فيما يبدو بأن الاتحاد المسيحي الحاكم في ألمانيا يتجه نحو خسارة الانتخابات العامة التي ستجري بعد أقل من ٣ أسابيع، في حال صدقت استطلاعات الرأي، ازدادت الضغوط عليه بإعلان الحزب الاشتراكي الديمقراطي الذي يحل في الطليعة، بأنه سيسعى لتشكيل حكومة ائتلافية مع حزب الخضر. وقال مرشح الاشتراكيين لمنصب المستشار أولاف شولتز إن الاتحاد المسيحي «مكانه في المعارضة» في تأكيد جديد على أن الاشتراكيين لن يدخلوا في تحالف آخر مع الاتحاد المسيحي بعد الانتخابات. وقال في مقابلة مع صحيفة «تاغس شبيغل» بأنه يفضل «أن يحكم مع الخضر» رغم اعترافه بوجود خلافات حول عدد من الملفات بينهما. وتحدثت كذلك مرشحة حزب الخضر لمنصب المستشارة أنالينا بيروبوك عن تفضيلها الدخول في حكومة ائتلافية مع الاشتراكيين الأقرب عقائدياً إلى حزبها، وليس الاتحاد المسيحي. وفي الانتخابات الأخيرة عام ٢٠١٧، دخل الاتحاد المسيحي برئاسة أنجيلا ميركل آنذاك في مفاوضات دامت قرابة الـ٥ أشهر مع حزب الخضر وحزب الليبراليين في محاولة لتشكيل حكومة ائتلافية بعد رفض الاشتراكيين العودة لحكومة ميركل، ولكن المفاوضات فشلت واضطرت ميركل للعودة والتحالف مع الاشتراكيين الذين وافقوا على دخول الحكومة أيضاً على مضض. وكان الاشتراكيون قد تعهدوا لأنفسهم آنذاك بالجلوس في صفوف المعارضة بعد الخسارة الكبيرة التي أصابتهم في الانتخابات.
ولكن الآن، يشكل صعودهم المستمر منذ أسابيع مفاجأة للكثيرين، ويعيد المحللون الفضل في هذا الصعود لمرشحهم شولتز ولأخطاء ارتكبها منافسوه في الاتحاد المسيحي (أرمين لاشيت) وحزب الخضر (أنانلينا بيربوك) أدت لتراجع حظوظهما. وأضافت بيربوك «هفوة» جديدة قد تنعكس تراجعاً أكبر لها في الاستطلاعات، برفضها الإدلاء بمقابلة لصحيفة «بيلد» الشعبية الأكثر انتشاراً في ألمانيا. وخرجت «بيلد» بطبعتها يوم الأحد تاركة نصف الصفحة ٨ فارغة مع عنوان يقول: «سيدة بيربوك هذه المساحة كانت متروكة لك»، وتحتها مقدمة تشرح بأن بيربوك بقيت لأسابيع طويلة مترددة بالموافقة على إعطائنا مقابلة وتحججت بعدم توفر الوقت. وأضافت الصحيفة أن المرشحين الآخرين لاشيت وشولتز كلاهما حددا موعداً وذكرت بيربوك بأن كل المرشحين السابقين من حزب الخضر لمنصب المستشار، «وجدوا وقتاً في جدولهم للأداء بمقابلة لبيلد، باستثناء السيدة بيروبوك».
ورغم أن الاشتراكيين يتجهون على ما يبدو للفوز وتشكيل حكومة ائتلافية مع الخضر، سيتعين عليهما إدخال حزب صغير ثالث إلى الحكومة، في حال لم يحققا أغلبية كافية للحكم لوحدهما. وحتى الآن، تشير استطلاعات الرأي إلى أن الاشتراكيين سيحصلون على ٢٥ في المائة من نسبة الأصوات، فيما الاتحاد المسيحي الذي تنتمي إليه أنجيلا ميركل يحصل على ٢٢ في المائة فيما الخضر في المرتبة الثالثة بنسبة ١٦ في المائة.
وسيكون الخيار ضم إما حزب «دي لينكا» اليساري المتطرف وإما الحزب الليبرالي الديمقراطي الذي يشكل الخيار المفضل لشولتز رغم أن الليبراليين يحملون أفكاراً أكثر يمينية من الاشتراكيين والخضر خصوصاً فيما يتعلق برفع الضرائب التي يرفضها الحزب تماماً. وفشلت مفاوضات العام ٢٠١٧ لتشكيل حكومة برئاسة الاتحاد المسيحي تضم الليبراليين والخضر بشكل أساسي لتضارب الأهداف بشكل كبير بين الحزبين الصغيرين. ولكن هذه المرة يبدو الليبراليون أكثر استعداداً لتقديم تنازلات تسمح لهم بدخول الحكومة. ولكن ضم «دي لينكا» يحمل تحديات أكبر كون الحزب يدعو للخروج من حلف الناتو ووقف كل العمليات العسكرية الخارجية التي ينفذها الجيش الألماني. وهذه «المبادئ» يرفضها الاشتراكيون ومرشحهم شولتز الذي هو حالياً نائب المستشارة ووزير المالية. وقال شولتز بأن الدخول في ائتلاف مع «دي لينكا» سيكون محدداً بشروط واضحة لا يمكن التنازل عنها، من بينها تأكيد الالتزام بحلف الناتو. وحزب «دي لينكا» نفسه يبدو بأنه بدأ يستعد للدخول في مفاوضات مع الاشتراكيين والخضر رغم الشروط التي تحدث عنها شولتز. ولكنه قد يكون يعول على «اليسار المتطرف» داخل الحزبين لإدخاله في الحكومة، علماً بأن شولتز وبيوبورك يعدان من الجناح اليميني داخل حزبيهما، وهو ما يقول محللون بأنهما ساعدا الحزبين على حصد شعبية أكبر. ويحاول الحزب اليساري المتطرف الذي يحكم أصلاً في ولاية برلين إلى جانب الاشتراكيين والخضر، استمالة الناخبين من أصول مهاجرة عبر نشر إعلانات انتخابية باللغتين العربية والكردية تتحدث عن «حماية المستأجر»، في إشارة إلى تضمين إعلانهم الانتخابي خططا لإدخال قوانين لتخفيض الإجارات.
وفي المقابل، ومع اقتراب يوم التصويت يستمر الاتحاد المسيحي الحاكم بمحاولات كبيرة لإعادة رفع حظوظ مرشحه أرمين لاشيت الذي يشغل حالياً منصب رئيس وزراء ولاية شمال الراين فستفاليا. وعادت ميركل لتظهر إلى جانب لاشيت في جولة على المناطق التي تضررت من الفيضانات قبل أسابيع، لتعلن دعمها له. وقالت ميركل بأن لاشيت «يقود بنجاح كبير أكبر ولاية في ألمانيا» لتضيف بأن «أي شخص يمكنه أن يقود تلك الولاية يمكنه أيضاً أن يحكم البلاد كمستشار».
وازدادت النقمة في الأيام الماضية على ميركل من داخل حزبها، لعدم مشاركتها بشكل فعال في الحملة الانتخابية وعدم إظهار دعمها الثابت للاشيت. وبدأت الشائعات تنتشر حول مدى دعمها له، وربما تفضيلها لشولتز أو حتى بيربوك التي شوهدت معها مرات كثيرة في خلوات داخل البرلمان على هامش انعقاد جلسات مناقشة.
ألمانيا تتجه نحو حكومة يسارية تضم الاشتراكيين والخضر
ألمانيا تتجه نحو حكومة يسارية تضم الاشتراكيين والخضر
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة