يعمل ناشطون في هونغ كونغ خلف الكواليس للمحافظة على «أرشيف رقمي» لحراكهم المطالب بالديمقراطية، في وقت تمحو السلطات رموز مقاومتهم من شوارع المدينة، بما في ذلك صحيفة للمعارضة ومتحف، وفق تقرير لوكالة الصحافة الفرنسية.
وأغلق مفتّشون مسؤولون عن سلامة الغذاء متحف هونغ كونغ المخصص للأشخاص الذين قتلوا في احتجاجات ساحة تيان آن مين، علماً بأنه كان النصب التذكاري الوحيد من نوعه في الصين المكرّس لضحايا حملة عام 1989 الأمنية. ووثّق المتحف قرار بكين استخدام الدبابات لقمع الاحتجاجات في العاصمة الصينية، وتاريخ هونغ كونغ في إقامة وقفات بالشموع لتكريم الضحايا على مدى 3 عقود.
لكن مسؤولين من دائرة صحة البيئة والغذاء زاروا الموقع مطلع يونيو (حزيران)، وأعلنوا أن المتحف الذي تم فتحه وإغلاقه عدة مرّات على مدى سنوات، لا يملك الترخيص المناسب. ولم تكن الخطوة مفاجئة بالنسبة لكثيرين، إذ إن السلطات حظرت التجمّعات لتكريم ضحايا تيان آن مين في المدينة منذ العام الماضي.
ولذلك، عمل المؤّلف الصيني المعارض تشانغ بينغ الذي كان من قادة الطلبة سنة 1989، العام الماضي، مع مجموعة من الناشطين لتأسيس نسخة إلكترونية للمتحف. وقال تشانغ لوكالة الصحافة الفرنسية عبر الهاتف من منزله في ألمانيا: «نأمل بإنقاذ روح 30 عاماً من الوقفات على ضوء الشموع في هونغ كونغ، والذي كان مقاومة لا مثيل لها في تاريخ البشرية».
ويعد المتحف الإلكتروني واحداً من كثير من المشروعات التي حوّلت الفضاء الإلكتروني إلى مكان للمحافظة على بقايا مدينة يعاد تشكيلها بعدما أحكمت بكين قبضتها عليها. وأدرك «تحالف هونغ كونغ» الذي أدار المتحف، ونظّم تجمّعات تيان آن مين السنوية، أنه قد لا يتمكن من الصمود؛ خصوصاً بعدما فرضت الصين قانوناً أمنياً العام الماضي جرّم معظم أشكال التعبير عن المعارضة.
وتم مذاك توقيف معظم قادة المجموعة، فيما بات التحالف على وشك أن يتم حلّه، لكنه تمكّن مع ذلك من جمع 1.6 مليون دولار هونغ كونغي (215 ألف دولار) لإنقاذ حراكه افتراضياً. وأما مجموعات أخرى، فلم تحظَ بما يكفي من الوقت للاستعداد.
وسارع كريس وونغ، وهو مطور برمجيات طلب استخدام اسم مستعار، لحشد المبرمجين في وقت سابق من العام للحفاظ على أكبر قدر ممكن من أرشيف صحيفة «آبل ديلي». ويقبع مالكها المليونير جيمي لاي في السجن حالياً ويواجه اتهامات تتعلّق بالأمن القومي على خلفية دفاعه عن فرض عقوبات على الصين.
وفي مطلع يونيو، لجأت الشرطة إلى قانون الأمن القومي لتجميد أصول الصحيفة لتنهار في غضون أكثر من أسبوع بقليل. واستذكر وونغ بعدما أعلنت «آبل ديلي» عن صدور طبعتها الأخيرة وإغلاق موقعها على الإنترنت في الشهر ذاته: «كان علينا أن نسابق الزمن». وتوجّه وونغ إلى «إل آي هونغ كونغ»، وهو منتدى يشبه «ريديت» ولعب دوراً مهماً في تنسيق احتجاجات المدينة سنة 2019. واكتشف وجود متطوعين مهتمين بالتكنولوجيا على استعداد لجمع أشلاء موقع الصحيفة.
وبالفعل، جمعوا أكثر من مليوني صفحة تمّت أرشفتها على موقع يمكن إجراء بحث فيه، عبر كتابة نحو 10 آلاف سطر من لغة البرمجيات. وقال وونغ لوكالة الصحافة الفرنسية: «كوننا الأشخاص الأكثر اهتماماً بالتكنولوجيا، نشعر بأن لدينا التزاماً أكبر في المساعدة على المحافظة على تاريخ هونغ كونغ». وتابع: «لكن الجميع يمكنهم ويحتاجون إلى لعب دور في مشاركة الماضي مع الأصدقاء والأجيال المقبلة».
وأنشئت أرشيفات رقمية مشابهة لحفظ تقارير شبكة البث الرسمية التابعة للمدينة «آر تي هونغ كونغ»، التي تم إحداث تغييرات واسعة فيها، لتصبح متوائمة مع الإعلام الصيني. وخسر صحافيون معارضون وظائفهم وألغيت برامج تناقش قضايا سياسية، فيما اختفى معظم محتواها على وسائل التواصل الاجتماعي، بما في ذلك كثير من التقارير التي تنتقد السلطات.
وأفاد ناشط يستخدم اسم «فريمان» المستعار أن مجموعته جمعت تقارير مصورة بحجم 14 تيرابايت من «آر تي هونغ كونغ» و«آبل ديلي» معاً من أجل أرشفتها على الإنترنت. لكن هذا النوع من النشاط الرقمي يتصاحب عادة بمخاطر.
ولفتت وسائل إعلام هونغ كونغ المؤيدة لبكين في الأسابيع الأخيرة إلى أن القيام بخطوات للمحافظة على سجّلات على الإنترنت عن متحف تيان آن مين والتجمّعات السنوية يمثّل خرقاً لقانون الأمن القومي. وتتحرّك الشرطة عادة بعد نشر تقارير من هذا القبيل.
وبعد أيام من إطلاق موقع أرشيف «آبل ديلي»، خرج عن الخدمة جراء هجوم إلكتروني تم من خلاله إغراق الموقع من قبل شبكة من الحواسيب بهدف حذفه نهائياً. لكن تشانغ بينغ يؤكد أنه سيصمد، وقال: «إذا كان بناء متحف يمثّل جريمة، فيعني ذلك أن تاريخ الحضارة البشرية بأكمله غير قانوني».
ناشطو هونغ كونغ يلجأون إلى التقنية لتوثيق حراكهم
أنشأوا متحفاً رقمياً لاستعراض تاريخ احتجاجات تيان آن مين
ناشطو هونغ كونغ يلجأون إلى التقنية لتوثيق حراكهم
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة