قوات غينيا الخاصة تنقلب على الرئيس وتحلّ المؤسسات

أعلنت إلغاء الدستور وإغلاق الحدود البرية والجوية

الرئيس ألفا كوندي عقب احتجازه من طرف الانقلابيين أمس (أ.ف.ب)
الرئيس ألفا كوندي عقب احتجازه من طرف الانقلابيين أمس (أ.ف.ب)
TT

قوات غينيا الخاصة تنقلب على الرئيس وتحلّ المؤسسات

الرئيس ألفا كوندي عقب احتجازه من طرف الانقلابيين أمس (أ.ف.ب)
الرئيس ألفا كوندي عقب احتجازه من طرف الانقلابيين أمس (أ.ف.ب)

أعلن ضباط من القوات الخاصة الغينية، أمس (الأحد)، القبض على الرئيس ألفا كوندي و«حل» مؤسسات الدولة، لكن الفوضى كانت تعم كوناكري لا سيما لمعرفة من يسيطر على الوضع وفق وكالة الصحافة الفرنسية.
وأكدت وزارة الدفاع أنها صدت هجوم القوات الخاصة على الرئاسة، رغم بث فيديو يظهر الرئيس كوندي بين أيدي الانقلابيين.
وقال قائد القوات الخاصة اللفتنانت كولونيل مامادي دومبويا، وهو إلى جانب الانقلابيين الذين كانوا يرتدون بزات عسكرية ويحملون السلاح، في فيديو أُرسل إلى مراسل وكالة الصحافة الفرنسية: «لقد قررنا بعد القبض على الرئيس الذي بات حالياً في أيدينا، حل الدستور الساري وحل المؤسسات وقررنا أيضاً حل الحكومة وإغلاق الحدود البرية والجوية».
وبث الانقلابيون فيديو للرئيس كوندي مقبوضاً عليه، فيما رفض ألفا كوندي وهو جالس على كنبة ويرتدي بنطال جينز وقميصاً، الإجابة حين سئل إن كان قد تعرض لسوء معاملة. من جهتها، قالت وزارة الدفاع في بيان إن «المتمردين (أثاروا) الرعب» في كوناكري قبل السيطرة على القصر الرئاسي، غير أن «الحرس الرئاسي مسنوداً بقوات الدفاع والأمن، و(القوات) الموالية والجمهورية، احتووا التهديد وصدوا مجموعة المعتدين».
وقبل ذلك بساعات قليلة، سُمع إطلاق نار كثيف من أسلحة رشاشة وسط عاصمة غينيا كوناكري، في منطقة كالوم، حيث مقر الرئاسة والمؤسسات والأعمال في هذه الدولة الواقعة في غرب أفريقيا والتي تشهد أزمة اقتصادية وسياسية منذ أشهر.
وقالت إحدى قاطنات حي تومبو القريب من وسط العاصمة: «لقد رأيت رتلاً من الآليات العسكرية على متنها جنود متحمسون يطلقون النار في الهواء ويرددون هتافات عسكرية». وأضافت لوكالة الصحافة الفرنسية رافضة الكشف عن اسمها لأسباب أمنية، أن «الجنود كانوا مقنعين» ويتجهون نحو كالوم.
بدوره، قال أحد سكان منطقة كوليا إنه سمع إطلاق نار كثيف في وقت مبكر صباحاً. وأضاف «أسرعت إلى النافذة ورأيت آليات عسكرية تتجه نحو وسط كالوم».
وقال دبلوماسي غربي رفض الكشف عن اسمه، إن هذا التوتر قد يكون نجم عن محاولة استبعاد قائد القوات الخاصة على خلفية تنافس داخل القوات المسلحة، لا سيما أن هذه الوحدة تستفيد من امتيازات أكثر من القوات الأخرى.
وأشار سكان في اتصال هاتفي من كالوم إلى إطلاق نار كثيف، قائلين إنهم رأوا عدداً كبيراً من الجنود يطلبون من السكان العودة إلى منازلهم وعدم الخروج.
وكان وسط كوناكري قد استيقظ على إغلاق مداخل قامت به قوات الأمن قبل يومين من الانتخابات الرئاسية في 18 أكتوبر (تشرين الأول) 2020، فيما أشارت الصحافة إلى تمرد في معسكر في كينديا على بعد مائة كلم شرق العاصمة. وفي 19 يوليو (تموز) 2011، نجا كوندي الذي كان انتخب قبل ذلك بسنة، من هجوم شنه عسكريون على مقره.
ومنذ أشهر، تشهد هذه الدولة الواقعة في غرب أفريقيا وتعد بين الأفقر في العالم رغم مواردها المنجمية والمائية الكبرى، أزمة سياسية واقتصادية عميقة تفاقمت من جراء (كوفيد - 19). وتسبب ترشح كوندي لولاية ثالثة عام 2020 بتوتر استمر لأشهر، وخلف عشرات القتلى في بلد معتاد على المواجهات السياسية الدامية. وتم اعتقال عشرات المعارضين قبل وبعد الانتخابات.
بدأ كوندي (83 عاماً) ولايته الثالثة في ديسمبر (كانون الأول) 2020 رغم طعون من منافسه الرئيسي سيلو دالين ديالو، وثلاثة مرشحين آخرين نددوا «بحشو صناديق» وتجاوزات من كل الأنواع. وأصبح كوندي وهو معارض سابق تاريخياً، عام 2010 أول رئيس ينتخب ديمقراطياً في غينيا بعد عقود من أنظمة سلطوية.
ويندد مدافعون عن حقوق الإنسان بنزعة سلطوية سجلت خلال رئاسته على مر السنوات، والتي أدت إلى التشكيك في المكتسبات التي تحققت في بداية عهده.
دفع كوندي في اتجاه اعتماد دستور جديد في مارس (آذار) 2020، رغم الاحتجاجات، وقال إنه «يحدث المؤسسات» ويعطي «مكانة أكبر» للنساء والشباب. ونددت المعارضة آنذاك بـ«انقلاب» دستوري، وتم قمع حركة الاحتجاج بالقوة عدة مرات.



للمرة الأولى منذ عقود... مقاتلات فرنسا تغادر سماء تشاد

جنود فرنسيون يودعون أقرانهم التشاديين خلال مغادرة المقاتلات الفرنسية الثلاثاء (الجيش الفرنسي)
جنود فرنسيون يودعون أقرانهم التشاديين خلال مغادرة المقاتلات الفرنسية الثلاثاء (الجيش الفرنسي)
TT

للمرة الأولى منذ عقود... مقاتلات فرنسا تغادر سماء تشاد

جنود فرنسيون يودعون أقرانهم التشاديين خلال مغادرة المقاتلات الفرنسية الثلاثاء (الجيش الفرنسي)
جنود فرنسيون يودعون أقرانهم التشاديين خلال مغادرة المقاتلات الفرنسية الثلاثاء (الجيش الفرنسي)

سحب الفرنسيون من تشاد، الثلاثاء، مقاتلات عسكرية من طراز «ميراج 2000»، ليصبح البلد الأفريقي مترامي الأطراف والحبيس في قلب القارة السمراء، خالياً من أي مقاتلات فرنسية لأول مرة منذ أن نال استقلاله عن باريس قبل 6 عقود.

اليوم، أصبحت سماء تشاد هادئة من أزيز «الميراج» الفرنسية، وأغمضت العين الفرنسية التي ظلّت لعقود طويلة رقيباً لا يغفل على أرض تشاد الشاسعة، الممتدة من صحراء أوزو الحارقة شمالاً، وصولاً إلى أحواض بحيرة تشاد الرطبة في أقاصي الجنوب.

الطائرة التي تُمثّل فخر الصناعة العسكرية الفرنسية، ظلّت لسنوات طويلة صاحبة الكلمة الأولى في السماء التشادية، والسلاح الحاسم الذي تدخّل لقلب موازين السياسة أكثر من مرة، خصوصاً حين حاصر المتمردون القادمون من الشمال الرئيسَ الراحل إدريس ديبي في 2006 و2019.

بداية الرحيل

طائرة «ميراج» فرنسية وهي تغادر قاعدة «غوسي» التشادية الثلاثاء (الجيش الفرنسي)

في حدود منتصف نهار الثلاثاء، كان الجنود الفرنسيون في قاعدة «غوسي» العسكرية في عاصمة تشاد إنجامينا، يتبادلون الابتسامات الباهتة مع أقرانهم التشاديين، فطغت على أجواء الوداع حميمية مصطنعة، وهم يستعدون لركوب طائرات «الميراج»، في رحلة ذهاب دون عودة، نحو فرنسا.

