هل يمكن اعتبار باكستان المنتصر الأكبر في أفغانستان؟

قراءة في المشهد الإقليمي بعد الانسحاب الأميركي

هل يمكن اعتبار باكستان المنتصر الأكبر في أفغانستان؟
TT

هل يمكن اعتبار باكستان المنتصر الأكبر في أفغانستان؟

هل يمكن اعتبار باكستان المنتصر الأكبر في أفغانستان؟

مع انتهاء الحرب في أفغانستان رسمياً وانسحاب الولايات المتحدة من الأراضي الأفغانية تاركة وراءها كميات ضخمة وثمينة من المعدات والآلات العسكرية بمليارات الدولارات وتولي جماعة «طالبان» المسؤولية، فإن السؤال الحقيقي الذي يمكن طرحه الآن هو مَن كان المنتصر الحقيقي في هذه «اللعبة» الدامية؟
مما لا شك فيه أن المحللين ومراكز الفكر تحدثوا بكثير من صراحة عن «الهزيمة المهينة» للولايات المتحدة والقوات المتحالفة معها. بيد أن هؤلاء طرحوا كذلك تقييمات للمكاسب والخسائر التي يلحقها – أو قد يلحقها - استيلاء «طالبان» على السلطة بالعديد من الأطراف المعنية في المنطقة، وبالأخص باكستان والصين، وهما الدولتان «الجارتان» اللتان تزعمان أن الصداقة بينهما أقوى من كل الظروف.
يرى مراقبون أن انتصار حركة «طالبان» يحمل أخباراً سعيدة للمؤسسة الأمنية والسياسية الباكستانية، ويرتبط هذا الانتصار الأخير بصلات تاريخية مع إسلام آباد وصراعها ضد السوفيات. واللافت، أنه حتى رئيس وزراء الباكستاني، عمران خان، بدا عاجزاً عن إخفاء فرحته باستيلاء «طالبان» على كابُل، وخرج على الملأ ليعلن أن أفغانستان بذلك «كسرت أغلال العبودية».
راهناً، يعكف صانعو السياسة في إسلام آباد بجد لتطوير الشرعية الدولية للحكومة الأفغانية الجديدة. وفي هذا الإطار، أجرى وزير الخارجية الباكستاني شاه محمود قريشي جولة عبر الدول المجاورة لأفغانستان، وبالتحديد، تاجيكستان وأوزبكستان وتركمانستان وإيران؛ سعياً لحشد الدعم للاعتراف بحكومة «طالبان». كذلك، حذر مؤيد يوسف، مستشار الأمن الوطني الباكستاني، خلال مقابلة أجرتها معه الصحافية كريستينا لامب من صحيفة «صنداي تايمز» البريطانية في وقت قريب، من أن الغرب يجازف بوقوع هجمات 11 سبتمبر (أيلول) جديدة ما لم «يعترف على الفور» بـ«طالبان». ومع ذلك، تراجع عن هذا التصريح لاحقاً، في الوقت الذي نفت لامب مزاعم يوسف بشأن «سوء توصيف تصريحاته»، مؤكدة أن المقابلة مسجلّة.
- دور باكستان المزعوم
من جهة أخرى، هناك اعتقاد يسود أوساط المؤسسات الدبلوماسية والاستخباراتية في مختلف أنحاء العالم بأن انتصار «طالبان» ما كان ليتحقق من دون مساعدة فاعلة من باكستان. وفي هذا السياق، غرّد محمود سيكال، نائب وزير خارجية أفغانستان السابق والسفير لدى الأمم المتحدة وأستراليا، عبر «تويتر» هذا الأسبوع، قائلاً، إن باكستان خلقت «طالبان» في محاولة للتصدي للهند، مستشهداً في ذلك بتصريح للرئيس الباكستاني السابق الجنرال برويز مشرف.
وأشار سايكال أيضاً إلى ورقة بحثية بعنوان «شمس في السماء: العلاقة بين وكالة الاستخبارات الباكستانية والمتمردين الأفغان» وضعها مات والدمان من مركز كار لسياسات حقوق الإنسان التابع لكلية كينيدي للإدارة الحكومية بجامعة هارفارد. ثم قال في تغريدة لاحقة «فقط سياسة الضغط - العقوبات والتقارب على أساس شروط مع باكستان يمكن أن حدث تغييراً إيجابياً حقيقياً في أفغانستان ويحافظ على السلام والأمن الدوليين». وأردف، إن تقريراً جديداً صدر عن الأمم المتحدة يكشف العلاقات التكافلية بين تنظيمات «داعش - خراسان» وحركة «طالبان» و«القاعدة».
من ناحيته، صرح الجنرال ديفيد بتريوس، المدير العام السابق لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، لـ«إن بي آر» في وقت سابق من الشهر، بأن عودة «طالبان» لم تكن لتتحقق لولا مساندة الداعم الرئيس للجماعة المسلحة... باكستان. وتبدو استجابة باكستان لانهيار الحكومة الأفغانية منسقة للغاية مع «طالبان»، إن لم يكن متفقاً عليها. وينبع هذا الاعتقاد من العلاقة الطويلة بين باكستان و«طالبان»، منذ مولد الجماعة المسلحة عام 1994، ودعم باكستان لاستيلائها المرة الأولى على السلطة في أفغانستان عام 1996، ووصولاً إلى إيواء مقاتليها وقادتها في أعقاب الغزو الأميركي بعد هجمات 11 سبتمبر، رغم ادعاء باكستان في الوقت ذاته دعمها للولايات المتحدة في «الحرب على الإرهاب».
على صعيد متصل، انضم إلى الاحتفالات بسيطرة «طالبان» على أفغانستان غالبية وسائل الإعلام الباكستانية والمسؤولون العسكريون المتقاعدون، وحتى مسؤولون بارزون في حزب عمران خان الحاكم، بجانب سخريتهم من الهند للهزيمة التي مُنيت بها في أفغانستان. وشارك كثيرون منهم في نشر مقابلة مع رئيس وكالة الاستخبارات الباكستانية السابق، الجنرال حميد غول، الذي يعتبر «الأب الروحي» لجميع الحركات المقاتلة يتحدث فيه عن «طالبان» ويسلط الضوء على قيم المساواة داخل الجماعة.
في الواقع، كان حميد غول مغرماً بالتباهي بأنه «عندما تجري كتابة تاريخ أفغانستان، فإنه سيسجل أن وكالة الاستخبارات الباكستانية، بمساعدة الولايات المتحدة، هزمت الاتحاد السوفياتي». وعلى هذا، علقت الصحافية البارزة نيروباما بالقول «لقد كان (الجنرال غول) محقاً في القول، إن تكتيك وكالة الاستخبارات الباكستانية في رعاية المسلحين والإرهابيين - الذين جرى تسليحهم وتزويدهم بالعتاد وتمويلهم من قِبل الولايات المتحدة - ضد الجيش الروسي في أفغانستان أجبر الكرملين على الانسحاب بشكل مخزٍ».
- العلاقة العميقة بـ«طالبان»
أدى غضب واشنطن بعد 11 سبتمبر إلى الإطاحة بـ«طالبان» ونفي أسامة بن لادن، الذي اختبأ في باكستان. أما القيادة السياسية لـ«طالبان» فاحتشدت داخل مدينة كويتا، عاصمة إقليم بلوشستان الباكستاني، والمناطق القبلية الخاضعة للإدارة الاتحادية بشكل عام. ومن ثم، تحولت مناطق جنوب وشمال وزيرستان إلى ما يشبه الباب الدوار لمقاتلي «طالبان» الأفغانية و«شبكة حقاني» المرتبطة بها، إلى جانب «القاعدة» ومجموعة من الجماعات المقاتلة الأخرى، وعبر هؤلاء المقاتلون من وإلى أفغانستان كما يحلو لهم.
وفي هذا الصدد، قال الدكتور شاشي ثارور، وزير الدولة الهندي السابق للشؤون الخارجية، والنائب البرلماني في الوقت الحالي «مع سأم واشنطن من التخبط في المستنقع اللامتناهي في أفغانستان، ومعاونة وكالة الاستخبارات الباكستانية عملاءها من (طالبان) على إعادة تسليح أنفسهم وإعادة تنظيم صفوفهم واستئناف عملياتهم ضد النظام المدعوم من الولايات المتحدة في كابُل، تحوّل المشهد العام لصالح باكستان». وأردف ثارور «كانت الولايات المتحدة على علم بذلك، لكن حاجتها إلى باكستان كساحة خلفية لوجستية للحرب في أفغانستان كانت كبيرة، لذلك لم تضغط على الجيش الباكستاني بما يكفي للعمل ضد مثل هذه الملاذات الآمنة للمسلحين».
- تحديات رغم الابتهاج
ومع ذلك، يعتقد كثيرون أنه على الرغم من ابتهاج باكستان بنجاح «طالبان» في ضوء نظرية «العمق الاستراتيجي» ضد الهند، فإن القيادة الباكستانية ستواجه صعوبة في ترويض الحركة. وفي هذا السياق، أعرب المحلل الأمني الهندي الميجور غوراف آريا عن اعتقاده بأنه «طوال السنوات، كانت باكستان تؤوي «طالبان» ، ولم تسمح الدولة الباكستانية لـ«طالبان» باتخاذ قرار محاورة الحكومة الأفغانية أو الولايات المتحدة من دون موافقتها. وأخطأ زعيم «طالبان» الملا عبد الغني برادر في التواصل مع حامد كرزاي بشكل مستقل، إبان رئاسة الأخير لينتهي به الحال إلى الاحتجاز في أحد سجون باكستان. ثم إن مقاتلي «طالبان» يعرفون جيداً مَن دفع رفاقهم إلى خليج غوانتانامو - حيث لم يعد البعض منهم حتى الآن. ودعونا نقتبس هنا من الغلاف الخلفي لكتاب لسيرة الذاتية للجنرال مشرف، المكتوبة عام 2006 عندما كان لا يزال في منصبه «لقد أسرنا 672 وسلمنا 369 إلى الولايات المتحدة. وكسبنا مكافآت بلغ مجموعها ملايين الدولارات».
