الوجبات الثلاث يوميًا.. بين الخطأ والصواب

تقليد أوروبي انتشر في القرون الوسطى

الوجبات الثلاث يوميًا.. بين الخطأ والصواب
TT

الوجبات الثلاث يوميًا.. بين الخطأ والصواب

الوجبات الثلاث يوميًا.. بين الخطأ والصواب

بدأت قناعة جديدة تنتشر بين الأوساط الصحية والطبية تناقض ما كان متعارفا عليه لعقود فيما يخص الوجبات اليومية. فالكثير من خبراء الصحة اكتشفوا أن تقليد تناول 3 وجبات يوميا بدأ في الانتشار في القرون الوسطى في أوروبا، ثم انتقل مع المهاجرين إلى أميركا وتم فرضه على السكان الأصليين هناك من الهنود الحمر على أساس أنه أسلوب صحي وحضاري للحفاظ على الصحة العامة.
ولكن أبحاثا أكاديمية جديدة من عدة جامعات بريطانية وأميركية أكدت أن تناول 3 وجبات يوميا ليس له أي انعكاس صحي على حياة الإنسان وقد يكون مضرا. وأن البديل الأفضل هو تناول الطعام عند الحاجة واللجوء إلى الصيام بين الحين والآخر حيث يؤدي الصيام إلى تجدد نظام المناعة في الجسم وتعزيز الصحة.
ولا يوجد دليل علمي واحد على أن تناول 3 وجبات يوميا يحافظ على الصحة، بل إن هناك دلائل على أن خفض عدد الوجبات إلى وجبتين يوميا قد يكون أفضل من الناحية الصحية. وتقول ابيغيل كارول مؤلفة كتاب «ثري سكويرز» إن عادة تناول 3 وجبات يوميا جاءت مع المهاجرين الأوروبيين إلى أميركا في العصور الوسطى، واعتبروها نوعا من التحضر الذي فرضوه على القبائل الهندية التي كانت تتناول الطعام في مواعيد مختلفة وتصوم أياما كاملة بلا طعام.
ويشير نمط الحياة العملية الحديث إلى أن معظم الذين يعملون في وظائف متفرغة ليس لديهم الوقت الكافي للجلوس وتناول وجبة طعام كاملة خلال اليوم. ولذلك يعتمد الأغلبية على تناول وجبات خفيفة. ولتلبية هذا الطلب المتزايد على الأكل السريع انتشرت في المدن كافيتريات تقدم الساندويتشات والمشروبات والمقاهي التي تقدم القهوة مع الحلويات.
ويقول خبراء التغذية إن هذا الأسلوب في الوجبات الصغيرة المتكررة هو في الواقع مفيد للجسم وأفضل من 3 وجبات ثقيلة ترهق الجهاز الهضمي وقد تصيب الجسم بالانتفاخ والترهل.
من ناحية أخرى، لا يوجد دليل علمي على أن وجبة الإفطار هي وجبة مهمة من الناحية الصحية، وتقول كارول إن هذا الانطباع ظهر من إعلانات حبوب الإفطار المعلبة مثل «كورن فليكس» و«رايس كريسبيس». وقد أظهر بحث غذائي أجرته جامعة باث البريطانية أن تناول وجبة الإفطار من عدمها لا يؤثر على صحة الأفراد ولا على معدلات استهلاك الطاقة لديهم. وفيما يستهلك هؤلاء الذين يتناولون إفطارهم قبل بداية اليوم المزيد من السعرات أكثر من هؤلاء الذين لم يتناولوا إفطارهم، إلا أن معدلات الطاقة تتساوى خلال بقية ساعات النهار.
وأكد بحث آخر من جامعة ألباما الأميركية أن تناول الإفطار من عدمه ليس له أي تأثير على خفض الوزن لهؤلاء الذين يتبعون حمية غذائية معينة. وأثبتت التجارب أن تناول الطعام خلال فترة 8 ساعات يمكن أن يساهم في خفض الوزن. وعززت هذه القناعة تجارب عملية على الفئران في مجموعتين الأولى تمت تغذيتها خلال فترة 8 ساعات فقط يوميا، والأخرى تلقت تغذية معادلة في الكم ولكن على مدار 24 ساعة. وحافظت المجموعة الأولى على صحة ورشاقة أكبر من المجموعة الثانية. بل إن الفئران التي كانت تعاني من زيادة الوزن تحسن وضعها الصحي بعد حصر النافذة الغذائية في مدة 8 ساعات فقط يوميا.
وفي النشرة البريطانية للتغذية التي يعود تاريخها إلى عام 2010 جاء أن معدلات استهلاك الطاقة لا تتأثر في الأفراد سواء تناولوا أربع وجبات أو 8 وجبات أصغر يوميا. ولم يجد الباحثون أي فرق في الوزن أو مستويات الهرمونات بين المجموعتين.
وفي العام الماضي وجد بحث من جامعة واريك البريطانية أنه لا فرق في وزن مجموعتين من السيدات تناولت المجموعة الأولى وجبتين يوميا والأخرى 5 وجبات أصغر حجما يوميا.
وفيما لا ينظر الأوروبيون نظرة إيجابية إلى الصيام، فإن فوائده الصحية مثبتة طبيا. وأكد بحث قامت به جامعة جنوب كاليفورنيا أن الصيام لمدة يومين إلى 4 أيام متفرقة خلال فترة 6 أشهر يتيح للجسم فرصة لتغيير معدلات حرق الطاقة والتخلص من الخلايا القديمة وحرق الدهون المخزنة في الجسم وتجديد نظام المناعة الطبيعي. ويعني ذلك صحة أفضل ومناعة أقوى ضد العدوى والأمراض وحياة أطول.
ومن أحدث الحميات الغذائية حاليا ما تسمى «نظام 5 - 2» الذي يعني تحديد كميات الطعام إلى ما يوازي 500 سعر حراري فقط خلال يومين كل أسبوع وتناول الطعام بوتيرة طبيعية خلال الخمسة أيام الأخرى. ويقول مبتكرو هذا النظام إنه يؤدي إلى خفض في الوزن وصحة أفضل.
وخلال يومي الصيام يتم خفض معدلات الطعام إلى الربع تقريبا مع التركيز على تناول البروتينات والخضراوات. ويتكون الإفطار من البيض والشاي الأحمر بلا حليب، وعدم تناول أي شيء للغذاء ثم تناول وجبة عشاء بها بعض الخضراوات وسمك السالمون.
ووجد باحثون أن تحديد كميات الغذاء خلال يومين أسبوعيا يعزز عدم الرغبة في تناول المزيد من الطعام في بقية أيام الأسبوع. ومع الاعتراف بأن تغيير العادات الغذائية مسألة صعبة إلا أن الجانب العملي فيها يستخدم بعض قواعد علم النفس. ويكون ذلك عبر تأجيل تناول الحلوى المفضلة مثلا من يوم الصيام إلى اليوم التالي، ولكن في اليوم التالي لا يشعر المرء بأنه يريد هذه الحلوى. ومع مرور الوقت تتأقلم أيضا المعدة على كمية الطعام القليلة وينكمش حجمها، ولذلك يشعر الصائم بالشبع بعد تناول كميات أصغر من الطعام.
وفي نوع آخر من الحمية يتم خفض الكميات إلى 500 سعر يوميا كل يومين وتناول الوجبات العادية في اليوم التالي. ويتعود الشخص الذي يتبع هذه الحمية أعلى خفض كميات الطعام تدريجيا في الأيام العادية إلى درجة أن المتوسط العادي للوجبات يكون في حدود 10 في المائة إضافية على وجبات أيام الصيام.



