مطامر النفايات الشاطئية تهدد سلامة المحيطات والصحة العامة

مطامر النفايات الشاطئية تهدد سلامة المحيطات والصحة العامة
TT

مطامر النفايات الشاطئية تهدد سلامة المحيطات والصحة العامة

مطامر النفايات الشاطئية تهدد سلامة المحيطات والصحة العامة

تمثّل مكبّات النفايات العشوائية قنبلة موقوتة تهدد البيئة والصحة العامة، بما تحتويه من مخلّفات خطرة وصناعية وتجارية إلى جانب النفايات المنزلية، وهي تضم في كثير من الحالات نفايات مشعّة وسامّة. واعتماداً على عمر المكب، يمكن أن يحتوي على مواد محظورة حالياً، مثل مركّبات ثنائي الفينيل المتعدد الكلور والأسبستوس، ومواد صعبة التحلل تقع تحت حظر جزئي، مثل البلاستيك.
وتعدّ المواد المحظورة ملوّثات كيميائية تستغرق وقتاً طويلاً للتحلل في البيئة، وهي لا تزال تسبب ضرراً للإنسان والأنواع الحية بعد عدة عقود من حظرها. وخلال الفترة بين ثلاثينات وسبعينات القرن الماضي، جرى إنتاج ما يزيد على مليون طن من ثنائي الفينيل متعدد الكلور الذي استخدم في الأجهزة الكهربائية. وفيما تم إطلاق ثلث هذه الكمية إلى البيئة المحيطة، ما تزال باقي الكمية موجودة في مكبات النفايات القديمة أو مواقع التخزين.
وفي حين أشارت بعض الدراسات إلى أن مركّبات ثنائي الفينيل المتعدد الكلور المنبعثة في البيئة آخذة في التناقص، فإن العديد من الثدييات البحرية تحتوي في أجسامها تراكيز أعلى بكثير من الحدود الآمنة لنظامها المناعي وخصوبتها. ويتوقع بعض العلماء أن يؤدي ذلك إلى انقراض بعض مجموعات الحيتان القاتلة في غضون ثلاثين إلى خمسين سنة مقبلة.
وتزداد المخاطر على سلامة الثدييات البحرية، مع احتمال تسرب هذه المركّبات من مكبّات النفايات القريبة من شاطئ البحر.
وإلى جانب المواد المحظورة، تُعتبَر المعادن الثقيلة من المواد ذات السمّية العالية الموجودة في مكبّات النفايات. وكان تقرير «الحالة البيئية لمياه البحر» في لبنان سنة 2020، أشار إلى أن تراكيز المعادن الثقيلة (الفناديوم، والرصاص، والنحاس، والكادميوم) في الرسوبيات المأخوذة بالقرب من مطامر النفايات القريبة من بيروت غير مقبولة بكل المقاييس البيئية.
ويحذّر تقرير المنتدى العربي للبيئة والتنمية (أفد) عن «الصحة والبيئة في البلدان العربية» من المخاطر المرتبطة بمكبّات النفايات العشوائية التي تقع عادة في أماكن قريبة من التجمعات السكانية. وتتضاعف هذه المخاطر مع اختلاط النفايات البلدية بالنفايات الخطرة الآتية من الأنشطة الصناعية والطبية، مما يزيد من عبء آثارها البيئية.
وتمثّل النفايات والفضلات البلاستيكية في مكبّات النفايات الشاطئية، مع المخلّفات الملقاة على الشواطئ وما يحمله الموج من أماكن بعيدة، ضرراً مادياً مباشراً بالمجتمعات المحلية التي يقوم اقتصادها على السياحة؛ فهي تحط من جمال الطبيعة الساحلية، وتستهلك الموارد لإزالتها والتخلص منها.
ووفقاً لتقرير «توقعات البيئة العالمية» السادس (جيو 6) الذي صدر عن برنامج الأمم المتحدة للبيئة (يونيب) في 2019، تُقدّر كمية النفايات البلاستيكية التي تصل إلى المحيطات سنوياً بنحو 8 ملايين طن. ويحتل العرب مجتمعين المركز الثالث بعد الصين وإندونيسيا في تلويث المحيطات بالنفايات البلاستيكية بحصة تبلغ 8.6 في المائة. وتعدّ المخاطر البيئية والصحية للميكروبلاستيك البحري مجال بحث جديداً نسبياً، وتوجد حالياً درجة من عدم اليقين بأبعاد هذه المشكلة، حيث يشكّل فهم مصير وسمّية المواد البلاستيكية فجوة معرفية كبيرة تستحق اهتماماً خاصاً.
وفيما تمثّل مساحته أقل من 1 في المائة من مجمل مساحة البحار في العالم، يختنق البحر المتوسط بما يعادل 7 في المائة من كمية المواد البلاستيكية الدقيقة التي تغصّ بها المحيطات. ويقدّر تقرير صادر عن خطة عمل البحر المتوسط أن كمية النفايات البلاستيكية التي ترمى فيه تتجاوز 730 طناً يومياً، حيث تمثل ست دول فقط هي تركيا وإسبانيا وإيطاليا ومصر وفرنسا والجزائر مصدراً لثلاثة أرباع هذه الكمية.
ويوجد في أوروبا وحدها ما يقرب من مليون موقع قديم لطمر النفايات، من بينها نحو 10 آلاف موقع على السواحل المعرَّضة لخطر تغيُّر المناخ أو ارتفاع مستوى سطح البحر أو الفيضانات أو التعرية، مع إمكانية إطلاق حمولتها الملوثة مباشرة إلى البيئة البحرية.
وخلال السنوات الماضية، كانت هناك أمثلة كثيرة على حدوث فيضانات كارثية وتآكل في مكبات النفايات القديمة. فعلى سبيل المثال، جرفت الفيضانات مكب نفايات نهر «فوكس» المهجور في تكساس، وأطلقت نفاياته لمئات الكيلومترات على طول الساحل في أعقاب إعصار هارفي سنة 2017.
ومن المتوقع، في ظل سيناريوهات تغيُّر المناخ، أن يزداد تواتر هذه الظواهر المتطرفة. وفي بريطانيا وحدها يمكن أن يتآكل ما يصل إلى 79 مطمراً ساحلياً بحلول سنة 2055. إذا لم يتم الحفاظ على هياكل الحماية ضد أمواج البحر العاتية.
وتفترض الإدارة السليمة للسواحل الأخذ في الاعتبار سلامة مكبّات النفايات القريبة من الشاطئ، وذلك عن طريق فرض الصيانة المستمرة لهياكل الحماية من الأمواج مثلاً، أو اتخاذ تدابير وقائية أخرى، بدلاً من تطبيق الخيارات الأكثر استدامة، كالتراجع المُخطّط للبنى الحضرية، بما فيها المطامر، بعيداً عن الشاطئ، أو استعادة السواحل لإفادة النُظم البيئية والمجتمعات.
ومع ذلك لا تُعتبر هذه الخيارات منخفضة الكلفة، إذ إن توفير الحماية لمكب نفايات شاطئي متوسط الحجم من أمواج البحر، مثلاً، يمكن أن يكلف 200 مليون دولار، فضلاً عن تكاليف الصيانة الدورية، في حين أن نقله بما يحتويه من نفايات إلى مكان بعيد عن الشاطئ قد تصل كلفته إلى مليار دولار.
ونظراً للعدد الكبير من مكبّات النفايات الشاطئية المعرضة لخطر الانجراف إلى البحر حول العالم، لا سيما في ظل التوقعات باستمرار ارتفاع مستوى سطح البحر وزيادة وتيرة وشدّة الفيضانات الساحلية والتآكل، فمن الواضح أن كلفة التصدي لمخاطر هذه المكبّات على البيئة البحرية تبلغ أرقاماً فلكية.
هذه المشكلة المجتمعية طويلة الأمد ستسبب مشاكل كبيرة للأجيال القادمة، إذا تجاهلناها اليوم. لذلك توجد حاجة ماسة لتبني استراتيجيات وطنية وتوفير تمويل سخي. وعلى الصعيد الدولي، يجب أن تكون هناك جهود منسقة لمواجهة هذه المشكلة التي ستترك آثارها على الجميع، بسبب أهمية المحيطات عالمياً وارتباط سلامتها بالصحة العامة.



