المخرج جورج ميلر واجه ظروفاً صعبة.. ومل غيبسون كان الحل

«ماد ماكس».. جديد يواصل رحلة قديمة

«ماد ماكس: انفجار في أفريقيا»  -  مل غيبسون كما بدا في الجزء الأول من السلسلة
«ماد ماكس: انفجار في أفريقيا» - مل غيبسون كما بدا في الجزء الأول من السلسلة
TT

المخرج جورج ميلر واجه ظروفاً صعبة.. ومل غيبسون كان الحل

«ماد ماكس: انفجار في أفريقيا»  -  مل غيبسون كما بدا في الجزء الأول من السلسلة
«ماد ماكس: انفجار في أفريقيا» - مل غيبسون كما بدا في الجزء الأول من السلسلة

واحد من الأفلام التي عرضت في الأسبوع الماضي في سوق «SXSW» في أوستن عاصمة ولاية تكساس، هو جزء سابق من مسلسل بزغ في الثمانينات من أستراليا وتمدد ليصبح أحد تلك المشاريع السينمائية الكبيرة التي ينتظر هواة أفلام «الأكشن» ورودها كلما حقق صانعوها فيلما جديدا منها.
المسلسل هو «ماد ماكس» والفيلم «ماد ماكس: طريق المحارب» شهد عرضه العالمي الأول في نهاية عام 1981، ثم سادت عروضه الأشهر الستة الأولى من العام التالي ممتدة من اليابان إلى بريطانيا والبرازيل والولايات المتحدة والمكسيك، لكنه لم يجرؤ على دخول صالات السينما اللبنانية لأنها كانت تعاني من حرب أهلية تجاوزت كل ما يمكن لمسلسل «ماد ماكس» الإتيان به من مفاجآت.
«SXSW» هو أبعد عن أن يكون مهرجانا سينمائيا بالمفهوم المتداول، لكنه قد يبدو كذلك لمن لا يهتم كثيرا بالفروقات. فهو يعرض الأفلام ويقيم الندوات ولديه لجنة تحكيم ويجذب الجمهور الواسع شأن أي مهرجان آخر. كل ما في الأمر هو أنه مخصص لدعم الإنتاجات التي تعتمد على التقنيات الحديثة ووسائل التواصل بين المشاهد والصورة الحديثة وكيفية تلاقيهما في إطار واحد. مثال ذلك أنه في هذا العام، تم دمج من أراد من الجمهور بالظهور أمام مؤثرات اللايزر والديجيتال على مسرح كبير وأمام الشاشة الخضراء كما لو كان يمثل فيلما حقيقيا يستخدم تلك الوسائط.
تلقائيا، إذن، فإن «SXSW»، (وهي الأحرف الأولى من South by Southwest Film Festival)، يعرض الأفلام التي تدور في رحى سينما الخيال والأكشن وكل تلك الأعمال التي تتطلب المؤثرات والخدع التي تتم اليوم في الاستوديوهات وعلى الكومبيوتر وليس بالتصوير السينماتوغرافي كما كان الحال في زمن مضى.
المخرج والمنتج جورج ميلر عرض في هذه المناسبة أيضا مشاهد من الجزء الجديد «ماد ماكس: طريق الغضب» وهو العنوان المنتقى إلى الآن، لكنه سيعرف في بعض الأسواق بـ«ماد ماكس 4».. الفيلم الذي يعود جورج ميلر إلى تكملة ما كان بدأه من حديث حول عالم ما بعد الانفجار الكبير الذي سيؤدي إلى تلاشي نظم الدول والمؤسسات كافة وسيادة قاطعي الطريق وشراذم اللصوص وأشقياء المجتمع.
وحده ماكس الحانق على كل ذلك (كلمة «Mad» هنا لا تعني «المجنون» بالضرورة) هو الذي يحسن الدفاع عن نفسه وعن من يلوذون به. ليس أنه سينقذ الأرض (المسلسل المذكور لا يتحدث عن إنقاذها على أي حال) ومن بقي من ضحاياها، لكنه سيكتفي بإنقاذ نفسه ومن معه من فيلم إلى فيلم.

