«فيسبوك»... بين محاولات «الهيمنة» ومواجهة دعاوى «الاحتكار»

«فيسبوك»... بين محاولات «الهيمنة» ومواجهة دعاوى «الاحتكار»
TT

«فيسبوك»... بين محاولات «الهيمنة» ومواجهة دعاوى «الاحتكار»

«فيسبوك»... بين محاولات «الهيمنة» ومواجهة دعاوى «الاحتكار»

عاد الحديث من جديد عن مصير مستقبل «فيسبوك»، وقضية «احتكار» سوق مواقع التواصل الاجتماعي، في أعقاب رفع «لجنة التجارة الفيدرالية الأميركية» دعوى جديدة ضد «فيسبوك»، تتهمها فيها بـ«انتهاك قوانين مكافحة الاحتكار الفيدرالية عبر استحواذها على واتساب وإنستغرام». وهي الدعوى التي عدها مراقبون مختلفة عن الدعوى الأولى، وقد تؤدي في المستقبل إلى فرض قيود وقواعد على طريقة عمل فيسبوك وإدارتها لمحتوى التواصل الاجتماعي».
خبراء وصحافيون حاورتهم «الشرق الأوسط» اعتبر بعضهم أن الدعوى المعدلة تتضمن أدلة جديدة حول كيفية انخراط فيسبوك في سلوك احتكاري لمواجهة منافسيها وإبقاء مستخدميها على منصتها من دون ضغوط كافية لتحسين جودة منتجاتها. ولفت هؤلاء إلى أن الدعوى الجديدة مختلفة عندما أعادت لجنة التجارة تعريف معنى الاحتكار، وهو ما كان ينقص الدعوى الأولى. وأيضاً أشار بعض هؤلاء الخبراء والصحافيين إلى أن مثل هذه القضايا دائماً تصب في صالح المستخدم. وتابعوا أن الدعوى الجديدة نسخة أكثر تفصيلاً من الدعوى القضائية التي سبق أن رفعتها لجنة التجارة من قبل. ووفق نص الدعوى الجديدة «تمتلك فيسبوك الآن حصة مهيمنة على سوق خدمات الشبكات الاجتماعية في الولايات المتحدة الأميركية منذ عام 2011». وتعليقاً على الدعوى الجديدة، قالت شركة «فيسبوك» في بيان لها إنه «لم يكن هناك ادعاء حقيقي بأن فيسبوك محتكرة، وهذا لم يتغير».
أنس بنضريف، الصحافي المغربي المقيم في هولندا، قال إنه في ديسمبر (كانون الأول) الماضي «رفعت لجنة التجارة الفيدرالية و46 ولاية أميركية دعوى قضائية ضد فيسبوك، اتهمتها فيها بالاستحواذ على المنافسين في سوق وسائل التواصل الاجتماعي، خاصة واتساب وإنستغرام. وكان الهدف من الدعوى إجبار فيسبوك على إلغاء صفقتي شراء واتساب وإنستغرام. غير أن القضاء الفيدرالي رفض الدعوى في يونيو (حزيران) الماضي، لعدم كفاية الأدلة التي قدمتها اللجنة الفيدرالية إلى الادعاء بأن متهمة فيسبوك بالضلوع بعمليات احتكارية، ومنح القضاء (اللجنة) 30 يوماً لتقديم مزيد من التفاصيل».
بنضريف ذكر بأن «الكونغرس الأميركي وضع قوانين مكافحة الاحتكار من أجل الحفاظ على المنافسة بين الشركات، ومنع أي عمل تجاري واحد من السيطرة على صناعة واحدة وبناء احتكار». وحسب «لجنة التجارة الفيدرالية الأميركية» فإن «المنافسة بين الشركات تمنح حوافز قوية للعمل بكفاءة والحفاظ على انخفاض الأسعار والحفاظ على الجودة».
