عمليات حفتر حول طرابلس تلقي بظلالها على الحوار السياسي بين الأطراف الليبية في المغرب

ليون: مواقف أطراف النزاع متقاربة أكثر من أي وقت مضى

برناردينو ليون الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة لدى ليبيا خلال ندوة صحافية  في قصر المؤتمرات بالصخيرات جنوب الرباط أمس (أ.ب)
برناردينو ليون الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة لدى ليبيا خلال ندوة صحافية في قصر المؤتمرات بالصخيرات جنوب الرباط أمس (أ.ب)
TT

عمليات حفتر حول طرابلس تلقي بظلالها على الحوار السياسي بين الأطراف الليبية في المغرب

برناردينو ليون الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة لدى ليبيا خلال ندوة صحافية  في قصر المؤتمرات بالصخيرات جنوب الرباط أمس (أ.ب)
برناردينو ليون الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة لدى ليبيا خلال ندوة صحافية في قصر المؤتمرات بالصخيرات جنوب الرباط أمس (أ.ب)

ألقت العمليات العسكرية، التي يقودها اللواء خليفة حفتر حول طرابلس، بظلالها على جولة الحوار الخامسة بين الأطراف السياسية الليبية في منتجع الصخيرات، جنوب العاصمة المغربية.
وبدت جولة المفاوضات، التي انطلقت قبل أسبوعين، وكأنها تراوح مكانها في انتظار حسم عسكري محتمل لأزمة نزاع الشرعية بين البرلمانين والحكومتين المتصارعتين في ليبيا؛ فجلسة الحوار التي كان مرتقبا أن تنطلق أول من أمس، لم تبدأ إلا مساء أمس الجمعة، نتيجة تأخر وفد المؤتمر الوطني العام في الوصول إلى المغرب بسبب العمليات العسكرية لقوات حفتر، الموالية لبرلمان طبرق، والتي استهدفت مطار معيتيقة قرب طرابلس.
وتجدر الإشارة إلى أن الهجوم الذي يقوده حفتر على طرابلس من 3 محاور - وهي محور العزيزية في اتجاه الساعدية التي تبعد 30 كيلومترا عن طرابلس، إضافة إلى محوري صبراته والزاوية - ولد انطباعا بإمكانية الحسم العسكري السريع للأزمة عبر دخوله العاصمة.
وقال أبو بكر بعيرة، رئيس الوفد المفاوض عن مجلس النواب في طبرق، لـ«الشرق الأوسط»، إنه «إذا تم الحسم العسكري فقد يغني عن الحوار. وإذا استطاع الجيش أن يسيطر على طرابلس فلن تبقى هناك مشكلة». وأضاف بعيرة أن «الإشكالية التي نواجهها الآن هي تقسيم ليبيا، وهذه الإشكالية يمكن أن تحل عبر طريقين، إما الحسم العسكري وإما المفاوضات. وأيهما يسبق يسود الساحة».
وحول إشكالية الحكومة المطروحة للحوار، قال بعيرة إنها ضمن جدول الأعمال، لكنه أضاف: «حتى الآن ما زلنا لم نتوصل بأي أسماء مرشحة للحكومة المرتقبة».
وقال بعيرة لـ«الشرق الأوسط» إن الإشكالية الكبرى التي تعترض المفاوضات هي إشكالية الشرعية، وأضاف موضحا: «لن نتنازل بأي شكل من الأشكال عن شرعيتنا باعتبارنا برلمانا منتخبا ومعترفا به دوليا. ونحن جئنا للحوار حتى لا نخسر موقف المجتمع الدولي معنا. ولكن لن نتنازل عن شرعيتنا لجسم آخر يختبئ وراء مجموعة من الميليشيات الخارجة عن القانون. الحل بكل بساطة هو أن يختفوا وأن يدعونا نمارس صلاحياتنا التشريعية».
من جانبه انتقد صالح محمد المخزوم الصالح، نائب رئيس المؤتمر الوطني ورئيس وفده للحوار، ما وصفه بتعنت وعدم مرونة مجلس النواب في المفاوضات. وقال لـ«الشرق الأوسط»: «حتى الآن لم نجلس معهم بشكل مباشر، ومطلبنا المستعجل لبعثة الأمم المتحدة هو أن تنظم لنا جلسة مباشرة مع الطرف الآخر. فهكذا يكون الحوار وتكون المفاوضات». ووصف المخزوم هجوم قوات حفتر على طرابلس بالغادر، وقال لـ«الشرق الأوسط»، بهذا الخصوص: «عندما اتجهت قوات فجر ليبيا لمحاربة المجموعات الإرهابية هاجموهم من الخلف، وأرادوا دخول طرابلس». واعتبر المخزوم أن الهجوم يؤشر على بوادر تحالف بين من سماهم «القوات المضادة لثورة فبراير»، والجماعات الإرهابية التابعة لتنظيم داعش.
من جهته، أكد الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة لدى ليبيا، برناردينو ليون، أن مواقف أطراف النزاع في ليبيا، متقاربة أكثر من أي وقت مضى. وقال المسؤول الأممي، خلال مؤتمر صحافي عقده قبل الاستئناف الرسمي لهذه المفاوضات، الرامية إلى التوصل إلى حل سلمي شامل للأزمة التي تعرفها ليبيا منذ عدة أشهر: «لقد حصل تقدم منذ الجولة الأولى من هذه المشاورات»، مضيفا أن «جميع الوفود حاضرة هنا، واستجابت جميعها لدعوة الأمم المتحدة للعودة إلى الصخيرات بروح بناءة، ومستعدة لتقديم تنازلات والتفاوض بشكل جدي ومناقشة الوثائق الموضوعة على الطاولة».
وشدد ليون الذي كان يشغل سابقا منصب كاتب الدولة (وزير دولة) في الشؤون الخارجية الإسبانية على أنه «ينبغي الاعتراف بهذا الجهد وتشجيعهم في الوقت نفسه على الحفاظ على هذه الروح، وعلى الاستعداد لتحقيق تقدم جدي لأن ليبيا بحاجة إلى هذا الاتفاق السياسي».
وأضاف: «نحن نشتغل على التوجهات الكبرى التي يتعين أن تسير بالبلاد نحو استعادة الأمن والاستقرار»، معربا عن شكره للمغرب ولعاهله الملك محمد السادس على الجهود المبذولة من أجل تنظيم هذه المشاورات في المملكة المغربية. وقال بهذا الخصوص: «أود أن أشكر المملكة المغربية والملك والحكومة والفريق المغربي الموجود معنا والذي يقوم بعمل هائل، وكذا المجتمع الدولي والسفراء الأجانب الحاضرين، وأولئك الذين في طريقهم إلى الوصول لدعم هذه المفاوضات».



الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)

كثّفت الجماعة الحوثية استهدافها مدرسي الجامعات والأكاديميين المقيمين في مناطق سيطرتها بحملات جديدة، وألزمتهم بحضور دورات تعبوية وزيارات أضرحة القتلى من قادتها، والمشاركة في وقفات تنظمها ضد الغرب وإسرائيل، بالتزامن مع الكشف عن انتهاكات خطيرة طالتهم خلال فترة الانقلاب والحرب، ومساعٍ حثيثة لكثير منهم إلى الهجرة.

وذكرت مصادر أكاديمية في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن مدرسي الجامعات العامة والخاصة والموظفين في تلك الجامعات يخضعون خلال الأسابيع الماضية لممارسات متنوعة؛ يُجبرون خلالها على المشاركة في أنشطة خاصة بالجماعة على حساب مهامهم الأكاديمية والتدريس، وتحت مبرر مواجهة ما تسميه «العدوان الغربي والإسرائيلي»، ومناصرة فلسطينيي غزة.

وتُلوّح الجماعة بمعاقبة مَن يتهرّب أو يتخلّف من الأكاديميين في الجامعات العمومية، عن المشاركة في تلك الفعاليات بالفصل من وظائفهم، وإيقاف مستحقاتهم المالية، في حين يتم تهديد الجامعات الخاصة بإجراءات عقابية مختلفة، منها الغرامات والإغلاق، في حال عدم مشاركة مدرسيها وموظفيها في تلك الفعاليات.

أكاديميون في جامعة صنعاء يشاركون في تدريبات عسكرية أخضعهم لها الحوثيون (إعلام حوثي)

وتأتي هذه الإجراءات متزامنة مع إجراءات شبيهة يتعرّض لها الطلاب الذين يجبرون على حضور دورات تدريبية قتالية، والمشاركة في عروض عسكرية ضمن مساعي الجماعة لاستغلال الحرب الإسرائيلية على غزة لتجنيد مقاتلين تابعين لها.

انتهاكات مروّعة

وكان تقرير حقوقي قد كشف عن «انتهاكات خطيرة» طالت عشرات الأكاديميين والمعلمين اليمنيين خلال الأعوام العشرة الماضية.

وأوضح التقرير الذي أصدرته «بوابة التقاضي الاستراتيجي»، التابعة للمجلس العربي، بالتعاون مع الهيئة الوطنية للأسرى والمختطفين، قبل أسبوع تقريباً، وغطّي الفترة من مايو (أيار) 2015، وحتى أغسطس (آب) الماضي، أن 1304 وقائع انتهاك طالت الأكاديميين والمعلمين في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية التي اتهمها باختطافهم وتعقبهم، ضمن ما سمّاها بـ«سياسة تستهدف القضاء على الفئات المؤثرة في المجتمع اليمني وتعطيل العملية التعليمية».

أنشطة الجماعة الحوثية في الجامعات طغت على الأنشطة الأكاديمية والعلمية (إكس)

ووثّق التقرير حالتي وفاة تحت التعذيب في سجون الجماعة، وأكثر من 20 حالة إخفاء قسري، منوهاً بأن من بين المستهدفين وزراء ومستشارين حكوميين ونقابيين ورؤساء جامعات، ومرجعيات علمية وثقافية ذات تأثير كبير في المجتمع اليمني.