* عبر زمن مختلف
الفيلم الأول، «ماد ماكس» كان مفاجأة غير متوقعة حتى بالنسبة للباحثين عن أفلام الحركة والمغامرة. حط في العام ذاته الذي قام فيه ريدلي سكوت بعرض عضلاته التقنية في مجال أفلام الخيال العلمي والرعب في فيلم «غريب» Alien والعام الذي اضطر فيه جيمس بوند إلى مزاولة بعض مؤثرات الخيال العلمي في فيلم «مونراكر»، بينما تقدم الأميركي روبرت وايز سنوات ضوئية بسينما هذا النوع عندما حقق «ستار ترك: ذا موشن بيكتشر».
«ماد ماكس» كان مختلفا في أنه مستقبلي، كما حال «ستار ترك» و«غريب»، لكنه أرضي. وهو على الرغم من لجوئه إلى الخيال أحداثا ورحلة عبر الزمن المقبل، فإنه لم يحتو على أي علم يصوغ أجهزة مبتكرة أو وسائل انتقال متقدمة أو صرعات من تلك التي تعتمدها الأفلام المستقبلية عموما.
المخرج ميلر واجه معضلة مهمة في الفيلم الأول من السلسلة: السيناريو الأول دارت أحداثه في مدينة أسترالية منهوبة ومدمرة تبعا لكارثة قد تكون نووية أو مجرد نتاج مفرط للعنف. لكن ميلر لم يجد التمويل الكافي لكي يضع الأحداث داخل المدن. الميزانية التي كانت متاحة له (أقل من مليون دولار) كانت محدودة لمثل هذا الطموح وما يتطلبه من ديكورات ومؤثرات إلخ.. البديل؟ وضع الأحداث في الصحراء الأسترالية.
لكن هذا الاضطرار خلق التفرد الأساسي للفيلم والسلسلة من بعده. في حين أن أفلام ما بعد نهاية الحياة على الأرض عادة ما تدور رحاها في المدن (كما الحال مثلا في «آخر رجل على الأرض» لفرنسيس لورنس، 2007)، اختيرت الصحراء القاحلة مكانا لها. لم يضع ميلر في حسبانه أن ذلك سيمنح الفيلم الوقود الكافي ليخرج من إطار حبكته ومكانه القابع في تلك القارة البعيدة إلى العالم وبنجاح لم يسبقه إليه فيلم أسترالي آخر.

* بزوغ مل غيبسون
في الصحراء لا ضرورة للكلام. «ماد ماكس»، كما تم تقديمه، متوحد في حياته.. منطلق على دراجته النارية يجوب أرضا قاحلة.. يواجه أعداء ليس بينه وبينهم صلة.. صوت الآلات فقط هو المسموع.. صوت الإنسان مات مع موت أسباب التواصل. ليس أن الفيلم صامت أو بلا حوار على الإطلاق، لكن بطله لا يجد ما يقوله، وإذا وجد ما يقوله، فهو متباعد الحدوث.
المنطلق، كما يقول المخرج في حديث أخير مع صحيفة «ذا نيويورك تايمز» كانت السينما الصامتة نفسها التي كان عليها أن تسرد القصة بالصورة، كما من الأستاذ ألفرد هيتشكوك. يقول ميلر: «هناك عبارة رائعة لهيتشكوك يقول فيها: أحاول أن أصنع أفلاما لا يحتاج الياباني لقراءة الترجمة عليها».
عامل آخر فرضته ظروف الميزانية، هو الاستعانة بممثل لم يكن جرب حظه بعد من النجاح العريض. الممثل هو مل غيبسون. أميركي المولد (سنة 1965) هاجر طفلا مع والديه إلى أستراليا ونشأ هناك وظهر في فيلم واحد قبل «ماد ماكس» هو «مدينة صيف» التشويقي. جورج ميلر اختاره للبطولة لأن سعره معتدل جدا، بل بسيط. لا هو ولا غيبسون كان يعلمان أن الفيلم مقبل على النجاح وأنه سيخلق منهما اسمين مهمين.
في عام 1981 أعادا الكرة في جزء ثان مباشرة قبل أن يترك غيبسون أستراليا إلى هوليوود على نحو دائم ويظهر في سلسلة أخرى ناجحة هي «سلاح مميت» أمام داني غلوفر. عاد مرة واحدة إلى أستراليا في تلك الفترة عندما وقف للمرة الثالثة لبطولة جزء آخر من «ماد ماكس» سنة 1985، لكن «ماد ماكس وراء ثندردوم» لم يكن بجودة الجزأين السابقين.
جورج ميلر، في المقابلة ذاتها، يقول إن فكرة تحقيق جزء رابع لها علاقة بأنه توقف عن أفلام الأكشن عندما أصبح لديه أولاد صغار يريد أن يحقق أفلامه وهم - وجيلهم - في البال. وهو بالفعل حقق بضعة أفلام عائلية ومسالمة (وجيدة في الوقت ذاته) من بينها «زيت لورنزو» و«أقدام سعيدة»: «الآن وقد كبر أولادي وجدت نفسي منجذبا إلى أفلام الأكشن مرة أخرى».
«ماد ماكس» الجديد ينتقل بحكايته (وببطله الجديد توم هاردي) إلى قارة أخرى. الأحداث ستقع في أفريقيا وعلى بعد 45 سنة من الآن. الميزانية كبيرة وعن قصد هذه المرة؛ إذ تبلغ 100 مليون دولار. لم يبق سوى أن نعرف إذا ما كانت العودة حميدة بالفعل أو نالها التعب.