من جهته، قال فادي رمزي، خبير مواقع التواصل الاجتماعي المصري، إن «المشهد هذه المرة مختلف، إذ إن لجنة التجارة الفيدرالية الأميركية ترأسها اليوم لينا خان، وهي متخصصة في قوانين منع الاحتكار، ولديها تاريخ من المواقف الصارمة مع الشركات التي تنتهج سياسات احتكارية. وهذا ما دفع فيسبوك إلى الإعراب عن تخوفها فور تولي خان رئاسة اللجنة، وبالفعل كانت مخاوف فيسبوك في محلها. إذ أعادت خان فتح القضية فور توليها المسؤولية، وبشكل ذكي وفعال». ويشار هنا إلى أن هذه ليست المرة الأولى التي تواجه فيها شركات إعلامية قضايا من هذا النوع، ففي عام 1928 رُفعت قضية مماثلة ضد شركة «بارامونت بيكتشرز» وسبعة من كبار استوديوهات الأفلام في هوليوود، بحجة «انتهاكها قوانين مكافحة الاحتكار». واستمرت القضية حتى أصدرت المحكمة العليا الأميركية» حكمها ضد «بارامونت» في مايو (أيار) عام 1948 بـ«وقف الممارسات الاحتكارية المتعلقة بحجوزات الأفلام في دور العرض، والتخلي عن بعض دور العرض الخاصة بهم من أجل تمكين المنتجين المستقلين من منافسة الشركات الكبرى».
وحالياً تُنظر قضايا مماثلة ضد ما يسمى بـ«عمالقة التكنولوجيا» مثل «غوغل» و«أمازون» و«آبل» الهدف منها الحد من سيطرة هذه الشركات الضخمة على السوق. ولقد أصدرت لجنة فرعية لمكافحة الاحتكار تابعة للجنة القضائية بالكونغرس الأميركي خلال أكتوبر (تشرين الأول) 2020 تقريراً من 450 صفحة، اعتبرت فيه أن «شركات التكنولوجيا الأربع الكبار غوغل وأمازون وآبل وفيسبوك تعمل كحارس بوابة بالنسبة لسوق التكنولوجيا» وتستغل قوتهم لفرض مزيد من الهيمنة على سوق التكنولوجيا.... مطالبة في حينه بكبح جماح هذه الشركات، التي تزيد قيمتها السوقية على 5 تريليونات دولار أميركي.
عودة إلى بنضريف الذي أوضح أن لجنة التجارة الفيدرالية الأميركية في إعادتها رفع الدعوى القضائية، وبدلاً من اتباع نهج جديد، ما زالت تتمسك بادعاءاتها الرئيسية ضد فيسبوك. وهذا يشكل مزيداً من الضغط التنظيمي الهادف إلى كبح قوة فيسبوك وشركات التكنولوجيا الكبرى الأخرى مثل آبل وأمازون في مراحل تالية، إذا نجحت الدعوة.
ويشرح بنضريف أن «الدعوى المعدلة تتضمن أدلة جديدة حول كيفية انخراط فيسبوك في سلوك احتكاري لمواجهة منافسيها وإبقاء مستخدميها على منصتها من دون ضغوط كافية لتحسين جودة منتجاتها»، مشيراً إلى أن «فيسبوك لم تصنع ابتكارات ذات مغزى على تطبيقاتها من تلقاء نفسها في السنوات الماضية. بل بدلاً من ذلك، لجأت إلى ما تصفه لجنة التجارة الفيدرالية «استراتيجية شراء أو دفن غير قانونية»، حيث تقوم إما بإغلاق التطبيقات الخارجية، عن طريق الحد من وصولها إلى منصة فيسبوك، أو الاستحواذ على المنافسين كشراء تطبيقات معروفة مثل واتساب وإنستغرام أو غيرهما من الشركات الناشئة».
ولكن رمزي يرى أن «القضية هذه المرة مختلفة، فلقد أعادت لجنة التجارة تعريف معنى الاحتكار، وهو ما كان ينقص القضية الأولى. فهي وصفت فيسبوك بأنها شبكة تواصل اجتماعي بين الأهل والأصدقاء، وبذلك أصبحت مختلفة عن شبكات مثل تويتر، ولتؤكد أنها على مسافة بعيدة من تطبيقات أخرى مثل سناب شات... وبهذا المعنى تصبح فيسبوك محتكِرة لسوق شبكات التواصل الاجتماعي بين الأهل والأصدقاء».

