السودان: إجراءات مشددة لحسم «الفوضى والتخريب»

شملت مراجعة الوثائق والخرائط المعتمدة للحدود

رئيس مجلس السيادة السوداني الفريق عبد الفتاح البرهان (إ.ب.أ)
رئيس مجلس السيادة السوداني الفريق عبد الفتاح البرهان (إ.ب.أ)
TT

السودان: إجراءات مشددة لحسم «الفوضى والتخريب»

رئيس مجلس السيادة السوداني الفريق عبد الفتاح البرهان (إ.ب.أ)
رئيس مجلس السيادة السوداني الفريق عبد الفتاح البرهان (إ.ب.أ)

بحث مجلس الأمن والدفاع السوداني، وهو أعلى سلطة أمنية في البلاد، التطورات الأمنية التي تشهدها البلاد، بما في ذلك الاحتكاكات التي شهدتها العاصمة الخرطوم بين القوات النظامية ومقاتلين من الحركات المسلحة، وذلك في اجتماع استمر حتى ساعات متأخرة من ليلة أول من أمس، برئاسة رئيس مجلس السيادة الفريق عبد الفتاح البرهان، وحضور رئيس الوزراء عبد الله حمدوك.
واتخذ المجلس حزمة قرارات تهدف لحسم ما سماه «الفوضى وأعمال التخريب» والإضرار بـ«الأمن القومي» وباقتصاد البلاد، فضلاً عن تأكيد سلامة الوثائق والخرائط المعتمدة رسمياً ودولياً لحدود البلاد، والموقف القانوني في النزاعات الحدودية الدولية.
وقال وزير الدفاع الفريق الركن يسن إبراهيم يسن في تصريح صحافي عقب الاجتماع إن المجلس استمع إلى وصف وإيجاز مهني من المفوضية القومية للحدود واطمأن على الوثائق والخرائط المعتمدة والداعمة لخريطة السودان السياسية والتي تؤكد سلامة موقف البلاد القانوني في النزاعات الحدودية.
وأوضح الوزير أن المجلس تلقى تقريراً عن «الأنشطة الضارة» في حدود البلاد الشمالية الغربية مع دولة ليبيا، وهي المثلث الحدودي المشترك بين كل من السودان وليبيا ومصر، ويعد مركزاً لتجارة المخدرات وتجارة البشر وتهريب السلع والسيارات والأسلحة، والهجرة غير الشرعية.
وأوضح وزير الدفاع أن المجلس تلقى تقريراً أمنياً بشأن الأحداث التي شهدتها منطقة سوبا جنوب الخرطوم، والاحتكاكات بين الأجهزة الأمنية ومنسوبي الحركات المسلحة، وأشاد بما أطلق عليه «الأداء المهني والحكمة» التي تحلت بها القوات المنفذة لعملية إخلاء مجمع «رهف» التابع للشرطة.
وشهدت ضاحية سوبا أول من أمس تبادلاً كثيفاً لإطلاق النار بين أفراد تابعين لقوات من الحركات المسلحة الموقعة على اتفاقية سلام جوبا، كانوا يقيمون مؤقتاً في المجمع «رهف» التابع للشرطة. وعندما طُلب منهم الإخلاء رفضوا الانصياع وردوا بإطلاق نيران كثيفة، ما اضطر القوات المشتركة المكونة من الجيش والدعم السريع وجهاز المخابرات العامة، لاستخدام القوة لإخراجهم، ونتج عن العملية بعض الإصابات، وأثار إطلاق النار الهلع بين السكان المدنيين قرب المكان.
وتشن القوات النظامية والأجهزة الأمنية حملات منسقة لمواجهة التفلتات الأمنية، الأمر الذي أكد عليه اجتماع المجلس بتوجيه قواته باستمرارها، لضبط التفلتات والتحركات والأنشطة الهدامة، دون تحديد لتلك الأنشطة على وجه الدقة.
وأوضح الفريق أول يسن أن الاجتماع شهد مناقشات حول جهود إرساء السلام في البلاد، ودور الأجهزة الأمنية، و«شكر» المواطنين، على ما أسماه «تفهمهم لكافة التدابير والإجراءات المتخذة لاستتباب الأمن في البلاد».
ووفقاً للوزير فإن اجتماع المجلس بحث أيضاً المشكلات التي تعوق الإنتاج في مناطق البترول والتعدين، وشدد على أهمية حسم الفوضى، ووقف أعمال التخريب التي تضر بالأمن القومي والاقتصاد الوطني، وذلك في إشارة لعمليات يقوم بها متفلتون لإعاقة إنتاج البترول ووقف ضخه، تحت ذريعة حقوق المجتمعات المحلية.
وقال الوزير إن المجلس أكد على حقوق المجتمعات المحلية في مناطق إنتاج البترول والمعادن، وعلى وضع استراتيجية تنموية عاجلة، تعالج قضايا المناطق المتأثرة، وتنشيط «الآلية الرباعية» المعنية، وتتكون من الحكومة المركزية وحكومات الولايات والشركات العاملة في النفط والتعدين، والسكان المحليين وأصحاب المصلحة.
من جهة أخرى، ناقش مجلس الأمن والدفاع استضافة مجموعة «محدودة» من الجنسيات الأفغانية في البلاد ولفترة معلومة، واستعرض الجوانب المتعلقة بالأمر، وأبدى موافقته المبدئية «استجابة للنداء الإنساني»، مشترطاً إخضاع استضافة لاجئين أفغان بالبلاد، بمزيد من الترتيبات الأمنية التي تحفظ الحقوق.



نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
TT

نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)

شيّعت الجماعة الحوثية خلال الأسبوع الماضي أكثر من 15 قتيلاً من قيادييها العسكريين والأمنيين من دون إعلان ملابسات سقوطهم. ورغم توقف المعارك العسكرية مع القوات الحكومية اليمنية في مختلف الجبهات؛ فإن النزيف البشري المستمر لقياداتها وعناصرها يثير التساؤلات عن أسبابه، بالتزامن مع مقتل العديد من القادة في خلافات شخصية واعتداءات على السكان.

ولقي قيادي بارز في صفوف الجماعة مصرعه، الأحد، في محافظة الجوف شمال شرقي العاصمة صنعاء في كمين نصبه مسلحون محليون انتقاماً لمقتل أحد أقاربهم، وذلك بعد أيام من مقتل قيادي آخر في صنعاء الخاضعة لسيطرة الجماعة، في خلاف قضائي.

وذكرت مصادر قبلية في محافظة الجوف أن القيادي الحوثي البارز المُكنى أبو كمال الجبلي لقي مصرعه على يد أحد المسلحين القبليين، ثأراً لمقتل أحد أقاربه الذي قُتل في عملية مداهمة على أحد أحياء قبيلة آل نوف، التي ينتمي إليها المسلح، نفذها القيادي الحوثي منذ أشهر، بغرض إجبار الأهالي على دفع إتاوات.

من فعالية تشييع أحد قتلى الجماعة الحوثية في محافظة حجة دون الإعلان عن سبب مقتله (إعلام حوثي)

ويتهم سكان الجوف القيادي القتيل بممارسات خطيرة نتج عنها مقتل عدد من أهالي المحافظة والمسافرين وسائقي الشاحنات في طرقاتها الصحراوية واختطاف وتعذيب العديد منهم، حيث يتهمونه بأنه كان «يقود مسلحين تابعين للجماعة لمزاولة أعمال فرض الجبايات على المركبات المقبلة من المحافظات التي تسيطر عليها الحكومة، وتضمنت ممارساته الاختطاف والتعذيب والابتزاز وطلب الفدية من أقارب المختطفين أو جهات أعمالهم».

وتقول المصادر إن الجبلي كان يعدّ مطلوباً من القوات الحكومية اليمنية نتيجة ممارساته، في حين كانت عدة قبائل تتوعد بالانتقام منه لما تسبب فيه من تضييق عليها.

وشهدت محافظة الجوف مطلع هذا الشهر اغتيال قيادي في الجماعة، يُكنى أبو علي، مع أحد مرافقيه، في سوق شعبي بعد هجوم مسلحين قبليين عليه، انتقاماً لأحد أقاربهم الذي قُتِل قبل ذلك في حادثة يُتهم أبو علي بالوقوف خلفها.

في الآونة الأخيرة تتجنب الجماعة الحوثية نشر صور فعاليات تشييع قتلاها في العاصمة صنعاء (إعلام حوثي)

وتلفت مصادر محلية في المحافظة إلى أن المسلحين الذين اغتالوا أبو علي يوالون الجماعة الحوثية التي لم تتخذ إجراءات بحقهم، مرجحة أن تكون عملية الاغتيال جزءاً من أعمال تصفية الحسابات داخلياً.

قتل داخل السجن

وفي العاصمة صنعاء التي تسيطر عليها الجماعة الحوثية منذ أكثر من 10 سنوات، كشفت مصادر محلية مطلعة عن مقتل القيادي الحوثي البارز عبد الله الحسني، داخل أحد السجون التابعة للجماعة على يد أحد السكان المسلحين الذي اقتحم السجن الذي يديره الحسني بعد خلاف معه.

