توماس كوسمالا.. عطار يستعمل عينيه أولاً وأنفه ثانيًا لابتكار عطوره

من «كشك» صغير في كوفنت غاردن إلى متاجر «هارودز»

توماس كوسمالا

«وايت عود» باقة من الورود البيضاء

«بلاك عود» يعتمد على الورد الأحمر والباتشولي
توماس كوسمالا «وايت عود» باقة من الورود البيضاء «بلاك عود» يعتمد على الورد الأحمر والباتشولي
TT

توماس كوسمالا.. عطار يستعمل عينيه أولاً وأنفه ثانيًا لابتكار عطوره

توماس كوسمالا

«وايت عود» باقة من الورود البيضاء

«بلاك عود» يعتمد على الورد الأحمر والباتشولي
توماس كوسمالا «وايت عود» باقة من الورود البيضاء «بلاك عود» يعتمد على الورد الأحمر والباتشولي

لا يختلف اثنان حول أن سوق العطور أصبحت مزدحمة، وأن العود أصبح هو الغالب في محاولة لاستقطاب زبون الشرق الأوسط. فهذا الأخير، وحسبما تؤكد المبيعات، زبون يجب مراعاته والتودد إليه بشتى الطريق، لأنه يحرك سوق العطور تحديدا، ويحب تجربة الجديد والمتميز منها. وهذا ما يفسر السباق على طرح عطور مختلفة، أساسها العود، على أشده بين المصممين والعطارين على حد سواء. كل يحاول أن يقتطع له جزءا من الكعكة، بمن فيهم عطارون مستقلون وشباب، دخلوا حلبة المنافسة وكل سلاحهم حب هذه الصناعة التي يتعاملون معها كفن، مثل العطار الشاب البولندي الأصل، توماس كوسمالا.
هذا الاسم ليس عالميا، وبالتالي لا يعرفه سوى نخبة من العارفين بخبايا العطور، أو من المتذوقين أو العاشقين للسفر، ممن دخلوا بوابة متاجر «هارودز» اللندنية. يقول توم كوسمالا إنه يصب كل طاقاته الإبداعية في عطوره رغم أنها لا تزال تُعد على أصابع اليد، لأن كل واحدة منها تستغرق منه سنوات، تبدأ باختياره مواد جديدة وتقطيرها بطريقة مختلفة حتى تأتي النتيجة فريدة من نوعها، ولا يضيع اسمه في زحمة العطارين العالميين الذين تحتضنهم شركات التجميل وبيوت الأزياء، وتوفر لهم إمكانيات إنتاج على مستوى عال. ما يميزه أيضا أنه يتوجه إلى الشرق الأوسط من زاوية مختلفة، كونهم أول من دعمه. يقول: «معظم زبائني من الشرق الأوسط، وبدأت علاقتي بهم منذ أن كنتُ شابا صغيرا لا أمتلك سوى كشك صغير في منطقة (كوفنت غاردن) أبيع فيها شموعا معطرة وزيوتا حتى أستطيع أن أمول نفسي كطالب».
درس توماس الكيمياء لمدة 5 سنوات، ثم تدرب لمدة عامين ونصف العام على فن وصناعة التعطير في باريس على يد عطار معروف. في هذه الفترة تعرف على زبائن من الشرق الأوسط، كانوا يأتون خصيصا لباريس طلبا لعطور خاصة بهم. من هؤلاء، تعرف على العود، الذي يقول إنه عندما شمه لأول مرة شعر بنشوة هزت كيانه، وحملته إلى عوالم بعيدة ومثيرة «لم أكن أعرفه من قبل، لكني اكتشفت سريعا أنه يتمتع بكثير من الأوجه والطبقات، ما أثار فضولي وأوقعني في حبه».
كان مهما بالنسبة للعطار الشاب أن يحترم تقاليد العود ورموزه، لا أن يستعمله كموضة لتحقيق الربح السريع، كما هو الحال بالنسبة لكثير من العطارين.. «بالنسبة لي، فهو يمثل تاريخا وثقافة غنية، بوجوهه المتعددة، والأهم من هذا أنه جزء مهم من رحلة طويلة أتمنى أن تمتد لعدة سنوات مقبلة؛ فعندما أراقب زبائني العرب وهم يتعاملون مع البخور والعود، انبهر بطقوسهم والحب الذي يتعاملون به معه. هذا تماما ما يحركني عندما أتلقاه في مختبري وأبدأ في شمه وتصور العطور التي سأترجمه فيها ويختزل هذه الثقافة والتاريخ والحب».