في السياق ذاته، أضاف رمزي أن «الاحتكار يساوي الهيمنة على السوق، وهو ما تفعله فيسبوك. رغم كل المشاكل التي تعرضت لها من فضيحة كمبريدج أناليتيكا، ونشر العديد من الأخبار المغلوطة، لم تتأثر الشركة بسبب هيمنتها على سوق التواصل الاجتماعي». وتابع أن «اللجنة أوضحت أن الاحتكار يقلل الابتكار، وفيسبوك نموذج على ذلك. فهي خلال السنوات الماضية لم تبتكر حلولاً جديدة، بل عمدت إلى شراء المنافسين أو تقليدهم بحكم سيطرتها على السوق». وبحسب رمزي فقد «أشارت اللجنة إلى خطورة فيسبوك على الديمقراطية على المدى البعيد، من منطلق قدرتها على حشد الناس في اتجاهات معينة».

في سياق متصل، رأى تقرير نشرته مجلة «فوربس» الأميركية الشهر الماضي أن القضية الجديدة قد تؤدي إلى تداعيات كبيرة على فيسبوك، خاصة أن الدعوى تطالب بإعلان انتهاك فيسبوك تشريعات مكافحة الاحتكار، والتأكيد على استعادة المنافسة التي كان من الممكن أن تكون موجودة لولا إجراءات فيسبوك الاحتكارية. ومن شأن هذا الأمر أن يؤدي إلى إعادة هيكلة الشركة، وربما إعادة فصل كل من واتساب وإنستغرام، على سبيل المثال». هذا، وكانت فيسبوك قد استحوذت على إنستغرام عام 2012، ثم اشترت واتساب عام 2014.
أخيراً، يقول بنضريف إن نجاح لجنة التجارة الفيدرالية في دعواها – إن حصل – سيكون له تأثير قوي على مستقبل فيسبوك، وربما تضطر الشركة لتفكيك إمبراطوريتها، وقد يمس الحكم بهذا الاتجاه هذا شركات شبيهة كأمازون وآبل. إلا أنه يستبعد نجاح الدعوى. في حين يؤمن رمزي بأن «مثل هذه القضايا دائماً ما تصب في صالح المستخدم. ومع أن مثل هذه الأمور تأخذ وقتاً طويلاً، فإننا قد نرى في المستقبل محاولات لفرض قيود على طريقة عمل فيسبوك تتعلق بمراقبة المحتوى السياسي مثلاً، أو إجبارها على العمل بطريقة مختلفة لخدمة الجمهور».



«حرب الإعلام» التضليلية... الهاجس الجديد للاتحاد الأوروبي

مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
TT

«حرب الإعلام» التضليلية... الهاجس الجديد للاتحاد الأوروبي

مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)

«المعارضة الحقيقية هي وسائل الإعلام، ومواجهتها تقتضي إغراقها بالمعلومات المفبركة والمضللة».

هذا ما قاله ستيف بانون، كبير منظّري اليمين المتطرف في الولايات المتحدة عندما كان مشرفاً على استراتيجية البيت الأبيض في بداية ولاية دونالد ترمب الأولى عام 2018.

يومذاك حدّد بانون المسار الذي سلكه ترمب للعودة إلى الرئاسة بعد حملة قادها المشرف الجديد على استراتيجيته، الملياردير إيلون ماسك، صاحب أكبر ثروة في العالم، الذي يقول لأتباعه على منصة «إكس» «X» (تويتر سابقاً): «أنتم اليوم الصحافة».

رصد نشاط بانون

في أوروبا ترصد مؤسسات الاتحاد وأجهزته منذ سنوات نشاط بانون ومراكز «البحوث» التي أنشأها في إيطاليا وبلجيكا والمجر، ودورها في صعود الأحزاب اليمينية المتطرفة في غالبية الدول الأعضاء، والذي بلغ ذروته في انتخابات البرلمان الأوروبي مطلع الصيف الماضي.

وتفيد تقارير متداولة بين المسؤولين الأوروبيين بأن هذه المراكز تنشط بشكل خاص على منصات التواصل الاجتماعي، وأن إيلون ماسك دخل أخيراً على خط تمويلها وتوجيه أنشطتها، وأن ثمة مخاوف من وجود صلات لهذه المراكز مع السلطات الروسية.

درع ضد التضليل

أمام هذه المخاوف تنشط المفوضية الأوروبية منذ أسابيع لوضع اللمسات الأخيرة على ما أسمته «الدرع ضد التضليل الإعلامي» الذي يضمّ حزمة من الأدوات، أبرزها شبكة من أجهزة التدقيق والتحقق الإلكترونية التي تعمل بجميع لغات الدول الأعضاء في الاتحاد، إلى جانب وحدات الإعلام والأجهزة الرقمية الاستراتيجية الموجودة، ومنها منصة «إي يو فس ديسانفو» EUvsDisinfo المتخصّصة التي انطلقت في أعقاب الغزو الروسي لشبه جزيرة القرم وضمّها عام 2014. و«هي باتت عاجزة عن مواجهة الطوفان التضليلي» في أوروبا... على حد قول مسؤول رفيع في المفوضية.

الخبراء، في بروكسل، يقولون إن الاتحاد الأوروبي يواجه اليوم «موجة غير مسبوقة من التضليل الإعلامي» بلغت ذروتها إبان جائحة «كوفيد 19» عام 2020، ثم مع نشوب الحرب الروسية الواسعة النطاق ضد أوكرانيا في فبراير (شباط) 2022.

وإلى جانب الحملات الإعلامية المُضلِّلة، التي تشّنها منذ سنوات بعض الأحزاب والقوى السياسية داخلياً، تعرّضت الساحة الأوروبية لحملة شرسة ومتطورة جداً من أطراف خارجية، في طليعتها روسيا.

