لبنان ينهي «القطيعة» مع سوريا للحصول على موافقتها لتمرير الغاز المصري

زيارة الوفد الوزاري لدمشق تجدد الانقسامات الداخلية... وحزب «القوات» يعدّها «تطبيعاً»

وزير الخارجية السوري فيصل المقداد ونائبة رئيس الحكومة اللبنانية زينة عكر في دمشق أمس (أ.ف.ب)
وزير الخارجية السوري فيصل المقداد ونائبة رئيس الحكومة اللبنانية زينة عكر في دمشق أمس (أ.ف.ب)
TT

لبنان ينهي «القطيعة» مع سوريا للحصول على موافقتها لتمرير الغاز المصري

وزير الخارجية السوري فيصل المقداد ونائبة رئيس الحكومة اللبنانية زينة عكر في دمشق أمس (أ.ف.ب)
وزير الخارجية السوري فيصل المقداد ونائبة رئيس الحكومة اللبنانية زينة عكر في دمشق أمس (أ.ف.ب)

أنهت الحكومة اللبنانية، أمس، قطيعة في العلاقات الرسمية مع سوريا، حين زار وفد وزاري رفيع العاصمة دمشق، وأجرى محادثات للحصول على موافقتها من أجل تمرير الغاز والطاقة الكهربائية من مصر والأردن عبر أراضيها، وهو ما رحبت به دمشق، وأبدت استعداداً «لتلبيته»، في ظل أزمة الطاقة التي يعاني منها لبنان، غير أن الزيارة واجهت انتقادات من قوى سياسية لبنانية، بصفتها «تطبيعاً مع النظام السوري».
وتُعد هذه الزيارة الحكومية اللبنانية الرسمية الأولى إلى سوريا منذ اندلاع النزاع فيها، إذ اتبع لبنان رسمياً مبدأ «النأي بالنفس»، وسط انقسامات كبرى بين القوى السياسية إزاء العلاقة مع دمشق، ومن ثم مشاركة «حزب الله» في القتال إلى جانب قوات النظام السوري.
وبعد أسبوعين على إعلان الرئاسة اللبنانية تبلغها موافقة واشنطن على مساعدة لبنان لاستجرار الطاقة الكهربائية والغاز من مصر والأردن، مروراً بسوريا فلبنان، وصل الوفد اللبناني المؤلف من نائبة رئيس حكومة تصريف الأعمال وزيرة الدفاع والخارجية زينة عكر، ووزير المال غازي وزني، ووزير الطاقة ريمون غجر، والمدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم، صباحاً إلى سوريا. وعقد لقاء في مقر الخارجية السورية، بحضور وزيري الخارجية فيصل المقداد، والنفط بسام طعمة.
وخلال مؤتمر صحافي، بحضور المجتمعين، قال الأمين العام للمجلس الأعلى اللبناني - السوري، نصري خوري: «طالب الجانب اللبناني بإمكانية مساعدة سوريا للبنان في تمرير الغاز المصري والكهرباء الأردنية عبر الأراضي السورية، ورحب الجانب السوري بالطلب، وأكد استعداد سوريا لتلبية ذلك». واتفق الجانبان على متابعة الأمور الفنية عبر فريق فني مشترك.
وقال طعمة للصحافيين إن الهدف من الفريق المشترك هو تحديد «جاهزية البنى التحتية ومدى سلامتها» لأن «البنى التحتية، سواء كانت الغازية أو الكهربائية، تعرضت لأضرار كبيرة» خلال النزاع، و«تكلفت عملية إعادتها أو إبقائها في حالة الجاهزية مبالغ كبيرة جداً».
وإثر أزمة الوقود الحادة التي يعاني منها لبنان، أفضى المسعى الأميركي إلى مبادرة لاستجرار الطاقة الكهربائية من الأردن عبر سوريا، وذلك عن طريق توفير كميات من الغاز المصري إلى الأردن، تمكنه من إنتاج كميات إضافية من الكهرباء لوضعها على الشبكة التي تربط الأردن بلبنان عبر سوريا. كذلك يقضي بتسهيل نقل الغاز المصري عبر الأردن وسوريا، وصولاً إلى شمال لبنان.
ويتيح اتفاق مشابه وصول الغاز المصري إلى لبنان لتشغيل محطات الكهرباء العاملة على الغاز، المتوقفة عن العمل منذ 11 عاماً. ويمتد أنبوب الغاز العربي براً من مصر إلى سوريا ولبنان عبر الأردن، ويعبر من منطقة حمص في وسط سوريا، وصولاً إلى دير عمار في شمال لبنان.
ومع أن الزيارة هدفت إلى التفاوض على تمرير الغاز والكهرباء عبر الأراضي السورية، فإنها في الشكل بدت إنهاء للقطيعة الرسمية اللبنانية مع دمشق منذ انطلاق الحرب السورية. فقد حافظ البلدان على علاقات دبلوماسية بينهما، لكن الزيارات الرسمية تراجعت إلى حد كبير، واقتصرت على مبادرات فردية من وزراء وشخصيات يمثلون أحزاباً حليفة لدمشق، على رأسها «حزب الله» الذي طالما دعا إلى الانفتاح الرسمي على سوريا، الأمر الذي لا تزال ترفضه قوى سياسية أخرى.
وجددت الزيارة الأخيرة الانقسامات اللبنانية حول استئناف العلاقات الرسمية مع النظام السوري. وقالت مصادر في حزب «القوات اللبنانية» إن لبنان في ظل الأزمة المالية الكارثية التي يعيشها بحاجة لأي مساعدة تأتيه من دول شقيقة، على غرار مصر والأردن، لكن علينا التأكيد أن الأزمة سببها «محور الممانعة»، وتغييب الدولة من قبل «حزب الله» وحلفائه، وإدارتهم للدولة اللبنانية، لكنها لفتت في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إلى أن النظام السوري، وفي طريقة تعاطيه مع لبنان في كل المراحل السياسية «أساء إلى لبنان واللبنانيين، وهو نظام غير موثوق، يحاول باستمرار التدخل بالشؤون اللبنانية لإعادة نفوذه لما كان عليه قبل انسحابه في 2005».
وقالت المصادر إن «هذه المسألة تقنية، ولا تستدعي لقاءات سياسية، وكان يمكن إنجاز الموضوع من خلال التواصل التقني والأمني القائم، وبالتالي لا لزوم لوفد رسمي حكومي على هذا المستوى». ورأت أن ما جرى تم «بطلب سوري مرفوض، واستمرار لمحاولات النظام المستمرة، سواء عبر ملف النازحين أو هذا الملف، للتطبيع مع لبنان».
وفي مقابل رفض «القوات» للزيارة الحكومية، وتحفظ قوى سياسية أخرى أو رفضها التعليق، كان لافتاً احتفال «حزب الله» بالزيارة، واعتبار أن باخرة المحروقات التي أعلن الحزب عن استيرادها من إيران كانت دافعاً لها. وقال عضو كتلة الحزب النيابية، النائب حسن فضل الله، إن «الفوائد التي حملتها الباخرة الأولى لم تقتصر على المازوت فحسب، فجردة سريعة تبين أنها حملت معها أيضاً إسقاطاً أميركياً للفيتو المفروض على التواصل الرسمي اللبناني مع سوريا، بصفته جزءاً من مندرجات الإقرار الأميركي بالتراجع عن منع استجرار الكهرباء والغاز عن طريق سوريا، فأعيد هذا التواصل بعد طول تمنُع، وهو الفيتو الذي طالما طالبنا بتحديه لأن الخضوع له يتسبب بأضرار بالغة لاقتصاد لبنان ومصالحه الوطنية. وبالمقابل، روجت له جهات لبنانية هي نفسها التي تروج اليوم لمتغيرات الموقف الأميركي».



مصر والكويت لتعميق التعاون وزيادة التنسيق الإقليمي

وزير الخارجية المصري يلتقي ولي العهد الكويتي الشيخ صباح خالد الحمد المبارك الصباح (الخارجية المصرية)
وزير الخارجية المصري يلتقي ولي العهد الكويتي الشيخ صباح خالد الحمد المبارك الصباح (الخارجية المصرية)
TT

مصر والكويت لتعميق التعاون وزيادة التنسيق الإقليمي

وزير الخارجية المصري يلتقي ولي العهد الكويتي الشيخ صباح خالد الحمد المبارك الصباح (الخارجية المصرية)
وزير الخارجية المصري يلتقي ولي العهد الكويتي الشيخ صباح خالد الحمد المبارك الصباح (الخارجية المصرية)

أكدت مصر خلال زيارة وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي للكويت، على دعم القاهرة الكامل للأمن الخليجي بوصفه جزءاً لا يتجزأ من الأمن القومي المصري، وسط لقاءات ومباحثات تناولت مجالات التعاون، لا سيما الأمني والعسكري لمواجهة التحديات الأمنية المختلفة.

تلك الزيارة، بحسب خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، تأتي تأكيداً على مساعي مصر والكويت لتعميق التعاون وزيادة التنسيق الإقليمي بوتيرة أكبر ونشاط أوسع، خصوصاً في ضوء علاقات البلدين التاريخية، وكذلك حجم الاستثمارات بين البلدين الكبيرة، مشددين على أهمية التنسيق بين بلدين مهمين في المنطقة.

واستهل عبد العاطي زيارته إلى الكويت بلقاء ولي العهد الشيخ صباح خالد الحمد المبارك الصباح، الأحد، مؤكداً «عمق العلاقات التاريخية والروابط الأخوية التي تجمع البلدين الشقيقين، وتوافر الإرادة السياسية لدى قيادتي البلدين من أجل تطوير العلاقات لآفاق أرحب»، مبدياً «الحرص على تعزيز التعاون والتنسيق مع دولة الكويت وزيادة وتيرته»، وفق بيان صحافي لـ«الخارجية المصرية».

وأبدى الوزير المصري «تطلُّع مصر لتعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري والاستثماري بين البلدين، أخذاً في الحسبان ما اتخذته الحكومة المصرية من خطوات طموحة لجذب الاستثمارات، وتنفيذ خطة الإصلاح الاقتصادي»، مشدداً على «دعم مصر الكامل للأمن الخليجي، بوصفه جزءاً لا يتجزأ من الأمن القومي المصري».

وفي مايو (أيار) الماضي، قال سفير الكويت بالقاهرة، غانم صقر الغانم، في مقابلة مع «القاهرة الإخبارية» إن الاستثمارات الكويتية في مصر متشعبة بعدة مجالات، وتبلغ أكثر من 15 مليار دولار، بينها 10 مليارات دولار للقطاع الخاص.

كما اجتمع عبد العاطي مع الشيخ فهد يوسف سعود الصباح، رئيس الوزراء بالإنابة ووزير الداخلية ووزير الدفاع الكويتي، مؤكداً «الحرص على الارتقاء بعلاقات التعاون إلى آفاق أرحب، بما يحقق طموحات ومصالح الشعبين الشقيقين»، وفق بيان ثانٍ لـ«الخارجية المصرية».

وزير الخارجية المصري يجتمع مع رئيس الوزراء بالإنابة ووزير الداخلية ووزير الدفاع الكويتي الشيخ فهد يوسف سعود الصباح (الخارجية المصرية)

فرص استثمارية

عرض الوزير المصري «الفرص الاستثمارية العديدة التي تذخر بها مصر في شتى القطاعات، والتي يمكن للشركات الكويتية الاستفادة منها، فضلاً عن الاتفاق على تبادل الوفود الاقتصادية، وتشجيع زيادة الاستثمارات الكويتية في مصر»، مبدياً «ترحيب مصر ببحث مجالات التعاون الأمني والعسكري لمواجهة التحديات الأمنية المختلفة».

كما بحث الوزير المصري في لقاء مع وزيرة المالية ووزيرة الدولة للشؤون الاقتصادية والاستثمار، نوره الفصام، الفرص الاستثمارية المتاحة في مصر بشتى القطاعات، وسط تأكيد على حرص الجانب المصري على تعزيز الاستثمارات الكويتية في مصر وإمكانية تعزيز نشاط الشركات المصرية لدعم عملية التنمية في الكويت.

