لقاء غانتس وأبو مازن... بداية انعطاف في العلاقات

فصائل اعتبرته خفضاً لسقف الموقف الفلسطيني

لقاء غانتس عباس الأول في رام الله منذ أكثر من عشر سنوات بخصوص العلاقات الإسرائيلية الفلسطينية
لقاء غانتس عباس الأول في رام الله منذ أكثر من عشر سنوات بخصوص العلاقات الإسرائيلية الفلسطينية
TT

لقاء غانتس وأبو مازن... بداية انعطاف في العلاقات

لقاء غانتس عباس الأول في رام الله منذ أكثر من عشر سنوات بخصوص العلاقات الإسرائيلية الفلسطينية
لقاء غانتس عباس الأول في رام الله منذ أكثر من عشر سنوات بخصوص العلاقات الإسرائيلية الفلسطينية

أكد مصدر سياسي كبير في تل أبيب، أمس الاثنين، أن اللقاء الذي عقد بشكل مفاجئ بين وزير الأمن الإسرائيلي، بيني غانتس، والرئيس الفلسطيني، محمود عباس، وأثار انتقادات واسعة في السلطة الفلسطينية وفي إسرائيل، يشكل بداية انعطاف في العلاقات الفلسطينية الإسرائيلية.
ورغم أن الطرفين، يعلمان أنه لن يؤدي إلى استئناف المفاوضات السياسية حول حل الدولتين، فإنه يفتح الباب أمام أجواء إيجابية تحل محل الأجواء السلبية السائدة طيلة السنوات العشر الماضية. وقالت مصادر في تل أبيب ورام الله، إن عباس وغانتس، اتفقا على سلسلة إجراءات تعيد التنسيق الأمني الكامل بينهما بالتدريج وتخفف الضغوط التي يمارسها الجيش الإسرائيلي ضد الفلسطينيين في المناطق المحتلة، وتوسع التعاون الاقتصادي بزيادة تصاريح العمل للعمال الفلسطينيين في إسرائيل، من 100 ألف إلى 140 ألفاً، وتستأنف العمل في مئات المشاريع الاقتصادية الفلسطينية، وتمنح ألوف تصاريح البناء للفلسطينيين في المنطقة «ج» في الضفة الغربية المحتلة وغيرها.
وكشفت مصادر سياسية، أن رئيس الوزراء، نفتالي بنيت، الذي لم يصادق على طلبات غانتس وغيره من الوزراء الإسرائيليين، لقاء عباس في الشهرين الماضيين، غير رأيه بعد لقائه الرئيس الأميركي، جو بايدن، ووزير الخارجية، أنتوني بلينكن، اللذين أوضحا له أن الإدارة الأميركية معنية وتشجع مثل هذه اللقاءات، ولا تفهم سبب الامتناع عن إجرائها طيلة الشهور الثلاثة الماضية.
وكان اللقاء قد عقد في مقر الرئاسة الفلسطينية في رام الله، بشكل سري، الليلة قبل الماضية، ولم يعلن عنه إلا بعد عودة غانتس إلى تل أبيب. وحضر معه اللقاء، منسق أعمال الحكومة الإسرائيلية في المناطق المحتلة، غسان عليان. وجاء في بيان صدر عن وزارة الأمن الإسرائيلية، أن غانتس ناقش مع عباس مجموعة من القضايا الأمنية والسياسية والمدنية والاقتصادية، واتفق الاثنان «على الاستمرار في التواصل بشأن مختلف القضايا المثارة». وقال البيان إن «غانتس بحث مع عباس إعادة تشكيل الواقع الأمني والمدني والاقتصادي في الضفة الغربية وقطاع غزة»، وأخبره بأن «إسرائيل مستعدة لسلسلة من الإجراءات التي من شأنها تعزيز اقتصاد السلطة الفلسطينية».
وفي الطرف الآخر، أعلن عضو اللجنة المركزية لحركة «فتح»، وزير الشؤون المدنية الفلسطينية، حسين الشيخ، الذي حضر اللقاء سوية مع رئيس المخابرات، ماجد فرج، أن «عباس التقى غانتس في رام الله، حيث تم البحث في العلاقات الفلسطينية - الإسرائيلية من كل جوانبها». ولم يعط مزيداً من التفاصيل.
وأعلن وزير التعاون الإقليمي في الحكومة الإسرائيلية، عيساوي فريج، أن اللقاء يعتبر بداية لعلاقات من نوع آخر أكثر إيجابية، ومن الممكن اعتباره انعطافاً. وقال فريج، وهو من حزب ميرتس اليساري، إن «حكومة بنيت تعتبر حكومة تغيير. صحيح أنها لن تستطيع بسبب تركيبتها التفاوض الآن على إقامة دولة فلسطينية، لكنها معنية بتغيير سياسة بنيامين نتنياهو السابقة، التي تسببت بالجمود وانقطاع الاتصالات بين الحكومتين طيلة11 سنة لم يُعقد خلالها لقاء إسرائيلي – فلسطيني بهذا المستوى، ومعنية أيضاً بفتح آفاق تعيد الثقة أولاً وتخفف معاناة الفلسطينيين». وقال: «حكومة نتنياهو، قطعت المحادثات مع السلطة الفلسطينية منذ شهر سبتمبر (أيلول) عام 2010، لكنها تفاوض حماس طيلة الوقت. وهذا غير طبيعي، ولا يفيد أياً من الشعبين».
وقد هاجم اليمين الإسرائيلي المعارض لقاء غانتس عباس واعتبره طعنة في الظهر للمستوطنين «الذين يتعرضون لأكبر هجمة من رجالات فتح بقيادة أبو مازن في الضفة الغربية»، كما قال النائب بتصلئيل سموترتش، رئيس حزب «الصهيونية الدينية».
من جهة أخرى، هاجمت الفصائل الفلسطينية هي الأخرى، بشدة، لقاء عباس غانتس، ووصفته «طعنة» في ظهر الفلسطينيين من شأنها تعميق الانقسام وتعقيد الوضع. وقال الناطق باسم حماس، حازم قاسم، في بيان إن «لقاء رئيس السلطة محمود عباس مع وزير الحرب الصهيوني بيني غانتس، مُستَنكَر ومرفوض من الكل الوطني، وشاذ عن الروح الوطنية عند شعبنا الفلسطيني».
وأضاف قاسم أن «مثل هذه اللقاءات استمرار لوهم قيادة السلطة في رام الله، بإمكانية إنجاز أي شيء لشعبنا الفلسطيني عبر مسار التسوية الفاشل»، وأن «هذا السلوك يُعمق الانقسام السياسي الفلسطيني، ويُعقد الحالة الفلسطينية». وتابع أن «هذه اللقاءات بين قيادة السلطة والاحتلال تشجع بعض الأطراف في المنطقة التي تريد أن تُطبع مع الاحتلال، وتضعف الموقف الفلسطيني الرافض للتطبيع».
واعتبر الناطق باسم حركة الجهاد الإسلامي طارق سلمي، أن اللقاء «الذي جاء على وقع جرائم الاحتلال وحصاره وعدوانه هو طعنة لشعبنا»، مضيفاً «أن دماء الأطفال الذين قتلهم جيش الاحتلال بأوامر من غانتس، لا تزال على الأرض لم تجف بعد». وتابع قائلاً: «إن السلطة ورئيسها يديرون الظهر للتوافق الوطني ويضعون شروطاً تخدم الاحتلال».
ولم تقف الانتقادات عند حماس والجهاد، بل انتقدت فصائل في منظمة التحرير التي يرأسها عباس، اللقاء، واعتبرته الجبهة الشعبية، خضوعاً للرؤية «الإسرائيلية» المدعومة أميركياً والتي تركز على الحل الاقتصادي سبيلاً وحيداً لحل الصراع.