ومع أن استخدام التضليل الإعلامي سلاحاً في الحرب الهجينة ليس مُستجدّاً، فإن التطوّر المذهل الذي شهدته المنصّات الرقمية خلال السنوات الأخيرة وسّع دائرة نشاطه، وضاعف تداعياته على الصعيدين: الاجتماعي والسياسي.

الهدف تعميق الاستقطاب

وراهناً، تحذّر تقارير عدة وضعتها مؤسسات أوروبية من ازدياد الأنشطة التضليلية بهدف تعميق الاستقطاب وزعزعة الاستقرار في مجتمعات البلدان الأعضاء. وتركّز هذه الأنشطة، بشكل خاص، على إنكار وجود أزمة مناخية، والتحريض ضد المهاجرين والأقليات العرقية أو الدينية، وتحميلها زوراً العديد من المشاكل الأمنية.

وتلاحظ هذه التقارير أيضاً ارتفاعاً في كمية المعلومات المُضخَّمة بشأن أوكرانيا وعضويتها في حلف شمال الأطلسي «ناتو» أو انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي، فضلاً عن معلومات مضخمة حول مولدافيا والاستفتاء الذي أجري فيها حول الانضمام إلى الاتحاد، وشهد تدخلاً واسعاً من جانب روسيا والقوى الموالية لها.

ستيف بانون (آ ب)

التوسّع عالمياً

كذلك، تفيد مصادر الخبراء الأوروبيين بأن المعلومات المُضلِّلة لا تنتشر فحسب عبر وسائط التواصل الاجتماعي داخل الدول الأعضاء، بل باتت تصل إلى دائرة أوسع بكثير، وتشمل أميركا اللاتينية وأفريقيا، حيث تنفق الصين وروسيا موارد ضخمة خدمة لمصالحها وترسيخ نفوذها.

كلام فون دير لاين

وفي الكلمة التي ألقتها أخيراً أورسولا فون در لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، بمناسبة الإعلان عن مشروع «الدرع» الذي ينتظر أن يستلهم نموذج وكالة «فيجينوم» الفرنسية ورديفتها السويدية «وكالة الدفاع النفسي»، قالت فون دير لاين: «إن النظام الديمقراطي الأوروبي ومؤسساته يتعرّضون لهجوم غير مسبوق يقتضي منّا حشد الموارد اللازمة لتحصينه ودرء المخاطر التي تهدّده».

وكانت الوكالتان الفرنسية والسويدية قد رصدتا، في العام الماضي، حملات تضليلية شنتها روسيا بهدف تضخيم ظهور علامات مناهضة للسامية أو حرق نسخ من القرآن الكريم. ويقول مسؤول أوروبي يشرف على قسم مكافحة التضليل الإعلامي إن ثمة وعياً متزايداً حول خطورة هذا التضليل على الاستقرار الاجتماعي والسياسي، «لكنه ليس كافياً توفير أدوات الدفاع السيبراني لمواجهته، بل يجب أن تضمن الأجهزة والمؤسسات وجود إطار موثوق ودقيق لنشر المعلومات والتحقق من صحتها».

إيلون ماسك (رويترز)

حصيلة استطلاعات مقلقة

في هذه الأثناء، تفيد الاستطلاعات بأن ثلث السكان الأوروبيين «غالباً» ما يتعرضون لحملات تضليلية، خاصة في بلدان مثل اليونان والمجر وبلغاريا وإسبانيا وبولندا ورومانيا، عبر وسائل التواصل الاجتماعي والتلفزيون. لكن المفوضية تركّز نشاطها حالياً على الحملات والتهديدات الخارجية، على اعتبار أن أجهزة الدول الأعضاء هي المعنية بمكافحة الأخطار الداخلية والسهر على ضمان استقلالية وسائل الإعلام، والكشف عن الجهات المالكة لها، منعاً لاستخدامها من أجل تحقيق أغراض سياسية.

وللعلم، كانت المفوضية الأوروبية قد نجحت، العام الماضي، في إقرار قانون يلزم المنصات الرقمية بسحب المضامين التي تشكّل تهديداً للأمن الوطني، مثل الإرهاب أو الابتزاز عن طريق نشر معلومات مضلِّلة. لكن المسؤولين في المفوضية الأوروبية يعترفون بأنهم يواجهون صعوبات في هذا المضمار؛ إذ يصعب وضع حدودٍ واضحة بين الرأي والمعلومات وحرية التعبير، وبالتالي، يضطرون للاتجاه نحو تشكيل لجان من الخبراء أو وضع برامج تتيح للجمهور والمستخدمين تبيان المعلومات المزوَّرة أو المضلِّلة.