* جوائز «ساوث باي ساوث وست»
لجنة تحكيم مهرجان «ساوث باي ساوث وست» منحت جوائزها لأفلام متعددة يوم الثلاثاء الماضي؛ من بينها فيلم بالأبيض والأسود حول مدينة بروكلين في المستقبل القريب الداكن، عنوانه: «كونترول إبداعي». أفضل مخرج تقاسمه كل من أليكس سيشل وإليزابيث جياماتي عن «امرأة مثلي» الجامع بين الدراما والتسجيلي.



شاشة الناقد: فيلمان من لبنان

دياماند بوعبّود وبلال حموي في «أرزة» (مهرجان أفلام آسيا الدولي)
دياماند بوعبّود وبلال حموي في «أرزة» (مهرجان أفلام آسيا الدولي)
TT

شاشة الناقد: فيلمان من لبنان

دياماند بوعبّود وبلال حموي في «أرزة» (مهرجان أفلام آسيا الدولي)
دياماند بوعبّود وبلال حموي في «أرزة» (مهرجان أفلام آسيا الدولي)

أرزة ★★☆

دراجة ضائعة بين الطوائف

أرزة هي دياماند بو عبّود. امرأة تصنع الفطائر في بيتها حيث تعيش مع ابنها كينان (بلال الحموي) وشقيقتها (بَيتي توتَل). تعمل أرزة بجهد لتأمين نفقات الحياة. هي تصنع الفطائر وابنها الشاب يوزّعها. تفكّر في زيادة الدخل لكن هذا يتطلّب درّاجة نارية لتلبية طلبات الزبائن. تطلب من أختها التي لا تزال تعتقد أن زوجها سيعود إليها بعد 30 سنة من الغياب، بيع سوار لها. عندما ترفض تسرق أرزة السوار وتدفع 400 دولار وتقسّط الباقي. تُسرق الدرّاجة لأن كينان كان قد تركها أمام بيت الفتاة التي يحب. لا حلّ لتلك المشكلة إلا في البحث عن الدراجة المسروقة. لكن من سرقها؟ وإلى أي طائفة ينتمي؟ سؤالان تحاول أحداث الفيلم الإجابة عليهما ليُكتشف في النهاية أن السارق يعيش في «جراجه» المليء بالمسروقات تمهيداً لبيعها خردة، في مخيّم صبرا!

قبل ذلك، تنتقل أرزة وابنها والخلافات بينهما بين المشتبه بهم: سُنة وشيعة ومارونيين وكاثوليك ودروز. كلّ فئة تقترح أن واحدة أخرى هي التي سرقت وتشتمها. حتى تتجاوز أرزة المعضلة تدخل محلاً للقلائد وتشتري العُقد الذي ستدّعي أنها من الطائفة التي يرمز إليها: هي أم عمر هنا وأم علي هناك وأم جان- بول هنالك.