وأضاف المحلل الهندي «لا يمكن أن تتلاشى هذه الذكريات بسهولة، على الرغم من أن المنتصر حديثاً قد لا يطيل التفكير في مثل هذه الأمور في الوقت الحالي». وتابع «(طالبان) تتحدى بالفعل مصالح باكستان. على سبيل المثال، شعرت إسلام آباد بالإحباط بسبب إحجام (طالبان) عن التحرك ضد الآلاف من مقاتلي (طالبان باكستان) في شرق أفغانستان». وقال المتحدث باسم «طالبان» ذبيح الله مجاهد، إن على إسلام آباد التعامل مع «طالبان باكستان»؛ لأن هذه الجماعة ليست مشكلتهم. ويتضح من تصريحات المتحدث باسم «طالبان» أن الحركة لن تظل دمية في يد باكستان. ولذا؛ قد تواجه باكستان مثل أي دولة أخرى في المستقبل نفس التهديد من «طالبان».
أكثر من هذا، في صدمة لباكستان، أدلى قادة من «طالبان» بعدد من التصريحات الإيجابية إزاء الهند. وكمثال، شدد شير محمد ستانيكزاي، رئيس اللجنة السياسية لـ«طالبان»، على اهتمام الحركة بمواصلة الشراكة مع الهند سياسياً واقتصادياً. ونشير هنا إلى أن شير محمد - المعروف شعبيا باسم «شيرو» في الدوائر العسكرية الهندية – كان قد تدرب في أكاديمية عسكرية هندية باعتباره مجنداً في الجيش الأفغاني إبان فترة حكومة نجيب الله، قبل أن يحوّل ولاءه إلى «طالبان». ومن اللافت أن «طالبان» أكدت للهند مرة أخرى أنها ستعالج مخاوف نيودلهي إزاء الأنشطة «المعادية للهند» والإرهاب على نحو إيجابي، وذلك خلال اجتماع بين السفير الهندي لدى قطر ديباك ميتال وشير محمد في السفارة الهندية بالدوحة.
ووفق المحلل الباكستاني قمر شيما، الذي يدير قناة على «يوتيوب»، «ثمة مشكلة أخرى وشيكة، هي أنه بعد استقرار (طالبان) في السلطة، ستطفو قضية الحدود الباكستانية - الأفغانية وخط دوراند من جديد على السطح. وثمة شعور داخل باكستان بأن (طالبان) لن تفعل الكثير لتبديد المخاوف الاستراتيجية لباكستان. ومثل الحكومات الأفغانية السابقة، رفضت (طالبان) الاعتراف بخط دوراند كحدود دولية بين أفغانستان وباكستان. بل وأعلنت (ذراع) «طالبان) الأفغانية في باكستان، حركة (طالبان باكستان)، أنها تقاتل من أجل أفغانستان أكبر».
- مصالح الصين وباكستان
من جهة أخرى، منذ استيلاء «طالبان» على كابُل، كثفت الصين وباكستان اتصالاتهما وسط شعور بالبهجة تجاه «الهزيمة المهينة» للولايات المتحدة. ويذكر أن سفاراتي البلدين تعملان بشكل كامل في أفغانستان. ومع اعتماد «طالبان» الأفغانية على إسلام آباد في حشد دعم جيرانها نيابة عنها، يرى البعض أن نظام «طالبان» في كابُل قد يعني أن أفغانستان قد تسقط في «فلك» باكستان، وبالتبعية... الصين.
في هذا الشأن، يمكن الرجوع إلى البيان الأخير للمتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية هوا تشون ينغ، التي صرحت يوم 19 أغسطس (آب) الماضي بأنه يتوجب على المجتمع الدولي «الحكم على حركة (طالبان) الأفغانية بموضوعية». وأضافت، أن «طالبان» «لن تكرر الماضي، وهم الآن أكثر حكمة وعقلانية»، مقارنة بآخر مرة حكموا فيها أفغانستان وفي وقت سابق، استضافت بكين كبار قادة «طالبان» وسط اهتمام إعلامي كبير.
وفي المقابل، قال غوتام موخوبادهايا، سفير الهند السابق لدى كابُل، إنه «بعد تعرضها لانتقادات واسعة النطاق بشأن أصل فيروس (كوفيد – 19)، اغتنمت الصين فرصة إذلال الولايات المتحدة إثر (هزيمتها) المتمثلة بانسحاب القوات الأميركية من أفغانستان». من وجهة نظر بكين، فإن تعثر القوات الأميركية في أفغانستان له فوائد جيوسياسية كبيرة للغاية. ويعتقد البعض أن اعتماد «طالبان» على باكستان سيسمح للصين بتوسيع «مبادرة الحزام والطريق» الطموحة لتشمل أفغانستان. أما بكين، فيمكنها رد الجميل من خلال استخدام سلطتها كعضو دائم في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة للدفاع عن نظام «طالبان» في كابُل. وتعد حقيقة أن حركة «طالبان» تجلس الآن على كنز معادن يقدّر بتريليون دولار - خاصة الاحتياطيات الضخمة من الليثيوم - مصدر تفاؤل لدى كل من إسلام آباد وبكين. ومن المهم أيضاً أن نذكر هنا جهود الصين الحثيثة لتوسيع نفوذها في الشرق الأوسط. وللعلم، فالصين ليست المشتري الرئيسي لنفط الشرق الأوسط فحسب، بل تمكنت شركات التكنولوجيا الصينية كذلك من تطوير شراكات استراتيجية مع عدد من أبرز دول المنطقة أيضاً».
بناءً عليه، يبدو واضحاً أن بكين ترى مخاطر وفرصاً واعدة وراء عودة «طالبان» إلى السلطة. ومع ذلك، يبقى لدى بكين مخاوف مشروعة من إمكانية تحول أفغانستان مرة أخرى إلى نقطة انطلاق للإرهابيين بسبب الروابط التاريخية لـ«طالبان» مع الجماعات المتشددة، بما في ذلك «الحركة الإسلامية في تركستان الشرقية»، التي تضم قوى إسلامية من شعب الأويغور الثائر ضد الحكم الصيني، والذين تتهمهم بكين بشن «الهجمات الإرهابية» في إقليم سنكيانغ (تركستان الشرقية).
ومع أن الملا عبد الغني برادر، أحد مؤسسي «طالبان»، أكد لوزير الخارجية الصيني وانغ يي، خلال زيارته للصين، الشهر الماضي، بأن «طالبان» لن تسمح للمقاتلين الأجانب بالعمل من داخل أراضي أفغانستان. تبقى بكين غير مقتنعة وغير مطمئنة. ثم إنه في الشهر الماضي فقط، قُتل تسعة عمال صينيين في تفجير انتحاري داخل باكستان، وألقت إسلام آباد في وقت لاحق باللوم على حركة «طالبان باكستان» عن الهجوم.
- ما هو خط دوراند؟
> جرى ترسيم «خط دوراند» لأسباب استراتيجية بريطانية بحتة، ويخترق هذا قلب أراضي الباشتون... أكبر المكوّنات الأفغانية. ومن جانبها، لم تقبل أفغانستان، الدولة التي أسسّها الباشتون (الباثان أو الأفغان) في منتصف القرن الميلادي الثامن عشر، قط هذه الحدود. وعندما أسدل الستار عن الحكم البريطاني في شبه القارة الهندية، عام 1947، رفضت الحكومة الأفغانية في البداية الاعتراف باستقلال باكستان ما لم تتخل باكستان عن «خط دوراند» وتسلم أراضي الباشتون إلى أفغانستان. وما كان مستغرباً أن ترفض باكستان ذلك.
وهكذا، واصلت الحكومات الأفغانية المتتالية رفض الاعتراف بـ«خط دوراند» كحدود قانونية، وحاولت من وقت إلى آخر إثارة النزعة الانفصالية الفئوية الباشتونية داخل باكستان.
ورداً على ذلك، حاولت باكستان على امتداد 70 سنة تقريباً إما التأثير على أفغانستان أو إضعافها من خلال مزيج من الضغوط الاقتصادية والإغراءات مع دعم عمليات التمرد داخل أفغانستان.
ومن ثم، شكلت هذه الاستراتيجية دافعاً رئيسياً وراء توفير باكستان الملاذ لـ«طالبان» الأفغانية، تماماً كما في الثمانينات (بالتحالف مع الولايات المتحدة). وكانت كذلك أحد الحوافز وراء الدعم الباكستاني لـ«المجاهدين» الأفغان ضد الدولة الشيوعية الأفغانية وداعميها السوفيات.
والمفارقة اللافتة، أنه على الرغم من هذا الدعم والمأوى الباكستاني، كانت القومية الأفغانية سبباً وراء رفض قيادة «المجاهدين» الأفغان و«طالبان» الأفغانية على نحو قاطع الاعتراف بـ«خط دوراند».
- نقطة الاشتعال في بلوشستان
> تواجه الحكومات الباكستانية حركة تمرد داخل إقليم بلوشستان الممتاد على الحدود الجنوبية لأفغانستان، منذ تأسيس باكستان عام 1947. ويذكر أن ميناء غوادر الشهير الذي بنته الصين يقع في هذا الإقليم. وتتضمن أسباب الصراع المشتعل بين بلوشستان وباكستان المشاعر القومية العرقية القوية في الإقليم، جنبا إلى جنب مع مشاعر الإقصاء الاقتصادي والسياسي.
وتتهم باكستان منذ زمن الهند باستغلال مشاعر متمردي بلوشستان ضدها، وتزعم أنها وفرت ترسانة لمهاجمة المصالح الباكستانية.
يقع إقليم بلوشستان في جنوب غربي باكستان ويشكل نصف إجمالي أراضي باكستان. ومع أن سكان الإقليم المتاخم لأفغانستان لا يشكلون سوى 3.6 في المائة من إجمالي سكان باكستان، يحظى الإقليم بأهمية استراتيجية كبيرة بسبب التركيز العالي للموارد الطبيعية فيه، بما في ذلك الغاز والنفط والنحاس والذهب. كما أنه رغم وفرة الموارد الطبيعية فيه، لا يزال بلوشستان أفقر أقاليم باكستان.



ألمانيا تتأهّب لانتخابات تعِد اليمين باستعادة الحكم

صادرات السيارات الألمانية إلى أميركا في قلب التأزم المحتمل مع ترمب (أ ف ب)
صادرات السيارات الألمانية إلى أميركا في قلب التأزم المحتمل مع ترمب (أ ف ب)
TT

ألمانيا تتأهّب لانتخابات تعِد اليمين باستعادة الحكم

صادرات السيارات الألمانية إلى أميركا في قلب التأزم المحتمل مع ترمب (أ ف ب)
صادرات السيارات الألمانية إلى أميركا في قلب التأزم المحتمل مع ترمب (أ ف ب)

عوضاً عن بدء ألمانيا استعداداتها للتعامل مع ولاية جديدة للرئيس الأميركي «العائد» دونالد ترمب والتحديات التي ستفرضها عليها إدارته الثانية، فإنها دخلت أخيراً في أزمة سياسية بعد الانهيار المفاجئ للحكومة الائتلافية التي يرأسها المستشار أولاف شولتس. وبهذا التطوّر بات شولتس أحد أقصر المستشارين حكماً في ألمانيا؛ إذ إنه قبل إكماله 3 سنوات على رأس الحكومة الائتلافية التي تمثل 3 أحزاب (اشتراكي وليبرالي وبيئي «أخضر») صار المستشار رئيساً لحكومة أقلية مؤلفة من حزبين بانتظار الانتخابات المبكرة التي حُدّد موعدها يوم 23 فبراير (شباط) المقبل.

الحكومة الألمانية ترنّحت إثر انسحاب «ضلعها» الليبرالي، الحزب الديمقراطي الحر، منها. ورغم انسحاب الحزب، أراد رئيسها المستشار أولاف شولتس الاستمرار على رأس «حكومة أقلية» حتى نهاية مارس (آذار)، وهو التاريخ الذي حدّده في البداية لإجراء الانتخابات المبكرة عوضاً عن نهاية سبتمبر (أيلول).

لكن أمام ضغوط المعارضة وافق المستشار وزعيم الحزب الديمقراطي الاجتماعي (الاشتراكي) على تقريب الموعد شهراً آخر. وحتى بعد إجراء الانتخابات، فإن فترة الشكوك قد تستمر لأسابيع أو أشهر إضافية. وللعلم، في ألمانيا، لم يسبق أن فاز أي حزب بغالبية مطلقة تسمح له بتشكيل حكومة منفرداً. وبالنتيجة، حكمت ألمانيا (الغربية أساساً) منذ نهاية الحرب العالمية الثانية حكومات ائتلافية قادها إما محافظو حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي (يمين الوسط) أو اشتراكيو الحزب الديمقراطي الاجتماعي (يسار الوسط).

فريدريش ميرتز (آجنزيا نوفا)

اليمين عائد... لكن!