رفع الطيار العسكري الفرنسي يده بتحية عسكرية صارمة، من وراء زجاج طائرته النفاثة، وألقى نظرة أخيرة، ثم حلّق عالياً لتكون بذلك بداية انسحاب فرنسي من بلد دخله أجداده مستعمرين مطلع القرن العشرين، أي قبل 120 عاماً.

الجيش الفرنسي قال في بيان مقتضب تعليقاً على سحب طائراته العسكرية، إن القرار جاء بعد أن قررت تشاد إنهاء العمل باتفاقية التعاون الأمني والعسكري مع فرنسا، يوم 28 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي. وأضاف أن «وجود هذه الطائرات كان تلبية لحاجة سبق أن عبّر عنها الشريك (التشادي)».

فيما قال مصدر فرنسي إن وجود المقاتلات الفرنسية في تشاد لم يعُد مبرّراً بعد إنهاء التعاون العسكري بين البلدين، وأضاف أن «فرنسا تنهي نشر مقاتلاتها في قاعدة (غوسي) الجوية في إنجامينا. والجيش الفرنسي اتخذ قراراً بسحب طائراته الحربية».

رحيل تدريجي

وزير خارجية تشاد، عبد الرحمن كليم الله، نشر تغريدة مقتضبة على موقع «إكس»، قال فيها: «إنه بعد الانسحاب النهائي لمقاتلات (الميراج) الفرنسية وطائرة الدعم والإسناد، نفذت المرحلة الأولى من سحب القوات الفرنسية في تشاد».

كما نشرت الخارجية التشادية بياناً قالت فيه: «إن هذا الحدث يُمثل خطوة كبيرة في تنفيذ الجدول الزمني المتفق عليه بين الطرفين» بخصوص مغادرة القوات الفرنسية، قبل أن تشير إلى أنه «سيتم الترحيل التدريجي للقوات البرية خلال الأسابيع المقبلة».

ويوجد في تشاد نحو ألف جندي فرنسي، كانوا موجودين بموجب اتفاق تعاون عسكري موقع منذ عقود، وجرى تجديده عام 2019، ولكن تشاد قررت الشهر الماضي أن تنهيه من جانب واحد من أجل «تجسيد السيادة» على أراضيها.

وفي هذا السياق، قالت الخارجية التشادية إن الشعب التشادي «يتطلّع إلى مستقبل تحظى فيه السيادة الوطنية بالاحترام الكامل، وتتولى فيه القوات المسلحة الوطنية بشرف وكفاءة الدفاع عن أراضيها وأمن مواطنيها».

ولكنها في الوقت نفسه، شدّدت على «فكّ الارتباط (مع فرنسا) يتم بروح من الاحترام المتبادل والحوار البنّاء للحفاظ على العلاقات الثنائية بين تشاد وفرنسا في المجالات الاستراتيجية الأخرى ذات الاهتمام المشترك».

لجنة مشتركة

جنديان تشاديان خلال مناورات مع سلاح الجو الفرنسي (أرشيف الجيش الفرنسي)

ورغم أن البلدين لم يُعلنا أي تفاصيل حول الجدول الزمني لسحب القوات الفرنسية، فإن المصادر تؤكد تشكيل «لجنة مشتركة» تتولّى الإشراف على العملية، وقد عقدت هذه اللجنة اجتماعها الأول يوم الجمعة الماضي، دون إعطاء أي تفاصيل.

في هذه الأثناء، وصفت صحف فرنسية واسعة الانتشار من بينها «لوموند» ما يجري بأنه «صفعة موجعة» تتلقّاها فرنسا في بلد ظلّ لعقود يمثل حليفاً استراتيجياً في أفريقيا، واليوم يُعدّ آخر مركز نفوذ لفرنسا في منطقة الساحل الأفريقي، حيث سبق أن انسحبت القوات الفرنسية من مالي وبوركينا فاسو والنيجر.

ويصر الفرنسيون على أن ما يحدث في تشاد مختلف عما جرى في دول الساحل الأخرى؛ حيث وقعت قطيعة تامة مع باريس.

ويقول مصدر وصفه الإعلام الفرنسي بأنه قريب من الملف: «إن التشاديين لم يطلبوا سحب القوات بشكل فوري، وبهذه السرعة»، وأضاف: «نحن من أراد التحكم في الانسحاب» تفادياً لأي مفاجآت.