وجاء في بيان «أن اللقاء تجاوزٌ للقرارات الوطنية الصادرة عن المجلسين الوطني والمركزي وعن اجتماع الأمناء العامين، بالانفكاك من الاتفاقيات الموقعة مع الاحتلال ووقف أشكال العلاقة السياسية والأمنية والاقتصادية معه». وأكدت الجبهة أن عقد اللقاء يأتي في وقتٍ يؤكد فيه رئيس وزراء الاحتلال نفتالي بينت، قبل وأثناء زيارته للولايات المتحدة، رفضه أي حقوق سياسية للفلسطينيين وأي وجود لدولة فلسطينية، وتأكيده على توسيع الاستيطان.
كما هاجم وليد العوض عضو المكتب السياسي لحزب الشعب الفلسطيني، الاجتماع، وقال إنه «يمثل انزلاقاً نحو الحل الاقتصادي على حساب السياسي». واعتبر العوض، أن اللقاء، خفض من سقف الموقف الفلسطيني خصوصاً قبيل التوجه للأمم المتحدة أواخر سبتمبر.



3 مقترحات يمنية أمام مجلس الشيوخ الأميركي لإسناد الشرعية

رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني يلتقي في الرياض الأحد مسؤولين أميركيين (سبأ)
رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني يلتقي في الرياض الأحد مسؤولين أميركيين (سبأ)
TT

3 مقترحات يمنية أمام مجلس الشيوخ الأميركي لإسناد الشرعية

رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني يلتقي في الرياض الأحد مسؤولين أميركيين (سبأ)
رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني يلتقي في الرياض الأحد مسؤولين أميركيين (سبأ)

قدمت الحكومة اليمنية عبر سفارتها في واشنطن 3 مقترحات أمام مجلس الشيوخ الأميركي لإسناد الشرعية في مواجهة الجماعة الحوثية المدعومة من إيران، في حين تحدثت الجماعة، الأحد، عن غارة ضربت موقعاً لها في جنوب محافظة الحديدة.

ووصف الإعلام الحوثي الغارة بـ«الأميركية - البريطانية»، وقال إنها استهدفت موقعاً في مديرية التحيتا الخاضعة للجماعة في جنوب محافظة الحديدة الساحلية على البحر الأحمر، دون إيراد تفاصيل عن آثار الضربة.

مقاتلات أميركية من طراز «إف 35» شاركت في ضرب الحوثيين باليمن (أ.ب)

وفي حين لم يتبنَّ الجيش الأميركي على الفور هذه الغارة، تراجعت خلال الشهر الأخير الضربات على مواقع الحوثيين، إذ لم تسجل سوى 3 غارات منذ 12 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وكانت واشنطن أنشأت تحالفاً بقيادتها سمّته «حارس الازدهار» وبدأت - ومعها بريطانيا في عدد من المرات - في شن ضربات على مواقع الجماعة الحوثية ابتداء من 12 يناير (كانون الثاني) 2024، في مسعى لإضعاف قدرة الجماعة على مهاجمة السفن.

وإذ بلغت الغارات أكثر من 800 غارة غربية استأثرت محافظة الحديدة الساحلية بأغلبها، كانت الجماعة تبنت مهاجمة نحو 215 سفينة منذ نوفمبر 2023، وأدت الهجمات إلى غرق سفينتين وإصابة أكثر من 35 سفينة ومقتل 3 بحارة.

وتزعم الجماعة الموالية لإيران أنها تشن هجماتها ضد السفن إلى جانب عشرات الهجمات باتجاه إسرائيل مساندة منها للفلسطينيين في غزة، في حين تقول الحكومة اليمنية إن الجماعة تنفذ أجندة طهران واستغلت الأحداث للهروب من استحقاقات السلام.

تصنيف ودعم وتفكيك

في وقت يعول فيه اليمنيون على تبدل السياسة الأميركية في عهد الرئيس المنتخب دونالد ترمب، لتصبح أكثر صرامة في مواجهة الحوثيين الذين باتوا الذراع الإيرانية الأقوى في المنطقة بعد انهيار «حزب الله» وسقوط نظام بشار الأسد، قدم السفير اليمني لدى واشنطن محمد الحضرمي 3 مقترحات أمام مجلس الشيوخ لدعم بلاده.

وتتضمن المقترحات الثلاثة إعادة تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية أجنبية، ودعم الحكومة اليمنية لتحرير الحديدة وموانئها، واستهداف قيادات الجماعة لتفكيك هيكلهم القيادي.

محمد الحضرمي سفير اليمن لدى الولايات المتحدة ووزير الخارجية الأسبق (سبأ)

وقال السفير الحضرمي إن تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية أجنبية على غرار تصنيف «حزب الله» و«الحرس الثوري» الإيراني، من شأنه أن يبعث برسالة قوية مفادها أن أفعال الحوثيين (ترويع المدنيين، واستهداف الأمن البحري، وزعزعة استقرار المنطقة) غير مقبولة.

وبخصوص دعم الحكومة اليمنية لتحرير ميناء الحديدة، أوضح الحضرمي في مداخلته أمام مجلس الشيوخ الأميركي أن تأمين هذا الميناء الحيوي على البحر الأحمر، من شأنه أن يمكن الحكومة من حماية البحر الأحمر وإجبار الحوثيين على الانخراط في السلام، وكذلك منع وصول الدعم الإيراني إليهم.