هذه المرة يبدو أن الديمقراطيين المسيحيين (الحزب الذي قادته لفترة أنجيلا ميركل) يتجهون لاستعادة السلطة. فحزبهم تصدر استطلاعات الرأي بفارق كبير بنسبة تصل إلى 33 في المائة، وهي أعلى من النسبة التي تتمتع بها الأحزاب الثلاثة التي شكَّلت حكومة شولتس مجتمعة، قبل انهيارها. غير أن اختيار الحزب الشريك - أو الأحزاب الشريكة – في ائتلاف الديمقراطيين المرتقب، قد يكون أمراً معقّداً ويستغرق وقتاً طويلاً.

عقبة البيروقراطية

من ناحية ثانية، رغم محاولات الديمقراطيين المسيحيين تقريب موعد الانتخابات أكثر، مستفيدين من تقدم حزبهم في استطلاعات الرأي، ودعوات جمعيات الأعمال لتقليص فترة الشك والغموض في بلد لم يشهد نمواً اقتصادياً منذ 5 سنوات، فإن البيروقراطية الألمانية شكّلت عائقاً أساسياً أمام ذلك.

وحقاً، لا يقع اللوم في تأخير الانتخابات لنهاية فبراير (شباط) فقط على تشبّث شولتس بإطالة عمر حكومته العاجزة عن العمل. ذلك أنه فور انهيار الحكومة، وبدء الكلام عن انتخابات جديدة، دقّت «هيئة الانتخابات» جرس الإنذار محذّرة من أن التسرّع في إجرائها قد يؤدي إلى أخطاء تسببت بإعادتها. ورأت «الهيئة» ضرورة إفساح الوقت الكافي لتحضير اللوائح، وطبع الأوراق، وتحديات العثور على ورق كافٍ ومطابع جاهزة للعمل في خلال مدة زمنية قصيرة.

نقاط خلافية جدّية

ورغم سخافة هذا المشهد، فهو يعكس واقعاً في ألمانيا المقيدة بالبيروقراطية التي تعيق الكثير من تقدّمها، وكان واحداً من أسباب انهيار الحكومة في النهاية. فقد فشلت حكومة شولتس بإدخال أي إصلاحات لتخفيف البيروقراطية رغم التوصيات المتكرّرة من اختصاصيين. ولقد صدرت آخر هذه التوصيات الأسبوع الماضي من «مجلس الخبراء الاقتصادي»، وهو «مجلس حكماء» مدعوم من الحكومة، دعا إلى تقليص البيروقراطية وتسريع «المكننة» كواحدة من الخطوات الرئيسة لتحقيق النمو الاقتصادي.

وللعلم، كانت تلك واحدة من الخلافات الأبرز بين أحزاب الائتلاف الحكومي الثلاثة. فليبراليو الحزب الديمقراطي الحر (وسط) - الذي يعتبر مؤيداً لمجتمع الأعمال والشركات الكبرى - دفعوا منذ تشكيل الحكومة إلى «تقليص البيروقراطية»، خصوصاً على الشركات، إضافة إلى تخفيض الضرائب عنها، لكن أولويات الاشتراكيين وحزب «الخضر» البيئي تمثّلت بزيادة المعونات الاجتماعية والاستدانة لمواجهة التحديات الاقتصادية التي فرضتها تبعات حرب أوكرانيا وجائحة «كوفيد - 19».

قضية الإنفاق العام

شكّل الإنفاق العام نقطة خلافية أخرى مع الليبراليين الذين رفضوا التخلي عن بند كبح الديون الذي يوصي به الدستور الألماني إلا في الحالات القصوى. وجرى التخلي عن هذا البند بعد جائحة «كوفيد - 19» عندما اضطرت الحكومة إلى الاستدانة والإنفاق لمساعدة الاقتصاد على النهوض. وفي المقابل، أراد الاشتراكيون و«الخضر» مواصلة العمل بتعليق بند كبح الديون ضمن خطط إنعاش الاقتصاد وتمويل الحرب الأوكرانية، لكن ليندنر رفض رغم أن «مجلس الخبراء» أوصى ببحث هذا البند وتخفيف التقيد به.

هكذا أدى الخلاف على إجراءات إنعاش الاقتصاد وميزانية عام 2025 إلى انفراط التحالف مع الليبراليين، ودفع بشولتس إلى طرد زعيمهم ووزير المالية كريستيان ليندنر، الذي قدم مقترحاً لتقليص البيروقراطية وخفض الضرائب مقابل خفض الإعانات الاجتماعية لتمويل الحرب في أوكرانيا من دون زيادة الدين العام.

الاشتراكيون بقيادة شولتس وحزب «الخضر» رفضوا مقترح ليندنر من دون القدرة على التوصل إلى «حل وسط»، مع أن المستشار اعتاد المساومة والحلول الوسطى منذ تشكيل حكومته التي غالباً ما شابتها الخلافات الداخلية.

وطبعاً، دفع طرد ليندنر الوزراء الليبراليين للتضامن مع زعيمهم والاستقالة... ما فرط عقد الحكومة. وبعد أيام من الجدل حول موعد الانتخابات المقبلة، اتفقت الأحزاب على طرح الثقة بالحكومة يوم 16 ديسمبر (كانون الأول) - ويتوقع أن تخسرها بعد خسارتها الغالبية البرلمانية - ما سيؤدي إلى انتخابات عامة حدد موعدها في 23 فبراير.

كريستيان ليندنر (رويترز)

الاقتصاد أساس الأزمة

نقطة إنعاش الاقتصاد تظهر الآن نقطةً خلافية أساسية، بينما يراوح الاقتصاد الألماني مكانه عاجزاً عن تحقيق أي نمو يذكر. ثم أن مئات الشركات الصغيرة والوسطى أقفلت خلال العامين الماضيين، وبدأت حتى كبرى شركات السيارات تعاني خسائر دفعت بشركة «فولكسفاغن» العملاقة إلى إقفال 3 من مصانعها العشرة في ألمانيا.

مع هذا، لا يمكن لوم سياسات الحكومة والخلافات الداخلية حول التعامل مع الاقتصاد وحدها، لتبرير تدهور الاقتصاد الألماني خلال السنوات الثلاث الماضية. إذ بدأت حكومة شولتس عملها في خضم جائحة «كوفيد - 19» التي تسببت بأزمات اقتصادية عالمية، وتلت الجائحة الحرب الأوكرانية وتبعاتها المباشرة على ألمانيا، التي كانت تستورد معظم حاجاتها من الغاز من روسيا. وقد تعاملت حكومة شولتس مع انقطاع الغاز الروسي السريع عن ألمانيا بحكمة، ونجحت في تعويضه بسرعة من دون التسبب بأزمة نقص للغاز في البلاد. وأيضاً اتخذت تدابير لحماية المستهلكين من الارتفاع الكبير في الأسعار، مع أنها ما كانت قادرة على تفادي التداعيات بشكل كامل.

من ثم، تحوّلت الحكومة إلى ما يشبه حكومة إدارة الأزمات والسياسات السيئة الموروثة عن الحكومات السابقة. لكن حتى هنا، يمكن تحميل الاشتراكيين بعض مسؤولية السياسات الاقتصادية السيئة، ومنها اعتماد ألمانيا بشكل متزايد طوال حكومات أنجيلا ميركل الأربع على الغاز الروسي، والسبب أن الاشتراكيين شاركوا في ثلاث من هذه الحكومات، وشولتس نفسه كان وزيراً للمالية ثم نائب المستشارة.

علاقة الاشتراكيين بروسيا

من جانب آخر، لم يساعد القرب التاريخي للاشتراكيين من روسيا حكومة شولتس بإبعاد نفسها عن موسكو؛ إذ بقي المستشار متردداً لفترة طويلة في قطع العلاقات مع روسيا ودعم أوكرانيا. ومع أن ألمانيا تحوّلت الآن إلى ثاني أكبر داعم عسكري لكييف بعد واشنطن، فإن تردد شولتس شخصياً في كل قرار يتعلق بتسليح أوكرانيا، غالباً ما وضعه في مواجهة مع حليفيه في الحكومة وكذلك مع المعارضة. وللعلم، يعتمد شولتس سياسة حذرة في دعم أوكرانيا ولا يؤيد ضمها لـ«ناتو» (حلف شمال الأطلسي)؛ تخوفاً من استفزاز روسيا أكثر وخشيته من دفعها لتوسيع الصراع.

في أي حال، كرّر شولتس القول في كل مناسبة بضرورة استمرار دعم أوكرانيا، وكان هذا واحداً من أسباب الخلافات حول الميزانية التي أدت إلى انهيار الحكومة، فوزير المالية أراد اقتطاع مخصّصات اجتماعية لتمويل الحرب في حين شولتس أراد الاستدانة لذلك رافضاً المس بالإعانات.

وحيال أوكرانيا، مع أن مقاربة تمويل الحرب في أوكرانيا تختلف بين الأحزاب الألمانية، لا خلاف على دعم كييف لا خلاف عليه. بل يتشدّد الديمقراطيون المسيحيون المتوقع فوزهم بالانتخابات وقيادتهم الحكومة المقبلة أكثر في دعمهم. ويؤيد زعيم حزبهم، فريدريش ميرتز، الذي قد يصبح المستشار القادم، أوكرانيا ضم أوكرانيا «فوراً» إلى «ناتو» بخلاف شولتس، كما يؤيد إرسال صواريخ «توروس» البعيدة المدى والألمانية الصنع إليها، بينما يعارض شولتس ذلك.