وتشير المصادر إلى أن الحسني استغل نفوذه للإفراج عن سجين كان محتجزاً على ذمة خلاف ينظره قضاة حوثيون، مع المتهم بقتل الحسني بعد مشادة بينهما إثر الإفراج عن السجين.

وكان الحسني يشغل منصب مساعد قائد ما يسمى بـ«الأمن المركزي» التابع للجماعة الحوثية التي ألقت القبض على قاتله، ويرجح أن تجري معاقبته قريباً.

وأعلنت الجماعة، السبت الماضي، تشييع سبعة من قياداتها دفعة واحدة، إلى جانب ثمانية آخرين جرى تشييعهم في أيام متفرقة خلال أسبوع، وقالت إنهم جميعاً قتلوا خلال اشتباكات مسلحة مع القوات الحكومية، دون الإشارة إلى أماكن مقتلهم، وتجنبت نشر صور لفعاليات التشييع الجماعية.

جانب من سور أكبر المستشفيات في العاصمة صنعاء وقد حولته الجماعة الحوثية معرضاً لصور قتلاها (الشرق الأوسط)

ويزيد عدد القادة الذين أعلنت الجماعة الحوثية عن تشييعهم خلال الشهر الجاري عن 25 قيادياً، في الوقت الذي تشهد مختلف جبهات المواجهة بينها وبين القوات الحكومية هدوءاً مستمراً منذ أكثر من عامين ونصف.

ورعت الأمم المتحدة هدنة بين الطرفين في أبريل (نيسان) من العام قبل الماضي، ورغم أنها انتهت بعد ستة أشهر بسبب رفض الجماعة الحوثية تمديدها؛ فإن الهدوء استمر في مختلف مناطق التماس طوال الأشهر الماضية، سوى بعض الاشتباكات المحدودة على فترات متقطعة دون حدوث أي تقدم لطرف على حساب الآخر.

قتلى بلا حرب

وأقدمت الجماعة الحوثية، أخيراً، على تحويل جدران سور مستشفى الثورة العام بصنعاء، وهو أكبر مستشفيات البلاد، إلى معرض لصور قتلاها في الحرب، ومنعت المرور من جوار السور للحفاظ على الصور من الطمس، في إجراء أثار حفيظة وتذمر السكان.

وتسبب المعرض في التضييق على مرور المشاة والسيارات، وحدوث زحام غير معتاد بجوار المستشفى، ويشكو المرضى من صعوبة وصولهم إلى المستشفى منذ افتتاح المعرض.

ويتوقع مراقبون لأحوال الجماعة الحوثية أن يكون هذا العدد الكبير من القيادات التي يجري تشييعها راجعاً إلى عدة عوامل، منها مقتل عدد منهم في أعمال الجباية وفرض النفوذ داخل مناطق سيطرة الجماعة، حيث يضطر العديد من السكان إلى مواجهة تلك الأعمال بالسلاح، ولا يكاد يمرّ أسبوع دون حدوث مثل هذه المواجهات.

ترجيحات سقوط عدد كبير من القادة الحوثيين بغارات الطيران الأميركي والبريطاني (رويترز)

ويرجح أن يكون عدد من هؤلاء القادة سقطوا بقصف الطيران الحربي للولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا اللتين شكلتا منذ قرابة عام تحالفاً عسكرياً للرد على استهداف الجماعة الحوثية للسفن التجارية وطرق الملاحة في البحر الأحمر، وتنفذان منذ ذلك الحين غارات جوية متقطعة على مواقع الجماعة.

كما تذهب بعض الترجيحات إلى تصاعد أعمال تصفية الحسابات ضمن صراع وتنافس الأجنحة الحوثية على النفوذ والثروات المنهوبة والفساد، خصوصاً مع توقف المعارك العسكرية، ما يغري عدداً كبيراً من القيادات العسكرية الميدانية بالالتفات إلى ممارسات نظيرتها داخل مناطق السيطرة والمكاسب الشخصية التي تحققها من خلال سيطرتها على أجهزة ومؤسسات الدولة.

وبدأت الجماعة الحوثية خلال الأسابيع الماضية إجراءات دمج وتقليص عدد من مؤسسات وأجهزة الدولة الخاضعة لسيطرتها، في مساعِ لمزيد من النفوذ والسيطرة عليها، والتخفيف من التزاماتها تجاه السكان بحسب المراقبين.