إنها فكرة طريفة منفّذة بسذاجة للأسف. لا تقوى على تفعيل الرّمز الذي تحاول تجسيده وهو أن البلد منقسم على نفسه وطوائفه منغلقة كل على هويّتها. شيء كهذا كان يمكن أن يكون أجدى لو وقع في زمن الحرب الأهلية ليس لأنه غير موجود اليوم، لكن لأن الحرب كانت ستسجل خلفية مبهرة أكثر تأثيراً. بما أن ذلك لم يحدث، كان من الأجدى للسيناريو أن يميل للدراما أكثر من ميله للكوميديا، خصوصاً أن عناصر الدراما موجودة كاملة.

كذلك هناك لعبٌ أكثر من ضروري على الخلاف بين الأم وابنها، وحقيقة أنه لم يعترف بذنبه باكراً مزعجة لأن الفيلم لا يقدّم تبريراً كافياً لذلك، بل ارتاح لسجالٍ حواري متكرر. لكن لا يهم كثيراً أن الفكرة شبيهة بفيلم «سارق الدّراجة» لأن الحبكة نفسها مختلفة.

إخراج ميرا شعيب أفضل من الكتابة والممثلون جيدون خاصة ديامان بوعبّود. هي «ماسة» فعلاً.

• عروض مهرجان القاهرة و«آسيا وورلد فيلم فيستيڤال».

سيلَما ★★★☆

تاريخ السينما في صالاتها

لابن بيروت (منطقة الزيدانية) لم تكن كلمة «سيلَما» غريبة عن كبار السن في هذه المدينة. فيلم هادي زكاك الوثائقي يُعيدها إلى أهل طرابلس، لكن سواء كانت الكلمة بيروتية أو طرابلسية الأصل، فإن معناها واحد وهو «سينما».

ليست السينما بوصفها فناً أو صناعة أو أيّ من تلك التي تؤلف الفن السابع، بل السينما بوصفها صالة. نريد أن نذهب إلى السينما، أي إلى مكان العرض. عقداً بعد عقد صار لصالات السينما، حول العالم، تاريخها الخاص. وفي لبنان، عرفت هذه الصالات من الأربعينات، ولعبت دوراً رئيسياً في جمع فئات الشعب وطوائف. لا عجب أن الحرب الأهلية بدأت بها فدمّرتها كنقطة على سطر التلاحم.

هادي زكّاك خلال التصوير (مهرجان الجونا)

فيلم هادي زكّاك مهم بحد ذاته، ومتخصّص بسينمات مدينة طرابلس، ولديه الكثير مما يريد تصويره وتقديمه. يُمعن في التاريخ وفي المجتمع ويجلب للواجهة أفلاماً ولقطات وبعض المقابلات والحكايات. استقاه من كتابٍ من نحو 600 صفحة من النّص والصور. الكتاب وحده يعدُّ مرجعاً شاملاً، وحسب الزميل جيمي الزاخم في صحيفة «نداء الوطن» الذي وضع عن الكتاب مقالاً جيداً، تسكن التفاصيل «روحية المدينة» وتلمّ بتاريخها ومجتمعها بدقة.

ما شُوهد على الشاشة هو، وهذا الناقد لم يقرأ الكتاب بعد، يبدو ترجمة أمينة لكلّ تلك التفاصيل والذكريات. يلمّ بها تباعاً كما لو كان، بدُورها، صفحات تتوالى. فيلمٌ أرشيفي دؤوب على الإحاطة بكل ما هو طرابلسي وسينمائي في فترات ترحل من زمن لآخر مع متاعها من المشكلات السياسية والأمنية وتمرّ عبر كلّ هذه الحِقب الصّعبة من تاريخ المدينة ولبنان ككل.

يستخدم زكّاك شريط الصوت من دون وجوه المتكلّمين ويستخدمه بوصفه مؤثرات (أصوات الخيول، صوت النارجيلة... إلخ). وبينما تتدافع النوستالجيا من الباب العريض الذي يفتحه هذا الفيلم، يُصاحب الشغف الشعور بالحزن المتأتي من غياب عالمٍ كان جميلاً. حين تتراءى للمشاهد كراسي السينما (بعضها ممزق وأخرى يعلوها الغبار) يتبلور شعورٌ خفي بأن هذا الماضي ما زال يتنفّس. السينما أوجدته والفيلم الحالي يُعيده للحياة.

* عروض مهرجان الجونة.

★ ضعيف | ★★: وسط| ★★★: جيد | ★★★★ جيد جداً | ★★★★★: ممتاز