وتضمن التقرير تحليلاً قانونياً لمجموعة من الوثائق، بما في ذلك تفاصيل جلسات التحقيق ووقائع التعذيب.

ووفق تصنيف التقرير للانتهاكات، فإن الجماعة الحوثية نفّذت 1046 حالة اختطاف بحق مؤثرين، وعرضت 124 منهم للتعذيب، وأخضعت اثنين من الأكاديميين و26 من المعلمين لمحاكمات سياسية.

وتشمل الانتهاكات التي رصدها التقرير، الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري والتعذيب الجسدي والنفسي والمحاكمات الصورية وأحكام الإعدام.

عشرات الأكاديميين لجأوا إلى طلب الهجرة بسبب سياسات الإقصاء الحوثية وقطع الرواتب (إكس)

وسبق أن كشف تقرير تحليلي لأوضاع الأكاديميين اليمنيين عن زيادة في طلبات العلماء والباحثين الجامعيين للهجرة خارج البلاد، بعد تدهور الظروف المعيشية، واستمرار توقف رواتبهم، والانتهاكات التي تطال الحرية الأكاديمية.

وطبقاً للتقرير الصادر عن معهد التعليم الدولي، ارتفعت أعداد الطلبات المقدمة من باحثين وأكاديميين يمنيين لصندوق إنقاذ العلماء، في حين تجري محاولات لاستكشاف الطرق التي يمكن لقطاع التعليم الدولي من خلالها مساعدة وتغيير حياة من تبقى منهم في البلاد إلى الأفضل.

إقبال على الهجرة

يؤكد المعهد الدولي أن اليمن كان مصدر غالبية الطلبات التي تلقّاها صندوق إنقاذ العلماء في السنوات الخمس الماضية، وتم دعم أكثر من ثلثي العلماء اليمنيين داخل المنطقة العربية وفي الدول المجاورة، بمنحة قدرها 25 ألف دولار لتسهيل وظائف مؤقتة.

قادة حوثيون يتجولون في جامعة صنعاء (إعلام حوثي)

لكن تحديات التنقل المتعلقة بالتأشيرات وتكلفة المعيشة والاختلافات اللغوية الأكاديمية والثقافية تحد من منح الفرص للأكاديميين اليمنيين في أميركا الشمالية وأوروبا، مقابل توفر هذه الفرص في مصر والأردن وشمال العراق، وهو ما يفضله كثير منهم؛ لأن ذلك يسمح لهم بالبقاء قريباً من عائلاتهم وأقاربهم.

وخلص التقرير إلى أن العمل الأكاديمي والبحثي داخل البلاد «يواجه عراقيل سياسية وتقييداً للحريات ونقصاً في الوصول إلى الإنترنت، ما يجعلهم يعيشون فيما يُشبه العزلة».

وأبدى أكاديمي في جامعة صنعاء رغبته في البحث عن منافذ أخرى قائمة ومستمرة، خصوصاً مع انقطاع الرواتب وضآلة ما يتلقاه الأستاذ الجامعي من مبالغ، منها أجور ساعات تدريس محاضرات لا تفي بالاحتياجات الأساسية، فضلاً عن ارتفاع الإيجارات.

إجبار الأكاديميين اليمنيين على المشاركة في الأنشطة الحوثية تسبب في تراجع العملية التعليمية (إكس)

وقال الأكاديمي الذي طلب من «الشرق الأوسط» التحفظ على بياناته خوفاً على سلامته، إن الهجرة ليست غاية بقدر ما هي بحث عن وظيفة أكاديمية بديلة للوضع المأساوي المعاش.

ويقدر الأكاديمي أن تأثير هذه الأوضاع أدّى إلى تدهور العملية التعليمية في الجامعات اليمنية بنسبة تتجاوز نصف الأداء في بعض الأقسام العلمية، وثلثه في أقسام أخرى، ما أتاح المجال لإحلال كوادر غير مؤهلة تأهيلاً عالياً، وتتبع الجماعة الحوثية التي لم تتوقف مساعيها الحثيثة للهيمنة على الجامعات ومصادرة قرارها، وصياغة محتوى مناهجها وفقاً لرؤية أحادية، خصوصاً في العلوم الاجتماعية والإنسانية.

وفي حين فقدت جامعة صنعاء -على سبيل المثال- دورها التنويري في المجتمع، ومكانتها بصفتها مؤسسة تعليمية، تُشجع على النقد والتفكير العقلاني، تحسّر الأكاديمي اليمني لغياب مساعي المنظمات الدولية في تبني حلول لأعضاء هيئة التدريس، سواء في استيعابهم في مجالات أو مشروعات علمية، متمنياً ألا يكون تخصيص المساعدات لمواجهة المتطلبات الحياتية للأكاديميين غير مشروط أو مجاني، وبما لا يمس كرامتهم.