لطالما أنعشت مياه الفرات بستان الزيتون الذي يملكه خالد الخميس في شمال سوريا، لكن منذ بداية العام انخفض تدفق النهر وجفت مياهه على مساحة واسعة، فيبست أشجاره وبات من الصعب عليه حتى تأمين مياه الشرب لعائلته... وكأن المنطقة باتت صحراء.
في قرية الرميلة بمحافظة حلب شمالاً، يقول خالد (50 عاماً): «كأننا نعيش في صحراء... حتى إننا نريد النزوح ونفكر في الهجرة لعدم توافر مياه للشرب أو لري الأشجار».
منذ أشهر، يحذر خبراء وتقنيون ومنظمات إنسانية من كارثة في شمال وشمال شرقي سوريا حيث يمر نهر الفرات، قد تهدد سير العمل في سدوده؛ إذ من شأن تراجع منسوب المياه فيها منذ يناير (كانون الثاني) الماضي، أن يؤدي إلى انقطاع المياه والكهرباء عن ملايين السكان، وبالتالي أن يزيد من معاناة شعب استنزفه نزاع دام مستمر منذ عقد، وانهيار اقتصادي حاد.
بدلاً من الاهتمام بحقول الزيتون، يزرع خالد وسكان القرية اليوم الذرة واللوبياء على أرض جفت عليها مياه النهر.
ويقول خالد الذي له 12 طفلاً: «تمشي النساء 7 كيلومترات لتعبئة قوارير مياه شرب للأطفال».
في المناطق المهددة بالجفاف والواقعة تحت سيطرة الإدارة الذاتية الكردية، يتهم كثر تركيا بمنع المياه واستخدامها سلاحاً ضد المقاتلين الأكراد الذين تعدّهم «إرهابيين»؛ الأمر الذي نفاه مصدر دبلوماسي تركي. وأعاد أسباب الجفاف إلى التغير المناخي الذي حذرت الأمم المتحدة في تقرير حديث من أنه سيؤدي إلى كوارث «غير مسبوقة» في العالم الذي تضربه موجات حرّ وفيضانات متتالية.
في عام 1987، وقعت سوريا اتفاق تقاسم مياه مع تركيا تعهدت بموجبه أنقرة بأن توفر لسوريا معدلاً سنوياً من 500 متر مكعب في الثانية، لكن هذه الكمية انخفضت إلى أكثر من النصف خلال الأشهر الماضية، ووصلت في فترات معينة إلى 200 متر مكعب في الثانية، وفق تقنيين. من تركيا إلى سوريا فالعراق، يغطي النهر 2800 كيلومتر. يلتقي في العراق بنهر دجلة ليُشكلا معاً شط العرب قبل أن يصب في مياه الخليج.
وفي سوريا، بُني سدان أساسيان على نهر الفرات؛ هما «سد تشرين» في ريف حلب الشمالي، و«سد الطبقة» حيث تقع «بحيرة الأسد» الضخمة في ريف الرقة الشرقي.
يغطي السدان 90 في المائة من حاجات شمال شرقي سوريا من الكهرباء، بما فيها التيار اللازم لمحطات ضخ المياه. ويهدد تراجع منسوب المياه اليوم عملهما.
يحذر مدير «سد تشرين» منذ 13 عاماً حمود الحماديين من «انخفاض تاريخي ومرعب» في منسوب المياه لم يشهده السد منذ بنائه عام 1999.
ومنذ ديسمبر (كانون الأول)، تراجع منسوب المياه في السد 5 أمتار. وفي حال استمراره في الانخفاض فسيصل إلى ما وصفه الحماديين بـ«المنسوب الميت»، مما يعني أن تتوقف «العنفات بشكل كامل» عن العمل.
وإضافة إلى تراجع إمداد المنطقة بالكهرباء، توقفت محطات ضخ مياه عدة عن العمل، وفق الحماديين الذي نبّه إلى أن انخفاض منسوب المياه يهدد بارتفاع معدل التلوث ويعرض الثروة السمكية للخطر. ويقول: «نحن نتجه إلى كارثة إنسانية وبيئية». وقد صنف «مؤشر الأزمات العالمية عام 2019» سوريا على أنها البلد الأكثر عرضة لخطر الجفاف في منطقة المتوسط. وأتى الجفاف، وفق منظمات إنسانية، على مساحات زراعية واسعة تعتمد أساساً على مياه الأمطار، في بلد يعاني 60 في المائة من سكانه من انعدام الأمن الغذائي. وأوردت الأمم المتحدة أن إنتاج الشعير قد يتراجع 1.2 مليون طن العام الحالي، مما يصعّب تأمين العلف للحيوانات خلال الأشهر القليلة المقبلة.
الجفاف يضرب أشجار سوريا ومياه الشرب
الجفاف يضرب أشجار سوريا ومياه الشرب
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة