أي مصداقية تاريخية للأرشيف الرسمي؟

كشف الوثائق وتوفيرها للعموم شيء ومحتواها شيء آخر

أي مصداقية تاريخية للأرشيف الرسمي؟
TT

أي مصداقية تاريخية للأرشيف الرسمي؟

أي مصداقية تاريخية للأرشيف الرسمي؟

تعتز الدول الكبرى بهيئات أرشيفها الرسمي كمؤسسات مختصة بحماية التراث القومي للأمة، ومرجع موثوق للوثائق الحكومية والوطنية التي تمثل واحدة من أهم مصادر المادة الخام الضرورية لعمل المؤرخين. وتخضع هذه المؤسسات إلى إجراءات مشددة تنظمها قوانين مخصوصة تحدد طريقة حفظ الوثائق وسبل الاستفادة منها، وتفرض قيوداً زمنية وإجرائية معينة قبل أن يتاح للعموم الاطلاع على بعضها مما قد يعد حساساً من الناحية الأمنية أو الاقتصادية. وينتظر المؤرخون بفارغ الصبر أحياناً لعقود طويلة رفع تلك القيود عن الوثائق موضع اهتمامهم، ومن ثم قد يجدون فيها ما يعين في إعادة صياغة السردية التاريخية عن مرحلة معينة أقله في بعض الجوانب التي لم تكن بغير تلك الوثائق لتعرف.
في كتابة تاريخ الاتحاد السوفياتي مثلاً، وحيث كان الأرشيف الرسمي مغلقاً دائماً للعموم، كان كثير من السرديات عن تاريخ روسيا منذ ثورة 1917 وحتى انحلال الاتحاد في 1991 منحازة لأحد طرفي الحرب الباردة من شرق وغرب ولذا كان لكل حدث من تلك الفترة صورتان متناقضتان على الأغلب. فيما بعد وفقط بعدما سمحت الدولة الروسية في وقت لاحق بفتح أوراق الاتحاد أمام الباحثين أصبحت السرديات أكثر عقلانية وواقعية باستنادها إلى وثائق رسمية تدعم ادعاءاتها. فيما تمكنت مجموعة من الباحثين سميت بالمؤرخين الإسرائيليين الجدد من تقديم صياغة مختلفة تماماً عن السردية الرسمية للدولة العبرية لتاريخ القضية الفلسطينية خلال النصف الأول من القرن العشرين، وذلك بعدما تسنى لهم الاطلاع على وثائق الأرشيف العبري من تلك الفترة التي رفعت عنها السرية بعد عقود طويلة.
لكن الكشف عن الوثائق وتوفيرها للعموم شيء، ومحتوى تلك الوثائق شيء آخر. بل إن تجربة الأرشيف الوطني البريطاني الذي يضم أكثر من 110 أميال من الأرفف لحفظ وثائق الدولة منذ 500 عام ويعده البعض بمثابة نموذج ذهبي لما يجب أن تكون عليه عملية حفظ التراث القومي للأمم، لا توحي بكثير من الثقة بمحتويات الأرشيفات الرسمية. ففي العام 2005 مثلاً، اكتشفت السلطات أن مجموعة من الوثائق اعتمد عليها المؤرخ مارتن ألين في صياغة رواية نقيضة للسردية الرسمية عن مصير القائد الألماني هنريتش هيملر كانت مزورة. وبحسب ألين في كتابه «حرب هيملر السرية – 2005»، فإن الرجل قتل على يد عميل بريطاني مستنداً إلى وثائق من الأرشيف البريطاني تناقض مع ما كان متفقاً عليه سابقاً بين مؤرخي الدولة البريطانية من أنه انتحر وهو في قبضة الجيش البريطاني عند نهاية الحرب العالمية الثانية.
وقتها أثار أحد الباحثين شكوكاً لناحية طبيعة النص الوارد في إحدى الوثائق التي استند إليها ألين في كتابه، مشيراً إلى صبغة أدبية ظاهرة لا تتوفر عادة في طريقة الكتابة الرسمية المعتادة في أروقة حكومة لندن. وقد دفع ذلك السلطات إلى إرسال مجموعة الوثائق التي أشار إليها ألين في كتابه إلى خبراء الكشف عن التزوير في سكوتلاند يارد (الشرطة البريطانية) الذين اكتشفوا أن الوثائق طبعت بطابعة ليزرية لم تتوفر إلا بعد نصف قرن من تاريخها المزعوم (1945)، وأن التوقيعات عليها كانت مزورة. وبعد بحث مضن في ملفات الأرشيف تبين أن 29 منها تعود لتلك الفترة لم تكن حقيقية، وقد تم زرعها بين الوثائق الأخرى في الفترة 2000 – 2003. وكان ألين نشر قبل ذلك كتاباً آخر، «الأجندة الخفية: كيف خان دوق ويندسور الحلفاء؟ - 2002»، ادعى فيه معتمداً على وثائق من الأرشيف البريطاني أيضاً بأن دوق ويندسور، إدوارد الثامن، مرر معلومات استراتيجية لجاسوس ألماني ساعدت في انتصار النازيين الكاسح على فرنسا عام 1940.
