مصدر غربي لـ «الشرق الأوسط»: لا نبحث عن الكمال في الحكومة اللبنانية

شدد على إجراء الانتخابات... وعدم عرقلة باسيل قانون المناقصات العمومية

رئيس الوزراء اللبناني المكلف نجيب ميقاتي في قصر بعبدا يوليو الماضي (إ.ب.أ)
رئيس الوزراء اللبناني المكلف نجيب ميقاتي في قصر بعبدا يوليو الماضي (إ.ب.أ)
TT

مصدر غربي لـ «الشرق الأوسط»: لا نبحث عن الكمال في الحكومة اللبنانية

رئيس الوزراء اللبناني المكلف نجيب ميقاتي في قصر بعبدا يوليو الماضي (إ.ب.أ)
رئيس الوزراء اللبناني المكلف نجيب ميقاتي في قصر بعبدا يوليو الماضي (إ.ب.أ)

تمارس فرنسا والولايات المتحدة «ضغوطاً ناعمة» على المسؤولين اللبنانيين من أجل الإسراع في تأليف الحكومة، فالغرب ينظر إلى الوضع اللبناني حالياً بشعور من القلق العميق جراء التدهور غير المسبوق الذي يعانيه اللبنانيون وبات يؤثر على حياتهم، ويهدد بشكل لا لبس فيه بتداعيات خطرة. ويعتقد الدبلوماسيون الغربيون أن الوضع «لم يعد يحتمل التأجيل، لأن كل يوم يمر من دون حكومة فاعلة يجعل الأمور أصعب».
وما يزيد منسوب القلق لدى الدبلوماسيين الغربيين العاملين في لبنان هو إحجام حكومة تصريف الأعمال عن القيام بشيء لمعالجة الوضع، خصوصاً أن الرئيس حسان دياب كان واضحاً برفض اجتماع الحكومة رغم الظروف التي تعصف بالبلاد، علماً بأنه سمع أكثر من مرة نصائح غربية بالتحرك من منطلق «الظروف القاهرة». كما سمع تساؤلات بطعم الانتقاد اللاذع مفادها أنه «إذا كان الوضع القائم لا يبرر اجتماع الحكومة، فما الذي سيبرره؟».
وفيما يؤكد هؤلاء أنه «لا يوجد سبب يمنع تأليف الحكومة اليوم قبل الغد»، يقول دبلوماسي غربي رفيع المستوى لـ«الشرق الأوسط»: «لم نعد نبحث عن الكمال في الحكومة الجديدة، فبعد أكثر من سنة من دون حكومة، نعرف أنه سيكون هناك بعض المقايضات التي ستحصل من أجل تأليف الحكومة».
وينطلق المسؤولون الغربيون في موقفهم هذا من أن «الحكومة الجديدة ليس مطلوباً منها القيام بالكثير، فعمرها قصير نسبياً، لكن القيام بثلاثة أو أربعة أمور يكفي، وأولها التفاوض مع البنك الدولي كونه الوحيد الذي يمكن أن يؤمن السيولة المطلوبة لإنقاذ الوضع المالي، وهذا يجب أن يترافق مع نصائح من البنك حول كيفية إدارة الأمور للخروج من الأزمة». وبالتالي، فالغرب لم يخفض معاييره فيما خص الحكومة، لكنه يرى أن حكومة «غير مثالية» هي من دون شك أفضل من لا حكومة.
ويشكل «حزب الله» كالعادة، عقبة أمام التعامل الغربي مع الحكومات اللبنانية، من منطلق رفض الأميركيين تحديداً، التعاون مع أي وزارة يستلمها «حزب الله» أو يسمي هو وزيرها. وأبلغ دليل على هذا كان في ذروة وباء «كورونا» عندما امتنع الأميركيون عن التعامل مع وزير الصحة حمد حسن، المحسوب على الحزب، واضطروا إلى محاولة تقديم مساعدات مباشرة لبعض المستشفيات الخاصة والجمعيات، وهو ما قد يتكرر في الحكومة الجديدة إذا ما ذهبت الوزارة مجدداً للحزب.
وشدد المصدر الغربي في حديثه إلى «الشرق الأوسط» على «ضرورة احترام الاستحقاقات الدستورية التي تنتظر لبنان»، وأن الانتخابات النيابية والرئاسية والبلدية المقررة العام المقبل يجب أن تحصل في مواعيدها، وهذا ما تم التأكيد عليه في مجموعة الدعم الدولية للبنان بموافقة معبرة ولافتة من روسيا والصين اللتين تتفاديان عادة الدخول في أي مواضيع جدلية».
لكن عدم التحرك من قبل وزارة الداخلية لإطلاق العمليات التمهيدية للانتخابات لا يطمئن المراقبين الغربيين، كما أن المطالبة بقانون جديد للانتخابات «أمر غير واقعي»، بنظر هؤلاء، «فلبنان هو البلد الوحيد في العالم الذي تتم فيه المطالبة بقانون انتخاب جديد في كل مرة تجرى فيها الانتخابات».
ويرى المصدر أن قانون المناقصات العمومية الذي تم إقراره بأغلبية كبيرة في البرلمان «أمر هام جداً للبنان، لكننا فوجئنا بأن جبران باسيل وغيره اعترضوا عليه. ونحن نأمل بشدة أن لا يمنعوا صدور هذا القانون وتنفيذه لأنه أساسي في محاربة الفساد وبناء الشفافية في عمليات الشراء الحكومية».
وفي مقابل «الجزرة» التي يعبر عنها الدبلوماسيون الغربيون، تبقى هناك «العصا» التي يلوحون بها في وجه معرقلي تشكيل الحكومة، فاستمرار العرقلة القائمة، من شأنه أن يفتح الباب أمام معالجات مختلفة، فالفرنسيون لديهم قدرة ما على التحرك لفرض عقوبات، كما أن القانون الأميركي يمنح الإدارة قدرات مشابهة قد يتم استخدامها في المعرقلين. علماً أن دبلوماسيين غربيين أبلغوا مسؤولين لبنانيين في وقت سابق بإمكانية فرض العقوبات رغم أنها «ليست هدفاً بحد ذاته»، فالعقوبات «مفيدة طالما أنها لم تفرض، إما إذا فرضت فيكون مفعولها قد انتهى»، ولهذا يأمل هؤلاء أن يكون التلويح بالعقوبات دافعاً كبيراً للمسؤولين اللبنانيين لتسهيل قيام الحكومة.
إلى ذلك، علمت «الشرق الأوسط» أن باسيل بدأ اتصالات مع مكاتب محاماة أميركية لبحث موضوع الاعتراض على العقوبات التي فرضتها عليه وزارة الخزانة الأميركية. علماً بأن رفع العقوبات عن الأشخاص المدرجين على لوائح الوزارة، كما في حالته، عملية معقدة ولا تتم من دون أدلة كافية لفرض العقوبات أو رفعها. وكانت لدى واشنطن «أدلة كافية ودامغة» في حالة باسيل، كما أعلن في حينه.
ويعطي القانون الأميركي للمتضررين الحق قانوناً بمعارضة هذا التدبير أمام المحاكم الأميركية، لكن هذا معناه أن الأدلة والوثائق التي استند إليها ستصبح «عامة» وقابلة للنشر.



مصر وأميركا في عهد ترمب: لا عقبات ثنائية... وتباين حول «مفاهيم السلام»

صورة أرشيفية من لقاء بين الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عام 2017 (رويترز)
صورة أرشيفية من لقاء بين الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عام 2017 (رويترز)
TT

مصر وأميركا في عهد ترمب: لا عقبات ثنائية... وتباين حول «مفاهيم السلام»

صورة أرشيفية من لقاء بين الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عام 2017 (رويترز)
صورة أرشيفية من لقاء بين الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عام 2017 (رويترز)

جاء فوز دونالد ترمب بانتخابات الرئاسة الأميركية مُحمّلاً بتطلعات مصرية لتعزيز الشراكة الاستراتيجية بين الجانبين، والعمل معاً من أجل إحلال «سلام إقليمي»، وهو ما عبر عنه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في منشور له عبر حسابه الرسمي على موقع «إكس» الأربعاء، هنأ خلاله الرئيس الأميركي المنتخب.

وقال السيسي: «نتطلع لأن نصل سوياً لإحلال السلام والحفاظ على السلم والاستقرار الإقليمي، وتعزيز علاقات الشراكة الاستراتيجية بين مصر والولايات المتحدة وشعبيهما الصديقين»، وأضاف: «البلدان لطالما قدما نموذجاً للتعاون ونجحا سوياً في تحقيق المصالح المشتركة»، مؤكداً تطلعه إلى مواصلة هذا النموذج في «هذه الظروف الدقيقة التي يمر بها العالم».

وأثارت أنباء فوز ترمب تفاعلاً على مواقع التواصل الاجتماعي، لتتصدر وسوم عدة الترند في مصر، مصحوبة بمنشورات لتهنئة للرئيس الأميركي المنتخب. وبينما عول سياسيون وإعلاميون مصريون على ترمب لوقف الحرب الدائرة في غزة منذ أكثر من عام، ووضع حد للتصعيد في المنطقة، أكدوا أن «مواقف الرئيس المنتخب غير التقليدية تجعل من الصعب التنبؤ بسياسة الإدارة الأميركية في السنوات الأربع المقبلة».

ولا يرى الإعلامي وعضو مجلس النواب المصري (البرلمان) مصطفى بكري «اختلافاً بين ترمب ومنافسته الخاسرة كامالا هاريس من القضية الفلسطينية»، لكنه أعرب في منشور له عبر «إكس» عن سعادته بفوز ترمب، وعده «هزيمة للمتواطئين في حرب الإبادة».

أما الإعلامي المصري أحمد موسى فعد فوز ترمب هزيمة لـ«الإخوان»، ومن وصفهم بـ«الراغبين في الخراب». وقال في منشور عبر «إكس» إن هاريس والرئيس الأميركي جو بايدن «كانوا شركاء في الحرب» التي تشنها إسرائيل على لبنان وغزة.

وعول موسى على ترمب في «وقف الحروب بالمنطقة وإحلال السلام وعودة الاستقرار». وكذلك أعرب الإعلامي المصري عمرو أديب عن أمله في أن «يتغير الوضع في المنطقة والعالم للأفضل بعد فوز ترمب».

مفاهيم السلام

رئيس المجلس المصري للشؤون الخارجية ووزير خارجية مصر الأسبق، السفير محمد العرابي، أكد أن «العلاقات بين مصر والولايات المتحدة لن تواجه عقبات أو مشكلات على المستوى الثنائي خلال عهد ترمب»، لكنه أشار إلى أن «مواقف الرئيس المنتخب من القضية الفلسطينية وأفكاره غير التقليدية بشأنها قد تكون أحد الملفات الشائكة بين القاهرة وواشنطن».

وأوضح العرابي لـ«الشرق الأوسط» أن «ترمب يتبنى مفاهيم عن السلام في الإقليم ربما تختلف عن الرؤية المصرية للحل»، مشيراً إلى أن «القضية الفلسطينية ستكون محل نقاش بين مصر والولايات المتحدة خلال الفترة المقبلة».

وتبنى ترمب خلال ولايته الأولى مشروعاً لإحلال «السلام» في الشرق الأوسط عُرف باسم «صفقة القرن»، والتي يرى مراقبون أنه قد يعمل على إحيائها خلال الفترة المقبلة.

وعدّ سفير مصر الأسبق في واشنطن عبد الرؤوف الريدي وصول ترمب للبيت الأبيض «فرصة لتنشيط التعاون بين مصر والولايات المتحدة لوقف الحرب في غزة، وربما إيجاد تصور لكيفية إدارة القطاع مستقبلاً».

وقال الريدي لـ«الشرق الأوسط» إن «ترمب يسعى لتحقيق إنجازات وهو شخص منفتح على الجميع ووجوده في البيت الأبيض سيحافظ على الشراكة الاستراتيجية بين القاهرة وواشنطن».

تصحيح العلاقات

من جانبه، رأى مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق السفير حسين هريدي أن فوز ترمب بمثابة «عودة للعلاقات الاستراتيجية القائمة على المصالح المشتركة بين القاهرة وواشنطن». وقال لـ«الشرق الأوسط»: إن «فوز ترمب هو تدعيم للعلاقة بين القيادة المصرية والبيت الأبيض»، مشيراً إلى أن الرئيس المصري لم يزر البيت الأبيض طوال أربع سنوات من حكم بايدن، واصفاً ذلك بأنه «وضع غريب في العلاقات الثنائية سيتم تصحيحه في ولاية ترمب».

وأضاف هريدي أن «فوز ترمب يسدل الستار على الحقبة الأوبامية في السياسة الأميركية، والتي بدأت بتولي الرئيس الأسبق باراك أوباما عام 2009 واستُكملت في ولاية جو بايدن الحالية»، وهي حقبة يرى هريدي أن واشنطن «انتهجت فيها سياسات كادت تؤدي إلى حرب عالمية ثالثة». ورجح أن تعمل إدارة ترمب على «وقف الحروب وحلحلة الصراعات في المنطقة».

وزار الرئيس المصري السيسي البيت الأبيض مرتين خلال فترة حكم ترمب عامي 2017 و2019. وقال ترمب، خلال استقباله السيسي عام 2019، إن «العلاقات بين القاهرة وواشنطن لم تكن يوماً جيدة أكثر مما هي عليه اليوم، وإن السيسي يقوم بعمل عظيم».

لكن السيسي لم يزر البيت الأبيض بعد ذلك، وإن التقى بايدن على هامش أحداث دولية، وكان أول لقاء جمعهما في يوليو (تموز) 2022 على هامش قمة جدة للأمن والتنمية، كما استقبل السيسي بايدن في شرم الشيخ نهاية نفس العام على هامش قمة المناخ «كوب 27».

بدوره، أكد أستاذ العلوم السياسية في جامعة قناة السويس الدكتور جمال سلامة أن «مصر تتعامل مع الإدارة الأميركية أياً كان من يسكن البيت الأبيض». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «العلاقات مع واشنطن لن تتأثر بفوز ترمب، وستبقى علاقات طبيعية متوازنة قائمة على المصالح المشتركة».

وعد مستخدمون لمواقع التواصل الاجتماعي فوز ترمب فرصة لحلحلة ملف «سد النهضة»، الذي لعبت فيه الولايات المتحدة دور الوسيط عام 2019.

وهنا أكد العرابي أنه «من السابق لأوانه معرفة الدور الذي ستلعبه إدارة ترمب في عدد من الملفات المهمة لمصر ومن بينها (سد النهضة)»، وقال: «ترمب دائماً لديه جديد، وطالما قدم أفكاراً غير تقليدية، ما يجعل التنبؤ بمواقفه أمراً صعباً».

بينما قال هريدي إن «قضية سد النهضة ستحل في إطار ثنائي مصري - إثيوبي»، دون تعويل كبير على دور لواشنطن في المسألة لا سيما أنها «لم تكمل مشوار الوساطة من قبل».