ووفق خبير شؤون الخليج في «مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» بالقاهرة، الدكتور محمد عز العرب، فإن الزيارة تحمل أبعاداً عديدة، أبرزها الحرص المصري على تطوير العلاقات المصرية العربية، ومنها العلاقات مع الكويت لأسباب ترتبط بالتوافقات المشتركة بين البلدين والتعاون ليس على المستوى السياسي فحسب، بل على المستوى الأمني أيضاً.

التنسيق المشترك

البعد الثاني في الزيارة مرتبط بالاستثمارات الكويتية التي تستحوذ على مكانة متميزة وسط استثمارات خليجية في مصر، وفق عز العرب، الذي لفت إلى أن الزيارة تحمل بعداً ثالثاً هاماً مرتبطاً بالتنسيق المشترك في القضايا الإقليمية والدولية خاصة وهناك إدراك مشترك على أولوية خفض التصعيد والتعاون الثنائي بوصفه صمام أمان للمنطقة.

تحديات المنطقة

يرى الكاتب والمحلل السياسي الكويتي، طارق بروسلي، أن زيارة عبد العاطي «خطوة مهمة في إطار العلاقات التاريخية الوطيدة بين البلدين، وتعكس عمق التفاهم والاحترام المتبادل بين قيادتي البلدين والشعبين الشقيقين».

وتحمل الزيارة قدراً كبيراً من الأهمية، وفق المحلل السياسي الكويتي ورئيس «المنتدى الخليجي للأمن والسلام» فهد الشليمي، خصوصاً وهي تأتي قبيل أيام من القمة الخليجية بالكويت، مطلع الشهر المقبل، وما سيتلوها من ترأس الكويت مجلس التعاون الخليجي على مدار عام، فضلاً عن تحديات كبيرة تشهدها المنطقة، لا سيما في قطاع غزة وحربها المستمرة منذ أكتوبر (تشرين الأول) 2023.

وأفادت وكالة الأنباء الكويتية الرسمية، الأحد، بأن أمير البلاد الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح تلقى رسالة شفهية من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي تتعلق بالعلاقات الأخوية المتميزة بين البلدين والشعبين الشقيقين وآخر المستجدات الإقليمية والدولية، خلال استقبال ولي العهد لوزير الخارجية المصري.

كما نوهت بأن عبد العاطي التقى رئيس الوزراء بالإنابة، و«جرى خلال اللقاء استعراض العلاقات الثنائية وسبل تعزيز التعاون بين البلدين إضافة إلى بحث آخر المستجدات على الساحتين الإقليمية والدولية».

تطوير العمل الدبلوماسي

وتهدف الزيارة، وفق بروسلي، إلى «تعميق التعاون في عدة مجالات والتنسيق المشترك في المواقف على الصعيدين الإقليمي والدولي، لا سيما في قضايا فلسطين وسوريا ولبنان واليمن»، مرجحاً أن تسهم المباحثات المصرية الكويتية في «زيادة فرص التعاون الاقتصادي والتجاري وتعزيز الاستثمارات وزيادة التنسيق الأمني ومواجهة التحديات الأمنية المشتركة».

ويعتقد بروسلي أن الزيارة «ستكون فرصة لبحث تطوير العمل الدبلوماسي، ودعم البرامج التعليمية المتبادلة بين البلدين والخروج بمذكرات تفاهم تكون سبباً في تحقيق التكامل الإقليمي، وتعزيز التعاون في ظل التحديات المشتركة بالمنطقة».

بينما يؤكد الشليمي أن الزيارة لها أهمية أيضاً على مستوى التعاون الاقتصادي والتجاري، خصوصاً على مستوى تعزيز الاستثمارات، إضافة إلى أهمية التنسيق بين وقت وآخر بين البلدين، في ظل حجم المصالح المشتركة الكبيرة التي تستدعي التعاون المستمر.