العقوبات الخفيفة بحق المحتكرين تشجعهم على مواصلة ارتكاباتهم

TT

العقوبات الخفيفة بحق المحتكرين تشجعهم على مواصلة ارتكاباتهم

تشكل المواد القانونية ثغرة أساسية في المعركة التي تخوضها القوى الأمنية في لبنان بوجه محتكري المواد الأساسية من محروقات ودواء وحليب أطفال وغيرها من السلع الاستراتيجية التي ضبطت كميات هائلة منها خلال الأسبوعين الماضيين بعد تكثيف حملات الدهم جراء انقطاعها أو شحها في الأسواق ما فاقم الأزمات التي يرزح تحتها المواطن اللبناني.
وخلال الأسبوعين الماضيين كثف الجيش والأجهزة الأمنية الأخرى حملاتها لمكافحة الاحتكار والتهريب، فداهمت العناصر الأمنية محطات الوقود المغلقة وصادرت الكميات المخزنة، فيما استعاد وزير الصحة مؤخراً نشاطه في مداهمة مستودعات أدوية نتج عنها ضبط مستودعات تحوي آلاف العلب المفقودة تماماً من الأسواق.
ودعت مصادر حزب «القوات اللبنانية» في تصريح لـ«الشرق الأوسط» لمحاسبة المحتكرين ولكنها ترى أن المشكلة الأساسية هي «التهريب الذي يغطيه فريق سياسي أساسي ومنظومة متكاملة ترفض رفع الدعم».
ويبدو الحزب «التقدمي الاشتراكي» منسجماً مع موقف «القوات» لجهة أن المشكلة الأساسية تكمن بالتهريب. ويقول النائب عن الحزب بلال عبد الله إن المشكلة تكمن بضعف ووهن الدولة التي لم تواجه التهريب الذي يحصل على معابر شرعية، مستبعداً أن تكون أي قوة سياسية كبيرة تغطي عمليات التهريب الناشطة، مضيفاً لـ«الشرق الأوسط»: «للأسف نحن ندفع ثمن قانون قيصر والعقوبات على سوريا». ويشدد عبد الله على أن المشكلة ليست بنقص القوانين إنما بتطبيقها، لافتاً إلى أن «أي حل يبدأ بوضع حد للمهربين والمافيات الناشطة بين لبنان وسوريا فهي تشكل حلقة متكاملة وما دامت لا توجد على ما يبدو إرادة سياسية وطنية لمعالجة هذا الملف، فسنبقى ندور في حلقة مفرغة».
ويجمع كثيرون على وجوب إدخال تعديلات إلى القوانين اللبنانية لفرض عقوبات قاسية على المحتكرين والمهربين للحد من ارتكاباتهم لأنها بصيغتها الحالية تبدو مشجعة لأعمالهم. ويوضح فارس أبي خليل، رئيس وحدة البحوث في مؤسسة «جوستيسيا» الحقوقية أن جريمة احتكار السلع والمواد يعاقب عليها القانون بغرامة من مليون إلى عشرة ملايين ليرة لبنانية (لا يتجاوز 500 دولار على سعر صرف السوق حالياً)، وبالسجن من عشرة أيام إلى ثلاثة أشهر أو بإحدى هاتين العقوبتين على أن يترافق ذلك مع حجز البضاعة المحتكرة أينما وجدت ومصادرتها كلياً أو جزئياً حسب الحالة، وعند التكرار تضاعف العقوبة. ويعتبر أبي خليل في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «هذه العقوبة خفيفة نسبة لتأثير هذه الجريمة على الأمن الاجتماعي والصحي والغذائي في البلاد». أما بالنسبة لاحتكار الدواء فلا تطبق هذه العقوبات في ظل وجود نص خاص يرعاها وهو قانون مزاولة مهنة الصيدلة الذي ينص في المادة 86 منه على معاقبة احتكارها بالغرامة من 10 ملايين إلى 50 مليون ليرة وبالحبس من سنة إلى ثلاث سنوات أو بإحدى هاتين العقوبتين بالإضافة إلى مصادرة الأدوية لحساب وزارة الصحة العامة وعند التكرار تضاعف العقوبة.
واعتادت الشركات المستوردة تقديم فواتير استيراد الدواء إلى مصرف لبنان لتسديدها، في إطار سياسة الدعم. لكن مع شح الدولار وازدهار عمليات التهريب والاحتكار والتلاعب بالأسعار، بات المصرف يعطي موافقة مسبقة على أن يتم تسديد الفواتير لاحقاً، وهو ما أدى إلى تراكم مستحقات الشركات. وتوقفت الأخيرة تدريجياً عن الاستيراد.
وأدى شح الأدوية إلى ارتفاع ثمنها بشكل كبير جراء انهيار سعر صرف الليرة مقابل الدولار، وتفاقمت معاناة المرضى الذين باتوا بغالبيتهم عاجزين عن توفير علاجاتهم أو تحمل كلفة شرائها.



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.