ومن تلك الوثائق كانت رسالة من الدوق بالألمانية إلى الفوهرر أدولف هتلر شخصياً. وقد أثار تكرار تصادف عثور ألين على وثائق من الأرشيف تناقض الرواية الرسمية إلى إثارة الشكوك بشأنه، وتبين للسلطات بأنه شخصياً كان وراء إضافة وثائق للأرشيف الرسمي اعتمدها لاحقاً لنشر كتبه، وقدمته للمحاكمة، لكن القاضي ما لبث أن أسقط الملاحقة القانونية عنه في 2007 نظراً لتدهور صحته. وقد أثارت تلك الحادثة وقتها قلقاً عميقاً بين المؤرخين البريطانيين، واعتبر بعضهم أن تسرب وثائق مزورة إلى الأرشيف الرسمي يمثل خطراً بالغاً بالنظر إلى الانعكاسات السياسية التي قد تترتب على اعتمادها كمصادر تاريخية، لا سيما عن مرحلة قلقة مثل الحرب العالمية الثانية المغلفة بكثير من الشكوك والادعاءات المتناقضة. وقد أعادت الإدارة القائمة على الأرشيف الوطني البريطاني تنظيم إجراءات التفتيش وأضافت شبكة مكثفة من الكاميرات لمراقبة غرف القراءة ليس لمنع اللصوص من سرقة الوثائق أو إتلافها فحسب، وإنما أيضاً لمنع جلب وثائق مزورة من خارج المبنى وزرعها داخل الملفات.
وإذا كان مارتن ألين بالفعل مزوراً صغيراً أضاف 29 وثيقة للأرشيف، فإن الدولة البريطانية ربما تستحق لقب المزور الأكبر. وهذه السمعة المستحقة بنيت على أساس جهد منظم للبروباغاندا ونشر الأكاذيب تولته الأجهزة البريطانية بالتعاون مع الحلفاء خلال الحرب العالمية الثانية، وتضمن نشر مئات الألوف من الوثائق المزورة أو المواد التي تحمل أخباراً كاذبة أو المقالات المتفق عليها مع الصحف والمجلات – بما فيها مجلات علمية وتقنية مرموقة – بغرض التعمية على الحقائق، ناهيك عن شبكة من محطات الإذاعة السرية التي كان بعضها يبث بالألمانية ويدعي بأنه صوت نازي بينما ينشر معلومات مغلوطة تتسبب في اهتزاز معنويات الجنود والمواطنين الألمان.
لكن الأمر يمتد لأبعد من ذلك، إذ اعترفت السلطات البريطانية (2011) بأن حوالي 1500 ملف تشغل 200 قدم من الرفوف قد أخفيت من الأرشيف الرسمي في مخزن سري داخل أحد مراكز الحكومة وجميعها تتعلق بالحملة الدموية التي نفذتها سلطات الاحتلال البريطاني ضد الماو ماو في كينيا خلال عقد الخمسينيات من القرن الماضي.
وقد اتهمها مؤرخون بأنها تعمدت إتلاف عشرات الآلاف من الوثائق عن كينيا، وأخفت وثائق أصبحت ذات صلة بأحداث جارية مثل الأوراق التي تتحدث عن الادعاءات البريطانية بشأن جزر الفوكلاند و(تبخرت) لدى اندلاع الصراع العسكري مع الأرجنتين للاستحواذ عليها (1982)، كما أوراق تتحدث عن خطط بريطانيا لقصف قرى كردية عام 1919 بغاز الماسترد القاتل والتي اختفت بقدرة قادر في 1991 وقت حرب الخليج الأولى وغيرها، مما يشير إلى جهد سياسي واع وفاعل تقوم به إدارة الأرشيف الوطني لتحديد ما يمكن للجمهور الوصول إليه خلال فترة معينة من الزمن، وبحيث لا ينعكس سلباً على سمعة الحكومة البريطانية أو يكشف عن أسرار تتعارض مع السرديات الرسمية المعتمدة.
ولذلك، لا ينبغي أن يتبادر للذهن أن الإفراج عن وثائق رسمية ورفع السرية عنها من الحكومات الغربية يعني بالضرورة أن كل ما فيها مصدر للثقة أو يمكن الاعتماد عليه لتشييد سردية تاريخية دقيقة ما لم تتقاطع معلوماتها مع مصادر أخرى. ولا شك بأن عصر الإنترنت والبريد الإلكتروني يمنح السلطات اليوم قدرات مضاعفة لإخفاء أجزاء من أرشيفها من الوجود دون ترك آثار تذكر، أو تعديل محتوياتها بالإضافة والإزالة بشكل يسير.
وإذا كان البريطانيون – أساتذة التوثيق – وهذا حال أرشيفهم الوطني، فإن الصورة في العالم العربي أكثر قتامة بما لا يقاس. إذ لا يمتلك كثير من دوله نظاماً محترفاً لأرشفة الوثائق الوطنية أو تركت تلك في المنعطفات المختلفة نهباً للضياع التام، أو أنها أخفيت بعناية دون أي خطط لتوفيرها للعموم في أي وقت قريب، مما يجعل التأريخ للعالم العربي من وجهة نظر بديلة لما تمليه المصادر الغربية مسألة أقرب للتنجيم والروايات المنحازة المزعومة والتمنيات بأثر رجعي.



غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر

غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر
TT

غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر

غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر

تشهد منطقة الباحة، جنوب السعودية، انطلاقة الملتقى الأول للأدب الساخر، الذي يبدأ في الفترة من 22-24 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، وينظمه نادي الباحة الأدبي.

وأوضح رئيس النادي، الشاعر حسن الزهراني، أن محاور الملتقى تتناول «الأدب الساخر: المفهوم، والدلالات، والمصادر»، و«الاتجاهات الموضوعية للأدب الساخر، والخصائص الفنية للأدب الساخر في المملكة»، وكذلك «مستويات التأثر والتأثير بين تجارب الكتابة الساخرة محلياً ونظيراتها العربية»، و«حضور الأدب الساخر في الصحافة المحلية قديماً وحديثاً»، و«أثر القوالب التقنية الحديثة ومواقع التواصل في نشوء أشكال جديدة من الأدب الساخر محلياً»، و«سيميائية الصورة الصامتة في الكاريكاتير الساخر محلياً».

بعض المطبوعات الصادرة بمناسبة انعقاد أول ملتقى للأدب الساخر (الشرق الأوسط)

وشارك في صياغة محاور الملتقى لجنة استشارية تضم: الدكتور عبد الله الحيدري، والدكتور ماهر الرحيلي، والقاص محمد الراشدي، ورسام الكاريكاتير أيمن يعن الله الغامدي.

وكشف الزهراني أن النادي تلقى ما يزيد على 40 موضوعاً للمشاركة في الملتقى، وأقرت اللجنة 27 بحثاً تشمل؛ ورقة للدكتورة دلال بندر، بعنوان «حمزة شحاتة... الأديب الجاد ساخراً»، والدكتور محمد الخضير، بعنوان «الخصائص الفنية في الأدب الساخر عند حسن السبع في ديوانه ركلات ترجيح - دراسة بلاغية نقدية»، والدكتور صالح الحربي، بعنوان «المجنون ناقداً... النقد الأدبي في عصفورية القصيبي»، والدكتور عادل خميس الزهراني، بعنوان «الصياد في كمينه: صورة الحكيم في النكت الشعبية بمواقع التواصل الاجتماعي»، والدكتور حسن مشهور، بعنوان «الكتابة الساخرة وامتداداتها الأدبية... انتقال الأثر من عمومية الثقافة لخصوصيتها السعودية»، والدكتورة بسمة القثامي، بعنوان «السخرية في السيرة الذاتية السعودية»، والدكتورة كوثر القاضي، بعنوان «الشعر الحلمنتيشي: النشأة الحجازية وتطور المفهوم عند ابن البلد: أحمد قنديل»، والدكتور يوسف العارف، بعنوان «الأدب الساخر في المقالة الصحفية السعودية... الكاتبة ريهام زامكة أنموذجاً»، والدكتور سعد الرفاعي، بعنوان «المقالة الساخرة في الصحافة السعودية... الحربي الرطيان والسحيمي نموذجاً»، والدكتور عمر المحمود، بعنوان «الأدب الساخر: بين التباس المصطلح وخصوصية التوظيف»، والدكتور ماجد الزهراني، بعنوان «المبدع ساخراً من النقاد... المسكوت عنه في السرد السعودي»، والمسرحي محمد ربيع الغامدي، بعنوان «تقييد أوابد السخرية كتاب: حدثتني سعدى عن رفعة مثالاً»، والدكتورة سميرة الزهراني، بعنوان «الأدب الساخر بين النقد والكتابة الإبداعية... محمد الراشدي أنموذجاً». والدكتور سلطان الخرعان، بعنوان «ملخص خطاب السخرية عند غازي القصيبي: رؤية سردية»، والدكتور محمد علي الزهراني، بعنوان «انفتاح الدلالة السيميائية للصورة الساخرة... الرسم الكاريكاتوري المصاحب لكوفيد-19 نموذجاً»، والكاتب نايف كريري، بعنوان «حضور الأدب الساخر في كتابات علي العمير الصحافية»، والدكتور عبد الله إبراهيم الزهراني، بعنوان «توظيف المثل في مقالات مشعل السديري الساخرة»، والكاتب مشعل الحارثي، بعنوان «الوجه الساخر لغازي القصيبي»، والكاتبة أمل المنتشري، بعنوان «موضوعات المقالة الساخرة وتقنياتها عند غازي القصيبي»، والدكتور معجب الزهراني، بعنوان «الجنون حجاباً وخطاباً: قراءة في رواية العصفورية لغازي القصيبي»، والدكتور محمد سالم الغامدي، بعنوان «مستويات الأثر والتأثير بين تجارب الكتابة الساخرة محلياً ونظرياتها العربية»، والدكتورة هند المطيري، بعنوان «السخرية في إخوانيات الأدباء والوزراء السعوديين: نماذج مختارة»، والدكتور صالح معيض الغامدي، بعنوان «السخرية وسيلة للنقد الاجتماعي في مقامات محمد علي قرامي»، والدكتور فهد الشريف بعنوان «أحمد العرفج... ساخر زمانه»، والدكتور عبد الله الحيدري، بعنوان «حسين سرحان (1332-1413هـ) ساخراً»، ويقدم الرسام أيمن الغامدي ورقة بعنوان «فن الكاريكاتير»، والدكتور يحيى عبد الهادي العبد اللطيف، بعنوان «مفهوم السخرية وتمثلها في الأجناس الأدبية».

بعض المطبوعات الصادرة بمناسبة انعقاد أول ملتقى للأدب الساخر (الشرق الأوسط)

وخصص نادي الباحة الأدبي جلسة شهادات للمبدعين في هذا المجال، وهما الكاتبان محمد الراشدي، وعلي الرباعي، وأعدّ فيلماً مرئياً عن رسوم الكاريكاتير الساخرة.

ولفت إلى تدشين النادي 4 كتب تمت طباعتها بشكل خاص للملتقى، وهي: «معجم الأدباء السعوديين»، للدكتورين عبد الله الحيدري وماهر الرحيلي، وكتاب «سامحونا... مقالات سعد الثوعي الساخرة»، للشاعرة خديجة السيد، وكتاب «السخرية في أدب علي العمير» للدكتور مرعي الوادعي، و«السخرية في روايات غازي القصيبي» للباحثة أسماء محمد صالح.