دخول توماس كوسمالا إلى «هارودز» وعرض عطوره مع كبار العطارين العالميين والمتخصصين يعني أنه بدأ يلعب مع الكبار. وبالفعل، فهو الآن يجوب العالم بحثا عن مواد فريدة من نوعها ليدخلها في عطور تتوجه إلى النخبة، بدليل آخر إبداعاته على شكل عطرين؛ واحد باسم «وايت عود» (White Oud)، والآخر باسم «بلاك عود» (Black Oud). يشرح توماس أن الأول موجه للنهار وبالتالي فهو أخف من الثاني الموجه للمساء. ويضيف أن التحدي بالنسبة له كان ترويض العود، بحيث يشعر كل من يشمه بالانتعاش، وهو ما لم يكن ممكنا من قبل. فالشكاوى التي كان يسمعها من زبائنه كانت تصب في الخانة نفسها، وهي صعوبة استعمال العود في الصيف.
شغل هذا التحدي باله لفترة، وفي إحدى الأمسيات وبينما هو يتمشى في حديقة باريسية، داعبت انفه روائح الياسمين وزهرة عود الصليب والغاردينيا. انتبه إلى أنها كلها باللون الأبيض. في هذه اللحظة تخيل باقة بيضاء من الورود والغاردينيا، وعود الصليب ببتلاته الناعمة التي تقارب في نعومتها ريش النعام، تتراقص على نغمات العود. كان السؤال هو كيف يزاوج بين نعومة هذه الباقة وقوة العود ويخلق توازنا منعشا إلى حد ما. بعد تفكير توصل إلى أن الحل هو أن يبني جسرا يجمع كل هذه المكونات ببعض، بمساعدة زهرة الأوسمانثوس، المعروفة برقتها وشفافيتها وأيضا قوة شخصيتها؛ فهي تنمو في أعالي الجبال، مما يشكل صعوبة في وصول المزارعين إليها ونقلها، لهذا كانوا يحملونها على ظهورهم إلى معامل التقطير.
«ما تتطلبه من دراية لقطفها وجهد لحملها والعناية التي يتطلبه إنتاجها» كان مثيرا بالنسبة لتوماس، ما أوحى له بتعزيزها بحلاوة العنبر. استغرق الوصول إلى الخلطة 4 أعوام: عامين من الأبحاث والبحث عن المكونات وعامين في المختبر للتوصل إلى الوصفة النهائية. فالياسمين مثلا، وهو مكون مهم في كلا العطرين، استعمل قلبه فقط في «وايت عود»، رغم أن العملية مكلفة وتتطلب جهدا كبيرا، إذ يستخلص من كيلوغرام منه 100 غرام فقط، لكن كان الأمر مهما، حتى يكتسب العطر شخصيته «السعيدة» حسب قول توماس. الشيء نفسه بالنسبة للماغنوليا وباقي المكونات.
أما «بلاك عود» فهو أقوى بنغماته المتراقصة على الوردة التركية الحمراء والباتشولي والعود طبعا، الذي تخفف نغمات علوية من المشمش وجوز الهند والكشمش الأسود من قوته.
الطريف أن توماس يبتكر عطوره بإحساسه وعيونه قبل أن ينتقل إلى المرحلة الثانية، وهي استعمال أنفه، وهو ما يشرحه بقوله إنه «على العطار أن يتعامل مع صناعة العطور كرسام يختار ألوانه أولا قبل أن يبدأ في رسم لوحته». ويضيف أنه يتخيل أولا صورة يرسمها في ذهنه قبل أن يستعمل أنفه لمزج المكونات، حتى يأتي العطر عبارة عن لوحة فنية أو قصيدة شعرية مفعمة بإحساس يجب أن يمس وترا بداخل النفس حتى يحركها، وأن تربطه بصاحبه علاقة حميمة.



اختيار أميرة ويلز له... مواكبة للموضة أم لفتة دبلوماسية للعلم القطري؟

الملك تشارلز الثالث يتوسط أمير قطر الشيخ تميم بن حمد وزوجته الشيخة جواهر والأمير ويليام وكاثرين ميدلتون (رويترز)
الملك تشارلز الثالث يتوسط أمير قطر الشيخ تميم بن حمد وزوجته الشيخة جواهر والأمير ويليام وكاثرين ميدلتون (رويترز)
TT

اختيار أميرة ويلز له... مواكبة للموضة أم لفتة دبلوماسية للعلم القطري؟

الملك تشارلز الثالث يتوسط أمير قطر الشيخ تميم بن حمد وزوجته الشيخة جواهر والأمير ويليام وكاثرين ميدلتون (رويترز)
الملك تشارلز الثالث يتوسط أمير قطر الشيخ تميم بن حمد وزوجته الشيخة جواهر والأمير ويليام وكاثرين ميدلتون (رويترز)

