لم يمر الهجوم الإرهابي الذي خلف في العاصمة التونسية نحو 23 قتيلا و47 جريحا دون أن يوقع جروحا نفسية لدى معظم التونسيين. فقد وصفت معظم الصحف التونسية الهجوم الإرهابي الذي استهدف متحف باردو بـ«الصدمة»، وأثنت القيادات السياسية من ناحيتها على حسن تعامل التونسيين مع الحدث الأكثر دموية في تاريخ المواجهات مع الإرهاب. ولكن الشارع لا يزال تحت وقع الصدمة. هذا على الرغم من محاولة التونسيين، سواء في أعلى الهرم أو من عموم الناس، إظهار رباطة جأش قوية في مواجهة الإرهابيين الذين أوقعوا إلى حد الآن قرابة مائة قتيل في صفوف قوات الأمن والجيش. ولكن المعركة هذه المرة اختلفت وتجاوزت حدود من تصفهم المجموعات الإرهابية بـ«الطاغوت» لتتوجه إلى منشآت حكومية على غاية من الحساسية سواء من حيث قيمتها الحضارية أو كذلك من ناحية انعكاسها على قطاعات اقتصادية أهمها السياحة.
وطوال الأيام الثلاثة الماضية، انتظم التونسيون في شوارع عدة مدن تونسية ونظموا مسيرات مناهضة للإرهاب وداعمة لقوات الأمن والجيش، وأظهروا غضبا عارما تجاه المجموعات الإرهابية ومخططاتها الهادفة إلى ضرب الأمن والاستقرار في تونس. وحيا عموم الناس القوات الأمنية الخاصة التي هاجمت العناصر الإرهابية في متحف باردو، وكان الأمر بصفة تلقائية، لأن التونسيين أحسوا أن الخطر الداهم وجه بوصلته نحو حياتهم الشخصية، وذلك بمروره من مرحلة التقوقع والتحصن داخل الجبال الغربية للبلاد، لينزل هذه المرة إلى المناطق السكنية ويهدد حياة المدنيين العزل.
ولا يخفي كثير من المراقبين للوضع الأمني في تونس تعقد ظاهرة الإرهاب؛ إذ إن البلاد تعد من أكثر دول العالم تصديرا للعناصر الإرهابية ولا يمكن عمليا الادعاء بأن الإرهاب وافد على تونس من الخارج. ويوجه هؤلاء أصابع الاتهام إلى الحاضنة الاجتماعية للإرهاب ويقولون إنها «قوية ومحصنة» سواء من الناحية الفكرية أو كذلك من الناحية المالية. ولا ينسى هؤلاء وجود نحو 300 خلية إرهابية نائمة، ولكن يبدو أنها أفاقت خلال هذه الفترات الحساسة من تاريخ تونس، هذا إلى جانب رجوع 500 جهادي من الخارج في انتظار قدوم البقية خلال الفترات المقبلة.
ولذلك طالب كثير ممن التقتهم «الشرق الأوسط» بضرورة مراجعة نظرتنا تجاه الإرهاب، فهو ليس ظاهرة عادية، وقالوا لا يكمن اعتبار تونس أرض عبور بل إن كثيرا من المحللين السياسيين لمظاهر الإرهاب قالوا إن الإرهاب استوطن ومن الصعب القضاء عليه، وما إقدام شبان تونسيين أعمارهم لا تزيد على 30 سنة، على مثل تلك العمليات الإرهابية، إلا دليل هام وكاف على أن الظاهرة ليست بالبساطة التي نتصورها أو يقع تسويقها للتونسيين.
وفي هذا الشأن، قال كمال المعلاوي (موظف في أحد البنوك الحكومية) إن موضوع الإرهاب على غاية من الخطورة والتعقيد ولا يمكن التغافل للحظة زمنية عن متابعة كل ما يجدّ على الساحة وقراءته قراءة جيدة وصحيحة، لأن التطورات الحاصلة ستربك كل القطاعات، ومن بينها القطاع المالي وقطاع الأعمال.
وأكدت المعلومات أن أحد منفذي هجوم باردو ، هو ياسين العبيدي والذي قام قبل قليل من تنفيذ العملية ، في بيته بتناول طعام الافطار المكون من حبات التمر والخبز وزيت الزيتون مع أسرته ليتجه كالمعتاد الى عمله بوكالة للسفر والسياحة.
ولم يمكث العبيدي بمكتبه سوى ساعتين ليحصل بعدها على استراحة قصيرة من عمله في الوكالة في الساعة العاشرة صباحا حيث غادر متجها الى هدفه في باردو لتنتهي رحلته بهجوم دموي أنهى حياته وحياة سائحين من عدة جنسيات. تقول عائلة العبيدي التي نصبت سرادق عزاء أمام المنزل لتقبل العزاء في ابنها الذي قتل برصاص الشرطة اثناء الهجوم انه لا يمكن ان تستوعب كيف لشاب محبوب ومفعم بالحياة والحيوية ويعشق ارتداء أفخم الملابس المستوردة ان يتحول الى متشدد يقتل أبرياء بتلك الطريقة الوحشية. وياسين العبيدي (27 عاما) مثل أغلب شبان منطقة العمران الأعلى واصل دراسته الجامعية قبل ان يحصل على شهادة في اللغة الفرنسية ولم تكن تبدو عليه اي مظاهر تشدد او فكر متطرف يمكن أن تدفعه لارتكاب أكبر هجوم دموي في تونس أثار حالة من الذهول والصدمة في البلاد وخارجها.
الشارع التونسي لا يزال تحت صدمة هجوم «باردو»
أحد المهاجمين توجه الى المتحف أثناء استراحة عمله
الشارع التونسي لا يزال تحت صدمة هجوم «باردو»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة