرانيا المحرّمات النووية؟

نظام صاروخي باليستي عابر للقارات من طراز «يارس» الروسي خلال عرض في «الساحة الحمراء» بموسكو يوم 24 يونيو 2020 (رويترز)
نظام صاروخي باليستي عابر للقارات من طراز «يارس» الروسي خلال عرض في «الساحة الحمراء» بموسكو يوم 24 يونيو 2020 (رويترز)
TT

كيف كسرت الحرب في أوكرانيا المحرّمات النووية؟

نظام صاروخي باليستي عابر للقارات من طراز «يارس» الروسي خلال عرض في «الساحة الحمراء» بموسكو يوم 24 يونيو 2020 (رويترز)
نظام صاروخي باليستي عابر للقارات من طراز «يارس» الروسي خلال عرض في «الساحة الحمراء» بموسكو يوم 24 يونيو 2020 (رويترز)

نجح الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في خلق بيئة مواتية لانتشار أسلحة نووية جديدة في أوروبا وحول العالم، عبر جعل التهديد النووي أمراً عادياً، وإعلانه اعتزام تحويل القنبلة النووية إلى سلاح قابل للاستخدام، وفق تحليل لصحيفة «لوفيغارو» الفرنسية.

في عام 2009، حصل الرئيس الأميركي، باراك أوباما، على «جائزة نوبل للسلام»، ويرجع ذلك جزئياً إلى دعوته إلى ظهور «عالم خالٍ من الأسلحة النووية». وفي ذلك الوقت، بدت آمال الرئيس الأميركي الأسبق وهمية، في حين كانت قوى أخرى تستثمر في السباق نحو الذرة.

وهذا من دون شك أحد أخطر آثار الحرب في أوكرانيا على النظام الاستراتيجي الدولي. فعبر التهديد والتلويح المنتظم بالسلاح الذري، ساهم فلاديمير بوتين، إلى حد كبير، في اختفاء المحرمات النووية. وعبر استغلال الخوف من التصعيد النووي، تمكن الكرملين من الحد من الدعم العسكري الذي تقدمه الدول الغربية لأوكرانيا منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير (شباط) 2022، ومن مَنْع مشاركة الدول الغربية بشكل مباشر في الصراع، وتخويف جزء من سكان هذه الدول، الذين تغلّب عليهم «الإرهاق والإغراءات بالتخلي (عن أوكرانيا) باسم الأمن الزائف».

بدأ استخفاف الكرملين بالأسلحة النووية في عام 2014، عندما استخدم التهديد بالنيران الذرية للدفاع عن ضم شبه جزيرة القرم من طرف واحد إلى روسيا. ومنذ ذلك الحين، لُوّح باستخدام السلاح النووي في كل مرة شعرت فيها روسيا بصعوبة في الميدان، أو أرادت دفع الغرب إلى التراجع؛ ففي 27 فبراير 2022 على سبيل المثال، وُضع الجهاز النووي الروسي في حالة تأهب. وفي أبريل (نيسان) من العام نفسه، استخدمت روسيا التهديد النووي لمحاولة منع السويد وفنلندا من الانضمام إلى «حلف شمال الأطلسي (ناتو)». في مارس (آذار) 2023، نشرت روسيا صواريخ نووية تكتيكية في بيلاروسيا. في فبراير 2024، لجأت روسيا إلى التهديد النووي لجعل النشر المحتمل لقوات الـ«ناتو» في أوكرانيا مستحيلاً. وفي الآونة الأخيرة، وفي سياق المفاوضات المحتملة مع عودة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، جلبت روسيا مرة أخرى الخطاب النووي إلى الحرب، من خلال إطلاق صاروخ باليستي متوسط ​​المدى على أوكرانيا. كما أنها وسعت البنود التي يمكن أن تبرر استخدام الأسلحة الذرية، عبر مراجعة روسيا عقيدتها النووية.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع مع قيادة وزارة الدفاع وممثلي صناعة الدفاع في موسكو يوم 22 نوفمبر 2024 (إ.ب.أ)

التصعيد اللفظي

تأتي التهديدات النووية التي أطلقتها السلطات الروسية في الأساس ضمن الابتزاز السياسي، وفق «لوفيغارو». ولن تكون لدى فلاديمير بوتين مصلحة في اتخاذ إجراء عبر تنفيذ هجوم نووي تكتيكي، وهو ما يعني نهاية نظامه. فالتصعيد اللفظي من جانب القادة الروس ورجال الدعاية لم تصاحبه قط تحركات مشبوهة للأسلحة النووية على الأرض. ولم يتغير الوضع النووي الروسي، الذي تراقبه الأجهزة الغربية من كثب. وتستمر الصين أيضاً في لعب دور معتدل، حيث تحذّر موسكو بانتظام من أن الطاقة النووية تشكل خطاً أحمر مطلقاً بالنسبة إليها.

إن التهوين من الخطاب الروسي غير المقيد بشكل متنامٍ بشأن استخدام الأسلحة النووية ومن التهديد المتكرر، قد أدى إلى انعكاسات دولية كبيرة؛ فقد غير هذا الخطاب بالفعل البيئة الاستراتيجية الدولية. ومن الممكن أن تحاول قوى أخرى غير روسيا تقليد تصرفات روسيا في أوكرانيا، من أجل تغيير وضع سياسي أو إقليمي راهن محمي نووياً، أو إنهاء صراع في ظل ظروف مواتية لدولة تمتلك السلاح النووي وتهدد باستخدامه، أو إذا أرادت دولة نووية فرض معادلات جديدة.

يقول ضابط فرنسي: «لولا الأسلحة النووية، لكان (حلف شمال الأطلسي) قد طرد روسيا بالفعل من أوكرانيا. لقد فهم الجميع ذلك في جميع أنحاء العالم».

من الجانب الروسي، يعتبر الكرملين أن الحرب في أوكرانيا جاء نتيجة عدم الاكتراث لمخاوف الأمن القومي الروسي إذ لم يتم إعطاء روسيا ضمانات بحياد أوكرانيا ولم يتعهّد الغرب بعدم ضم كييف إلى حلف الناتو.

وترى روسيا كذلك أن حلف الناتو يتعمّد استفزاز روسيا في محيطها المباشر، أكان في أوكرانيا أو في بولندا مثلا حيث افتتحت الولايات المتحدة مؤخرا قاعدة عسكرية جديدة لها هناك. وقد اعتبرت موسكو أن افتتاح القاعدة الأميركية في شمال بولندا سيزيد المستوى العام للخطر النووي.