لا يختلف اثنان أن الإقبال على درجة الأحمر «العنابي» تحديداً زاد بشكل لافت هذا الموسم، سواء تعلق الأمر بمناسبات النهار أو المساء والسهرة. ثم جاءت أميرة ويلز، كاثرين ميدلتون، لترسِخ مكانته منذ أيام قليلة، لدى مشاركتها مراسيم استقبال الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، والشيخة جواهر بنت حمد بن سحيم آل ثاني. ظهرت به من الرأس إلى أخمص القدمين، في لوحة مفعمة بالجرأة والكلاسيكية في الوقت ذاته. هذه اللوحة ساهم في رسمها كل من مصممة دار «ألكسندر ماكوين» السابقة سارة بيرتون من خلال المعطف، ومصممة القبعات «سحر ميليناري» ودار «شانيل» من خلال حقيبة اليد.

الملك تشارلز الثالث يتوسط أمير قطر الشيخ تميم بن حمد وزوجته الشيخة جواهر والأمير ويليام وكاثرين ميدلتون (رويترز)

كان هذا اللون كافياً لكي يُضفي عليها رونقاً ودفئاً من دون أن يحتاج إلى أي لون آخر يُسنده. ربما تكون أقراط الأذن والعقد المرصعين باللؤلؤ هما الاستثناء الوحيد.

لكن من يعرف أميرات القصر البريطاني يعرف أن اختياراتهن لا تخضع لتوجهات الموضة وحدها. هن أيضاً حريصات على توظيف إطلالاتهن كلغة دبلوماسية في المناسبات الرسمية. في هذا الحالة، يمكن أن نقرأ أن سبب اختيارها هذا اللون كان من باب الاحتفاء بالضيفين العربيين، بالنظر إلى أنه أحد ألوان العلم القطري.

لكن إذا تقيّدنا بتوجهات الموضة، فإنها ليست أول من اكتشفت جمالياته أو سلّطت الضوء عليه. هي واحدة فقط من بين ملايين من نساء العالم زادت قابليتهن عليه بعد ظهوره على منصات عروض الأزياء الأخيرة.

اختيار أميرة ويلز لهذا اللون من الرأس إلى أخمص القدمين كان مفعماً بالأناقة (رويترز)

«غوغل» مثلاً أكدت أن الاهتمام بمختلف درجاته، من العنابي أو التوتي أو الرماني، بلغ أعلى مستوياته منذ 5 سنوات، في حين ارتفعت عمليات البحث عنه بنسبة 666 في المائة على منصات التسوق الإلكترونية، مثل «ليست» و«نيت أبورتيه» و«مايتريزا» وغيرها.

ورغم أنه لون الخريف والشتاء، لعُمقه ودفئه، فإنه سيبقى معنا طويلاً. فقد دخل تشكيلات الربيع والصيف أيضاً، معتمداً على أقمشة خفيفة مثل الكتان والساتان للنهار والموسلين والحرير للمساء، بالنظر إلى أن أول تسلل له، كان في تشكيلات ربيع وصيف 2024 في عرضي كل من «غوتشي» و«بوتيغا فينيتا». كان جذاباً، الأمر الذي جعله ينتقل إلى تشكيلات الخريف والشتاء الحاليين والربيع والصيف المقبلين.

بغضّ النظر عن المواسم والفصول، كان هناك إجماع عالمي على استقباله بحفاوة جعلته لون الموسم بلا منازع. لم يعد يقتصر على العلامات الكبيرة والغالية مثل «غوتشي» و«برادا» وغيرهما. انتقلت عدواه سريعاً إلى المحلات الكبيرة من «بريمارك» إلى «زارا» و«أيتش أند إم» مروراً بـ«مانغو» وغيرها من المتاجر الشعبية المترامية في شوارع الموضة.

الجميل فيه سهولة تنسيقه مع ألوان كثيرة مثل الرمادي (إ.ب.أ)

ورغم أن أميرة ويلز ارتدته من الرأس إلى القدمين، فإن أحد أهم عناصر جاذبيته أنه من الدرجات التي يسهل تنسيقها مع ألوان أخرى كثيرة، من دون أن يفقد تأثيره. يمكن تنسيقه مثلاً مع الأسود أو البيج أو الرمادي أو الأزرق الغامق. يمكن أيضاً تنسيق كنزة صوفية بأي درجة من درجاته مع بنطلون جينز بسيط، أو الاكتفاء بمعطف منه أو حقيبة أو حذاء حتى قفازات فقط.