دخلت الأطراف الإثيوبية المتصارعة في «متاهة» شديدة التعقيد، منذ دخول قوات «تيغراي» عاصمة الإقليم «ميكيلي» في الشمال، واندفاعها في 10 يوليو (تموز) الماضي جنوباً باتجاه إقليم «أمهرا» المجاور، وقيامها في الوقت ذاته بشنّ هجوم ضد إقليم «عفر» شرقاً، فيما تتراجع القوات الحكومية لتصل إلى منطقة جنوب مقاطعة «ولو» في إقليم أمهرا، وتسيطر على عدد من المدن.
وحاولت قوات «الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي» المتمردة الاتجاه غرباً للوصول إلى جنوب «غوندر» عاصمة أمهرا، وقطع الطريق المؤدي إلى مدينة «بحر دار»، فواجهت مقاومة عنيفة من الجيش الفيدرالي المسنود بـ«قوات أمهرا الخاصة» والميليشيات الشعبية، ما عطل تقدمها في اتجاه «ديبرا تابور»، وهو الأمر الذي مكن القوات الحكومية من الالتفاف على منطقة «غاشيا» الاستراتيجية، وقطع خط الإمداد على القوات المتمردة.
وأدت هذه المعارك التي دار معظمها في شهر أغسطس (آب) الماضي، إلى قدر من السيطرة للقوات الحكومية، حدَّ من تقدم قوات «الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي»، بل إنها خسرت الأحد الماضي منطقة «ديبري زيبت» شمال منطقة «ولو»، وفقاً لما أعلنه الجيش الفيدرالي الإثيوبي الحكومي.
وتضاربت الأنباء الواردة من جبهة إقليم «عفر» في شرق إثيوبيا، على الرغم من أن المنطقة غير خاضعة لقطع الاتصالات، كما هو الحال في تيغراي، لكن بالنظر إلى انخفاض معدلات صدور البيانات العسكرية عن سير العمليات، يرجح أن تكون القوات الحكومية وقوات إقليم عفر في وضع سيطرة أفضل. ومع هذا تزايدت عمليات نزوح الأهالي والمدنيين، واتهامات من قبل السلطات العفرية المحلية الموالية لأديس أبابا، بارتكاب قوات تيغراي مذابح في منطقة «غاليوكوما». ولم تصدر بيانات عسكرية رسمية من الطرفين، لكن مصادر عسكرية ميدانية أشارت إلى أن قوات عفر الموالية للحكومة استعادت قمة جبل «عسدا» قرب الحدود بين عفر وتيغراي، وهي النقطة التي تسللت منها قوات تيغراي إلى عفر منتصف يوليو الماضي.
ولا يساعد توقف البيانات العسكرية عن الأوضاع العسكرية، ونقص المعلومات من مصادر مستقلة، على التقييم الدقيق للأوضاع في شرق إثيوبيا، لكن من المرجح أن تكون القوات التيغراية قد وقعت في كماشة حصار محكم؛ خصوصاً أنها تؤكد أنها تخوض قتالاً في 8 مواقع في وقت واحد.
من الجانب الآخر، فإن حلفاء قوات تيغراي، وعلى وجه الخصوص «جيش تحرير أورومو»، وهي قوات منشقة عن «حركة تحرير أورومو»، يبدون محدودي الأثر على مسرح العمليات. فقد اكتفى «جيش تحرير أورومو» بالنشاط في مناطق حاضنته الاجتماعية في منطقة «غوجي». الأمر الذي يجعل من اتفاق التحالف الذي تم توقيعه بين قوات تيغراي وجيش تحرير أورومو في 11 أغسطس الماضي بلا فاعلية على الأرض.
وترجح التحليلات والمراقبون أن تكون القوات الحكومية أصبحت في وضع يمكّنها من القيام بهجوم مضاد وتسلم زمام المبادرة، وبالتالي التقدم عبر غرب ووسط وشمال تيغراي، باتجاه عاصمة الإقليم المتمرد «ميكيلي»، نظراً لطول خطوط إمداد «الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي».
وينتظر أن تستفيد القوات الحكومية من بطء متمردي تيغراي في حسم خياراتهم على الأرض، والدوران في متاهة جغرافية بين «ولديا» و«مرسي» في منطقة «ولو» بإقليم أمهرا، وأن تكثف تحركاتها، مسنودة بالقوات الموالية لها، ومستفيدة من الاتهامات الموجهة إلى قوات تيغراي بممارسة انتهاكات في مناطق «نافسي» و«ديبارك» و«مرسي»، وتدمير كنائس وأديرة في منطقة «لاليبيلا» الأثرية، وتدفق النازحين من إقليم أمهرا إلى المدن الكبرى، وتأليب السكان المحليين ضدها.
ويتوقع أن تؤثر الأوضاع الإنسانية الناتجة عن عمليات قوات تيغراي على مواقف الدول الكبرى ودول الإقليم، وتدفعها للضغط سياسياً وإعلامياً ضد «الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي»، بعد أن كان الضغط منصباً على أديس أبابا لقطعها خطوط الإمداد عن تيغراي وتسببها بأزمة إنسانية كبيرة.
- خبير سودانيفي شؤون القرن الأفريقي