المؤثرة «ماما الطبّاخة» نموذج للمرأة العربية العصامية

تقول إن مهنتها صعبة وتصلح للرجال أكثر من النساء (ماما طباّخة)
تقول إن مهنتها صعبة وتصلح للرجال أكثر من النساء (ماما طباّخة)
TT

المؤثرة «ماما الطبّاخة» نموذج للمرأة العربية العصامية

تقول إن مهنتها صعبة وتصلح للرجال أكثر من النساء (ماما طباّخة)
تقول إن مهنتها صعبة وتصلح للرجال أكثر من النساء (ماما طباّخة)

تلتصق بالأرض كجذور شجرة منتصبة تصارع العواصف بصلابة بانتظار الربيع. زينب الهواري تمثل نموذجاً للمرأة العربية المتمكنّة. فهي تطهو وتزرع وتحصد المواسم، كما تربّي طفلتها الوحيدة المقيمة معها في إحدى البلدات النائية في شمال لبنان. غادرت زينب بلدها مصر وتوجّهت إلى لبنان، ملتحقة بجذور زوجها الذي رحل وتركها وحيدة مع ابنتها جومانا. تركت كل شيء خلفها بدءاً من عملها في وزارة الثقافة هناك، وصولاً إلى عائلتها التي تحب. «كنت أرغب في بداية جديدة لحياتي. لم أفكّر سوى بابنتي وكيف أستطيع إعالتها وحيدة. أرض لبنان جذبتني وصارت مصدر رزقي. هنا كافحت وجاهدت، وعبر وسائل التواصل الاجتماعي رحت أنشر ما أقوم به. توسّع جمهوري ليطول الشرق والغرب. اليوم تنتظرني آلاف النساء كي يتعلمّن مني وصفة طعام لذيذة. وكذلك يكتسبن من منشوراتي الإلكترونية كيفية تحضير المونة من موسم لآخر».

"ماما الطبّاخة" تزرع وتسعد بحصاد موسم الخرشوف (ماما طباّخة)

تروي زينب لـ«الشرق الأوسط» قصة حياتها المليئة بمواقف صعبة. «كانت ابنة أختي التي رحلت في زمن (كورونا) هي ملهمتي. قبلها كنت أجهل كيف أتدبّر أمري. فتحت لي حساباً إلكترونياً، ونصحتني بأن أزود المشاهدين بوصفات طعام. وانطلقت في مشواري الجديد. لعلّ جارتي أولغا هي التي لعبت الدور الأكبر في تقدمي وتطوري. علّمتني طبخات لبنانية أصيلة. كما عرّفتني على أنواع المونة اللبنانية اللذيذة. كل ما أقوم به أصنعه من مكونات طبيعية بعيداً عن أي مواد كيمائية. أزرع وأحصد وأطهو على الحطب. أعيش بسلام في قرية نائية مع ابنتي. هنا اكتشفت معنى الحياة الهانئة والحقيقية».

تحب تحضير الطعام كي تسعد الناس حولها (ماما طباّخة)

قصتها مع الطبخ بدأت منذ كانت في الـ13 من عمرها. «كانت والدتي تعمل فأقوم بمهام المطبخ كاملة. صحيح أنني درست الفنون الجميلة، ولكن موهبة الطهي أسرتني. في لبنان بدأت من الصفر عملت في مطعم وتابعت دورات مع شيف عالمي. اكتسبت الخبرة وتعلّمت أصول المطبخ الإيطالي والصيني. ولكنني عشقت المطبخ اللبناني وتخصصت به».

تصف حياتها بالبسيطة وبأنها تعيش ع «البركة» كما يقولون في القرى اللبنانية. وعن منشوراتها تقول: «أحضّر الطبق مباشرة أمام مشاهديّ. وكذلك أي نوع مونة يرغبون في تعلّم كيفية تحضيرها. أمضي وقتي بين الأرض والحصاد والطبخ. أجد سعادتي هنا وبقربي ابنتي التي صارت اليوم تفضّل الاعتناء بالدجاج وقطف المحصول على أن تنتقل إلى بيروت. إنها ذكية وتحقق النجاح في دراستها. أتمنى أن تصل إلى كل ما تحلم به عندما تكبر. فكل ما أقوم به هو من أجل عينيها».