وأكد الحضرمي أن تحرير الحديدة لن يكلف الحكومة اليمنية الكثير، وقال: «كنا على مسافة قليلة جداً من تحرير الحديدة في 2018، وتم إيقافنا من قبل المجتمع الدولي. وأعتقد أنه حان الأوان لتحرير هذا الميناء».

وفيما يتعلق باستهداف قيادات الحوثيين لتفكيك هيكلهم القيادي، شدد السفير اليمني في واشنطن على أهمية هذه الخطوة، وقال إن «محاسبة قادة الميليشيات الحوثية على جرائمهم ستؤدي إلى إضعاف عملياتهم وتعطيل قدرتهم على الإفلات من العقاب».

وأضاف: «ستعمل هذه التدابير على تعزيز أمن البحر الأحمر، وحفظ دافعي الضرائب وهذا البلد (الولايات المتحدة) للكثير من المال، ومحاسبة الحوثيين على أفعالهم، وتوفير الضغط اللازم لإجبار الجماعة على الانخراط في المفاوضات، مما يمهد الطريق لسلام دائم في اليمن».

ورأى السفير اليمني أن الدبلوماسية وحدها لا تجدي نفعاً مع النظام الإيراني ووكلائه، وقال: «حاولنا ذلك معهم لسنوات عديدة. (السلام من خلال القوة) هو المجدي! وأنا واثق بأن الشعب اليمني والإيراني سيتمكنون يوماً ما من تحرير أنفسهم من طغيان النظام الإيراني ووكلائه».

اتهام إيران

أشار السفير الحضرمي في مداخلته إلى أن معاناة بلاده كانت النتيجة المتعمدة لدعم إيران للفوضى وعدم الاستقرار في المنطق، وقال: «منذ أكثر من 10 سنوات، قامت إيران بتمويل وتسليح جماعة الحوثي الإرهابية، وتزويدها بالأسلحة الفتاكة لزعزعة استقرار اليمن وتهديد خطوط الملاحة الدولية في البحر الأحمر».

وأوضح أنه من المأساوي أن الدعم الإيراني مكّن الحوثيين من أن يصبحوا خطراً ليس فقط على اليمن، بل على المنطقة والعالم، إذ يعدّ البحر الأحمر ممراً مهماً للشحن التجاري، حيث يمر منه أكثر من 10 في المائة من التجارة العالمية و30 في المائة من شحن البضائع السنوي، لافتاً إلى أن الولايات المتحدة وحدها تنفق مليارات الدولارات للتصدي لهجمات لا تكلف إيران إلا القليل.

صاروخ وهمي من صنع الحوثيين خلال تجمع في صنعاء دعا له زعيم الجماعة (إ.ب.أ)

وخاطب الحضرمي أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي بالقول: «يجب إيقاف الحوثيين، ويمكن لليمنيين إيقافهم! فنحن نمتلك العزيمة والقوة البشرية لمواجهة الحوثيين والتهديد الإيراني في اليمن والبحر الأحمر. ولكننا لا نستطيع أن نفعل ذلك بمفردنا؛ نحن بحاجة لدعمكم».

وأشار السفير اليمني إلى أن الحوثيين يحصلون على النفط والغاز مجاناً من إيران، وباستخدام الأسلحة الإيرانية يمنعون اليمن من تصدير موارده الطبيعية، مما أعاق قدرة الحكومة على دفع الرواتب، أو تقديم الخدمات، أو شن هجوم مضاد فعال ضد الجماعة. وقال: «يمكن أن يتغير ذلك بدعم الولايات المتحدة».

وأكد الحضرمي أن اليمنيين لديهم العزيمة والقدرة على هزيمة الحوثيين واستعادة مؤسسات الدولة وإحلال السلام، واستدرك بالقول إن «وجود استراتيجية أميركية جديدة حول اليمن يعدّ أمراً بالغ الأهمية لمساعدتنا في تحقيق هذا الهدف».

ومع تشديد السفير اليمني على وجود «حاجة ماسة إلى نهج جديد لمعالجة التهديد الحوثي»، أكد أن الحوثيين «ليسوا أقوياء بطبيعتهم، وأن قوتهم تأتي فقط من إيران وحرسها الثوري، وأنه بوجود الاستراتيجية الصحيحة، يمكن تحييد هذا الدعم».