الجنرال ديمبسي يعود إلى العراق ليواجه المشكلة ذاتها.. «الانقسام الطائفي الواسع»

قال إنه شاهد من الجو في بغداد أعلامًا تابعة لميليشيات شيعية.. وغاب العلم العراقي

متطوع في ميليشيا سرايا السلام التابعة للتيار الصدري بزعامة مقتدى الصدر يلوح بسكين كبيرة وبندقية كلاشنيكوف.. قبل ترك النجف إلى صلاح الدين أمس (رويترز)
متطوع في ميليشيا سرايا السلام التابعة للتيار الصدري بزعامة مقتدى الصدر يلوح بسكين كبيرة وبندقية كلاشنيكوف.. قبل ترك النجف إلى صلاح الدين أمس (رويترز)
TT

الجنرال ديمبسي يعود إلى العراق ليواجه المشكلة ذاتها.. «الانقسام الطائفي الواسع»

متطوع في ميليشيا سرايا السلام التابعة للتيار الصدري بزعامة مقتدى الصدر يلوح بسكين كبيرة وبندقية كلاشنيكوف.. قبل ترك النجف إلى صلاح الدين أمس (رويترز)
متطوع في ميليشيا سرايا السلام التابعة للتيار الصدري بزعامة مقتدى الصدر يلوح بسكين كبيرة وبندقية كلاشنيكوف.. قبل ترك النجف إلى صلاح الدين أمس (رويترز)

خلال نحو عقدين من الزمن شن الجيش الأميركي حروبا في العراق شهد رئيس أركانه الحالي الجنرال، مارتن ديمبسي، عليها كلها من حرب الخليج الثانية في 1991 إلى غزو العراق في 2003 وصولا إلى اليوم. وفيما كان ديمبسي (62 سنة) يتوقع أنه سيترك العراق خلفه ليركز على تهديدات جديدة، أعاده تنظيم داعش إلى تلك البلاد مجددا من دون أن تختفي أصلا أصداء الحروب السابقة.
توجه ديمبسي الشهر الحالي إلى بغداد ووجد نفسه محاطا بمشكلة أعادته إلى الماضي، وهي ليست سوى «الانقسام المذهبي الواسع» في العراق. وبعد يوم كامل من الاجتماعات، قال ديمبسي، وعلامات القلق تبدو على وجهه، إن كل الحوارات التي أجراها بدت مألوفة.
وبعدما حلق فوق بغداد بمروحية عسكرية، لاحظ ديمبسي أنه بالإمكان رؤية كثير من الأعلام والشعارات التابعة لميليشيات شيعية مرفوعة فوق المباني، مشيرا إلى الزيادة المفرطة في الأعلام من دون رؤية العلم العراقي بينها إلا نادرا. ومنذ أكثر من 10 سنوات، قاد ديمبسي فرقة المدرعات الأولى في بغداد في الوقت الذي اندلعت فيه أعمال العنف المذهبية بين الشيعة والسنة.
وبعد ذلك، تسلم ديمبسي مسؤولية تدريب الجيش العراقي، إلا أن ممارسات الحكومة العراقية بقيادة شيعية لإقصاء السنة شكلت خيبة أمل كبيرة. واليوم يحمل ديمبسي معه، كرئيس لهيئة الأركان الأميركية المشتركة خبرة جمعها خلال سنوات ليضعها في تصرف مهمته الجديدة في العراق.
ودعا ديمبسي الحكومة العراقية برئاسة حيدر العبادي إلى الالتزام بتعهداتها لتخطي الأزمات المذهبية. وقال إنه «تلقى كل الضمانات من المسؤولين العراقيين حول التزامهم المصالحة مع السكان السنة»، مؤكدا ضرورة تشكيل حكومة وحدة وطنية.
وقال: «ينتابني بعض القلق إزاء صعوبة إبقاء التحالف للمضي في مواجهة التحدي ما لم تضع الحكومة العراقية استراتيجية وحدة وطنية سبق أن التزمت بها».
وشكل العراق جزءا أساسيا في مهنة ديمبسي وأبناء جيل كامل العسكرية. وبالنسبة لهؤلاء الجنود الذين خدموا خلال 8 سنوات من احتلال العراق حتى 2011، فإن مشاهدة الجيش العراقي ينهزم أمام مسلحي «داعش»، أمر صعب.
ويقول الجنرال المتقاعد بيتر تشياريلي الذي خدم في العراق خلال الفترة ذاتها مع ديمبسي، إن «التجربة كانت صعبة حين كنا هناك، إلا أنها تبقى بالصعوبة ذاتها بعدما عدنا إلى بلادنا وشاهدنا كل شيء ينهار». ويتذكر تشياريلي سفك الدماء الذي حصل مع اندلاع النزاع المذهبي وغضبه من الحكومة بقيادة نوري المالكي التي فشلت في مصالحة السنة في البلاد.
وفي عام 2006، أبلغ تشياريلي أصحاب القرار أن إرسال المزيد من القوات إلى العراق لن يساهم أكثر من كونه «ضمادة جروح» إذا لم يتم التعامل مع النزاع المذهبي الدائر.
وبعد نحو عقد على ذلك لا يزال تشياريلي يصر على الرأي ذاته في ما يتعلق بالمهمة الأميركية الحالية. ويقول: «لا نستطيع أن نعيد الأخطاء ذاتها التي ارتكبناها خلال السنوات الثماني الماضية». الأمر ذاته أكده ديمبسي حين قال إن جهود الحرب ضد تنظيم داعش محكوم عليها بالفشل إذا لم تنجح حكومة بغداد في الالتزام بتعهداتها تجاه السنة. وفي الحرب الحالية توجه الميليشيات الشيعية نيرانها إلى تنظيم داعش وليس إلى القوات الأميركية.
وأتت زيارة ديمبسي بعد أسبوع من بدء نحو 30 ألف عنصر من الجيش والشرطة وفصائل شيعية مسلحة وأبناء عشائر سنية، عملية واسعة لاستعادة مدينة تكريت (110 كلم شمال بغداد) ومحيطها. وحذر ديمبسي خلال زيارته مما قد تؤول أي الأمور بعد معركة تكريت كونها ستشكل اختبارا لقدرة الحكومة العراقية على كبح ميليشياتها الشيعية والالتزام بتعهداتها تجاه السنة.
وأثارت عملية تكريت مخاوف من عمليات انتقام بحق السكان السنة، لا سيما أن عددا من قادة الفصائل الشيعية اعتبروها ثأرا لمجزرة قاعدة سبايكر العسكرية، التي راح ضحيتها مئات المجندين الشيعة في يونيو (حزيران) الماضي.
وبرزت خبرة ديمبسي في العراق في رسالة بعث بها إلى مجلس الشيوخ في عام 2013 طلب فيها الحذر قبل التورط في عملية عسكرية في سوريا التي سيطر تنظيم داعش على أراض واسعة فيها في هجوم وحشي.
وكتب ديمبسي: «تعلمنا من السنوات العشر الماضية أن تعديل كفة الميزان العسكري ليس كافيا من دون الأخذ بالاعتبار بحذر ما هو ضروري للحفاظ على دولة فعالة». وخلافا للمرة السابقة، لا ينتشر الجنود الأميركيون على الأرض وليس هناك سوى استشاريين ومدربين. وفيما تشن الطائرات الأميركية الغارات ضد تنظيم داعش، تحارب القوات العراقية وقوات البيشمركة الكردية على الأرض.
وبينما أعلن ديمبسي أنه قد يطلب من المراقبين الجويين التدخل لتوجيه الغارات، أكد وغيره من القادة العسكريين عدم رغبتهم بتوسيع تدخل القوات الأميركية.
وخلال مؤتمر صحافي في بغداد في نهاية زيارته، قال ديمبسي للصحافيين العراقيين إن هذه الحرب ليست حربا يخوضها الأميركيون، «إنها بشكل كبير حملتكم (العسكرية) وتدعمكم الولايات المتحدة، وليست حملتنا التي أنتم تدعمونها»، بحسب تعبيره.



إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
TT

إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)

أوقفت الجماعة الحوثية عشرات القادة والمسؤولين التربويين في العاصمة المختطفة صنعاء عن العمل، وأحالتهم إلى المحاسبة تمهيداً لفصلهم من وظائفهم، بعد أن وجّهت إليهم تهماً برفض حضور ما تُسمى «برامج تدريبية» تُقيمها حالياً في صنعاء وتركّز على الاستماع إلى سلسلة محاضرات لزعيمها عبد الملك الحوثي.

وفي سياق سعي الجماعة لتعطيل ما تبقى من مؤسسات الدولة تحت سيطرتها، تحدّثت مصادر تربوية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، عن إرغام الجماعة أكثر من 50 مسؤولاً وقيادياً تربوياً يشملون وكلاء قطاعات ومديري عموم في وزارة التعليم الحوثية على الخضوع لبرامج تعبوية تستمر 12 يوماً.

ملايين الأطفال في مناطق سيطرة الحوثيين عُرضة لغسل الأدمغة (رويترز)

وبموجب التعليمات، ألزمت الجماعة القادة التربويين بحضور البرنامج، في حين اتخذت إجراءات عقابية ضد المتغيبين، وكذا المنسحبون من البرنامج بعد انتهاء يومه الأول، لعدم قناعتهم بما يتمّ بثّه من برامج وأفكار طائفية.

وكشفت المصادر عن إحالة الجماعة 12 مديراً عاماً ووكيل قطاع تربوي في صنعاء ومدن أخرى إلى التحقيق، قبل أن تتخذ قراراً بإيقافهم عن العمل، بحجة تخلفهم عن المشاركة في برنامجها التعبوي.

وجاء هذا الاستهداف تنفيذاً لتعليمات صادرة من زعيم الجماعة وبناء على مخرجات اجتماع ترأسه حسن الصعدي المعيّن وزيراً للتربية والتعليم والبحث العلمي بحكومة الانقلاب، وخرج بتوصيات تحض على إخضاع التربويين لبرامج تحت اسم «تدريبية» على ثلاث مراحل، تبدأ بالتعبئة الفكرية وتنتهي بالالتحاق بدورات عسكرية.

توسيع التطييف

تبرّر الجماعة الحوثية إجراءاتها بأنها رد على عدم استجابة التربويين للتعليمات، ومخالفتهم الصريحة لما تُسمّى مدونة «السلوك الوظيفي» التي فرضتها سابقاً على جميع المؤسسات تحت سيطرتها، وأرغمت الموظفين تحت الضغط والتهديد على التوقيع عليها.

وأثار السلوك الحوثي موجة غضب في أوساط القادة والعاملين التربويين في صنعاء، ووصف عدد منهم في حديثهم لـ«الشرق الأوسط»، ذلك التوجه بأنه «يندرج في إطار توسيع الجماعة من نشاطاتها الطائفية بصورة غير مسبوقة، ضمن مساعيها الرامية إلى تطييف ما تبقى من فئات المجتمع بمن فيهم العاملون في قطاع التعليم».

عناصر حوثيون يرددون هتافات الجماعة خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)

واشتكى تربويون في صنعاء، شاركوا مكرهين في البرامج الحوثية، من إلزامهم يومياً منذ انطلاق البرنامج بمرحلته الأولى، بالحضور للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة، وتلقي دروس طائفية تحت إشراف معممين جرى استقدام بعضهم من صعدة حيث المعقل الرئيس للجماعة.

ويأتي تحرك الجماعة الحوثية لتعبئة ما تبقى من منتسبي قطاع التعليم فكرياً وعسكرياً، في وقت يتواصل فيه منذ سنوات حرمان عشرات الآلاف من المعلمين من الحصول على مرتباتهم، بحجة عدم توفر الإيرادات.

ويتحدث ماجد -وهو اسم مستعار لمسؤول تعليمي في صنعاء- لـ«الشرق الأوسط»، عن تعرضه وزملائه لضغوط كبيرة من قبل مشرفين حوثيين لإجبارهم بالقوة على المشاركة ضمن ما يسمونه «برنامجاً تدريبياً لمحاضرات زعيم الجماعة من دروس عهد الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر».

وأوضح المسؤول أن مصير الرافضين الانخراط في ذلك البرنامج هو التوقيف عن العمل والإحالة إلى التحقيق وربما الفصل الوظيفي والإيداع في السجون.

يُشار إلى أن الجماعة الانقلابية تركز جُل اهتمامها على الجانب التعبوي، عوضاً الجانب التعليمي وسط ما يعانيه قطاع التعليم العمومي من حالة انهيار وتدهور غير مسبوقة.