وفاة «كاتم أسرار القصر» في عهد الأسدين

رحيل «العم أبو سليم» مدير مكتب الرئيس السوري عن 86 سنة

محمد ديب دعبول يتوسط الرئيس السوري بشار الأسد وزوجته أسماء (الرئاسة السورية عبر «فيسبوك»)
محمد ديب دعبول يتوسط الرئيس السوري بشار الأسد وزوجته أسماء (الرئاسة السورية عبر «فيسبوك»)
TT

وفاة «كاتم أسرار القصر» في عهد الأسدين

محمد ديب دعبول يتوسط الرئيس السوري بشار الأسد وزوجته أسماء (الرئاسة السورية عبر «فيسبوك»)
محمد ديب دعبول يتوسط الرئيس السوري بشار الأسد وزوجته أسماء (الرئاسة السورية عبر «فيسبوك»)

قلة هم المسؤولون السوريون الذي احتفظوا بمناصبهم في عهود متناقضة ومتصارعة. وإذا كان هذا الشخص «كاتم أسرار القصر»، فإن الاحتفاظ بالمنصب ضرب من الاستحالة. قصارى الطموح، يكون الاحتفاظ بأكسجين الرئتين ودقات القلب واستقرار الضغط. لذلك، ربما يكون محمد ديب دعبول، الرجل الوحيد الذي اقترب من هذه الاستحالة في دمشق، خلال عقود عصفت بسوريا صراعات وانقلابات... وديمومات.
هذا الرجل، الذي يُعرف بأنه «كاتم الأسرار»، كان ينكر علاقته مع «الأسرار»، فهو «لا يعرف شيئاً». رحل أمس عن 86 سنة. خلال العقود المنصرمة، سمع اسمه معظم السوريين، وأدرك رنة صوته معظم المسؤولين. أما الذين يعرفون هيئته فهم قلة القلائل وثلة مختارة. رؤساء وزراء العقود الأربعة الأخيرة، جاءوا وأقاموا في مكاتبهم لسنوات وسنوات، وذهبوا إلى بيوتهم دون رؤية «العم أبو سليم»... شخصياً.
محمد ديب دعبول، هو من مواليد دير عطية في ريف دمشق عام 1935. وبعد انتهاء دراسته. أدرك السلم السليم للترقي. تدرج وظيفياً في السراي الحكومي، مبنى رئاسة الوزراء في عهد خالد العظم الذي شكل حكومات عدة في عقدي الأربعينات والخمسينات، وعرف بـ«المليونير الأحمر» لتناقض اتجاهاته بين الثروة واليسار. يُروى، أن ذات يوم لاحظ «دولة رئيس الوزراء خالد بيك العظم»، ضوءاً مضاء في أحد مكاتب السراي، في آخر الليل. تكررت «الجريمة»، فاستفسر عن «المجرم»، وطلبه إلى مكتبه.
وقتذاك، كان «الموظف» محمد دعبول يعمل محاسباً في السراي والبطركية الأرثوذكسية. ويُروى أيضاً، أنه أبلغ العظم، أن سبب بقائه في مكتبه لوقت متأخر هو أن ينجز كل أعماله، على عكس المكاتب الأخرى المظلمة التي «يذهب العاملون فيها إلى منازلهم قبل الانتهاء من أعمالهم». في حضرة «دولة الرئيس»، لم يكن القصد اتهام الآخرين بالتقصير، بقدر ما كان عرض بطاقة «التفاني الوظيفي».
هذه البطاقة كانت أحد مؤهلات ترقي دعبول في السراي والعبور إلى القصر. وهناك قصص مشابهة، أبقت عليه في مكتب يوسف الزعين، لدى تسلمه رئاسة مجلس الوزراء بعد «حركة 23 شباط» في 1966. هناك أيضاً قصص كثيرة أخرى تُروى شفوياً عن أسباب قرار الرئيس حافظ الأسد الاحتفاظ به لدى تسلمه رئاسة الحكومة في نوفمبر (تشرين الثاني) 1970، بعد انتقاله من وزارة الدفاع واصطحابه إلى «الروضة». الروايات الشفوية كثيرة. يدور محورها عن مدى تفاني دعبول بالعمل من جهة، ومدى قدرته على أن يكون «صدى ونبض المعلم» تجاه أي شيء وأي شخص... حتى ضد «اللبن الأسود». الأهم، أنه «صنم» لا يحكي. لا يَرى ولا يُرى. يَعرف كل شيء، ولا يُعرف أي شيء.
وعندما أصبح الأسد رئيساً في مارس (آذار) 1971، انتقل من السراي وسط دمشق إلى القصر على تلتها. نقل معه عدداً قليلاً من المساعدين، أحدهم «أبو سليم». بقي معه وقربه، في مكتبه ومنزله إلى حين رحيل الأسد. خلال هذه العقود عرف عائلة الأسد. عرف باسل الذي توفي بحادث سيارة في بداية 1994، عرفهم أطفالاً، شباباً، وطلاباً، وضباطاً.

كان الجميع يلقبه بـ«العم أبو سليم». وعلى عكس توقعات وإشاعات، احتفظ بمنصبه لدى تسلم بشار الأسد الرئاسة في منتصف 2000. «أبو سليم»، برهان لشخص قادر على الاحتفاظ بمنصبه ولا يعطي مبررات الإقالة أو الإعفاء.
تقدم بالعمر، ولم يتراجع بالعمل. كان يستيقظ باكراً، يصلي الفجر، ثم يذهب قبل بزوغ الضوء إلى القصر. يكون في مكتبه ويعد الملفات والمواعيد قبل وصول «السيد الرئيس». اعتاد الناس على سماع صوته على الطرف الآخر من الهاتف في ساعات باكرة. إنه رجل المهمات الإيجابية... و«العطاءات». أما، المهمات السوداء والمؤلمة فيتولاها أشخاص ومسؤولون أمنيون آخرون، زوار الفجر الآخرون.
خذله جسده في السنوات الأخيرة. كان يمضي أوقاتاً طويلة في المستشفى. حاول العناد والاستمرار في تقديم الخدمات لـ«سيد الوطن». وفي مايو (أيار) الماضي، منحه الرئيس الأسد «وسام الاستحقاق من الدرجة الممتازة تقديراً لخدماته البارزة في مجال الإدارة والوظيفة العامة».
قد يختلف سوريون حول دوره ومهمته. هناك ملاحظة جماعية على شيء: المسؤول الوحيد الذي لم ينقلب على بيئته، لم ينتقم من طفولته، لم يبن قصراً فوق تلالها. حول دير عطية إلى مكان جميل يخترقها طريق دمشق - اللاذقية. طريق يسلكه كل المسؤولين عندما يذهبون من مكاتبهم في العاصمة إلى قرارهم المهملة. دير عطية، أيضاً، مكان موال جداً لـ«السيد الرئيس»، فيه تمثال كبير على أحد تلالها للرئيس حافظ الأسد وآخر لباسل قرب مستشفاها، وفيه «جامعة القلمون» التي أسسها ابنه، «المهندس سليم».
برحيل «كاتم أسرار القصر»، تدفن قصص كثيرة من تاريخ سوريا الشفوي. ويتوقف رنين «هاتف القصر». الرجل الذي عمل مع «المليونير الأحمر» خالد العظم و«اليساري» يوسف الزعين و«البراغماتي» حافظ الأسد وابنه بشار الأسد، لم يكن يحب الكلام. غالباً ما ينسى لسانه في مكتبه أو منزله. «تاريخ الصمت» عنده يبدأ في 1970. قليل من الحكي قبل ذلك ممكن، لكنه بعده «الصمت مفتاح الفرج».
 



تقرير أممي: تدهور الأراضي الزراعية سيفقد اليمن 90 مليار دولار

اليمن يخسر سنوياً 5‎ % من أراضيه الزراعية بسبب التصحر (إعلام محلي)
اليمن يخسر سنوياً 5‎ % من أراضيه الزراعية بسبب التصحر (إعلام محلي)
TT

تقرير أممي: تدهور الأراضي الزراعية سيفقد اليمن 90 مليار دولار

اليمن يخسر سنوياً 5‎ % من أراضيه الزراعية بسبب التصحر (إعلام محلي)
اليمن يخسر سنوياً 5‎ % من أراضيه الزراعية بسبب التصحر (إعلام محلي)

وضع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي سيناريو متشائماً لتأثير تدهور الأراضي الزراعية في اليمن إذا ما استمر الصراع الحالي، وقال إن البلد سيفقد نحو 90 مليار دولار خلال الـ16 عاماً المقبلة، لكنه وفي حال تحقيق السلام توقع العودة إلى ما كان قبل الحرب خلال مدة لا تزيد على عشرة أعوام.

وفي بيان وزعه مكتب البرنامج الأممي في اليمن، ذكر أن هذا البلد واحد من أكثر البلدان «عُرضة لتغير المناخ على وجه الأرض»، ولديه أعلى معدلات سوء التغذية في العالم بين النساء والأطفال. ولهذا فإنه، وفي حال استمر سيناريو تدهور الأراضي، سيفقد بحلول عام 2040 نحو 90 مليار دولار من الناتج المحلي الإجمالي التراكمي، وسيعاني 2.6 مليون شخص آخر من نقص التغذية.

اليمن من أكثر البلدان عرضة لتغير المناخ على وجه الأرض (إعلام محلي)

وتوقع التقرير الخاص بتأثير تدهور الأراضي الزراعية في اليمن أن تعود البلاد إلى مستويات ما قبل الصراع من التنمية البشرية في غضون عشر سنوات فقط، إذا ما تم إنهاء الصراع، وتحسين الحكم وتنفيذ تدابير التنمية البشرية المستهدفة.