السعودية تقود حماية الشعب المرجانية عالمياً

رئاسة المبادرة تعزز التزام السعودية بحماية البيئة البحرية والتنوع البيولوجي والأنظمة البيئية (الشرق الأوسط)
رئاسة المبادرة تعزز التزام السعودية بحماية البيئة البحرية والتنوع البيولوجي والأنظمة البيئية (الشرق الأوسط)
TT

السعودية تقود حماية الشعب المرجانية عالمياً

رئاسة المبادرة تعزز التزام السعودية بحماية البيئة البحرية والتنوع البيولوجي والأنظمة البيئية (الشرق الأوسط)
رئاسة المبادرة تعزز التزام السعودية بحماية البيئة البحرية والتنوع البيولوجي والأنظمة البيئية (الشرق الأوسط)

تولّت السعودية رسمياً رئاسة المبادرة العالمية للشعب المرجانية (ICRI) في دورتها الرابعة عشرة، لتقود جهود حمايتها على الصعيد العالمي لفترة تمتد لثلاث سنوات، وذلك خلفاً للحكومة الأميركية.

ويعكس هذا الإنجاز خطواتها الملموسة التي اتخذتها في جهود المحافظة على الشعب المرجانية محلياً وإقليمياً ودولياً، حيث جرى اختيارها بعد تصويت أعضاء المبادرة بالإجماع خلال الاجتماع العام الثامن والثلاثين الذي استضافته جدة خلال سبتمبر (أيلول) الماضي.

وشهدت مراسم التسليم الافتراضية مشاركة شخصيات دولية بارزة، بينهم المبعوث الأممي لشؤون المحيطات السفير بيتر تومسون، وممثلين عن الاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة، وبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، والإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي، ووزارة الخارجية الأميركية، ومنظمات دولية ذات الصلة.

وتجسّد رئاسة السعودية هذه المبادرة الثقة الدولية الممنوحة لها في قيادة جهود المحافظة على الشعب المرجانية والأنظمة البيئية المرتبطة بها، كما تؤكد على سعيها للريادة في الأنشطة البيئية بما يتماشى مع «رؤية 2030»، وخططها الطموحة لتنويع الاقتصاد.

ويتماشى هذا الإنجاز مع بدء تنفيذ السعودية للاستراتيجية الوطنية لاستدامة البحر الأحمر التي أعلن عنها مؤخراً الأمير محمد بن سلمان ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، حيث تركز على حماية النظم البيئية الفريدة، وإنشاء اقتصاد أزرق مستدام.

وتُعد الشعب المرجانية موطناً لنحو 25 في المائة من التنوع البيولوجي البحري عالمياً، وتسهم اقتصادياً بما يقدر بـ9.9 تريليون دولار سنوياً من السلع والخدمات البيئية، مما يعكس أهميتها البيئية والاقتصادية.

وتضم المبادرة 102 عضو، بما في ذلك 45 دولة تحتضن 75 في المائة من الشعب المرجانية على مستوى العالم. وستتولى «مؤسسة المحافظة على الشعب المرجانية والسلاحف في البحر الأحمر» تمثيل السعودية في هذا الدور القيادي والتاريخي.

وتحت قيادة السعودية، سيعمل الأعضاء على تطوير خطة عمل للفترة 2025 - 2027؛ التي تهدف لتوسيع العضوية لتغطي 90 في المائة من الشعب المرجانية عالمياً، ودمج إدارتها في السياسات العالمية، وتعزيز الاستراتيجيات الوطنية للتنوع البيولوجي.

وتشمل الأولويات الرئيسية تعزيز الاقتصاد الأزرق، وتحسين مراقبة الشعب المرجانية باستخدام تقنيات مبتكرة، بما في ذلك الذكاء الاصطناعي، والاستفادة من نتائج التقرير المرتقب «حالة الشعب المرجانية في العالم: 2025».

كما تتضمن المبادرات الأخرى إطلاق استراتيجية «الجيل الناشئ»، وتعزيز التعاون في مناطق البحر الأحمر، وجنوب آسيا، وشرق أفريقيا، وزيادة الوعي العالمي من خلال فعاليات رئيسية، مثل مؤتمر الأمم المتحدة للمحيطات.

من جانبه، أكد الدكتور خالد الأصفهاني الرئيس التنفيذي للمؤسسة رئيس المبادرة، أن القيادة السعودية أولت الشعب المرجانية في البحر الأحمر اهتماماً خاصاً، الذي تجسّد في رؤيتها بإنشاء أول مؤسسة حكومية عالمية متخصصة في المحافظة عليها، والتي ترجمت هذا الاهتمام إلى واقع ملموس بما تحتويه من كفاءات وخبرات استثنائية، ودعم القيادة لها.

وأوضح أن تولّي السعودية الرئاسة يجسّد ثقة المجتمع الدولي بما تقوم به من خطوات فعالة في المحافظة على البيئة، والتزامها الراسخ بمستقبل مستدام للشعاب المرجانية عالمياً.

وأضاف: «من خلال هذا الدور القيادي، ستسعى المملكة إلى تطوير ممارسات إدارة أنظمة المحافظة على الشعب المرجانية، بناءً على السياسات والعلوم والابتكار والتعاون لدعم المبادرات الوطنية والدولية».

وتابع الأصفهاني: «هدفنا ضمان استدامة هذه النظم البيئية الحيوية للأجيال القادمة، مع الحفاظ على إسهاماتها القيمة في دعم الاقتصاد العالمي».

بدوره، أشاد السفير بيتر تومسون، بكلمة الرئاسة السعودية، وقال في مقطع فيديو نشرته المؤسسة، إن «المملكة تسعى لتعزيز وتفعيل التعاون الدولي، وتسريع الجهود للحفاظ على هذه النظم البيئية الحيوية».