وهنا نشير إلى أن حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي كان طوال السنوات الماضية، منذ تفجّر الحرب الأوكرانية، شديد الانتقاد لتردّد المستشار الاشتراكي في قرارات تسليح كييف وقطع العلاقات الاقتصادية مع روسيا، رغم أنه كان المسؤول عن وصول العلاقات الاقتصادية إلى مرحلة الاعتماد الألماني على الطاقة الروسية... كما كان حاصلاً قبل الحرب.

على الحكومة الجديدة التعامل مع ترمب

في ملف العلاقات الاقتصادية

أولاف شولتس (رويترز)

تبعات عودة ترمب

في اتجاه موازٍ، مقاربة الحرب الأوكرانية ستضع أي حكومة ألمانية جديدة في مواجهة محتملة مع إدارة دونالد ترمب القادمة في واشنطن. إذ ستضيع ألمانيا شهوراً ثمينة في تحديد سياستها مع العد العكسي للانتخابات المبكرة وتفاوض الأحزاب خلالها على تشكيل حكومة ائتلافية.

ولن يكون أمام الحكومة الجديدة فقط تحدي التعامل مع إدارة ترمب في ملف أوكرانيا، بل أيضاً في ملف التجارة والعلاقات الاقتصادية. ذلك أن ترمب في عهده الأول دأب على انتقاد ألمانيا بسبب ضخامة صادراتها إلى الولايات المتحدة، وبخاصة السيارات، التي تفوق بأضعاف الصادرات الأميركية إليها. وبالفعل، هدَّد آنذاك برسوم على السيارات الألمانية في حال لم تزد برلين وارداتها من الولايات المتحدة خاصة الغاز الأميركي الذي كان ترمب يضغط على ميركل لاستيراده عوضاً عن الغاز الروسي. بالتالي، مع عودة ترمب، ستعود المخاوف من حرب اقتصادية مع واشنطن قد تكون إذا وقعت مدمّرة لقطاع السيارات الألمانية. وحقاً، خفّضت كل الشركات الألمانية الكبرى سقف توقّعاتها للأرباح في الأشهر المقبلة، بعد تراجع مبيعاتها في الأسواق الخارجية وتحديداً الصين، بشكل كبير. وقد يشكّل تقلّص سوقها في الولايات المتحدة ضربة جديدة لها يحذّر الخبراء الاقتصاديون من أن تبعاتها ستكون مؤلمة للاقتصاد الألماني.

حسابات الانتخابات المقبلة

عودة إلى حسابات الداخل، لم يطرح الزعيم الديمقراطي المسيحي فريدريش ميرتز، في الواقع، فكرة إعادة وزير المالية المعزول كريستيان ليندنر إلى حكومته المحتملة. لكن سيتوجّب أولاً على حزب ليندنر، أي الحزب الديمقراطي الحر (الليبرالي) أن يكسب أصواتاً كافية لتمثيله في البرلمان. وحتى مع تحقيق هذا قد لا يكون التحالف بين الحزبين كافياً لضمان الغالبية، إلا إذا حصلت مفاجأة وحقق أحد الحزبين نتائج أعلى من المتوقع في الاستطلاعات، كما فعل الاشتراكيون في الانتخابات الماضية عندما نالوا قرابة 26 في المائة متقدمين على الديمقراطيين المسيحيين الذين نالوا 24 في المائة من الأصوات. ويومذاك كانت استطلاعات الرأي التي سبقت الانتخابات تشير إلى شبه تعادل بين الحزبين.

من ثم، في حال بقاء ليبراليي الحزب الديمقراطي الحر خارج الحكومة، قد تعيد ألمانيا إنتاج حكومة يشارك فيها الحزبان الرئيسان المتناقضان في سياساتهما الاجتماعية والاقتصادية، أي الاتحاد الديمقراطي المسيحي اليميني والحزب الديمقراطي الاجتماعي (الاشتراكي). وقد يُجبَر الحزبان على ضم شريك ثالث يرجح أن يكون حزب «الخضر» في حال غياب الليبراليين عن المشهد. وقد تعيد هكذا حكومة ثلاثية فترة الخلافات والاضطراب التي شهدتها ألمانيا في ظل الحكومة الثلاثية الحالية التي رغم انجازاتها، لا يذكر كثيرون إلا الخلافات التي شابتها.وحتى ذلك الحين، فإن التحديات التي ستواجهها أي حكومة ألمانية قادمة، تجعل من فترة انتظار الانتخابات وتشكيل الحكومة، فترة صعبة ستزيد من عمق الأزمة الاقتصادية وتشرذم الموقف الألماني والأوروبي أمام الإدارة الأميركية.