وفي إطار هذا السيناريو، يذكر البرنامج الأممي أنه، بحلول عام 2060 سيتم انتشال 33 مليون شخص من براثن الفقر، ولن يعاني 16 مليون شخص من سوء التغذية، وسيتم إنتاج أكثر من 500 مليار دولار من الناتج الاقتصادي التراكمي الإضافي.

تحذير من الجوع

من خلال هذا التحليل الجديد، يرى البرنامج الأممي أن تغير المناخ، والأراضي، والأمن الغذائي، والسلام كلها مرتبطة. وحذّر من ترك هذه الأمور، وقال إن تدهور الأراضي الزائد بسبب الصراع في اليمن سيؤثر سلباً على الزراعة وسبل العيش، مما يؤدي إلى الجوع الجماعي، وتقويض جهود التعافي.

وقالت زينة علي أحمد، الممثلة المقيمة لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في اليمن، إنه يجب العمل لاستعادة إمكانات اليمن الزراعية، ومعالجة عجز التنمية البشرية.

تقلبات الطقس تؤثر على الإنسان والنباتات والثروة الحيوانية في اليمن (إعلام محلي)

بدورها، ذكرت منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (فاو) أن النصف الثاني من شهر ديسمبر (كانون الأول) الحالي يُنذر بظروف جافة في اليمن مع هطول أمطار ضئيلة في المناطق الساحلية على طول البحر الأحمر وخليج عدن، كما ستتقلب درجات الحرارة، مع ليالٍ باردة مع احتمالية الصقيع في المرتفعات، في حين ستشهد المناطق المنخفضة والساحلية أياماً أكثر دفئاً وليالي أكثر برودة.

ونبهت المنظمة إلى أن أنماط الطقس هذه قد تؤدي إلى تفاقم ندرة المياه، وتضع ضغوطاً إضافية على المحاصيل والمراعي، وتشكل تحديات لسبل العيش الزراعية، وطالبت الأرصاد الجوية الزراعية بضرورة إصدار التحذيرات في الوقت المناسب للتخفيف من المخاطر المرتبطة بالصقيع.

ووفق نشرة الإنذار المبكر والأرصاد الجوية الزراعية التابعة للمنظمة، فإن استمرار الظروف الجافة قد يؤدي إلى تفاقم ندرة المياه، وزيادة خطر فترات الجفاف المطولة في المناطق التي تعتمد على الزراعة.

ومن المتوقع أيضاً - بحسب النشرة - أن تتلقى المناطق الساحلية والمناطق الداخلية المنخفضة في المناطق الشرقية وجزر سقطرى القليل جداً من الأمطار خلال هذه الفترة.

تقلبات متنوعة

وبشأن تقلبات درجات الحرارة وخطر الصقيع، توقعت النشرة أن يشهد اليمن تقلبات متنوعة في درجات الحرارة بسبب تضاريسه المتنوعة، ففي المناطق المرتفعة، تكون درجات الحرارة أثناء النهار معتدلة، تتراوح بين 18 و24 درجة مئوية، بينما قد تنخفض درجات الحرارة ليلاً بشكل حاد إلى ما بين 0 و6 درجات مئوية.

وتوقعت النشرة الأممية حدوث الصقيع في مناطق معينة، خاصة في جبل النبي شعيب (صنعاء)، ومنطقة الأشمور (عمران)، وعنس، والحدا، ومدينة ذمار (شرق ووسط ذمار)، والمناطق الجبلية في وسط البيضاء. بالإضافة إلى ذلك، من المتوقع حدوث صقيع صحراوي في المناطق الصحراوية الوسطى، بما في ذلك محافظات الجوف وحضرموت وشبوة.

بالسلام يمكن لليمن أن يعود إلى ما كان عليه قبل الحرب (إعلام محلي)

ونبهت النشرة إلى أن هذه الظروف قد تؤثر على صحة الإنسان والنباتات والثروة الحيوانية، وسبل العيش المحلية في المرتفعات، وتوقعت أن تؤدي الظروف الجافة المستمرة في البلاد إلى استنزاف رطوبة التربة بشكل أكبر، مما يزيد من إجهاد الغطاء النباتي، ويقلل من توفر الأعلاف، خاصة في المناطق القاحلة وشبه القاحلة.

وذكرت أن إنتاجية محاصيل الحبوب أيضاً ستعاني في المناطق التي تعتمد على الرطوبة المتبقية من انخفاض الغلة بسبب قلة هطول الأمطار، وانخفاض درجات الحرارة، بالإضافة إلى ذلك، تتطلب المناطق الزراعية البيئية الساحلية التي تزرع محاصيل، مثل الطماطم والبصل، الري المنتظم بسبب معدلات التبخر العالية، وهطول الأمطار المحدودة.

وفيما يخص الثروة الحيوانية، حذّرت النشرة من تأثيرات سلبية لليالي الباردة في المرتفعات، ومحدودية المراعي في المناطق القاحلة، على صحة الثروة الحيوانية وإنتاجيتها، مما يستلزم التغذية التكميلية والتدخلات الصحية.