كورنيش الإسكندرية يستعيد عافيته وزواره وزحامه

بعد أن حُرموا منها الصيف الماضي بفعل جائحة كورونا؛ اصطحب الستيني المصري عرفة السيد أبناءه وأحفاده إلى مدينة الإسكندرية، عائدين إلى مدينتهم المحببة صيفاً، التي اعتادوا السفر إليها في كل عام منذ سنوات طويلة للتمتع بجمال بحرها.
لا تقتصر زيارة العائلة القاهرية على البحر نهاراً، فخلال ساعات الليل، يصطف أفرادها كباراً وصغاراً على كورنيش الإسكندرية، وسط تجمعات كبيرة متجاورة من الشباب والعائلات، بعد أن دبت الحياة فيه من جديد، بعد نحو عام ونصف من إجراءات الإغلاق والعزلة الإجبارية بفعل فيروس كورونا وتداعياته.
يقول مُعلم اللغة العربية المتقاعد على المعاش، لـ«الشرق الأوسط»: «نعتاد على القدوم ليلاً بشكل يومي طوال فترة وجودنا بالإسكندرية للجلوس على الكورنيش في منطقة العصافرة، بعد أن نقوم بالتجول قليلاً أمامه، فهو المكان الأفضل لي ولأبنائي وأحفادي، بل هو مصدر السعادة لنا، فهنا يمكننا الاستمتاع بنسيم البحر ليلاً، كما تتوفر المأكولات والمشروبات قليلة التكلفة المالية، وهو ما يروق لنا جميعاً، ويجعل الإسكندرية وجهتنا المفضلة دوماً، التي يصدق عليها قول أمير الشعراء أحمد شوقي: (عروس الماء وخميلة الحكماء والشعراء)».
يجتذب الكورنيش زواره من المصطافين ورواد الشواطئ بشكل يومي قبيل غروب الشمس بقليل للاستمتاع بمشهد الغروب، ويستمر كذلك حتى ساعات الصباح هرباً من صخب الحياة والتخلص من حر النهار في هذه المساحة المفتوحة، حيث تكون تجمعات العائلات والشباب والفتيات مشاهد معتادة أمام شواطئ عروس المتوسط - البالغ عددها 66 شاطئاً بطول الساحل - لا سيما في مناطق بعينها، مثل منطقة خالد بن الوليد بميامي، ومنطقة «بئر مسعود» بسيدي بشر، ومحطة الرمل وبحري وساحة قلعة قايتباي.
وخلال هذا الصيف، يشهد كورنيش الإسكندرية زحاماً شديداً، بعد أن لجأ الكثيرون من سكان المحافظات المجاورة إلى المدينة الساحلية بفعل الطقس الحار، حيث وصلت معدلات إشغال الشواطئ ما بين 75 في المائة إلى 100 في المائة، بحسب بيانات الإدارة المركزية للسياحة والمصايف بمحافظة الإسكندرية.
كما دفع الطقس الحار الآلاف للهروب إلى الكورنيش خلال ساعات الليل، ومن بين الهاربين من «الحرارة» في منطقة «بئر مسعود»، التي تكتظ بزوار الإسكندرية، يقول نادر شلبي، فني إلكترونيات، لـ«الشرق الأوسط»: «أحاول الاستمتاع ليلاً بالهواء النظيف مع زوجتي وطفلي، حيث امتنعت عن الخروج إلى البحر نهاراً بسبب الطقس شديد الحرارة، وأحاول تعويض ذلك بالوجود لعدة ساعات على الكورنيش ليلاً، كما حرصت على اصطحابهما في نزهة بإحدى عربات الحنطور التي تنتشر بطول الكورنيش، فهي رحلة بسيطة وتمكننا من الاستمتاع بكورنيش الإسكندرية».
ما يشجع على أن يكون الكورنيش مقصدا ليلياً أنه توجد في الجهة المقابلة المقاهي والكافيهات التي تنتشر بامتداده، وتقدم المشروبات الساخنة والباردة، أو بعض المأكولات الخفيفة، أما على الكورنيش نفسه فينتشر الباعة الجائلون أو من اتخذوا مواقع ثابتة لهم، حيث يقومون ببيع المشروبات والعصائر والحلويات والمأكولات الترفيهية التي يعشقها الكثيرون، ويفضلونها والتي تلقى رواجاً نظراً لانخفاض ثمنها، فهناك باعة الشاي والقهوة، وعصائر الخروب والسوبيا، وحمص الشام، إلى جانب الذرة المشوية والبطاطا والفريسكا، والفيشار والترمس وحَب العزيز، وغزل البنات والآيس الكريم، والبقلاوة وبلح الشام، كذلك ينتشر باعة ألعاب الأطفال والهدايا التذكارية التي تذكّر بعروس المتوسط.
في منطقة كليوباترا، دأب الشاب علي محمد، على صنع أكواب الشاي وتقديمها لرواده، الذين اصطفوا أمام البحر بعد أن استأجروا منه مقاعدهم البلاستيكية. يقول بائع الشاي والقهوة وهو يشير باتجاه البحر: «حال الإسكندرية عاد إلى أصله بعد أن عانينا العام الماضي بسبب كورونا، فهناك إقبال كبير تشهده المدينة، خاصة بعد انتهاء امتحانات شهادة الثانوية العامة، وهو ما نعتبره ذروة موسم عملنا، حيث يكون هناك رواج على الكورنيش في الليل».
بالتجول غرباً، إلى منطقة بحري، وبينما يتخذ مواطنو الإسكندرية والوافدون إليها مقاعدهم أمام مراكب الصيد التي ترسو أمامهم فيما تظهر من خلفها قلعة قايتباي؛ تنهمك الثلاثينية «شادية» في إعداد أكواب الحمص لثلاثة أطفال التفوا حول عربتها الخشبية التي تُجر باليد، تقول بائعة الحمص: «أعمل طوال ساعات الليل لتلبية رغبات زوار الكورنيش، وأحاول التنقل في أكثر من مكان سعياً وراء الرزق، وذلك لأساعد زوجي في نفقات المنزل، فهو يعمل أيضاً بائعاً متجولاً على الكورنيش، الذي نعتبره مصدر لقمة عيشنا».
وبأسى؛ عاودت حديثها، بعد أن انتهت من إعداد أكواب زبائنها: «رغم ذلك الزحام فإنه ليس كل من يوجد هنا يأتي للشراء أو احتساء مشروب ما، فلا يزال هناك تخوف من الفيروس وانتقال العدوى، رغم أنني أتبع النظافة والتعقيم وأحرص على البيع للزبائن في الأكواب الورقية، وهو ما يجعلنا نعاني من أثار كورونا حتى الآن».