مع ابنتها جومانا التي تساعدها في تحضير منشوراتها الإلكترونية (ماما طباّخة)

وعن سرّ أطباقها اللذيذة ووصفاتها التي وصلت الشرق والغرب تقول: «أحب عملي، والنجاح هو نتيجة هذا الحبّ. لطالما كنت أبحث عما يسرّ من هم حولي. ومع الطبق اللذيذ والشهي كنت أدخل الفرح لمن يحيط بي. اليوم كبرت دائرة معارفي من الجمهور الإلكتروني، وتوسّعت حلقة الفرح التي أنثرها. وأسعد عندما يرسلون إلي نجاحهم في وصفة قلّدونني فيها. برأيي أن لكل ربّة منزل أسلوبها وطريقتها في تحضير الطعام. وأنصح النساء بأن تحضّرن الطعام لعائلتهن بحبّ. وتكتشفن مدى نجاحهن وما يتميّزن به».

لقبها «ماما الطبّاخة» لم يأتِ عن عبث. وتخبر «الشرق الأوسط» قصّتها: «كانت جومانا لا تزال طفلة صغيرة عندما كان أطفال الحي يدعونها لتناول الطعام معهم. ترفض الأمر وتقول لهم: سأنتظر مجيء والدتي فماما طباخة وأحب أن آكل من يديها. وهكذا صار لقب (ماما الطباخة) يرافقني كاسم محبب لقلبي».

ببساطة تخبرك زينب كيف تزرع وتحصد الباذنجان لتحوّله إلى مكدوس بالجوز وزيت الزيتون. وكذلك صارت لديها خبرة في التعرّف إلى الزعتر اللذيذ الذي لا تدخله مواد مصطنعة. حتى صلصة البيتزا تحضّرها بإتقان، أمام كاميرا جهازها المحمول، وتعطي متابعيها النصائح اللازمة حول كيفية التفريق بين زيت زيتون مغشوش وعكسه.

تحلم زينب بافتتاح مطعم خاص بها ولكنها تستدرك: «لا أملك المبلغ المالي المطلوب، إمكانياتي المادية بالكاد تكفيني لأعيل ابنتي وأنفّذ منشوراتي الإلكترونية. فشراء المكونات وزرع المحصول وحصاده والاعتناء بالأرض عمليات مكلفة مادياً. والأهم هو تفرّغي الكامل لعملي ولابنتي. فأنا لا أحب المشاركة في صبحيات النساء وتضييع الوقت. وعندما أخلد إلى النوم حلم واحد يراودني هو سعادة ابنتي».

مؤخراً صارت «ماما الطبّاخة» كما تعرّف عن نفسها على صفحة «تيك توك»، تصدّر المونة اللبنانية إلى الخارج: «زبائني يتوزعون على مختلف بقاع الأرض. بينهم من هو موجود في الإمارات العربية والسعودية ومصر، وغيرهم يقيمون في أستراليا وأوروبا وأميركا وبلجيكا وأوكرانيا. أتأثر إلى حدّ البكاء عندما ألمس هذا النجاح الذي حققته وحدي. واليوم صرت عنواناً يقصده كل من يرغب في الحصول على منتجاتي. وأحياناً سيدة واحدة تأخذ على عاتقها حمل كل طلبات جاراتها في بلاد الاغتراب. إنه أمر يعزيني ويحفزّني على القيام بالأفضل».

لا تنقل أو تنسخ زينب الهواري وصفات طعام من موقع إلكتروني أو من سيدة التقتها بالصدفة. «أتكّل على نفسي وأستمر في المحاولات إلى أن أنجح بالطبق الذي أحضّره. لا أتفلسف في وصفاتي، فهي بسيطة وسريعة التحضير. أدرك أن مهنتي صعبة وتصلح للرجال أكثر من النساء. ولكنني استطعت أن أتحدّى نفسي وأقوم بكل شيء بحب وشغف».