تشكيل الفريق الحكومي لمفاوضة «صندوق النقد» يحاصر وساطة اللواء إبراهيم

TT

تشكيل الفريق الحكومي لمفاوضة «صندوق النقد» يحاصر وساطة اللواء إبراهيم

سرعان ما تبخرت الوعود «الوردية» التي أطلقها رئيس الجمهورية ميشال عون وتوقع فيها ولادة الحكومة قبل نهاية هذا الأسبوع وحل محلها تبادل الحملات الإعلامية والسياسية، ما أدى إلى تراجع الآمال المعقودة على ولادتها، مع أن سفراء عرباً وأجانب كانوا أُحيطوا علماً بأن مراسيم تشكيلها ستصدر أمس وأنه لم يعد من عائق يؤخر إصدار التشكيلة الوزارية التي سترى النور في اجتماع حاسم يجمع عون برئيس الحكومة المكلف نجيب ميقاتي.
وبرغم أن تبادل الحملات السياسية والتراشق الإعلامي ظل محصوراً بعون وميقاتي، فإن مصادرهما سارعت إلى التناوب على تبادل التوضيحات التي أُريد منها تبرئة كل منهما من التأخير الذي أعاق ولادة الحكومة برميهما المسؤولية على المصادر التي كانت وراء التسريبات التي أخرت تشكيلها من جهة، وبالتأكيد على مواصلة التشاور بين الرئيسين وكأنهما أبقيا على من يعطل تشكيلها «مجهول الهوية» وإن كان عون جدد نفيه لمطالبته بالثلث الضامن في الحكومة.
ويقول مصدر نيابي لـ«الشرق الأوسط» إن إصرار عون وميقاتي من خلال مصادرهما على تبادل التوضيحات لا يفي بالغرض المطلوب منهما، خصوصاً أنه من غير الجائز إلصاق تهمة التأخير بمصادر مجهولة الهوية لو أن عون يصرف النظر عن إصراره على تسمية الوزراء المسيحيين باستثناء ثلاثة وزراء، اثنان منهما محسوبان على تيار «المردة» والثالث يسميه الحزب «السوري القومي الاجتماعي».
وفي هذا السياق، قالت مصادر مواكبة للعقبات التي أخرت تشكيل الحكومة بأن عون يدعي باستمرار عدم مطالبته بالثلث الضامن، فيما يريد تسمية 8 وزراء مسيحيين يضاف إليهم الوزير المحسوب على حليفه حزب «الطاشناق» والآخر على حليفه الثاني المحسوب على النائب طلال أرسلان، وسألت كيف يوفق بين رفضه للثلث الضامن وبين حصوله وحليفيه على عشرة وزراء في حكومة تضم 24 وزيراً؟
وكشفت أن مصادر ميقاتي وعون سارعت إلى تبادل التوضيحات استجابة للاتصالات التي تولاها المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم وبتدخل مباشر من «حزب الله» الذي حرصت أوساط إعلامية محسوبة عليه على تنقية الأجواء بين الرئيسين ونفي أن يكون عون يريد رمي مسؤولية التعطيل على ميقاتي الذي نفى بدوره، بحسب مكتبه الإعلامي، بأن يكون عون هو المستهدف.
ولفتت المصادر المواكبة إلى أن تبادل التوضيحات لم يقفل الباب أمام الوساطة التي يتولاها اللواء إبراهيم بين عون وميقاتي لتضييق نقاط الخلاف، وقالت إن وساطته ما زالت قائمة وهو يعمل الآن على إعادة ترميمها بعد أن أصابتها الشظايا السياسية المترتبة على تبادل الحملات.
واعتبرت أن معاودة اللواء إبراهيم التحرك ستؤدي إلى إزالة العقبات التي تعترض تشكيل الحكومة، وقالت إنه من غير الجائز تحميل الإعلام والتسريبات مسؤولية عدم الوصول بالتشكيلة الوزارية إلى بر الأمان.
وعزت السبب إلى أنه ليس أمام عون خيار سوى التعاون مع ميقاتي لإخراج مشاورات التأليف من التأزم إلا إذا قرر أن يكون البديل ابتداعه «إدارة ذاتية» لإدارة البلد منفرداً باعتماده على ترؤس اجتماعات مجلس الدفاع الأعلى بعد أن تعذرت عليه إعادة تفعيل حكومة حسان دياب، إلا إذا ارتأى الأخير مقاطعة اجتماعاته وصولاً إلى عدم مشاركته في الاجتماعات التي يعقدها عون في بعبدا.
وسألت المصادر نفسها: ماذا سيقول عون للمجتمع الدولي في حال أنه قرر أن يرأس الوفد اللبناني إلى اجتماعات الأمم المتحدة في دورة انعقادها السنوية في نيويورك لدى سؤاله عن الأسباب الكامنة وراء تأخير تشكيل الحكومة؟ وهل يعتقد أن رؤساء الدول المشاركين في اجتماعاتها سيأخذون بوجهة نظره بتحميل المصادر والتسريبات مسؤولية تأخير ولادتها؟
وأكدت المصادر أن تبادل التوضيحات لن يصرف الأنظار عن المشكلة القائمة بين ميقاتي وعون والتي تكمن في أن الرئيس المكلف يتطلع إلى تشكيل حكومة مهمة مختلفة عن الحكومات السابقة يمكن أن تشكل فريق عمل متجانساً بدلاً من أن تكون بمثابة حكومة «من كل وادٍ عصا»، وكشفت أن ميقاتي يتشاور مع عون بنفس طويل وبانفتاح لكنه ليس في وارد حشره أمام خيارين وعليه أن يختار بين السيئ والأسوأ.
وقالت إن العقدة التي تؤخر تشكيل الحكومة لا تكمن فقط في الحقائب «المتواضعة» المخصصة للطائفة السنية وإنما في أن الفريق السياسي المحسوب على عون يخطط للثأر من الوزير يوسف الخليل المقترح لتولي وزارة المالية لتمرير رسالة اعتراض إلى حاكم مصرف لبنان رياض سلامة وصولاً إلى إعاقة التفاوض مع صندوق النقد الدولي وتحديداً من خلال تسمية عون لوزراء الطاقة والشؤون الاجتماعية والاقتصاد الذين سيخالفونه في توجهاته لطلب تقديم المساعدة للبنان.
وبكلام آخر فإن ميقاتي - وبحسب المصادر نفسها - يصر على اختيار الوزراء لهذه الحقائب انطلاقاً من تشكيل وفد وزاري للتفاوض مع صندوق النقد لقطع الطريق على التجربة المرة التي منيت بها الحكومة المستقيلة والتي كان من نتائجها تعثر المفاوضات بسبب التباين داخل الوفد اللبناني المفاوض.
وعلمت «الشرق الأوسط» أن عون يصر من حين لآخر على تبديل بعض الوزراء ممن اقترحهم لتولي حقائب وزارية معينة من جهة وبإعادة النظر في توزيع بعض الحقائب على الطوائف، حتى أنه لم يستجب لطلب ميقاتي بأن يتخلى عن حقيبة الشؤون الاجتماعية أو حقيبة الاقتصاد أو أن يتخلى عن حقيبة الطاقة في حال إصراره على هاتين الوزارتين، وأبدى تشدداً بأن تبقى هذه الوزارات من حصته، وهذا ما يشكل نقطة خلاف أساسية بين الرئيسين لأن ميقاتي لا يحرص فقط على أن يكون حاضراً من خلال إحدى هذه الوزارات في المفاوضات مع صندوق النقد فحسب وإنما لقطع الطريق على أن تؤدي إلى نشر الغسيل اللبناني كما حصل إبان المفاوضات التي أجرتها الحكومة المستقيلة.
فالرئيس ميقاتي يحرص على تفعيل المفاوضات للوصول بها إلى نتائج ملموسة لإنقاذ لبنان ووقف انهياره، ومن شروط تفعيلها اختيار الفريق الوزاري الذي يُطلب منه اعتماد موقف واحد في المفاوضات بدلاً من تعدد المواقف لمحاصرة وزير المالية المقترح.



الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)

ضمن مخاوف الجماعة الحوثية من ارتدادات تطورات الأوضاع في سوريا على قوتها وتراجع نفوذ محور إيران في منطقة الشرق الأوسط؛ صعّدت الجماعة من ممارساتها بغرض تطييف المجتمع واستقطاب أتباع جدد ومنع اليمنيين من الاحتفال بسقوط نظام بشار الأسد.

واستهدفت الجماعة، حديثاً، موظفي مؤسسات عمومية وأخرى خاصة وأولياء أمور الطلاب بالأنشطة والفعاليات ضمن حملات التعبئة التي تنفذها لاستقطاب أتباع جدد، واختبار ولاء منتسبي مختلف القطاعات الخاضعة لها، كما أجبرت أعياناً قبليين على الالتزام برفد جبهاتها بالمقاتلين، ولجأت إلى تصعيد عسكري في محافظة تعز.

وكانت قوات الحكومة اليمنية أكدت، الخميس، إحباطها ثلاث محاولات تسلل لمقاتلي الجماعة الحوثية في جبهات محافظة تعز (جنوب غربي)، قتل خلالها اثنان من مسلحي الجماعة، وتزامنت مع قصف مواقع للجيش ومناطق سكنية بالطيران المسير، ورد الجيش على تلك الهجمات باستهداف مواقع مدفعية الجماعة في مختلف الجبهات، وفق ما نقله الإعلام الرسمي.

الجيش اليمني في تعز يتصدى لأعمال تصعيد حوثية متكررة خلال الأسابيع الماضية (الجيش اليمني)

وخلال الأيام الماضية اختطفت الجماعة الحوثية في عدد من المحافظات الخاضعة لسيطرتها ناشطين وشباناً على خلفية احتفالهم بسقوط نظام الأسد في سوريا، وبلغ عدد المختطفين في صنعاء 17 شخصاً، قالت شبكة حقوقية يمنية إنهم اقتيدوا إلى سجون سرية، في حين تم اختطاف آخرين في محافظتي إب وتعز للأسباب نفسها.

وأدانت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات حملة الاختطافات التي رصدتها في العاصمة المختطفة صنعاء، مشيرة إلى أنها تعكس قلق الجماعة الحوثية من انعكاسات الوضع في سوريا على سيطرتها في صنعاء، وخوفها من اندلاع انتفاضة شعبية مماثلة تنهي وجودها، ما اضطرها إلى تكثيف انتشار عناصرها الأمنية والعسكرية في شوارع وأحياء المدينة خلال الأيام الماضية.

وطالبت الشبكة في بيان لها المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية بإدانة هذه الممارسات بشكل واضح، بوصفها خطوة أساسية نحو محاسبة مرتكبيها، والضغط على الجماعة الحوثية للإفراج عن جميع المختطفين والمخفيين قسراً في معتقلاتها، والتحرك الفوري لتصنيفها منظمة إرهابية بسبب تهديدها للأمن والسلم الإقليميين والدوليين.

تطييف القطاع الطبي

في محافظة تعز، كشفت مصادر محلية لـ«الشرق الأوسط» عن أن الجماعة الحوثية اختطفت عدداً من الشبان في منطقة الحوبان على خلفية إبداء آرائهم بسقوط نظام الأسد، ولم يعرف عدد من جرى اختطافهم.

تكدس في نقطة تفتيش حوثية في تعز حيث اختطفت الجماعة ناشطين بتهمة الاحتفال بسقوط الأسد (إكس)

وأوقفت الجماعة، بحسب المصادر، عدداً كبيراً من الشبان والناشطين القادمين من مناطق سيطرة الحكومة اليمنية، وأخضعتهم للاستجواب وتفتيش متعلقاتهم الشخصية وجوالاتهم بحثاً عمّا يدل على احتفالهم بتطورات الأحداث في سوريا، أو ربط ما يجري هناك بالوضع في اليمن.

وشهدت محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) اختطاف عدد من السكان للأسباب نفسها في عدد من المديريات، مترافقاً مع إجراءات أمنية مشددة في مركز المحافظة ومدنها الأخرى، وتكثيف أعمال التحري في الطرقات ونقاط التفتيش.

إلى ذلك، أجبرت الجماعة عاملين في القطاع الطبي، بشقيه العام والخاص، على حضور فعاليات تعبوية تتضمن محاضرات واستماع لخطابات زعيمها عبد الملك الحوثي، وشروحات لملازم المؤسس حسين الحوثي، وأتبعت ذلك بإجبارهم على المشاركة في تدريبات عسكرية على استخدام مختلف الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والقنابل اليدوية وزراعة الألغام والتعامل مع المتفجرات.

وذكرت مصادر طبية في صنعاء أن هذه الإجراءات استهدفت العاملين في المستشفيات الخاصعة لسيطرة الجماعة بشكل مباشر، سواء العمومية منها، أو المستشفيات الخاصة التي استولت عليها الجماعة بواسطة ما يعرف بالحارس القضائي المكلف بالاستحواذ على أموال وممتلكات معارضيها ومناهضي نفوذها من الأحزاب والأفراد.

زيارات إجبارية للموظفين العموميين إلى معارض صور قتلى الجماعة الحوثية ومقابرهم (إعلام حوثي)

وتتزامن هذه الأنشطة مع أنشطة أخرى شبيهة تستهدف منتسبي الجامعات الخاصة من المدرسين والأكاديميين والموظفين، يضاف إليها إجبارهم على زيارة مقابر قتلى الجماعة في الحرب، وأضرحة عدد من قادتها، بما فيها ضريح حسين الحوثي في محافظة صعدة (233 كيلومتراً شمال صنعاء)، وفق ما كانت أوردته «الشرق الأوسط» في وقت سابق.

وكانت الجماعة أخضعت أكثر من 250 من العاملين في الهيئة العليا للأدوية خلال سبتمبر (أيلول) الماضي، وأخضعت قبلهم مدرسي وأكاديميي جامعة صنعاء (أغلبهم تجاوزوا الستين من العمر) في مايو (أيار) الماضي، لتدريبات عسكرية مكثفة، ضمن ما تعلن الجماعة أنه استعداد لمواجهة الغرب وإسرائيل.

استهداف أولياء الأمور

في ضوء المخاوف الحوثية، ألزمت الجماعة المدعومة من إيران أعياناً قبليين في محافظة الضالع (243 كيلومتراً جنوب صنعاء) بتوقيع اتفاقية لجمع الأموال وحشد المقاتلين إلى الجبهات.

موظفون في القطاع الطبي يخضعون لدورات قتالية إجبارية في صنعاء (إعلام حوثي)

وبينما أعلنت الجماعة ما وصفته بالنفير العام في المناطق الخاضعة لسيطرتها من المحافظة، برعاية أسماء «السلطة المحلية» و«جهاز التعبئة العامة» و«مكتب هيئة شؤون القبائل» التابعة لها، أبدت أوساط اجتماعية استياءها من إجبار الأعيان والمشايخ في تلك المناطق على التوقيع على وثيقة لإلزام السكان بدفع إتاوات مالية لصالح المجهود الحربي وتجنيد أبنائهم للقتال خلال الأشهر المقبلة.

في السياق نفسه، أقدمت الجماعة الانقلابية على خصم 10 درجات من طلاب المرحلة الأساسية في عدد من مدارس صنعاء، بحة عدم حضور أولياء الأمور محاضرات زعيمها المسجلة داخل المدارس.

ونقلت المصادر عن عدد من الطلاب وأولياء أمورهم أن المشرفين الحوثيين على تلك المدارس هددوا الطلاب بعواقب مضاعفة في حال استمرار تغيب آبائهم عن حضور تلك المحاضرات، ومن ذلك طردهم من المدارس أو إسقاطهم في عدد من المواد الدراسية.

وأوضح مصدر تربوي في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن تعميماً صدر من قيادات عليا في الجماعة إلى القادة الحوثيين المشرفين على قطاع التربية والتعليم باتباع جميع الوسائل للتعبئة العامة في أوساط أولياء الأمور.

مقاتلون حوثيون جدد جرى تدريبهم وإعدادهم أخيراً بمزاعم مناصرة قطاع غزة (إعلام حوثي)

ونبه المصدر إلى أن طلب أولياء الأمور للحضور إلى المدارس بشكل أسبوعي للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة هو أول إجراء لتنفيذ هذه التعبئة، متوقعاً إجراءات أخرى قد تصل إلى إلزامهم بحضور فعاليات تعبوية أخرى تستمر لأيام، وزيارة المقابر والأضرحة والمشاركة في تدريبات قتالية.

وبحسب المصدر؛ فإن الجماعة لا تقبل أي أعذار لتغيب أولياء الأمور، كالسفر أو الانشغال بالعمل، بل إنها تأمر كل طالب يتحجج بعدم قدرة والده على حضور المحاضرات بإقناع أي فرد آخر في العائلة بالحضور نيابة عن ولي الأمر المتغيب.